تحياتي للزملاء... (f)
كنتُ قد تابعتُ نقاشكم الشيّق حول الموضوع المطروح، وقد كنت طرحتُ رأيي في المسألة لكن قوبل بحالة طناش أحببتُ بعدها أن أجلس وأتابع :D وطبعا جاء من الحديث ما يثري الحوار وما يدفعُ إلى التفكير والبحث، والشكر للزملاء خالد وبهجت على الحوار الذي أتمنى أن يسمحا لي بالمشاركة فيه وطرح وجهة نظري الشّخصيّة ومحاولة الإتيان بما يُفيد من القول....
بما أنني "إسلاموي" فأكيد سأكون على الطرف الآخر من الحوار، محاولا التبرير على أساس قناعاتي الشخصيّة وما أراه منطقيا .... وطبعا لا ولن أطالب أيا من الزملاء تبني أفكاري أو موافقتي عليها أو السكوت عنها، فما هي إلا طرحٌ في نطاق موضوعي قابل للنّقض والنّقاش، وإنما الخيار للقارئ في الموافقة أو العدمها اعتمادا على مقارنة الحجج....
سأبدأ بالتعليق على مداخلات الزميل بهجت (من بعد إذن الزميل طبعا (f) )
تفضّل الزميل في معرض ردّه على العزيز "النجم اللامع" وسرده قصّة جلد عبد الرحمن بن عمر، وقصّة وفاته إثر الجلد على يد أبيه:
اقتباس:هذه هي الرواية التي حملها لنا التراث و التي تضرب مثالا على عدل عمر وورعه و نزاهته ، رغم ذلك أرى تلك الواقعة دليلا على تخلف الفقه الإسلامي و غياب الضوايط القانونية و حقوق الإنسان ، فعمر يعتقد أن ابنه ملك له يقيم عليه الحد مرات عدة حتى وهو مريض بينما المبدأ القانوني ينص ألا يعاقب الإنسان مرتين على نفس الجرم ،ولو كان هناك خطأ في تنفيذ العقوبة فهو خطأ عمرو بن العاص وهو وحده الذي يسأل عنه .
في رأيي الخاص هنا أتّفقُ على أن هذه الرواية لا تدل على عدل عمر ابن الخطّاب في تطبيق الحد لسببين:
أولا: عمر بن الخطّاب لم يراعي الوضع الصحّي والإنساني لولده
ثانيا: عمر أقام العقوبة على جريمة مرّتين وهذا منافٍ لأي قانون حتى القانون الإلهي الذي لم ينُصّ على إقامة الحد مرتين في حالة عدم قناعة المُطبّق للحكم بصحّة الحُكم
أما في وصف الزميل الفقه الإسلامي بالتخلف وغياب الضوابط القانونية وحقوق الإنسان فيه بسبب هذه الحادثة فهذا أختلف فيه للأسباب التالية:
أولا: الفقه الإسلامي من قرآن أو سنّة لم يأمُر عمر بذلك، بالتالي عمر أقام الحد مرة ثانية وفقا لهواه الخاص، وقد أقررتُ خطأ عمر أعلاه، بالتالي هو مخطئ، والمرجعيّةُ كانت غائبة في فعلته
ثانيا: ما هي الضّوابط القانونية التي استند إليها الزميل في إلقاء الضّوء على فعلة عمر؟ إن كانت قوانين العصر الحالي فهذا "برأيي الخاص" خطأ لأن قوانين العصر الحالي تنطبق على فلسفة العصر الحالي لا على فلسفة ما ينيف على ألف سنة، وكذلك الأمر بالنّسبة لحقوق الإنسان، فقد كان مفهوم حقوق الإنسان في ذلك العصر مختلفا تماما عن مفهومه في عصرنا الحالي، لا بل أن مفهوم حقوق الإنسان بشكله الحالي لم يتشكّل إلا تبعا لأحداث القرن العشرين من حروب وغيرها مما ألمّ بالعالم بسبب غياب قوانين مُتّفقٍ عليها بين دول العالم....
ثم ردا على الاقتباس التالي من كلام الزميل "النجم اللامع" التالي:
اقتباس:قد يمكن حصولها فعلا ولكنها بذلك تخالف الشروط التي وضعها رجال الدين المسلمين انفسهم..
تفضّل الزميل بهجت بالتالي:
اقتباس:هل هذه الشروط التي تتحدث عنها هي من انتاج النص القرآني أم من اجتهاد الفقهاء ؟،وهل الفقهاء يصنعون دينا ؟،وهل عمر بن الخطاب لا يعرف هذه الشروط لو كانت قطعية أو توقيفية ؟، دعني أزيدك من القصيدة شطرا صغيرا وهي أن حد شرب الخمر هو خلافي ولم يأت به نص بل هو من اجتهاد الحكام ، فالنبي لم يحد شارب الخمر و انما اكتفى بأن طلب من أصحابه ضربه بالنعال تعذيرا ثم جلس هذا الشارب بين الصحابة كأحدهم ولم يخل الأمر من مداعبة أحدهم له ، أما أبو بكر فحد شارب الخمر ب40 جلدة بينما رفع عمر الحد إلى 80 جلدة بناء على فتوى من علي بن أبي طالب ، وتلك الفتوى قائمة على منطق ضعيف شاذ فعلي يرى أن شارب الخمر سيسكر و في تلك الحالة ربما يقذف المحصنات و حد القذف هو 80 جلدة فاقترح نفس العقوبة لشرب الخمر ، و يمكن بنفس المنطق ان يقول أحدهم أن شارب الخمر يفقد عقله وربما قتل أحدهم و بالتالي فحد شارب الخمر هو القتل !.هكذا نجد أنه عند المقارنة بين منظور القانون المدني لفكرة العقوبة و بين المنظور الفقهي لها ، كانت النتائج حاسمة الدلالة لصالح القانون المدني ، فالقانون المدني متجدد بتجدد المجتمع محكوم بنفس عوامل تطوره ، بينما الشريعة جامدة بقدسية مرجعيتها .
