"مشاريع صغيرة" التبسيط و الإختصار , إفقار...
مشاريع صغيرة ...
عاصي "سلوم حداد" ,يساري سابق , مازال يعبر عن "يساريته",بإصراره على الإستماع الى مرسيل خليفة و الشيخ إمام , في أمسياته التي يقضيها وحيدا,يبدو كأحد جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق , و هو يصارع ليجد لنفسه مكانا على خارطة الدنيا,موظف حكومي يتحايل على ساعات الدوام , بائع متجول,و محاسب في شركة محترمة , و أخيرا صاحب مشروع مزرعة حيوانات داجنة , مجموعة من المهن المتضاربة و المتشعبة تليق بالفعل بدولة ذات نظام يساري لا يعرف من اليسار إلا أغنيات مرسيل خليفة ,و لكن المشروع الأكبر الذي يحاول أن يحقق نجاحا فيه هو مشروع زواجه , تدور حول عاصي عدة "أفلاك" أو مشاكل و هم أخواته و أخواته و أزواجهم و زوجاتهم , و في حياة كل واحد منهم مشكلة تنظر من عاصي أن يحلها أو يزيدها تعقيدا.
يتنقل ساوم حداد بين المشهد و الذي يليه على "الفيسبا" البرتقالي, و يواجهة مشكلات أقرباءه بإنفعال زائد , قبل أن يجد نفسه ملتزما بحلها, لا يملك عاصي إلا حل واحد لجميع المشكلات التي يقع أفراد أسرته فيها و هو المال, مبالغ بسيطة تتلائم مع عنوان المسلسل , لا تجد مبالغ عاصي في إيجاد حل جذري للمشاكل , فتعود للظهور حلقة بعد أخرى , و تتكرر المشاهد ذاتها و تدور الشخصيات حول نفسها و حول عاصي بمسارات محددة مضبوطه ,فبقيت الشخصيات بذات الضمور الذي بدأت فيه المسلسل, لم يحصل فيها أي تطور , حتى شخصية عاصي نفسه بطل المسلسل الأوحد , الذي دخل أولى حلقاته بفسخ خطوبته و أنهى أخر حلقاته بفسخ مشروع خطوبة .
تدور أحداث الحلقات في الأوقات التي يشرع فيها معظم أبطالة بتناول الطعام أو أحتساء الشاي و هو رمز غير ولضح الدلالة , أما الزمن الأكبر التي تستهلكة الحلقات فقد كان في المحاولات الفاشلة في تحقيق لقاء بين عاصي و والد خطيبته المفترضة , و لكن القدر أو الكاتب يقف ضد هذا اللقاء طوال خمس و عشرين حلقة , و بعد كل لقاء ملغى أو مؤجل يدو نفس المنولوج بين الأب الذي يتهم الخطيب بالخداع و البنت التي تستجدي الأعذار مرة بعد مرة,يكاد الحوار يكرر نفسه و المشاهد تعيد ذاتها و بالكاد يغير الكاتب بعض جمل الحوار و يغير المخرج ديكور المشهد ,لتعود اللعبة من جديد,و ما بين مشروع لقاء و الذي يليه يتسبب أحد أفراد العائلة بمشكلة تنتظر حلا من عاصي .
المشاريع الصغيرة التي تعمل عليها شخصيات المسلسل , رجالية الشكل و الأسلوب, و تكتفي النساء بالمراقبة و إبداء النصح و المشورة غير الضرورية ,حتى النساء اللائي ظهرن بشكل مؤثر كن يدرن مشاريع لصالح ذكورهن , كأم عاصي "منى واصف", مشروعها الكبير تزويج عاصي و مشروعها الصغير الحصول على طفل من أحد أبنائها الذكور,و "رنا جمول" الزوجة المغرورة التي وجدت في في الذكر ضعفا شديدا فأرادت أن يكون لها مشروعها الخاص , و لكن تفشل و يعلل الكاتب فشلها بتفردها في الحل دون الرجل "زوجها",طغى الحضور الرجالي بشده على هذا العمل , و اقتصر الحضور النسائي على أعداد الطعام و شغل "الكنويشا" و الولاده.
بسط الكاتب جميع شخصيات المسلسل الرجال و النساء و بسط مشكلاتهم بشدة , و بدا بعضها تافها, و لكن عاصي يواجه جميع المشكلات بنفس الحماس و ذات الإنفعال, و حبس المخرج الشخصيات كما فعل الكاتب في ديكور أو أثنين , فتنحددت حواراتها , و المستوى الذي تتحرك فيه ,و جاء بعضها هزيلا جدا , كشخصية الزوجة الأولى "سوسن أرشيد", التي أستسلمت بسهولة لواقع مهين بشكل لا تتناسب مع أنثى حقيقية , و بعضها كان شديد المبالة كشخصية زوج الأخت النزق الذي يثور لأتفه الأسباب,و أن كان وجود مثل هذه الشخصية أثارة الضحك , فهي توقفت عهن كونها كوميدية بعد الخناقة الثالثة التي أفتعلتها.لم يرغب الكاتب بتورط نفسه في تعقيد الحدث أو تعميق الشخصية , و قد ظن أن الكوميديا تظهر أكثر بالتسطيح .
