[SIZE=5]مسح الأحذية..
مهنة للجامعيين
إيمان علي**
هل فكرت يوما في أن تعمل ماسح أحذية؟!
هذا السؤال الذي قد يظنه البعض من قبيل الاستهزاء تحول
هل يخجل هذا الشاب من مهنته؟
إلى واقع ملموس في بريطانيا.
فقد اتفق عدد من المنظمات المدنية المعنية بقضايا البطالة ورعاية المتشردين على تأسيس شركة هدفها إحياء بعض الصناعات التي اندثرت، والترويج للمهن القديمة التي قد يجد البعض خاصة من الحاصلين على مؤهلات جامعية حرجا في العمل بها. هذا إلى جانب تنشيط وإتاحة فرص عمل للشباب من أصحاب الظروف الاجتماعية السيئة.
كانت البداية مع مهنة ماسح الأحذية، حيث أجرت الشركة العديد من الاتصالات مع معظم الفنادق الكبرى والشركات والبنوك التي تقع في العاصمة لندن وما حولها من مدن كبيرة، وذلك للاتفاق معهم على أن يكونوا بمثابة الرعاة أو المستضيفين لتطبيق تلك التجربة؛ عبر إتاحة الفرصة لشباب المتدربين على الاعتناء بالأحذية للعمل بهذه الأماكن التي تستقبل العديد من العملاء يوميا.
التدريب.. قبل التوظيف
استقبلت الشركة الآلاف من الشباب الراغبين في شغل هذه الوظيفة وكان على كل متقدم أن يمضي أولا فترة تدريبية على ممارسة المهنة مدتها شهر، يتدرب خلالها ما لا يقل عن 16 ساعة أسبوعيًّا، ويشرف على التدريب مجموعة من ألمع خبراء الجلود حيث يقومون بتقديم الإرشادات النظرية والعملية للمتدربين من حيث الأسس اللازمة للاعتناء بالأحذية وكيفية تلميعها وتصليحها وتركيب الإكسسوارات المختلفة لها. كما يشمل البرنامج التدريبي بعض الدروس في كيفية معاملة الزبائن والأسلوب الأمثل في المحادثة وإقامة العلاقات العامة.
وبعد أن يجتاز المتقدمون للوظيفة فترة التدريب بنجاح، يتم توزيع كل ثمانية منهم على فندق أو بنك من المتفق معهم على استقبال هؤلاء الشباب. يرتدي ماسحو الأحذية أثناء العمل زيا موحدا، ويحصلون على راتب قدره 140 دولارا أسبوعيًّا فضلا عن (البقشيش) الذي يحصل عليه من يتقن عمله منهم. وبناء على خطة العمل فماسح الأحذية لا يحصل على ذلك المقابل من الزبون مباشرة بل من المكان الذي تم توزيعه عليه والذي يقوم بدوره بمحاسبة الزبائن.
الخجل.. مشكلة المهنة
يقول "تيري مجدويل" الذي يعمل ماسحا للأحذية تابعا للشركة في بنك باركليز "لقد ظللت طوال 7 سنوات بلا عمل، إلى أن عثرت على هذه الوظيفة فأحسست وقتها أن هناك بارقة أمل تكفل لي حياة كريمة أعتمد فيها على نفسي، خاصة أنني أحصل منها على راتب مجز إلى جانب البقشيش".
ويضيف تيري: "لا أنكر أنني في البداية كنت خجلا بعض الشيء من قبول العمل بتلك الوظيفة، ولكن بعد 3 أشهر من ممارستي للعمل لم أشعر مطلقا بأي نوع من أنواع النقص، بل على العكس تماما فقد أتقنت فن معاملة الزبائن وكيفية العناية بالأحذية بشكل مميز، وهو ما جعلني أتمتع بصيت ذائع بين عملاء البنك الذي أعمل لديه حتى أنهم يطلبونني بالاسم".
ويعلق "سيمون فينتون" المدير التنفيذي لشركة ماسحي الأحذية على هذه الأمر قائلا: "لم أكن أتوقع أن تلقى هذه المهنة ذلك الإقبال الذي نشهده لما تثيره من خجل في النفوس، فعندما فكرنا في تنظيم التجربة كان تصورنا لها يقع في إطار محدود، لا يخرج عن مجرد توفير الرعاية لمن هم بلا مأوى أو عمل من أصحاب الظروف الاجتماعية الخاصة".
ولكن سرعان ما تطور الأمر بحيث لم يقتصر العمل على هذه الفئة فحسب، بل امتد ليشمل شريحة عريضة من الشباب العاطلين الذين تكتظ بهم العاصمة، وهو ما جعل عدد الفنادق والبنوك التي ترعى تطبيق هذه التجربة يرتفع من 9 أماكن إلى 23 مكانا في لندن وحدها.
وأشار فينتون إلى أنهم يفكرون جديا الآن في تعميم تلك التجربة لتدخل معظم مدن إنجلترا، حيث أثبتت نجاحا ملحوظا كما هو واضح، ومن خططهم فتح منافذ في المطارات ومحطات القطار بمانشستر وغيرها لضمان الانتشار وزيادة الفرص المتاحة للشباب.
الشباب.. مؤيد ومعارض
![[صورة: pic02.jpg]](http://www.islamonline.net/arabic/economics/2006/05/images/pic02.jpg)
الشكل التقليدى لماسح الاحذية.. صورة لا يريدها الشباب
أما الشباب فقد تباينت آراؤهم حول هذا الأمر فمحمد محسن يوسف طالب كلية الهندسة بجامعة القاهرة يعارض التجربة قائلا: "على الرغم من تفوقي بالكلية فإنني لا أضمن الحصول على فرصة عمل بعد التخرج، ورغم ذلك فإني أتحفظ على العمل بتلك المهنة مهما كانت المغريات المادية، فأنا لم أجتهد وألتحق بإحدى كليات القمة حتى يكون ذلك هو مصيري".
ويختلف وائل محمود طالب كلية الآداب بجامعة عين شمس- مصر مع الرأي السابق قائلا: هناك بعض المعتقدات التي لا تزال للأسف تحكم طبيعة تصرفاتنا، وهي التي تعوق معظمنا عن العمل ببعض المهن البسيطة، مع أن العيب من وجهة نظري أن يظل الشاب بعد التخرج يطلب مصروفه من والده، ولذلك أنا لا أرى عيبا أن أعمل بتلك المهنة إذا كانت هي البديل المتاح.
ويطرح أحمد محروس خريج كلية التجارة دفعة 1998 نفس الرؤية السابقة من خلال التأكيد على أن هذه المهنة كوسيلة لكسب الرزق هي أفضل بكثير من اللجوء إلى الطرق غير المشروعة التي لا تؤدي إلا إلى ظلمات السجون.
ويبدي محمد عبد الحي الطالب بكلية التجارة تخصص "الإدارة والريادة" بجامعة القدس المفتوحة بغزة موافقة مشروطة على هذا العمل، ولكنها شروط تعجيزية أقرب إلى الرفض، منها أن تكون طبيعة العمل غير مذلة بأي شكل كان، وألا يكون عمله شبيها بعمل ماسحي الأحذية المعروفين في الأحياء الشعبية، بحيث يكون هناك ما يضمن له الحفاظ على كرامته، وعدم الإساءة له من قبل الزبائن أو نظر أحدهم له بتكبر أو بدونية وأن يلقى معاملة حسنة من قبل إدارة الشركة.
ويفضل أن يكون العمل في منطقة بعيدة عن منطقة سكنه، حتى لا يعرفه أحد أو يراه أحد، معللا ذلك بقوله "مجتمعنا لا يرحم، ولا يتفهم عمل جامعيين في هذا المجال، رغم أنه عمل شريف والعمل ليس عيبا".
ويحبذ عبد الحي أن يكون الزبائن الذين سيتعامل معهم من الأجانب حيث يقول: "في المجتمعات الغربية الأوربية لا يتدخلون في شئون الآخرين، وكل فرد له حريته في عمله وحياته".
ويستبعد أن يكون عمله بتلك المهنة دائما حيث سيكون "مؤقتا" لحين أن تتاح له فرصة عمل أفضل منها، حتى لو كان الراتب أقل من عمله في هذه الوظيفة.
اقرأ أيضا:
"السيرور" المغربي.. حرفة المهمشين
عبقري مغربي بدرجة بائع متجول!
من خريج جامعة لبائع صحف..!
---------------------------
** مترجمة وصحفية مصرية