بالنسبة للمثال الذي ضربه الزميل حول حد شرب الخمر فقد أشار الزميل هنا إلى مبدأ "الاجتهاد"، لكنّه أوصل هذا الجتهاد إلى درجة القدسية في نهاية الفقرة أعلاه ....
في الإسلام، الاجتهادُ قابلٌ للتغيّر والتبدّل وفقا للزمان والمكان، ولو كانت أحكام الصحابة وتقديراتهم تملكُ قدسيةً مُماثلة لقُدسية القرآن الكريم لكان مع الزميل كل الحقّ في ادعائه، لكن ما أختلف فيه هو أن الاجتهاد مفتوح لكل العلماء سواء في زمننا هذا أو في زمن عمر ابن الخطاب أو علي أو غيرهم من الحكام الذين يعتبرون الشريعة الإسلامية مرجعيّتهم، بالتالي ليس هناك ما يمنع إعادة النظر في تلك الأحكام التي نراها ظالمة وفقا لفلسفتنا المُعاصرة (وقد أشرتُ سابقا أنني أرى ذلك غير منطقي) ....
أخيرا وبعد قرائتي لباقي ردود الزميل بهجت لم أرَ فيها ما يُمكن أن أحصُره في اقتباس لترابُطها وتقديمها لفكرة واحدة، بالتالي فن الخطأ اقتباسُ جزءٍ منها فقط وتركُ الباقي لقيمة الكفرة المطروحة فيها والتي أحترمها وأحترمُ طارحها العزيز، لذلك سأكتُبُ ما أراهُ طرحا موازيا لتلك الفكرة وأرجو أن يكون طرحا موفقا في ترابطه بقدر طرح الزميل بهجت...
إذا أردنا الحديث عن الفقه الإسلامي بشكل عام فمن الخطأ أن نحصر أنفسنا في زاوية العقوبات الضّيّقة ونترك الباقي، فالإسلام ليس قانون عقوبات والقرآن لم ينزل بالعقوبات فقط لا غير، بالتالي حصرُ الإسلام في تشريعاتٍ مُعيّتنةٍ فقط هو طرحٌ غير مُكتمل، ولن يكتمل إلا إذا اشتمل على كل ما يُحيطُ بالإسلام، لا العقوبات فقط....
ثانيا يا أستاذنا المُحترم بهجت، أنت قُلت في معرض مُداخلتك وردّك على الزميل خالد التالي:
اقتباس:بل و حتى الأنظمة العربية الدكتاتورية القائمة تضع الشريعة أو مبادئها مصدرا للتشريع
هل هذا ما يحصُلُ فعلا؟ وأنت قلت أن تلك الدول فعلت ذلك من باب الدعاية واستعطاف الجماهير (أو كما قلت حضرتك وفهمتُ من سياق كلامك) فعلى سبيل المثال لا الحصر لننظر إلى الأردن وسنرى كيف أن الشريعة الإسلامية تحكم هناك!
بالنسبة للتشريعات الواردة في اجتهادات الفقهاء والحكام في الأزمنة والعصور المتوالية فهي "في رأيي الخاص" بعيدة كل البعد عن القدسية والثبوت التي يجب أن يوليها المرء المسلم لنصوص القرآن الكريم، وأقول هنا نصوص لأن كل آية في القرآن الكريم احتملت عشرات بل مئات التآويل أحيانا، أي أن الاستنباطات من تلك الآيات هي أيضا اجتهادات قابلة للتغيير والنقض في أي زمان وأي مكان .... بالتالي وصمُ الأصل بالفساد نسبة لفساد التأويل هو أمرٌ خاطئ، بل أرى أن الواجب الوقوف في وجه الخطأ ومُحاولة الخروج بما هو أكثر قبولا من نفس الأصل الذي تفرّع عنه الفرع الفاسد، لكن إن لم نستطع الخروج بشيء حينها يجبُ علينا إعادة النظر في الأصل.....
بالنسبة لما ورد في مداخلتك التي حملت الرقم "40" في الموضوع فاسمح لي التروّي والتعمّق في المواضيع المطروحة فيها، فهي على قصرها تحمل الكثير مما يجدُرُ البحثُ فيه....
وبالنسبة لموضوعك الموسوم ب"الوعي الزائف - الأساطير المؤسسة للأصولية الإسلامية" فهو موضوع رائع، وقد أسفتُ لعدم ملاحظتي ومتابعتي له!!! واسمح لي بدراسته والعودة إليه والتعليق على ما ورد فيه بعد دراسة محتواه وفهم فحواه طبعا...
أعتذر عن الإطالة وأرجو أن أكون قد أفدت
تحياتي :redrose: