الحرب في الشرق الأوسط: يوميات مواطن لبناني
الأحد 30 تموز/يوليو - الساعة 14:00
ما أن وصلنا الى دمشق حتى فجعنا بالخبر.
كأن اسرائيل لم تكتف بما قامت به في لبنان سنة 1996، وعادت بعد عشر سنوات بنفس الثوب وتحت نفس الإسم: مجزرة قانا.
أمام تلفاز صغير، في دكّان صغير في منطقة البرامكة في دمشق، فجعنا بالخبر الكبير ... أكبر من أي وصف وتعبير.
الصور على التلفاز تبعث على الصياح
وقفنا مجموعة من اللبنانيين. كاليتامى. العيون غارقة في الدموع والأفواه فاغرة. خليط من عدم التصديق والغضب العميق.
مجزرة قانا من جديد! يا الله ... يا الله ... ماذا فعلنا حتى نفجع هكذا مرتين؟!
الصور على التلفاز تبعث على الصياح... من يقتل أطفالا، نصفهم معوّقون؟ يعيدون مسلسل القتل الهمجي دون حساب ودون عقاب.
اتصلت بأهلي في البقاع. اتصلت بأصدقائي في بيروت. الغضب عارم. والحزن اخرس. ولا قوة ولا حيلة لمن لا ينصفهم المجتمع الدولي ولا تحميهم الشرعية الدولية.
الأحد 30 تموز/يوليو - الساعة 8:00
قصفوا المعبر الحدودي الشرقي الى سوريا، المعروف باسم "المصنع" ليل السبت-الأحد. لكن رحلتي الى سوريا والأردن لم تتأجّل، فالمعبر الشمالي الداخلي ما زال سالكا.
عبرنا الى سوريا. المعبر شبه خالي. معاملات العبور كانت سريعة بشكل لم يسبقه عابرو هذه الحدود قبلا.
في طريقنا الطويل الطويل الطويل الى دمشق، أخبرنا سائق التاكسي السوري أنّه يوؤي عائلة لبنانية في منزله، وبأن معسكرات "طلائع البعث" فتحت للبنانيين المهجّرين من بيوتهم. وهو يقول أن المهجّرين مسلمون ومسيحيون.
في نبرة صوته شفقة على اللبنانيين، وفخر بالسوريين لما يقدمونه من عون لهذا "الشعب المسكين". مساكين نحن بالفعل!
سائق التاكسي السوري يوؤي عائلة لبنانية في منزله
راكب تاكسي لبناني الجنسية من زغرتا. إسمه كلود وهو هارب/عائد الى فرنسا حيث يتابع دراسته.
أخبرني كلود بلهجته الزغرتاوية القاسية المحبّبة في آن ما حدث أمامه من يومين: كنا جالسين نتكلّم عن القصف وكيف أنّه لن يطال منطقتنا.
وفجأة، سمعنا صوت صاروخ ينفجر مسقطا عامودا حديديا مركّز على تلة عالية. كان العامود يحمل هوائيات عدّة. لا نعرف وظيفة هذه الهوائيات بالتحديد. كل ما نعرفه أنّها لا تعمل منذ زمن بعيد."
الكلّ عرضة ... حتى الأشياء التي لا وظيفة لها.
السبت 29 تموز/يوليو - الساعة 16:30
البحث عن المازوت. مهمة شاقة في زمن الحرب على لبنان. والبحث عن الطحين هو المهمة المستحيلة.
بعد ساعتين من البحث، وحوالي الأربع عشرة بلدة وقرية، إضافة الى بعلبك وزحلة، وجدنا المازوت، ولم نجد الطحين!
فالطحين مهم لصناعة الخبز. ومعظم بيوت القرى عادت لصناعة خبزها بنفسها. أما المازوت، فضروري لمولّدات الكهرباء التي تغني بيتنا عن كهرباء "الدولة"، التي شحّت في زمن شحّ فيه كلّ شيء إلا الموت العبثي المفاجئ الآتي من غير موعد أو علّة.
البحث عن المازوت. مهمة شاقة في زمن الحرب
المازوت "مهرّب" من سوريا بكميّات قليلة وإلا لكان البحث طال أكثر. والسوريّون مشكورون على كثير من الأمور. وأعني هنا الشعب السوري.
وبالمناسبة، غدا أخرج الى الأردن عبر سوريا برّا لحاجة عائلية ملحّة ؟ ثمّ أعود الى لبنان والعائدون قلائل! قد أستفيد من رحلتي هذه لأرى الأحداث في لبنان من عيون إخوانهم العرب.
السبت 29 تموز/يوليو - الساعة 7:00
تحليق طيران الاستطلاع الإسرائيلي كثيف في سماء البقاع. له رهبة ما بعدها رهبة. أية أهداف سيحدّد لمقاتلات الموت العبثي؟
أطفأنا أضواء المنزل، نزولا عند إصرار والدتي، فغرق بالصمت والعتمة.
لكن حتى الطيران المعادي لا يمنع اللبنانيين من النقاش السياسي. أبي، وأخي، وأمي، وخالتي، وزوج خالتي، وأنا في صراع كلامي.
اللبنانيون، مهما قيل انهم موحّدون. فهم ليسوا كذلك. وإن توحّدوا في الخوف، فإنهم لن يتوحّدوا في التحليل وفي رؤية الماضي والمستقبل.
أطفأنا أضواء المنزل، نزولا عند إصرار والدتي
نقاش ساخن على الأرض في منزلنا.. وتحليق ساخن للطائرات في سماء البقاع. لا أعلم كيف انقضت الليلة، ولكنها انقضت، ولم يقصف الطيران مدينة بعلبك او على الأقل لم أسمعه يقصفها.
ترى ما كان شعور أهل هذه المدينة وهم يتذوّقون النوم "الخالي من القنابل" بعد ثلاث ليالي متتالية من القصف؟
الجمعة 28 تموز/يوليو 2006 - الساعة 23:30
في طريقي إلى البقاع، قال لي سائق التاكسي الذي كان يقلّني من "برمّانا" الى "فاريّا" شيئا يعكس شعورا عاما لدى الكثير من اللبنانيين. قال "ألا يمكن لهذه القنابل الذكية أن تكون أذكى قليلا فتتجه نحو السياسيين؟!!" وضحكنا ... من الأسى وقلة الحيلة.
الطريق بين المتن وكسروان سالكة وآمنة ... ورائعة الجمال. تجعل المرء يفكّر تلقائيا فيمن يحبّ. فكّرت فيها وفي المسافات التي تفصلنا بسبب هذه الحرب.
القرى على طول الطريق مكتظة بالناس الذين يبحثون في مقاهي الليل عما ينسيهم شقاء أحداث النهار. ساعة ونصف قضيناها في طريق لا يستغرق عادة أكثر من أربعين دقيقة.
وصلت الى مستديرة "عشقوت" حيث كان والدي ينتظرني ليقلّني عبر "فاريا" و"عيون السيمان" إلى البقاع.
ألا يمكن لهذه القنابل الذكية أن تكون أذكى قليلا
فالتاكسي لا يغامر الى مناطق مهددة بخطر القصف، إلا بالثمن المناسب، وهو أكثر مما يمكن تحمّله في مثل هذه الأوضاع.
ما أن قطعنا منطقة "عيون السيمان" الى "حدث بعلبك" حتى تغيّرت الصورة.
البيوت مظلمة، قلّة من الناس خارج منازلها تجلس في صمت. الطرق محفّرة. "هنا قصف الطيران الإسرائيلي منذ ثلاث أيام".
"هذه الحسينية التي استهدفها القصف". "هذه التلال تعرّضت للهجوم مرتين خلال يومين". هكذا شرح لي والدي الأحداث في منطقتنا ونحن في الطريق الى قريتنا.
وصلنا ... ولم أشعر بالأمان حتى دخلت البيت .. لكن هذا الشعور تبخّر ما أن بدأ طيران الاستطلاع الإسرائيلي تحليقه في سماء البقاع بحثا عن هدف جديد.
الجمعة 28 تموز/يوليو - 11:20 بالتوقيت المحلي
اليوم الثامن عشر للحرب. وما زلنا نعاني!
وسط بيروت يضج بالحياة الحذرة ... في عيون الناس قلق وترقّب. الحركة مقتصرة على العمل والتنقّل. فالمقاهي والمطاعم الكبيرة مقفلة، والناس في حالة انتظار.
حتى العاملة في المصرف، حيث مررت لأسحب بعض المال من اجل رحلتي الى البقاع، انحنت نحوي وقالت: "لا يمكنك أن تسحب أكثر من ألفي دولار."
معظم اللبنانيون يشعرون بالامتنان للدعم المالي الذي يقدّمه العرب
يبدو أن البنوك تضع قيودا على إمكانية سحب "العملة الصعبة" في هذه الحالة "الصعبة"، ولمن يصرّ على أكثر من ألفي دولار، عليه أن يدفع عمولة إضافية.
تبدو لي القصة كأنها "قصاص" أكثر من أي شيء آخر.
بالمناسبة، معظم اللبنانيون يشعرون بالامتنان للدعم المالي الذي يقدّمه العرب لاسيما السعوديون والإماراتيون، ولكن يتساءلون أيضا: هل يكفي الدعم المالي؟
أنا متأكد أن الكثير من اللبنانيين، وغير اللبنانيين، سينظرون الى هذه الجملة بعين الريبة، خوفا من أن "ينقطع الدعم" ولكن الأكثرية تتسائل، أيضا، ولو في سرّها، السؤال نفسه.
أركان - الجمعة 28 تموز/يوليو - 01:00 بعد منتصف الليل بالتوقيت المحلي
الحرب دفعتني نحو برمّانا "مؤقتا"، وأصر على كلمة "مؤقتا"!
غدا أذهب إلى محافظة "البقاع" لكي أهتم بشأن عائلي ملحّ.
نعم، فالحياة لم تتوقّف في لبنان، ولن تتوقف! أنا أصلا من البقاع ولكنّي كنصف اللبنانيين على الأقل، أعيش وأعمل في بيروت. والحرب دفعتني نحو برمّانا "مؤقتا"، وأصر على كلمة "مؤقتا"!
يفترض بقريتي "فلاوي" أن تكون مكانا هادئا وسالما فهي تشرف على سهل البقاع الواسع، وهي على بعد 18 كيلومترا من مدينة بعلبك التي استهدفها الطيران الإسرائيلي مسقطا فيها وحدها ما لا يقل عن ثلاثين قتيلا.
هذا مقياس "الأمان" عندنا في لبنان الآن: أن نكون بعيدين بضع كيلومترات عن هدف رئيسي للهجمات الإسرائيلية. أمر محزن ومخيف.
موقع القرية ليس المشكلة الأكبر، بل الطريق إليها.
طريق بيروت-دمشق الدولية مبتورة، وطريق ضهور الشوير أيضا تستهدفه المقاتلات الإسرائيلية...فالبارحة سقطت شاحنة خضار وشاحنة أدوية ضحايا للقصف.
اما طريق عيون السيمان فهي الأقلّ خطورة.
سنأخذ الخيار الثالث إذن والله يسلّم!
الخميس 27 تموز/يوليو - 23:40 بالتوقيت المحلي
كثيرون يقيمون الآن في مناطق لم يكونوا قد زاروها قبلا
من دون شك، الحرب قرّبت الناس من بعضها.
كثيرون يقيمون الآن في مناطق لم يكونوا قد زاروها قبلا.
قال لي رجل كبير في السن، مسيحيّ، يقيم في بكفيّا، أنّه لم ير مسلمين بهذه الكثرة في بلدتهم من قبل.
من "عوارض" هذه الحرب أنّها مزجت اللبنانيين ووحّدتهم في مصابهم مع اختلاف الدرجات طبعا.
الآن أنا جالس في مقهى للانترنت في برمّانا. الساعة تقارب الثانية عشر ليلا...حولي رجلين في أواسط الثلاثينات يتكلّمان، تبيّن أنهما كانا زملاء منذ أيام المدرسة والتقيا بعض سبعة عشر سنة!
قصة حقيقية ...زياد ومالك يشهدان!
