عملية دكتور زيفاجو!
مها عبد الرءوف
بعد ما يقرب من خمسين عاما من حصول الأديب الروسي الكبير بوريس باسترناك علي جائزة نوبل في الآداب عن مجمل أعماله التي توجها بروايته الشهيرة دكتور زيفاجو، تسربت مؤخرا وبشكل سري بعض الوثائق الخاصة بوكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي آيه وجهاز الاستخبارات البريطاني تؤكد أن حصول الأديب الروسي علي هذه الجائزة الرفيعة لم يكن يهدف إلا علي فضح الكرملين الذي كان قد سبق ومنع نشر الرواية المذكورة.
وقد تم الكشف عن هذه الوثائق التي تؤكد هذه المعلومة في كتاب ظهر مؤخرا للباحث والمؤرخ الروسي الشهير ايفان تولستوي قال فيه إن عملاء من السي أي إيه قاموا بعملية خاصة كانت تهدف أساسا إلي نشر طبعة من رواية دكتور زيفاجو باللغة الروسية بحيث تستوفي هذه الطبعة كافة الشروط والمتطلبات التي تحددها مؤسسة نوبل لكي تعتبر أن عملا أدبيا ما مكتوب بلغته الأصلية. ويقول في كتابه الذي يحمل عنوان The laundered novel او "الرواية المغسولة":"ليس لدي أدني شك في أن وكالة الاستخبارات الأمريكية اضطلعت بدور أساسي في سبيل فوز باسترناك بالجائزة".
ومن المعروف ان الرواية التي خلدها فيما بعد فيلم المخرج دافيد لين الذي حمل نفس الاسم وحصل عنه لين علي خمس جوائز أوسكار ظهرت للمرة الأولي عام 1957 في ميلانو.وتدور أحداثها حول القصة المأساوية للطبيب والشاعر الدكتور يوري زيفاجو وحب حياته لارا في سلسلة من الأحداث تتخذ من الثورة البلشفية خلفيتها الأساسية.غير أن الرواية منعت من الظهور في الاتحاد السوفيتيحينذاك _ وحتي عام 1987 ،وهو ما دفع باسترناك إلي إرسال نسخ عديدة منها مكتوبة بخط اليد باللغة الروسية إلي العديد من أصدقائه في الغرب.
ويكشف الباحث والمؤرخ تولستوي في كتابه للمرة الأولي عن محتوي خطاب كتبه عميل سابق في السي أي إيه يصف فيه تفاصيل العملية التي كانت الوكالة تعتزم تنفيذها لنشر الكتاب وفضح الكرملين .ويقول العميل الأمريكي في خطابه إن عناصر من السي أي إيه قاموا _بمساعدة عملاء آخرين من الاستخبارات البريطانية _ بسرقة إحدي تلك النسخ المشار إليها من علي متن الطائرة التي كانت يسافر عليها أحد الأشخاص الذين كلفهم الكاتب الروسي بنقل نسخة من روايته إلي أحد هؤلاء الأصدقاء في الغرب .
ويشير الخطاب إلي أن الطائرة اجبرت علي التوقف في مالطا،وبينما كان الركاب ينتظرون في مطار مالطا لمدة زادت عن ساعتين قام عملاء السي آي إيه بإخراج النسخة من حقيبة الراكب المذكور ونجحوا في تصويرها كاملة ثم اعادوها إلي الحقيبة دون ان يكتشف أحد الأمر،وعلي إثر نجاح الجزء الأول من العملية مضي الجهاز الاستخباراتي الأول في العالم قدما في تنفيذ الشق الثاني حيث تولت السي آي إيه مهمة نشر الرواية باللغة الروسية في أوروبا والولايات المتحدة علي نحو متزامن.
ويمضي الباحث والمؤرخ الروسي في سرد تفاصيل العملية السرية فيقول:" لقد كانوا في شدة الحرص علي استخدام نوع من الوراق بعيد كل البعد علي ان يكون مصنوعا في أية دولة غربية، كما حرصوا علي استعمال حروف خاصة كثيرة التداول في روسيا بالإضافة إلي أنهم طبعوا فصول الرواية في أماكن مختلفة ليتجنبوا أن تقع في يد أشخاص وصفوا بغير الملائمين".
ويضيف كتاب الرواية المغسولة الذي يسعي صاحبه لأن يحظي بالنشر في اكبر عدد من الدول لفضح هذه الواقعة علي اوسع نطاق إنه في تلك الفترة شعر الكثير من أعضاء الأكاديمية السويدية المعنية باختيار مرشحي نوبل بدهشة عارمة إذا وجدوا عددا كبيرا من نسخ رواية دكتور زيفاجو باللغة الروسية ينهال عليهم في نفس الوقت الذي كانوا يفكرون فيه في إدراج باسترناك إلي قائمة مرشحي الحصول علي الجائزة عام 1958 .
وبعد يومين من علمه بنبأ حصوله علي الجائزة أرسل الكاتب الروسي برقية إلي الأكاديمية قال فيها :" إنني أتقدم لكم بجزيل الشكر وأشعر بالكثير من التأثر والفخر في نفس الوقت الذي يغمرني فيه التواضع".غير أنه بعد أربعة أيام من هذه البرقية ،وإثر ضغوط هائلة من جانب الكرملين كان علي باسترناك أن يرسل برقية أخري إلي الأكاديمية قال فيها:" أجد نفسي مضطرا لرفض هذه الجائزة غير المستحقة التي منحتموني إياها وأرجوكم إلا تستقبلوا رفضي هذا علي نحو سيء فهو غير إرادي بالمرة".
والمعروف ان باسترناك كان مطاردا بشكل دائم من جانب جهاز الاستخبارات الروسي الشهير _حينئذ الكي جي بي ،كما أنه كان مهددا بشكل دائم بالطرد خارج روسيا.حتي أنه بعد وفاته عام 1960 أمر الكرملين باعتقال حبيبته أولجا ايفانسكافا والتي كانت بدورها ملهمته لشخصية لارا .وقد وجهت إلي ايفانسكافا وابنتها اتهامات تتعلق بحصولهما بشكل غير قانوني علي حقوق نشر رواية دكتور زيفاجو في الخارج.وقد تلقت أولجا ايفانسكافا حكما بثمان سنوات من العمل الإجباري في سيبيريا ،فيما أدينت ابنتها بثلاث سنوات. إلا أن الضغوط وحملات الاحتجاج التي انطلقت علي الصعيد الدولي قد ساعدت علي الإفراج عنها بعد قضاء نصف المدة فقط.
ونقل كتاب "الرواية المغسولة " عن يفجيني باسترناك ابن الكاتب الروسي قوله :" إن والدي لم يكن له أي دخل ولم يشارك علي الإطلاق في نشر النسخة الروسية من دكتور زيفاجو ،كما لم يكن لديه أي علم باهتمام الاستخبارات الأمريكية بروايته ". وأضاف يفجيني الذي قبل عام 1989 تسلم الجائزة نيابة عن والده :" إنه لم يكن ينتظر أبدا أن يحصل علي الجائزة ،وللأسف فإن حصوله عليها لم يجلب له سوي سلسلة من الآلام والمعاناة".
المصدر
بحث
قائمة الأعضاء
التقويم
وثائق المساعدة
/
كيف دبرت ال (CIA ) منح باسترناك جائزة نوبل ?
