أنت أتيت بالموضوع من نهايته عندما قلت:
(على ذمة وثام الوهاب)!
وهل لهؤلاء ذمة بالله عليك؟!
دعك من المتاجرة بالقومية فقد شبعنا حكي منه ومن ميخائيل عوض وسائر أيتام الأسد في لبنان...
الغريب حقا أن وئام وكعادة كل زحفطون راح يبرر جرائم الأسد في سورية معتبرا أن معارضة سورية كان هدفها تخريب البلد بينما (حزب الله) لم يطلق رصاصة على لبناني!!
وما علم أن مواجهات حزب الله مع حركة أمل وسائر الفصائل كانت بعد أن توقفت مواجهة المعارضة السورية مع النظام بأربع سنوات ونيف...
لذلك فإن تحايله على ذلكم بتسويقه لحزب الله الموالي لسورية على أنه لم يطلق رصاصة منذ 1992 كما قال، لا يعني شيئا لو صح، ذلك أن المعارضة السورية لم تطلق رصاصة من قبل هذا بعقد!
ففيم يريد أن يحصر لحبيبه التقويم في فترة بينما يستدعي تاريخا أقدم منه ليهاجم من وقف بوجه ولي نعمته البعثي؟!!
حزب الله لم يأت من فراغ، وخلفيته كحركة أمل لا تعني أنه بريئ منها خاصة وأن قادته كان لهم دور فاعل في تلكم الحركة...
وقد قدمت قبل أيام أن موقفنا من المقاومة المشرفة لا يعني أننا نقف الموقف نفسه من الحزب السياسي الموالي للنظام المخابراتي السوري!
ففي مقالي:
نصر الله المقاومة ونصر الله الحزب (انقر هنا لمشاهدته)
بينت أنني أقف خصما لحزب الله في كثير من مواقفه السياسية (غير المشرفة)...
ربما أختلف عن كثيرين استحوذ عليهم النقد الطائفي، فوجهوا سهامهم صوب إخواننا الشيعة، وهذا خطأ فاحش...
ربما أختلف كثيرا عن جموع وقفت في وجه المقاومة الشريفة بما فيها المقاومة الإسلامية الباسلة....
أرفض نزع سلاح هذه المقاومة، وأرفض خذلانها تحت أي مبرر طائفي أو ليبرالي متأمرك...
ولكنني لا أنحاز أيضا لأيتام النظام في الديار والسفير وهم يتاجرون بهذا النصر لصالح ولي نعمتهم البعثي!
ولا أنحاز لسياسات (حزب الله) العرجاء فيما يخص الحكومة والدولة!
ولا سياساته الخارجية التي ترتهن لسورية وإيران!
وعودا على بدء، فالقرآن علمنا أدبا رفيعا في التعامل مع (وئام وهاب) وغيره من أرتال الطابور الخامس حيث قال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6
والله لبنان مسكين....
أبناؤه هم أول من أجرم في حقه!!!!
ستَّ الدنيا يا بيروتْ...
مَنْ باعَ أسواركِ المشغولةَ بالياقوتْ؟
من صادَ خاتمكِ السّحريَّ،
وقصَّ ضفائركِ الذهبيّهْ؟
من ذبحَ الفرحَ النائمَ في عينيكِ الخضرواينْ؟
من شطبَ وجهكِ بالسّكّين،
وألقى ماءَ النارِ على شفتيكِ الرائعتينْ؟
من سمّمَ ماءَ البحرِ، ورشَّ الحقدَ على الشطآنِ الورديّهْ؟
ها نحنُ أتينا.. معتذرينَ.. ومعترفينْ
أنّا أطلقنا النارَ عليكِ بروحٍ قبليّهْ..
فقتلنا امرأة.. كانت تُدعى (الحريّهْ)...
2
ماذا نتكلّمُ يا بيروتْ..
وفي عينيكِ خلاصةُ حزنِ البشريّهْ
وعلى نهديكِ المحترقين.. رمادُ الحربِ الأهليّهْ
ماذا نتكلّمُ يا مروحةَ الصّيفِ، ويا وردتَهُ الجوريّهْ؟
من كانَ يفكّر أن نتلاقى - يا بيروتُ - وأنتِ خرابْ؟
من كانَ يفكّر أن تنمو للوردةِ آلافُ الأنيابْ؟
من كانَ يفكّر أنَّ العينَ تقاتلُ في يومٍ ضدَّ الأهدابْ؟
ماذا نتكلّم يا لؤلؤتي؟
يا سنبلتي..
يا أقلامي..
يا أحلامي..
يا أوراقي الشعريّهْ..
من أينَ أتتكِ القسوةُ يا بيروتْ،
وكنتِ برقّةِ حوريّهْ؟
لا أفهمُ كيف انقلبَ العصفورُ الدوريُّ..
لقطّةِ ليلٍ وحشيّهْ..
لا أفهمُ أبداً يا بيروتْ
لا أفهمُ كيف نسيتِ اللهَ..
وعُدتِ لعصرِ الوثنيّهْ..
3
قومي من تحتِ الموجِ الأزرقِ، يا عِشتارْ
قومي كقصيدةِ وردٍ ..
أو قومي كقصيدةِ نارْ
لا يوجدُ قبلكِ شيءٌ.. بعدكِ شيءٌ.. مثلكِ شيءٌ..
أنتِ خلاصاتُ الأعمارْ..
يا حقل اللؤلؤِ..
يا ميناءَ العشقِ..
