إعدام تأميم النفط العراقي !
Sunday, 18 March 2007
حياة الحويك عطية
في عام 1991 قال جان بيير شفينمان ، في كتابه عن حرب الخليج : عندما قال لي صدام حسين بأنه لا يتوقع الحرب ، فهمت انه لا يدرك حجم الحقد الانكلوساكسوني عليه بسبب تأميم النفط .
في عام 1999 صرح ديك تشيني ، في لندن – وهو يومها رئيس لهاليبرتون، قائلا : في عام 2010 سنكون بحاجة إلى 50 مليون برميل إضافي يوميا ، والشرق الأوسط بما يحتويه من احتياطي وبكلفته الرخيصة هو المكان الحل .
وقبل أسبوع كتب الباحث السياسي بيير اسكوار في صحيفة آسيا تايم: الآن يستطيع الرئيس الأمريكي جورج بوش ونائبه ديك تشيني القول بان الحرب قد حققت غايتها ، فبعد مليار دولار من النفقات ونصف مليون قتيل عراقي صادقت حكومة نوري المالكي على قانون النفط الذي ينص على أن ثروة العراق النفطية المقدرة 115 مليار برميل ، ستوضع تحت إمرة هيئة غائمة أطلق عليها اسم " المجلس الفيدرالي للبترول والغاز " وهو مجلس تسيطر عليه الشركات الأمريكية والبريطانية ، وليس هذا القانون في واقع الأمر إلا تشريع نهب الثروة العراقية ، وإعدام قانون التأميم لعام 1972 ، والتحول إلى عملية خصخصة تعطي الأجنبي ما يصل إلى 75 بالمئة من الأرباح النفطية . وتضع 56 حقلا من اصل الحقول الثمانين الموجودة الآن، تحت تصرف شركات بيغ اويل الأمريكية.
وذاك ما وصفته صحيفة الاندبندنت البريطانية : ب " الملكية الاسمية " حيث أن النفط ستظل اسميا ملك العراق لكنه لن يملك التصرف ببرميل واحد منه إلا وفق خطط الهيئة التي تسيطر عليها الشركات الأمريكية . خاصة وان رئيس اللجنة المكلفة بمساعدة العراق هو رئيس شركة شل ، وإذا ما تغير يوما فسيكون رئيس شركة أخرى بالتناوب . وهو نظام يدخل لأول مرة إلى ساحة الشرق الأوسط ن حيث لا يطبق على أية دولة من الدول النفطية العربية وإيران .
وإذا ما أضفنا إلى ذلك واقع الفساد الإداري المستشري في الإدارة العراقية ، وحاجة الأمريكيين والشركات لان تسكت عنه مقابل الوجبة الدسمة التي حصلت عليها ، فان الخمسة والعشرين بالمئة التي ستبقى للعراق ، لن يصل منها إلى المواطنين ، والى مشاريع التنمية في البلاد إلا الفتات القليل ، الذي سيحول بلاد ما بين النهرين من بلد كان يقف على أعتاب المرحلة الصناعية ، وتجاوز عتبة العالم الثالث إلى بلد فقير أشبه بجزر القمر .
ولا تقتصر خطورة المشروع على الجانب الاقتصادي ، بل إنها تتعدى ذلك إلى تأسيس تقسيم العراق ، حيث ستوزع الهيئة المذكورة العائدات المتبقية ، مباشرة، على المناطق الجنوبية والشمالية والوسطى بحيث تحول العراق واقعيا إلى ثلاث دويلات صغيرة .
وقد عمل السفير زلماي خليل زاده حثيثا لطمأنة الأكراد ، خاصة بعد الاحتجاجات الحادة التي أطلقها اللمثل الاعلى للاكراد في واشنطن ( وهو ابن جلال الطالباني ) بحيث أعطوا الحق في توقيع اتفاقيات مباشرة مع الشركات ، بينما يخضع الوسط كليا لسيطرة وزارة النفط ، ويبقى الجنوب بين الاستقلال النفطي والعلاقة المحددة بحكومة بغداد ، في حين ترتفع فيه دعوات عبد العزيز الحكيم إلى إقامة دولة شيعستان ، ويوزع حزب الفضيلة بيانات تهدد الأكراد والسنة من أنهم اذا استمروا في إعاقة العملية السياسية ، فان الشيعة سيضعون يدهم على العائدات النفطية ، كما تحرض الشيعة على التحرك ضد الخصخصة والقمع والفقر . ويقول الشيخ صباح السعدي : على الأكراد والأحزاب السنية الصدامية أن يعرفوا أننا نستطيع أن نحرمهم من النفط ونحن نملك 90 بالمئة من ثروة البلاد. غير أن هذا التنافس يبدو مضحكا مؤلما لان ما من اتفاق أو تعديل يمكن أن يمر بدون موافقة الهيئة المذكورة وخبرائها الأمريكيين .
ولا شك في أن مجلس النواب الصوري سيصادق على القانون كما هو ، خاصة وان المناقشة غير واردة ، حيث انه اعد على يد شركة استشارية أمريكية ، ومن ثم وضعت الشركات الكبرى ، بيغ اويلز ، لمساتها الأخيرة عليه، كما فعل ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي يرأسه الان بول وولفويتز الذي كان من أهم مهندسي الحرب على العراق ، بحيث لقب بصاحب هاجس العراق ، ولعلنا الآن نفهم لماذا أصرت الإدارة الأمريكية على وضعه على راس البنك الدولي . وأخيرا منظمة يو ايس ايد التابعة مباشرة للبنتاغون . وجدير بالذكر أن القانون قد كتب بالانكليزية ولم يكلف القائمون عليه أنفسهم عناء الترجمة .
والمصيبة الكبرى في الأمر ان الرأي العام العراقي لم يوضع في الصورة الحقيقية لما يجري ، ولمخاطر القانون، إما لان العديد من النواب هم من الجهلة ، وإما لان من يعرف هم قبضة من التكنوقراط والسياسيين العملاء والفاسدين التابعين للاحتلال ، هذا عدا عن كون الوزارات العراقية اقطاعيات اتنية أو طائفية لا تشغلها إطلاقا المصلحة الوطنية الموحدة. بل إن كلا منها تسعى إما إلى المشاركة في حصتها من فتات النهب وإما إلى الإفادة من القانون لتفعيل مشروع التقسيم .
و إلا فان قانونا بهذه الخطورة لا بد وان يعرض على الاستفتاء الشعبي بعد حملة توضيح إعلامية تفصيلية ، لكن كون البلد محتلا يلخص القصة كلها ويفسر كل ما يجري ، فالاحتلال لم يأت إلا لهذا .
لا شك في أن الشركات الآن تعيش عيدها الكبير خاصة وان الجميع قد اخذ نصيبه بمن فيهم الصينيين والروس ، فالعراق يملك سبعين حقلا ما تزال قابلة للتطوير وزيادة الإنتاج ، أضف إلى ذلك الصحراء الغربية التي لم تجر فيها عمليات التنقيب بعد ، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كلفة البرميل العراقي لا تبلغ إلا دينارا واحدا ، في حين يباع بستين ، وان مدة الاتفاقية ثلاثين سنة لأدركنا أية صفقة رهيبة، أية جريمة هي التي تقترف .
ولكن هل ستترك المقاومة العراقية بلادها تنهب هكذا ؟ هل سيتمكن بوش وتشيني من التلذذ بالكعكة العراقية ، أم سيغصان بها ؟
لعل إقرار وزير النفط العراقي بحجم العمليات التي استهدفت النفط عام 2005 ، أي قبل أن تكون المقاومة قد تنامت كما هي اليوم ، وقبل إقرار القانون يشكل دلالة كبيرة : 186 هجوما ضد الأنابيب النفطية ، ذهب ضحيتها 47 مهندس وتقني و91 حارس . أما الخسائر فهي : 400 مليون ضد الحقول النفطية ، 2 مليار ضد الأنابيب ، 12 مليون ضد الأنابيب التي تصل الآبار بالمصافي و3 مليار ضد أنابيب التصدير الخارجي .
كما أن عاملا ثانيا سيلعب دوره وهو موقف السعودية وإيران فالأولى لا تنظر بعين الرضى إلى هجوم الإنتاج العراقي على سوق النفط لأنه سيجبرها على تخفيض إنتاجها ، والثانية تعول كثيرا على هيمنتها على المناطق النفطية في جنوب العراق ، مما يفسر تحركات كثيرة ضد القانون هناك ، تحركات ستلتقي فيها ولأول مرة القوى المقاومة للاحتلال ، مع القوى التي تحركها إيران . وقد عقد فعلا فنيو ومهندسو النفط في الجنوب مؤتمرا في البصرة وأعلنوا مقاطعة الشركات ، كما حذروها من أن الذين سيوافقون على هذا القانون إن هم إلا نخبة من العملاء يسعون إلى تقديم ثروة البلاد إلى أسيادهم ، مقابل فتات يحصلون عليه وضمان بقائهم في السلطة . كما ذكروا بان 85 بالمئة يصدر عبر البصرة والموانىء الجنوبية ، فيما يعتبر تهديدا مضمرا بمواجهات قادمة في هذه المناطق. إضافة إلى اعتماد توزيع عائدات النفط على المناطق وفق عدد سكانها لن يكون مرضيا لهؤلاء .
فهل ستكون هنا بداية مرحلة جديدة من حرب النفط الخفية في المنطقة ؟
لمن أراد الإطلاع على نسخة من القرار المجرم:
http://www.archive.org/download/AlGhadIraq...as_Law_2007.pdf
http://www.al-ghad.org/wordpress/wp-conten...aqi_oil_law.pdf