ما معنى أن يستعرض مسلسل تاريخي شخصية تاريخية بحجم خالد بن الوليد إذا لم يقدم رؤيته الخاصة لتلك الشخصية؟ إذا لم يجد ما يربط الماضي بالحاضر؟ وإذا لم يستطع أن يسوق كل المبررات التاريخية لتلك المعارك الشرسة؟ وإذا لم يمتلك الجرأة للوقوف عند الأخطاء التي ارتكبت والتي كانت موضع جدل في زمن حدوثها؟
التحدي الذي ينطوي علية العمل الدرامي التاريخي يكمن في الموازنة بين عدم الخروج على المعطى التاريخي في إطاره العام، وبين عدم التقيد بحرفية نصه التاريخي في الوقت ذاته. ضمن هذين الحدّين يتشكل سيناريو العمل وتتكون رؤية المخرج. فالعمل التاريخي مطالب بتقديم رؤيته، مثل أي عمل فني آخر: رؤية فكرية فنية، تعيد تشكيل النص التاريخي درامياً، تستنطقه، وتجد ما يربطه بالحاضر، تعيد تشكيل أشخاصه وأحداثه. فقيمة أي عمل فني تأتي من داخل نسقه، ومن خلال اشتغاله على مادته الأولية. وإلا فكيف يمكن أن نقدم حروب الردّة، بتلك الطريقة الشرسة التي جرت بها، من دون تقديم حيثيات الرؤية الاستراتيجية التي حكمتها، ومن دون الغوص في ضروراتها التاريخية للدعوة، ربطاً مع المرحلة التي كانت تمر بها. فهل يدرك الكاتب خطورة سحب تلك الأحداث من إطارها التاريخي الكلي؟!
لقد ذهب المسلسل، كما الكثير من كتّاب التاريخ المعاصرين، إلى اعتبار كل ما سبق الإسلام <بؤرة للإدانة الأخلاقية>. فقدم مجتمع الجاهلية كمجتمع قائم على الفسق والظلال والانحلال والتحلل من أي قيم. وذلك خلافاً لما قاله الرسول الكريم: <وجئت لأكمل مكارم الأخلاق فيكم>. كما قدم المسلسل الأعداء كلهم بطريقة مشوهة ومبسطة، تدعو إلى الرثاء. فنجد مالك بن عوف، زعيم هوازن، شخصاً عصابياً يكاد يقترب من المعتوه. ونجد قادة الرومان لا يحسنون شيئاً سوى احتساء الخمرة والصيد!
ومن ناحية ثانية يعتّم العمل على أحداث لها قيمتها الدرامية ودلالاتها التاريخية. فقد قفز من فوق الجدل الحاد الذي نشب بين الرسول الكريم وأنصاره حين أراد أن يعيد سبايا <هوازن> بعد موقعة <حُنين>، واضطر إلى دفع مقابل من المال عن كل سبيّة يطلقها أنصاره! إن هذه التعمية تخفي خلفها رؤيا تريد أن تقدم تاريخ الدعوة ككل منسجم، لا تتنازعه أي تناقضات داخلية لا على مستوى القادة ولا على مستوى الأحداث وحتى ليس على مستوى السلطة! إنها أسطرة لتاريخ الدعوة وتبسيط لمجرياتها. بل هو تجريده من تاريخيته. وهذا ما ظهر جلياً في طريقة تناول شخصية خالد بن الوليد، إذ اقتصرت شخصيته على جانب واحد وحيد، كمقاتل شرس منفذ للأوامر. وهي رؤية إجرائية وظيفية أفقدت البطل حيويته، قدمته في شكلانية أظهرت الصفات الجسدية للممثل باسم ياخور (طول القامة والشعر الطويل واللحية المسترسلة) في محاولة للتعويض عن الفقر الداخلي للشخصية (الكاراكتير). بل غالباً ما نجده منفذاً لإرادة الآخرين، حتى بزواجه من زوجته الثانية! لم نجد فيه الإرادة الفاعلة المخططة، ذات الرؤية الثاقبة. بل نجده في حصار الطائف يسأل عن المناجيق، متفاجئاً بوجودها، غير عارف ما هي، وجاءت معظم حواراته ضعيفة في الصياغة والمضمون.
ربما كان حرياً بالكاتب والمخرج، وتالياً الممثل، كل حسب مساحة اشتغاله، أن يسبروا عوالم شخصية غنية تاريخياً بحجم خالد بن الوليد، ليضيفوا للمتلقي ما يروي فضوله ويشبع معرفته، وما يكسو جفاف الكلمات ويربط الماضي بالحاضر بطريقة إيجابية تكون شاهداً للإسلام، لا شاهدا عليه! يجب أن يتم <شد> المتلقي وطرح الأسئلة عليه، لإعادة تشكيل علاقته بهذا الرمز. إن خطورة هكذا أعمال تنبع أساساً من إمكانياتها الهائلة وقدراتها الإجرائية على تنميط التاريخ وصبه في قوالب من الصعب محوها، بل إنها قادرة على <مصادرة> هذا التاريخ في ذهنية المتلقي مرة أولى وأخيرة. فكيف إذا كانت تلك المصادرة لصالح شخصية وظيفية إجرائية مجردة من أبعادها الدرامية الإنسانية؟ وكيف إذا كانت تلك الرؤية تخفي التاريخي وتسكت عنه لصالح صورة مثالية رومانسية تجرد الأشخاص والأحداث من التاريخية؟

http://www.champress.net/?page=show_det&se...page=5&id=12925