ويا طاووسَ الماءْ..
قومي من أجلِ الحبِّ، ومن أجلِ الشّعراءْ
قومي من أجل الخبزِ، ومن أجلِ الفقراءْ
الحبُّ يريدكِ.. يا أحلى الملكاتْ..
والربُّ يريدكِ.. يا أحلى الملكاتْ..
ها أنتِ دفعتِ ضريبةَ حسنكِ مثل جميعِ الحسناواتْ
ودفعتِ الجزيةَ عن كلِّ الكلماتْ..
4
قومي من نومكِ..
يا سُلطانةُ، يا نوَّارةُ، يا قنديلاً مشتعلاً في القلبْ
قومي كي يبقى العالمُ يا بيروتْ..
ونبقى نحنُ..
ويبقى الحبّْ...
قومي..
يا أحلى لؤلؤةٍ أهداها البحرْ
الآن عرفنا ما معنى ..
أن نقتلَ عصفوراً في الفجرْ
الآنَ عرفنا ما معنى ..
أن ندلقَ فوقَ سماءِ الصّيفِ زجاجةَ حبرْ
الآن عرفنا ..
أنّا كُنّا ضدَّ اللهِ .. وضدَّ الشّعرْ ..
5
يا ستَّ الدنيا يا بيروتْ ..
يا حيثُ الوعدُ الأوّلُ .. والحبُّ الأوّلُ ..
يا حيثُ كتبنا الشعرَ ..
وخبّأناه بأكياسِ المُخملْ ..
نعترفُ الآنَ .. بأنّا كُنّا يا بيروتُ،
نُحبّكِ كالبدوِ الرُحّلْ ..
ونُمارسُ فعلَ الحبِّ .. تماماً
كالبدوِ الرُحَّلْ ...
نعترفُ الآنَ .. بأنَّكِ كُنتِ خليلتنا
نأوي لفراشكِ طولَ اللّيل ...
وعندَ الفجرِ، نهاجرُ كالبدوِ الرُحَّلْ
نعترفُ الآنَ .. بأنّا كُنّا أميّينَ ..
وكُنّا نجهلُ ما نفعلْ ..
نعترفُ الآنَ، بأنّا كُنّا مِن بينِ القَتَلَهْ ..
ورأينا رأسكِ ..
يسقطُ تحتَ صخورِ الرَوْشَةِ كالعصفورْ
نعترفُ الآنَ ..
بأنّا كُنّا - ساعةَ نُفِّذَ فيكِ الحُكمُ -
شهودَ الزورْ ..
6
نعترفُ أمامَ اللهِ الواحدِ ..
أنّا كُنّا منكِ نغارُ ..
وكانَ جمالكِ يؤذينا ..
نعترفُ الآنَ ..
بأنّا لم ننصفْكِ .. ولم نعذُرْكِ .. ولم نفهمْكِ ..
وأهديناكِ مكانَ الوردةِ سِكّينا ...
نعترفُ أمامَ اللهِ العادلِ ...
أنّا راودناكِ ..
وعاشرناكِ ..
وضاجعناكِ ..
وحمّلناكِ معاصينا ..
يا ستَّ الدنيا، إن الدنيا بعدكِ ليستْ تكفينا ..
الآنَ عرفنا .. أنَّ جذوركِ ضاربةٌ فينا ..
الآنَ عرفنا .. ماذا اقترفتْ أيدينا ..
7
اللهُ .. يفتّشُ في خارطةِ الجنّةِ عن لُبنانْ
والبحرُ يفتّشُ في دفترهِ الأزرقِ عن لُبنانْ
والقمرُ الأخضرُ ..
عادَ أخيراً كي يتزوّجَ من لُبنانْ ..
أعطيني كفّكِ يا جوهرةَ اللّيلِ، وزنبقةَ البلدانْ
نعترفُ الآنَ ..
بأنّا كُنّا ساديّينَ، ودمويّينَ ..
وكُنّا وكلاءَ الشيطانْ
يا ستَّ الدنيا يا بيروتْ ..
قومي من تحتِ الرَدمِ، كزهرةِ لوزٍ في نيسانْ
قومي من حُزنكِ ..
إنَّ الثورةَ تولدُ من رحمِ الأحزانْ
قومي أكراماً للغاباتِ ..
وللأنهارِ ..
وللوديانِ ..
قومي إكراماً للإنسانْ ..
إنّا أخطأنا يا بيروتُ ..
وجئنا نلتمسُ الغفرانْ ..
8
ما زلتُ أحبُّكِ يا بيروتُ المجنونهْ ..
يا نهرَ دماءٍ وجواهرْ ..
ما زلتُ أحبُّكِ يا بيروتُ القلبِ الطيّبِ ..
يا بيروتُ الفوضى ..
يا بيروتُ الجوعِ الكافرِ .. والشّبعِ الكافرِ ..
ما زلتُ أحبُّكِ يا بيروتُ العدلِ ..
ويا بيروتُ الظلمِ ..
ويا بيروتُ السّبْيِ ..
ويا بيروتُ القاتلِ والشاعرْ ..
ما زلتُ أحبُّكِ يا بيروتُ العشقِ ..
ويا بيروتُ الذبحِ من الشّريانِ إلى الشّريانْ ..
ما زلتُ أحبُّكِ رغمَ حماقاتِ الإنسانْ
ما زلتُ أحبُّكِ يا بيروتُ ..
لماذا لا نبتدئُ الآنْ؟
(نزار قباني)
:redrose: