دبي – مصطفى الحفناوي
وافق مجلس القضاء الأعلى بمصر على تعيين المرأة قاضية في القضاء العادي بعد 3 سنوات من تعيين أول قاضية بالمحكمة الدستورية العليا, فيما أبدى رئيس نادي القضاة المستشار زكريا عبد العزيز تحفظاً بهذا الشأن إذ طالب بعرض الشروط والمواصفات على النادي لدراستها وطرح الأمر على الرأي العام في استفتاء أو استطلاع لتحديد مدى تقبله لهذا الأمر من عدمه.
وبينما جنت المرأة هذه المكاسب بـ"مبادرات فوقية من رئاسة الجمهورية والحكومة وليس باقتراح من البرلمان" كما يرى بعض المراقبين، فإن ذلك قد يؤدي بحسبهم" إلى الانقلاب على هذه المكاسب في حال تغير موقف السلطة أو تغيير السلطة نفسها" ، وفي الوقت نفسه اعتبر موقف نادي القضاة المتحفظ مفاجئاً لكثيرين خاصة أنه يدافع دوماً عن الدستور والحريات.
الشرع والسياسة
من ناحية أخرى, لايمكن تجاهل موقف الإسلاميين من هذا الموضوع الذي قال عنه الكاتب الاسلامي فهمي هويدي بأن له مستويين الأول شرعي والثاني سياسي, موضحاً أنه لامشكلة من الناحية الشرعية في تعيين المرأة قاضية وهو ما أباحه الإمام أبو حنيفة.
وأضاف هويدي في حديث هاتفي مع "العربية.نت" أن القضاء لم يعد وفق الصيغة السابقة فليس مطلوباً من القاضي أن يكون مفتياً أو مجتهداً كما أنه يوجد حالياً 3 قضاة في المحكمة وليس قاضياً واحداً, وأن هناك عدداً غير قليل من العلماء يرون أنه لا إشكال في أن تكون المرأة قاضية فيما يعترض البعض ولا بأس في ذلك.
وعن المستوى السياسي, قال هويدي إنه الأهم لأن العدالة لا تتحقق بمجرد وجود النساء على منصة القضاء, فقضية العدالة مثار حولها علامات استفهام كثيرة, وللقضاة طلبات بخصوصها, وبالتالي فقيمة العدالة أهم من شخوص القضاة.
وذكر أن "الشق السياسي" يريد أن يجمل شكل القضاء أمام العالم الخارجي ولا بأس في ذلك "إذا كنا نريد أن نتجمل لكن الأهم هو العدالة وضمان الإجراءات الجنائية حيث أن القضية الحقيقية هي: هل العدالة متوفرة أم لا؟ وهل يمثل المتهم أمام قاضيه الطبيعي أم أمام قضاء عسكري أو مٌسيّس".
مكاسب شكلية
وحول إصدار القرارات من أعلى وعدم وجود قوى شعبية وراء المكاسب التي تحققت الأمر الذي يهدد بالتراجع عنها في حال غيرت هذه السلطة أو أي سلطة مقبلة موقفها, قال هويدي إن هذا من الناحية النظرية صحيح, لكن من الناحية العملية فإن هذه المكاسب شكلية ولهذا تظل القضية التي ينبغي التعامل معها هو سقف الحريات التي يتيح للمجتمع استعادة عافيته.
وأكد أن القرارات تأتي من أعلى في مواضيع كثيرة, و"رغم أننا نقول إن الأمة مصدر السلطات فإن الواقع يكشف أن السلطة وبالتحديد الرئيس مصدر القرارات, فإذا قال نعدل المادة 74 من الدستور صفقنا وإذا قال بعد سنة نعدل هذه المادة ومواد أخرى صفقنا مرة أخرى", مرجعاً ذلك إلى أن المجتمع فقد قدرته على الإرسال وأصبحت مهام المؤسسات هي تمرير رغبات الرئيس.
وأشار إلى أن كثيرين يرون السلطة والمؤسسات ولا يرون الهشاشة التي اتسم بها المجتمع, فلا نقابات عمالية أومهنية ولا اتحادات قوية, ويحتاج من يرغب في انشاء حزب جديد إلى موافقة الحزب الحاكم الأمر الذي جفف عافية المجتمع وجعله هشاَ لايستطيع أن يضغط أو يطالب بحقوقه.
شروط موضوعية
بالمقابل, طالب رئيس نادي القضاة المستشار زكريا عبد العزيز بعرض المسائل بشروطها الموضوعية على الجمعية العمومية للقضاة ليقولوا رأيهم فيها ولا مانع من عرض الأمر على الشعب بعد ذلك في استفتاء أو استطلاع رأي لتحديد مدى تقبله للوضع المقترح.