الخميس 27 تموز/يوليو - 17:00 بالتوقيت المحلي
بلا مبالغة، أعرف 8 أشخاص كانوا في طور التحضير لزفافهم هذا الصيف، والمعرفة وثيقة ليست عابرة.
واحدة أصرّت ومضت.
كانت تخطط للزواج هذا الصيف ولكن الحرب منعتها
بعض المدعوين لم يأتوا طبعا، حوالي الثلثين! ولكن هذا كان في اليوم الثاني للحرب حين كنّا نظنّ انها مسألة "ضربات انتقامية" من إسرائيل. "يوميين وبيمرقوا". كم كنّا مخطئين!
اليوم كلّمتني زميلة لي من أيام الجامعة. هي أيضا كانت تخطط للزواج هذا الصيف ولكن الحرب منعتها، ليس من الزواج، فهي ماضية ولكن منعتها من إقامة زفافها. مبروك لها وعقبى للسبعة الذين ينتظرون.
الخميس 27 تموز/يوليو - 12:30 بالتوقيت المحلي
في بيروت "مقاتلون" من نوع آخر.
أقسّم وقتي بين عدد من الأمكنة
جيش من الشباب والشابات المتبرعين بمالهم ووقتهم وخبراتهم من أجل مساعدة النازحين الذين ضاقت بهم المدارس الرسمية والحدائق العامة، على قلّتها في بيروت.
أحاول أن أقسّم وقتي بين عدد من الأمكنة التي يتجمّع فيها النازحون.
الحالة أصعب من أن توصف.
أطفال تسأل عن أبائها، وأمهات تسأل عن طعام لأولادها وكبار في السنّ يصرّون على العودة الى "الضيعة".
هناك الكثيرون ممن يساعدون ولكن نريد المزيد. فعندما يصبح حوالي المليون لبناني من دون منزل، بين نازح داخل البلد ونازح الى خارجه، تبرز الحاجة الى المزيد من هؤلاء "المقاتلين المسالمين".
الأربعاء 26 تموز/يوليو - 17:40 بالتوقيت المحلي
ظاهرة جديرة بالاهتمام، مع أننا كلبنانيين قد لا تفاجئنا على الإطلاق.
هذا التحديق بوجه الموت، ماذا يقول لنا؟
برغم القصف وأعداد الضحايا المتصاعدة، هناك الكثير من اللبنانيين الذين ما زالو يقيمون في مناطق تعتبر تحت تهديد إسرائيلي مباشر.
أعرف كثيرون ما زالوا في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت على مسافة خطوات من ما يسمى "المربّع الامني".
هذا التحديق بوجه الموت، ماذا يقول لنا؟
هل يعبر عن "روح قتالية"، أو عن التزام بنداء الصمود، أو عن ضيق في الخيارات الاخرى؟
أم هل يعبّر عن يأس واستسلام لما هو أقوى من منطق "تحييد المدنيين" وحماية العزّل؟
الأربعاء 26 تموز/يوليو - 15:45 بالتوقيت المحلي
لا أعتقد أن باستطاعة أي إنسان واقعي أن يتكلّم عن مجاعة أو فقدان لمصادر الطعام على نطاق واسع في لبنان، باستثناء المناطق التي تتعرض للقصف بشكل دائم مثل بعض قرى الجنوب ومناطق الضاحية الجنوبية.
المطاعم الكبيرة مقفلة، مع ان بعضها يصرّ على تأمين خدمات التوصيل
هذه المناطق صارت خالية من معظم سكّانها أصلا الا القليل الذي يرفض الخروج لعدة أسباب أكثرها الحاحا هو عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه!
المطاعم الكبيرة مقفلة، مع ان بعضها يصرّ على تأمين خدمات التوصيل، كشكل من اشكال الصمود، ربّما.
وحتى الأمكنة الصغيرة التي تبيع سندويشات تعاني من عدم طبيعية الحركة. البارحة، شعرت بالجوع ولكن "أبو بكر" قال لي: "ما في شي الا شاورما"، فانتهى بي الأمرأن التهم سندويش شاورما بدون ثوم على قارعة الطريق.
