الأمام الشافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
اسمه : محمد بن إدريس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن عبد مناف بن قصي , القرشي المطلبى .
قبل ميلاده : قال محمد بن عبد الحكم إن أم الشافعي لما حملت به رأت كأن المشترى خرج من بطنها وانقض فوقع منه في كل مكان شظية , فقال لها المعبر : إنه يخرج منك عالم عظيم .
ميلاده : ولد سنة خمسين ومائة بغزة ,وقيل : باليمن , وقيل : بعسقلان , وقيل ولد : بمنى . ويروى أنه ولد في السنة التي توفي بها الإمام أبو حنيفة النعمان . وقيل إنه ولد يوم مات .
جده: كان جده الرابع وهو السائب من الصحابة وشهد بدرا وكان حامل لرايات بني هاشم (العقاب) وراية الرؤساء وحملها بدلا من أبي سفيان نظرا لتغيبه في العير فحملها السائب لشرفه , وأسر السائب يوم بدر وفدى نفسه , ثم أسلم . ونذكر أن شافع رأى النبي صلى الله عليه وسلم – وهو مترعرع- .
أمه : لقد اختلفت أمهات الكتب فيها فمنها من أورد أنها أزدية ومنها من أورد أنها فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبى طالب – رضي الله عنه - .
صفته : ورد في نور الأبصار : كان رضي الله عنه طويلا سائل الخدين قليل لحم الوجه طويل العنق طويل القصب أسمر خفيف العارضين يخضب لحيته بالحناء حمراء قائنة حسن الصوت حسن السمت عظيم العقل حسن الوجه حسن الخلق مهيبا فصيحا .. كذا ووصفه ابن صلاح .
حياته : مات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه فنشأ
بها . وكان رضي الله عنه منذ نعومة أظافره نابغة فكانت والدته لا تجد أجرة المعلم وبالتالي كان لا يهتم المعلم بتعليمه إلا القليل وكان الشافعي يستوعبه فورا بل ويعلمه لزملائه الصبيان , فوجد المعلم أن الشافعي يكفيه أمر الصبيان فتنازل عن الأجرة مقابل ذلك . والشافعي .. قرأ القرآن وهو ابن سبع سنين , وحفظ الموطأ وهو ابن عشرة , وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة .
قال الشافعي : لما ختمت القرآن دخلت المسجد , فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث , أو المسألة وكان منزلنا بمكة في شعب الخفيف , وكنت فقيرا بحيث ما أملك أن أشترى القراطيس (الورق ) , فكنت آخذ العظم وأكتب فيه . وكان في أول الأمر تفقه علي يد مسلم بن خالد الزنجي .. وأذن له بالإفتاء والتدريس . وقد تعلم الشافعي لغات العرب وفصاحتهم .. وقرأ الموطأ لمالك بعدما استعاره من رجل بمكة فأعجبه جدا وحفظه .
قال الشافعي : فوقع في قلبي أن أذهب .. ثم قدمت المدينة فدخلت عليه – مالك – فقلت : أصلحك الله إني رجل مطلبي من حالتي , وقصتي كذا وكذا , فلما سمع كلامي نظر إلى ساعة وكان لمالك فراسة .
فقال لي : ما أسمك ؟
فقلت: محمد
فقال : يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي , فإنه سيكون لك شأن .
فقلت : نعم وكرامة .
فقال : إن الله – تعالي – ألقي علي قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية . ثم قال : إذا كان الغد
تجئ نقرأ لك الموطأ .
فقلت : إن أقرأه من الحفظ ورجعت إليه من الغد , وابتدأت بالقراءة وكلما أردت قطع القراءة خوفا من ملاله أعجبه حسن قراءتي فيقول : يافتى زد حتى قرأته في أيام يسيرة ثم أقمت بالمدينة إلى أن توفي مالك رضي الله عنه ويقال عن الشافعي حفظ الموطأ في تسع ليالي . وقد روى ابن أبي حاتم عن أبي بشر الدولابي عن محمد بن إدريس وراق
الحميدي عن الشافعي أنه ولي الحكم بنجران من أرض اليمن , ثم تعصبوا عليه ووشوا به إلى الرشيد أنه يروم الخلافة فحمل علي بغل في قيد إلى بغداد فد خلها في سنة أربع وثمانين ومائة وعمره ثلاثون سنة . فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد , وأحسن القول فيه محمد بن الحسن , وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه
, وأنزله محمد بن الحسن عنده . وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة , وقيل بسنتين ,وأكرمه محمد بن الحسن وكتب عنه الشافعي وقر بعير , ثم أطلق له الرشيد ألفى دينار , وقيل خمسة آلاف دينار . وعاد الشافعي إلى مكة ففرق عامة ما حصل له في أهله وذوى رحمه من بني عمه , ثم عاد الشافعي إلى العراق في سنة خمس وتسعين ومائة , فأجتمع به جماعة من العلماء هذه المرة منهم : أحمد بن حنبل وأبو ثور والحسين بن علي الكرابيسي , والحارث بن شريح البقال , وأبو عبد الرحمن الشافعي , والزعفراني وغيرهم ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة . ثم انتقل منها إلى مصر فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة سنة أربع ومائتين , وصنف بها كتابه الأم وهو من كتبه الجديدة لأنها من رواية الربيع بن سليمان وهو مصري وقد زعم إمام الحرمين وغيره أنها من القديم وهذا عجيب .
مكانة الشافعي بين العلماء :
كان للشافعي رضي الله عنه مكانه عاليه بين العلماء وأهل زمانه ومن بعدهم حتى يومنا هذا وفيما بعد.
وعن الشافعي كان أحمد بن حنبل يقول في الحديث الذي رواه أبو داود من طريق عبد الله بن وهب عن سعيد بن أبى أيوب عن شرا حيل بن يزيد عن أبى علقمة عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها .)) قال: فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى والشافعي على رأس المائة الثانية .
وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوا من أربعين سنة . قال عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه : أي الرجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر الدعاء له ؟ فقال : يابني كان الشافعي كالشمس في النهار , وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف أو عنهما عوض ؟ وقال أحمد بن حنبل : ما أعلم أحدا أعظم منه علي الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي , إني لأدعو له في أدبار الصلوات اللهم أغفر لي ولوالدي ولابن إدريس الشافعي . قال داود بن علي الظاهري في كتاب جمعه في فضائل الشافعي : للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره , من شرف نسبه , وصحة دينه ومعتقده , وسخاوة نفسه , ومعرفته بصحة الحديث وسقمه وناسخه ومنسوخة ,وحفظه الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء , وحسن التصنيف , وجودة الأصحاب والتلاميذ .
قال أبو ثور : ما رأينا مثل الشافعي ولا هو رأى مثل نفسه .
وسئل محمد بن إسحاق بن خزيمة : هل سنة لم تبلغ الشافعي ؟ فقال : لا . ومعنى هذا أنها وصلته بجميع حالتها بسندها , مرسلة , ومنقطعة .
وقد كان الشافعي من أعلم الناس بمعاني القرآن والسنة , وأشد الناس نزعا للدلائل منهما ,وكان من أحسن الناس قصدا وإخلاصا . وكان الشافعي رضي الله عنه أول من صنف أصول الفقه وأبوابه المتعارف عليها للآن.
ورد في إسعاف الراغبين : كان رضي الله عنه إمام الدنيا وعالم الأرض شرقا وغربا ,وجمع الله له من العلوم والمفاخر وكثرة الأتباع لا سيما في الحرمين والأرض المقدسة وهذه الثلاثة أفضل ما علي الأرض ما لم يجمع لإمام قبله ولا بعده , وانتشر له من الذكر ما لم ينتشر لأحد سواه , ولذلك حمل عليه حديث(( عالم قريش يملأ طباق الأرض علما قال الإمام أحمد وغيره : هذا العالم هو الشافعي , لأنه لم يحفظ لقرشي من انتشار علمه في الآفاق ما حفظ للشافعي .
وعن هذا الحديث ورد في البداية والنهاية : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا جعفر بن سليمان عن نصر بن معبد الكندي – أو العبدي – عن الجار ود عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (لاتسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما , اللهم إذ أذقت أولها عذابا ووبالا فأذق آخرها نوالا )) وهذا غريب من هذا الوجه . وقد رواه الحاكم في مستدركه عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفرايني : لا ينطبق هذا إلا علي محمد بن إدريس الشافعي.حكاه الخطيب .