وذكر أن وضع التعيين في المحكمة الدستورية مختلف عن منصة القضاء العادي وذلك كون الحالة الأولى عمل محدد في مكان معين بينما القضاء العادي يشمل مصر كلها, وتساءل هل ستعين المرأة من بداية السلم القضائي كمعاون نيابة؟ وهل ستسري عليها التنقلات؟
ورداً على سؤال بشأن عدم دستورية منع المرأة من العمل بالقضاء كونه تمييزاً على أساس النوع, قال إن الرأي العام لايتقبل أن تعمل المرأة في مجالات معينة وهي لا تعمل أيضاً بالشرطة والجيش والمناجم والمحاجر فلماذا لايعد هذا تمييزاً؟
وعن الموقف الرسمي للنادي, قال إنه لا موقف بهذا الشأن و"طرحنا وجهتي النظر في مجلة أصدرناها ونستند إلى مدى تقبل الرأي العام الذي لن يتقبل بسهولة الوقوف أمام قاضية.. ونحن نحث مجلس القضاء على أن يكشف ما يعده لهذا الأمر".
التمييز غير دستوري
من جانبه, قال أستاذ القانون بجامعة عين شمس الدكتور حسام عيسى (ناصري الاتجاه) إنه يؤيد بشدة تولي المرأة منصب القضاء, بعد أن أثبتت كفاءة في المحكمة الدستورية والنيابة الإداراية والمحاماة, وإنه إذا كانت الحكومة تخطئ في 99 % من قراراتها فإن موقفها الصائب من هذا الموضوع لايغفر لها أخطاءها الأخرى.
وأضاف أن الدستور يمنع التمييز بين الرجل والمرأة, ولذلك فإن "موقف رئيس نادي القضاة أفزعني لأنه كيف يمكن أن يخالف القانون رجال القانون؟"، وأنه من الغريب أن تتولى المرأة منصب الوزارة أو رئاسة الوزاراء في دول إسلامية ولا تتولى منصب القضاء.
وطالب بأن يكون اختيار القاضيات وفقاً للكفاءة وليس بالواسطة وأن يكون لأوائل كليات الحقوق الأولوية في دخول القضاء وأن تتوقف عمليات الاستبعاد لما يسمي "أسباب اجتماعية" التي تهدف إلى افساح المجال لآخرين.
وأشار إلى أن تأخر دخول المرأة المصرية والعربية مجال القضاء سببه أن هذه المجتمعات ذكورية وأن المرأة لم تأخذ وضعها فيها حتى الآن وتعيش وسط دعوات بإعادتها إلى المنزل رغم أن سيدات أثبتن كفاءة أكثر من الرجال في مجالات عديدة.
لا منطق للتأخير
من جانبها، قالت أول قاضية في المحكمة الدستورية التي تولت منصبها منذ 3 سنوات تهاني الجبالي إنه "لم يكن هناك منطق للتأخير خاصة بعد تعييني في المحكمة الدستورية وهي القضاء المهيمن الذي يلتزم به القضاء العادي, فإذا كانت هذه الدستورية بدأت بنفسها فمن الطبيعي أن يُفتح الباب للمرأة في القضاء العادي".
واستبعدت أن تكون هناك معارضة قوية لهذا القرار لأن الأمر أصبح منتهياً بعد دخول المرأة المحكمة الدستورية الذي سبقه حوار في المجتمع استمر 60 عاماً وانتصر في النهاية الرأي الديني المستنير الذي دعمه شيخ الأزهر, ورأت أن موقف رئيس نادي القضاة ليس معارضاً وإنما هو يطالب بشفافية الإجراءات والضمانات المرتبطة بالاختيار أي وفق ضمانات السلطة القضائية وشروطها.
وتوقعت أن تتلقى جماعات "الإسلام السياسي" وخصوصا الجماعات المعتدلة منها الأمر ببساطة, مشيرة إلى أن عدداً من قادة جماعة "الإخوان المسلمين" اتصلوا بها وهنأوها بعد تعيينها في المحكمة الدستورية.
وأكدت أنه لا يجوز لأحد أن يتصدى للقرار لمجرد أن له رأي مغاير لأن أي قرار له مؤيدون ومعارضون ولكن يتم إصداره من المؤسسات المعنية بصنع القرار ويجب احترام القانون والدستور مع عدم إنكار حق أي شخص في الاختلاف ولكن عليه في الوقت نفسه احترام القرار المجتمعي الذي يُتخذ.
وذكرت أنه من المفارقات أن إيران التي تحكمها سلطة متشددة أعادت المرأة إلى منصة القضاء نتيجة لحوار مجتمعي بعد استبعادها لمدة 10 سنوات تلت الثورة الإيرانية, ولكن انتصر الرأي الديني المستنير في النهاية.
http://www.alarabiya.net/Articles/2007/01/05/30472.htm