وطبيعي في هذه الحالات أن يزدهر سوق "المناقيش" وهو ما يحدث فعلا اليوم، فهذا النوع من الطعام، كما نقول في لبنان، "رخيّص وكويّس"! نعم، الكل يأكل منقوشة! والمنقوشة معروفة لكل لبناني أو عربي زار لبنان، أما من لم يزره فقد يكون لا يعرف عماذا أتكلّم.
نصيحتي للذين لا يعرفون: عندما تزورون لبنان في المرة القادمة، إنشاء الله بعد الحرب، عندما يعود لبنان، وسيعود حتما، أطلبوا "منقوشة"، وتذكّروا أننا شعب عانى كثيرا من حروب المناقيش!
الأربعاء 26 تموز/يوليو - 15:00 بالتوقيت المحلي
وصلت الى بيروت اليوم حوالي الثانية عشر ظهرا.
أكاد أقسم أنّه ليس هناك حرب في وسط بيروت! سيارات وأعمال وناس حتى ورش بناء!
كل ما أعرف انني اليوم أكثر تفاؤلا من البارحة
كلام نصرالله البارحة بعد نصف الليل يرنّ في أذني: "الأسبوع المقبل أو الأيام العشرة القادمة ستكون حاسمة". اما نوع "الحسم" فلم يتحدث عنه أحد.
هل هناك علاقة بين هذه الكلمات وخروج الناس الى العمل اليوم؟ لا أعرف. كل ما أعرف انني اليوم أكثر تفاؤلا من البارحة.
لكن هذا ليس شعور اللبنانيين جميعا.
هناك من زاد خوفه بعد الكلام مجددا عن "ما بعد ما بعد حيفا" وهناك من قرّر أن لا يشعر، وهناك من يبحث عن أي كلام يطمئنه لأنه في صراع بين الخوف الطبيعي والرغبة بالثبات والصمود.
الأربعاء 26 تموز/يوليو - 10.00 بالتوقيت المحلي
بيت مري، برمانا، بعبدات، بكفيا، ضهور الشوير كلها مصايف في منطقة المتن على مقربة من المكان الذي أقيم فيه "مؤقتا" بسبب هذه الحرب.
هذه البلدات، كلها، بلغت سعتها النهائية في موسم "التصييف" الإجباري!
الأسلوب اللبناني لم يتغيّر
البارحة قال لي صديق برمّانيّ أنّه يشعر بالفخر لأن بلدته اتسعت للجميع فالبرمّانيون يؤدّون واجبهم المدني في تقديم المساعدة للمحتاجين والنازحين، ويؤمنون لهم الطعام، والشراب وأمكنة للنوم وأمكنة للسهر!
الأسلوب اللبناني لم يتغيّر إذن فقط أجبر على التراجع الى برمّانا!
أركان - الثلاثاء 25 تموز/يوليو - 22:00 بالتوقيت المحلي
الساعة السابعة مساء والطريق من بيروت الى برمّانا تكاد تكون خالية إلا من بعض المغامرين أو "الواقعيين"؛ فالطريق لم تستهدف بعد ومع ذلك فإن الرحلة مع "التاكسي" لا تستغرق اكثر من عشر دقائق.
يحيا اقتصاد السوق!
التاكسي؟ نعم ما زال هناك تاكسي في لبنان مع انّ سائق التاكسي يقول لك "بتعرف استاذ، هلّق تغيّرت التسعيرة. 22 ألف ليرة بدل 17 ألف ليرة." والمقصود انّه عليّ كمواطن لبناني، ان ادفع ضريبة الحرب إضافة الى ضرائب السلم.
يحيا اقتصاد السوق!
انتظرني التاكسي في شارع خال في وسط بيروت، كنا في السابق نقضي حوالي ربع ساعة لنقطعه بسبب زحمة السير والسواح والساهرين أما الآن فالشارع خال وسائق التاكسي ينتظر والراديو ينقل صوت فيروز: "بحبك يا لبنان"!
أركان - الثلاثاء 25 تموز/يوليو - 17:20 بالتوقيت المحلي
ليس هناك تعبير دقيق عن الشعور الذي يمر في صدر الإنسان حين يسمع صاروخا ينفجر على مسافة قريبة منه!
لست ادري إذا كان يمرّ هذا الشعور في صدره او ظهره أو ذراعه ... كل ما أعرف أنه يمرّ! إلى أين يذهب؟! لا أدري! كل ما اعرف أنه يمرّ! والبعض يقول أنّه يبقى! في الذاكرة ... في الوعي ... في اللاوعي؟ لا احد يعرف!
لقد سمعت أربعة إنفجارات قريبة جدا منّي
لقد سمعت أربعة إنفجارات قريبة جدا منّي، منذ عشر دقائق، وانا في وسط بيروت ... تبيّن انها أصابت الضاحية الجنوبية.
يكفي الآن أن احاول تصوّر شعور من كان في الضاحية الجنوبية فعلا، ومن كان على الأرجح "هدفا" لهذه الصواريخ.
ما هي الفكرة الأخيرة؟ هل كان هناك فكرة أخيرة؟ ما أبشع أن يموت الإنسان دون فكرة اخيرة!
ما زلت في وسط بيروت حريصا على أن أتمسك بفكرتي "الأخيرة"، فيما احاول البحث عن وسيلة للخروج من هذه المدينة، في سباق مع زحف الليل الذي يحمل معه ضوء القنابل الإسرائيلية!
أركان - الثلاثاء 25 تموز/يوليو - 15:30 بالتوقيت المحلي
الحياة في لبنان في اليوم الثالث عشر للحرب بدأت تتأقلم مع ما يبدو انه قدر اللبنانيين ؟ الحرب التي لا خيار لهم فيها!
وليس المقصود بكلمة "الخيار" هنا أن يختاروا قتال العدو ام لا، بغض النظر عن هويته،
بل المقصود ان يكون لديهم الحرية في أن يختاروا التوقيت والطريقة والمدى من دون ضغوط وإملاءات "أخلاقية" أو إيديولوجية. متى نفكّر إنطلاقا من المصلحة؟ المصلحة الحقيقية وليست المفترضة؟
أقيم مؤقتا في برمانا، ولي حديث آخر عنها! وأتنقل الى بيروت يوميا تقريبا، ليس بحكم عملي، وما زال هناك عمل في بيروت، ولو محدود، وليس بحكم حاجة ملحة. أتنقل بحكم الرغبة في رؤية أقرب ودور أفعل في هذه الحرب "اللعبة"!
ولا داعي لأقول كم تحذير أسمع في اليوم. "إنتبه". "خفف تنقلاتك". والسؤال هل أن من قتل أو جرح لم يكن منتبها؟!
الكهرباء والماء وخطوط الهاتف والانترنت ما زالت تعمل ولو جزئيا
أكتب الآن من وسط بيروت. منطقة ما زالت بعيدة عن الاستهداف الإسرائيلي.
الكهرباء والماء وخطوط الهاتف والانترنت ما زالت تعمل ولو جزئيا ولكن هذا ما لا أستطيع قوله عن باقي المناطق اللبنانية!
لو أردت أن اغمض عيني وأصغي لما حولي لظننت انه يوم احد عادي (واليوم هو الثلاثاء). أصوات سيارات قليلة ؟ آذان يطلقه جامع هنا وجرس كنيسة يدق هناك وما اكثر الجوامع والكنائس في وسط بيروت!
معظم البيروتيين إما في بيوتهم وإما خارج بيروت، بعضهم في الجبال، وبعضهم في سوريا وبعضهم في الأردن وبعضهم في دول أبعد!
غريب كيف ان كثير من اللبنانيين اقتنعوا أنهم فعلا أميركيون أو بريطانيون أو فرنسيون أو سويديون!!!
كل اللبنانيين في حالة ترقب إلا حوالي 400 لبناني! أولئك الذين اختارتهم القنابل الذكية!!!
الآراء المنشورة تعبر عن مواقف اصحابها ولا علاقة لبي بي سي بمحتواها.
موضوع من BBCArabic.com
http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-/hi/arabic...000/5214496.stm
منشور 2006/08/01 12:58:28 GMT
© BBC MMVI
بحث
قائمة الأعضاء
التقويم
وثائق المساعدة