وقال يحيى بن معين عن الشافعي : هو مصدق لا بأس به .
وقال مرة : لو كان الكذب له مباحا مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب .
وقال ابن أبى حاتم : سمعت أبى يقول : الشافعي فقيه البدن , صدوق اللسان .
وحكي بعضهم عن أبي زرعة أنه قال : ماعند الشافعي حديث غلط فيه , وحكي عن أبى داود نحوه.
وقد أثني على الشافعي غير واحد من كبار الأئمة منهم عبد الرحمن بن مهدي وسأله أن يكتب له كتابا في الأصول فكتب له الرسالة , وكان يدعو له في الصلاة دائما . وشيخه مالك بن أنس وقتيبة بن سعيد . وقال : هو إمام , وسفيان ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان , وكان يدعو له أيضا في صلاته , وأبو عبيد , وقال : ما رأيت أفصح ولا أعقل ولا أروع من الشافعي .
وقيل عنه أيضا : أن مذهبه أعدل المذاهب , وأفقهها بالسنة التي هي أعدل الملك .
من أقوال الإمام الشافعي
قال رضي الله عنه لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد .
كما قال في الكلام أيضا : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في القبائل وينادي عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام .
وقال رضي الله عنه : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشئ من الأهواء .
وقال رضي الله عنه : ليس العلم ما حفظ إنما العلم ما نفع .
وقال رضي الله عنه : ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة .
قال رضي الله عنه : لا تخرج من علم إلى غيره حتى تحكمه فإن ازدحام الكلام السمع مضلة في الفهم .
قال رضي الله عنه : زينة العلماء التقوى , وحليتهم حسن الخلق , وجمالهم كرم النفس .
قال رضي الله عنه : طلب فضول الدنيا عقوبة يعاقب الله بها أهل التوحيد .
قال رضي الله عنه : من شهد في نفسه الضعف نال الاستقامة .
قال رضي الله عنه : من أحب أن ينور الله قلبه فعليه بالخلوة , وقلة الأكل وترك مخالطة السفهاء , وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف و لا أدب .
قال رضي الله عنه : ما نظرت أحدا إلا أحببت أن يظهر الله الحق على يديه .
قال رضي الله عنه : الانبساط إلى الناس مجلبة للقرناء السوء , والانقباض عنهم مكسبه للعداوة فكن بين منبسط ومنقبض .
قال رضي الله عنه : لا تتكلم إلا فيما يعينك فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها .
قال رضي الله عنه : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه , ومن وعظه جهرا فقد فضحه وشانه.
قال رضي الله عنه: من صدق في أخوة أخيه قبل عمله وغفر زله
قال رضي الله عنه : لا تقصر في حق أخيك اعتمادا علي مودته .
قال رضي الله عنه : لا سرور يعدل صحبة الإخوان ولا غم يعدل فراقهم .
قال رضي الله عنه : صحبة من لا يخاف العار عار .
قال رضي الله عنه: من عشر الكرام صار كريما . ومن عاشر اللئام نسب للؤم .
قال رضي الله عنه : من برك فقد أوثقك , ومن جفاك فقد أطلقك .
قال رضي الله عنه : الكريم من راعى وداده لحظه , وانتمى لمن أفاده لقطة. واللئيم من إذا ارتفع جفا أقاربه , وأنكر معارفه , ونسى فضل معلمه .
قال رضي الله عنه : التواضع يورث المحبة , والقناعة تورث الراحة .
قال البويطي : سمعت الشافعي يقول : عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا .
وقال : إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله وسلم جزاهم الله خيرا , حفظوا لنا الأصل , فلهم علينا الفضل .
وقال رضي الله عنه : القرآن كلام الله غير مخلوق . ومن قال مخلوق فهو كافر .
ومن حكمه : قال البيهقي عنه : أنه لا يستنكف من الأخذ به إذا ظهر على يد غيره بخلاف خصمه فإنه قد لا يأخذ به إذا ظهر على يد غيره.
كرم الشافعي رضي الله عنه:
قال الحميدي : قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف في منديل فضرب خباءه خارجا من مكة , فكان الناس يأتونه فما برح حتى ذهبت كلها , ثم دخل مكة .