شبكة العلاقات الإجتماعية في عائلة يفترض أنها متماسكة لم تعكس ذلك التماسك,و جاء الربط الدرامي بين الشخصيات شديد الفقر حين أقتصرت العلاقات على ألتهام الطعام أو شرب الشاي حتى بين الأزواج و الزوجات , فظهرت حكايات الشخصيات شبه منفصلة يكاد عاصي أن يكون القاسم المشترك الوحيد بينها, فلم يأخذ المسلسل شكل الوحدة الدرامية المتماسكة , إلا عندما يتحدث عن عاصي , لذلك ظهرت الحلقات الثلاثين و كأنها هيكل عظمي يتألف من عمود فقري و مجموعة من السلاميات المتباعدة مربوطة الى عمودها الفقري بشكل واه , و البديهي في مسلاسلات تتحدث عن علاقات الأسرة الواحدة , أن يظهر التشابك و ربما يكون تعقيد مثل تلك العلاقات مطلوبا ليتمكن المسلسل أن يغطي أكبر مساحة إجتماعية ممكنة , و لكن هدف الكاتب بجعل الكوميديا هدفا أول جعله يبتعد قليلا عن الغوص بما هو إجتماعي.
لم يتح النص فرصة ليظهر المخرج أمكاناته و خاصة و أن المثنى صبح "المخرج" بدأ في هذا المسلسل أولى خطواته الإخراجية , فعمل بنفسية المخرج المساعد و نقل النص المكتوب على الورق بذات الرتابة التي كتب بها,و قلب المشاهد كما يقلب القارىء أوراق روايته , و أنحشر الممثل داخل عدة مشاهد متطابقه , فكان المشهد السابق "بروفة "للمشهد التالي , و أصبحت الشخصية ذات لون واحد لا تغيره . مشهدين إثنين في كل المسلسل كان من الممكن بذل جهد إخراجي و تمثيلي فيها , الأول مشهد إكتشاف الزوجة الأولى زواج زوجها , و هذه لحظة فيها غنى درامي تتيح للمثل أن يظهر قدراته , كان رد فعل الممثلة باردا و لا يناسب صدمة من هذا النوع , و المشهد الثاني هو المشد الذي أنتظرناه خمسة و عشرين حلقة و هو الذي يجمع سلوم حداد و تيسير عويتي و مرح جبر بعد أن يتعرف كل طرف على الطرف الآخر , جاء مخيبا للآمال من حيث المعالجة الدرامية و الإخراجية و حتى التمثيلية ,أكتفى سلوم حداد برفع حاجبية و مرح جبر فتحت فمها قليلا و هي تتلقى الخبر أما الأب فقام فورا من مكانه و كأنه يتوقع هذه النتيجة. كان هذا المشهد نقطة إرتكاز المسلسل و كانت يمكن أن يوظف بشكل يخدم الدراما و يشبع لوعة المشاهد الذي صبر خمسة عشر يوما و لكن صبره ضاع سدى.و فقد حماسته في المتابعة .
لا نستطيع تقييم أداء الممثيلن بدقه في هذا المسلسل , و كان عبارة عن سلسلة مكررة من المشاهد المتشابهة , و كذلك لا يمكن أن نعده بداية جيدة للمخرج و لا يمكن أن نعده بداية حتى, رغم أن فكرته الأساسية جيدة و يمكن البناء عليها و توسيعها, لكن الكاتب فضل أن يحتفظ بها على شكلها الأول البسيط , و قدمها كما خطرت له لأول وهلة , فوقع في مأزق تمرير ثلاثين حلقة , فلم يجد بدا من التكرار و التطويل و المط و الإعادة , فمشاهد "عبد المنعم عمايري" في هجرته الأولى على الإمارات متطابقة تماما مع هجرته الثانية الى اليونان , و حوارات الأزواج و الزواجات حول موائد الطعام و كوؤس الشاي ,و ملاحقات الشاعر الفاشل لديوانه الملفق, كل ذالك أعيد و فتق عشرات المرات , دون إضافة فنية ملحوظة.
أفضل ممثلة : منى واصف
أفضل ممثل : سامر المصري
أسوأ ممثل : أدهم مرشد و أسوأ ممثلة زوجته في المسلسل
|