قال المزني : مارأيت أكرم من الشافعي خرجت معه ليلة عيد من المسجد وأنا أذاكره في مسألة حتى أتيت باب داره فاتاه غلام بكيس , فقال له : سيدي يقرئك السلام ويقول لك :
خذ هذا الكيس , فأخذه منه فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ولدت امرأتي الساعة , وليس عندي شئ فدفع إليه الكيس , وصعد وليس معه شئ .
تواضعه :
كان يقول رضي الله عنه وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلى شئ منه أبدا فأوجد عليه ولا يحمدوني .
قال الشافعي رضي الله عنه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم . فقال لي : (( يا غلام ممن أنت ؟)) فقلت : منك , فقال : (( ادن مني )) فدنوت منه , فأخذ بريقه من ريقه وفتحت فمي فأمر من ريقه على لساني وفمي وشفتي , وقال : (( امش بارك الله فيك )) .
وقال أيضا : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في زمن الصبا بمكة رجلا ذا هيئة يؤم الناس في المسجد الحرام , فلما فرغ من صلاته أقبل على الناس يعلمهم فدنوت منه , فقلت له : علمني , فأخرج ميزانا من كمه فأعطاني , وقال : (( هذا لك )) فعرضت الرؤيا على المعبر فقال: إنك تصير إماما في العلم وتكون على السنة , لأن إمام المسجد الحرام أشرف الأئمة وأما الميزان فإنك تعلم حقيقة الشئ في نفسه .
وفاته
قال المزني : دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت : كيف أصبحت , قال : أصبحت من الدينا راحلا , ولإخواني مفارقا , ولكأس الموت شاربا ولسوء أعمالي ملاقيا , وعلى الله واردا , فلا أدرى : روحي إلى الجنة تصير فأهنيها أو إلى النار فأعزيها .
توفي الشافعي رضي الله عنه بمصر يوم الخميس , وقيل عصر الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين وعمره أربع وخمسون سنة .
بعد وفاته رضي الله عنه
قال أحمد بن حنبل : رأيت الشافعي في المنام فقلت : يا أخي ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي , وتوجني , وزوجني , وقال : هذا بما لم تره أرضيتك , ولم تتكبر فيما أعطيتك .
اسمه : محمد بن إدريس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن عبد مناف بن قصي , القرشي المطلبى .
قبل ميلاده : قال محمد بن عبد الحكم إن أم الشافعي لما حملت به رأت كأن المشترى خرج من بطنها وانقض فوقع منه في كل مكان شظية , فقال لها المعبر : إنه يخرج منك عالم عظيم .
ميلاده : ولد سنة خمسين ومائة بغزة ,وقيل : باليمن , وقيل : بعسقلان , وقيل ولد : بمنى . ويروى أنه ولد في السنة التي توفي بها الإمام أبو حنيفة النعمان . وقيل إنه ولد يوم مات .
جده: كان جده الرابع وهو السائب من الصحابة وشهد بدرا وكان حامل لرايات بني هاشم (العقاب) وراية الرؤساء وحملها بدلا من أبي سفيان نظرا لتغيبه في العير فحملها السائب لشرفه , وأسر السائب يوم بدر وفدى نفسه , ثم أسلم . ونذكر أن شافع رأى النبي صلى الله عليه وسلم – وهو مترعرع- .
أمه : لقد اختلفت أمهات الكتب فيها فمنها من أورد أنها أزدية ومنها من أورد أنها فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبى طالب – رضي الله عنه - .
صفته : ورد في نور الأبصار : كان رضي الله عنه طويلا سائل الخدين قليل لحم الوجه طويل العنق طويل القصب أسمر خفيف العارضين يخضب لحيته بالحناء حمراء قائنة حسن الصوت حسن السمت عظيم العقل حسن الوجه حسن الخلق مهيبا فصيحا .. كذا ووصفه ابن صلاح .
حياته : مات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه فنشأ
بها . وكان رضي الله عنه منذ نعومة أظافره نابغة فكانت والدته لا تجد أجرة المعلم وبالتالي كان لا يهتم المعلم بتعليمه إلا القليل وكان الشافعي يستوعبه فورا بل ويعلمه لزملائه الصبيان , فوجد المعلم أن الشافعي يكفيه أمر الصبيان فتنازل عن الأجرة مقابل ذلك . والشافعي .. قرأ القرآن وهو ابن سبع سنين , وحفظ الموطأ وهو ابن عشرة , وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة .
قال الشافعي : لما ختمت القرآن دخلت المسجد , فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث , أو المسألة وكان منزلنا بمكة في شعب الخفيف , وكنت فقيرا بحيث ما أملك أن أشترى القراطيس (الورق ) , فكنت آخذ العظم وأكتب فيه . وكان في أول الأمر تفقه علي يد مسلم بن خالد الزنجي .. وأذن له بالإفتاء والتدريس . وقد تعلم الشافعي لغات العرب وفصاحتهم .. وقرأ الموطأ لمالك بعدما استعاره من رجل بمكة فأعجبه جدا وحفظه .
قال الشافعي : فوقع في قلبي أن أذهب .. ثم قدمت المدينة فدخلت عليه – مالك – فقلت : أصلحك الله إني رجل مطلبي من حالتي , وقصتي كذا وكذا , فلما سمع كلامي نظر إلى ساعة وكان لمالك فراسة .
فقال لي : ما أسمك ؟
فقلت: محمد
فقال : يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي , فإنه سيكون لك شأن .
فقلت : نعم وكرامة .
فقال : إن الله – تعالي – ألقي علي قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية . ثم قال : إذا كان الغد
تجئ نقرأ لك الموطأ .
فقلت : إن أقرأه من الحفظ ورجعت إليه من الغد , وابتدأت بالقراءة وكلما أردت قطع القراءة خوفا من ملاله أعجبه حسن قراءتي فيقول : يافتى زد حتى قرأته في أيام يسيرة ثم أقمت بالمدينة إلى أن توفي مالك رضي الله عنه ويقال عن الشافعي حفظ الموطأ في تسع ليالي . وقد روى ابن أبي حاتم عن أبي بشر الدولابي عن محمد بن إدريس وراق
الحميدي عن الشافعي أنه ولي الحكم بنجران من أرض اليمن , ثم تعصبوا عليه ووشوا به إلى الرشيد أنه يروم الخلافة فحمل علي بغل في قيد إلى بغداد فد خلها في سنة أربع وثمانين ومائة وعمره ثلاثون سنة . فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد , وأحسن القول فيه محمد بن الحسن , وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه
, وأنزله محمد بن الحسن عنده . وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة , وقيل بسنتين ,وأكرمه محمد بن الحسن وكتب عنه الشافعي وقر بعير , ثم أطلق له الرشيد ألفى دينار , وقيل خمسة آلاف دينار . وعاد الشافعي إلى مكة ففرق عامة ما حصل له في أهله وذوى رحمه من بني عمه , ثم عاد الشافعي إلى العراق في سنة خمس وتسعين ومائة , فأجتمع به جماعة من العلماء هذه المرة منهم : أحمد بن حنبل وأبو ثور والحسين بن علي الكرابيسي , والحارث بن شريح البقال , وأبو عبد الرحمن الشافعي , والزعفراني وغيرهم ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة . ثم انتقل منها إلى مصر فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة سنة أربع ومائتين , وصنف بها كتابه الأم وهو من كتبه الجديدة لأنها من رواية الربيع بن سليمان وهو مصري وقد زعم إمام الحرمين وغيره أنها من القديم وهذا عجيب .
مكانة الشافعي بين العلماء :
كان للشافعي رضي الله عنه مكانه عاليه بين العلماء وأهل زمانه ومن بعدهم حتى يومنا هذا وفيما بعد.
وعن الشافعي كان أحمد بن حنبل يقول في الحديث الذي رواه أبو داود من طريق عبد الله بن وهب عن سعيد بن أبى أيوب عن شرا حيل بن يزيد عن أبى علقمة عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها .)) قال: فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى والشافعي على رأس المائة الثانية .
وكان أحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحوا من أربعين سنة . قال عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه : أي الرجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر الدعاء له ؟ فقال : يابني كان الشافعي كالشمس في النهار , وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف أو عنهما عوض ؟ وقال أحمد بن حنبل : ما أعلم أحدا أعظم منه علي الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي , إني لأدعو له في أدبار الصلوات اللهم أغفر لي ولوالدي ولابن إدريس الشافعي . قال داود بن علي الظاهري في كتاب جمعه في فضائل الشافعي : للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره , من شرف نسبه , وصحة دينه ومعتقده , وسخاوة نفسه , ومعرفته بصحة الحديث وسقمه وناسخه ومنسوخة ,وحفظه الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء , وحسن التصنيف , وجودة الأصحاب والتلاميذ .
قال أبو ثور : ما رأينا مثل الشافعي ولا هو رأى مثل نفسه .
وسئل محمد بن إسحاق بن خزيمة : هل سنة لم تبلغ الشافعي ؟ فقال : لا . ومعنى هذا أنها وصلته بجميع حالتها بسندها , مرسلة , ومنقطعة .
وقد كان الشافعي من أعلم الناس بمعاني القرآن والسنة , وأشد الناس نزعا للدلائل منهما ,وكان من أحسن الناس قصدا وإخلاصا . وكان الشافعي رضي الله عنه أول من صنف أصول الفقه وأبوابه المتعارف عليها للآن.
ورد في إسعاف الراغبين : كان رضي الله عنه إمام الدنيا وعالم الأرض شرقا وغربا ,وجمع الله له من العلوم والمفاخر وكثرة الأتباع لا سيما في الحرمين والأرض المقدسة وهذه الثلاثة أفضل ما علي الأرض ما لم يجمع لإمام قبله ولا بعده , وانتشر له من الذكر ما لم ينتشر لأحد سواه , ولذلك حمل عليه حديث(( عالم قريش يملأ طباق الأرض علما قال الإمام أحمد وغيره : هذا العالم هو الشافعي , لأنه لم يحفظ لقرشي من انتشار علمه في الآفاق ما حفظ للشافعي .
وعن هذا الحديث ورد في البداية والنهاية : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا جعفر بن سليمان عن نصر بن معبد الكندي – أو العبدي – عن الجار ود عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (لاتسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما , اللهم إذ أذقت أولها عذابا ووبالا فأذق آخرها نوالا )) وهذا غريب من هذا الوجه . وقد رواه الحاكم في مستدركه عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفرايني : لا ينطبق هذا إلا علي محمد بن إدريس الشافعي.حكاه الخطيب .
وقال يحيى بن معين عن الشافعي : هو مصدق لا بأس به .
وقال مرة : لو كان الكذب له مباحا مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب .
وقال ابن أبى حاتم : سمعت أبى يقول : الشافعي فقيه البدن , صدوق اللسان .
وحكي بعضهم عن أبي زرعة أنه قال : ماعند الشافعي حديث غلط فيه , وحكي عن أبى داود نحوه.
وقد أثني على الشافعي غير واحد من كبار الأئمة منهم عبد الرحمن بن مهدي وسأله أن يكتب له كتابا في الأصول فكتب له الرسالة , وكان يدعو له في الصلاة دائما . وشيخه مالك بن أنس وقتيبة بن سعيد . وقال : هو إمام , وسفيان ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان , وكان يدعو له أيضا في صلاته , وأبو عبيد , وقال : ما رأيت أفصح ولا أعقل ولا أروع من الشافعي .
وقيل عنه أيضا : أن مذهبه أعدل المذاهب , وأفقهها بالسنة التي هي أعدل الملك .
من أقوال الإمام الشافعي
قال رضي الله عنه لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد .
كما قال في الكلام أيضا : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في القبائل وينادي عليهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام .
وقال رضي الله عنه : لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشئ من الأهواء .
وقال رضي الله عنه : ليس العلم ما حفظ إنما العلم ما نفع .
وقال رضي الله عنه : ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة .
قال رضي الله عنه : لا تخرج من علم إلى غيره حتى تحكمه فإن ازدحام الكلام السمع مضلة في الفهم .
قال رضي الله عنه : زينة العلماء التقوى , وحليتهم حسن الخلق , وجمالهم كرم النفس .
قال رضي الله عنه : طلب فضول الدنيا عقوبة يعاقب الله بها أهل التوحيد .
قال رضي الله عنه : من شهد في نفسه الضعف نال الاستقامة .
قال رضي الله عنه : من أحب أن ينور الله قلبه فعليه بالخلوة , وقلة الأكل وترك مخالطة السفهاء , وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف و لا أدب .
قال رضي الله عنه : ما نظرت أحدا إلا أحببت أن يظهر الله الحق على يديه .
قال رضي الله عنه : الانبساط إلى الناس مجلبة للقرناء السوء , والانقباض عنهم مكسبه للعداوة فكن بين منبسط ومنقبض .
قال رضي الله عنه : لا تتكلم إلا فيما يعينك فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها .
قال رضي الله عنه : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه , ومن وعظه جهرا فقد فضحه وشانه.
قال رضي الله عنه: من صدق في أخوة أخيه قبل عمله وغفر زله
قال رضي الله عنه : لا تقصر في حق أخيك اعتمادا علي مودته .
قال رضي الله عنه : لا سرور يعدل صحبة الإخوان ولا غم يعدل فراقهم .
قال رضي الله عنه : صحبة من لا يخاف العار عار .
قال رضي الله عنه: من عشر الكرام صار كريما . ومن عاشر اللئام نسب للؤم .
قال رضي الله عنه : من برك فقد أوثقك , ومن جفاك فقد أطلقك .
قال رضي الله عنه : الكريم من راعى وداده لحظه , وانتمى لمن أفاده لقطة. واللئيم من إذا ارتفع جفا أقاربه , وأنكر معارفه , ونسى فضل معلمه .
قال رضي الله عنه : التواضع يورث المحبة , والقناعة تورث الراحة .
قال البويطي : سمعت الشافعي يقول : عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا .
وقال : إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأنما رأيت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله وسلم جزاهم الله خيرا , حفظوا لنا الأصل , فلهم علينا الفضل .
وقال رضي الله عنه : القرآن كلام الله غير مخلوق . ومن قال مخلوق فهو كافر .
ومن حكمه : قال البيهقي عنه : أنه لا يستنكف من الأخذ به إذا ظهر على يد غيره بخلاف خصمه فإنه قد لا يأخذ به إذا ظهر على يد غيره.
كرم الشافعي رضي الله عنه:
قال الحميدي : قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف في منديل فضرب خباءه خارجا من مكة , فكان الناس يأتونه فما برح حتى ذهبت كلها , ثم دخل مكة .
قال المزني : مارأيت أكرم من الشافعي خرجت معه ليلة عيد من المسجد وأنا أذاكره في مسألة حتى أتيت باب داره فاتاه غلام بكيس , فقال له : سيدي يقرئك السلام ويقول لك :
خذ هذا الكيس , فأخذه منه فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ولدت امرأتي الساعة , وليس عندي شئ فدفع إليه الكيس , وصعد وليس معه شئ .
تواضعه :
كان يقول رضي الله عنه وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلى شئ منه أبدا فأوجد عليه ولا يحمدوني .
قال الشافعي رضي الله عنه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم . فقال لي : (( يا غلام ممن أنت ؟)) فقلت : منك , فقال : (( ادن مني )) فدنوت منه , فأخذ بريقه من ريقه وفتحت فمي فأمر من ريقه على لساني وفمي وشفتي , وقال : (( امش بارك الله فيك )) .
وقال أيضا : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في زمن الصبا بمكة رجلا ذا هيئة يؤم الناس في المسجد الحرام , فلما فرغ من صلاته أقبل على الناس يعلمهم فدنوت منه , فقلت له : علمني , فأخرج ميزانا من كمه فأعطاني , وقال : (( هذا لك )) فعرضت الرؤيا على المعبر فقال: إنك تصير إماما في العلم وتكون على السنة , لأن إمام المسجد الحرام أشرف الأئمة وأما الميزان فإنك تعلم حقيقة الشئ في نفسه .
وفاته
قال المزني : دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت : كيف أصبحت , قال : أصبحت من الدينا راحلا , ولإخواني مفارقا , ولكأس الموت شاربا ولسوء أعمالي ملاقيا , وعلى الله واردا , فلا أدرى : روحي إلى الجنة تصير فأهنيها أو إلى النار فأعزيها .
توفي الشافعي رضي الله عنه بمصر يوم الخميس , وقيل عصر الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين وعمره أربع وخمسون سنة .
بعد وفاته رضي الله عنه
قال أحمد بن حنبل : رأيت الشافعي في المنام فقلت : يا أخي ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي , وتوجني , وزوجني , وقال : هذا بما لم تره أرضيتك , ولم تتكبر فيما أعطيتك .
|