العزيز "غالي" يا ابن البلد؛
أعتقد من ناحيتي أنه يمكن التخلص من سطوة الحب الأول، ربما ليس بسهولة، والأمر يحتاج لحبٍّ جديد قوي متين جبار هادر غامر.
فأولى التجارب في كلّ شيء يبقى لها رونق الأولوية، البداية، التعرف على شيء لأول مرة. ولكنه برأيي وهم كبير، ولا بد للاستمرار بالحياة والحب، الخروج من رتقه وهذا ما حدث لي بعد سنين طوال طوال.
كنت قديماً قد كتبت هذا الكلام عن الحب الأول ونشرته بموضوع في ساحة الأدب، بيد أني غيرت رأيي فيما بعد، وكتبت حول ذلك أيضاً، عن تحرري من سجن ذلك الحب الأول.
الحب الأول - متفرقات شاعرية
اقتباس:[CENTER]الحب الأول
يخطئ الكثيرون حين يقولون أن الحياةَ فرصٌ فإن لم تصطدها فإنك الخاسر الأكبر.
فهناك في الحياةِ فرصٌ، يُصبح عدم اقتناصها نعمةً، تصبحُ ذكرى فرصةٍ تغذي الخيال رغبةً في تكرارها. فتتحول إلى الأسطورة الأجمل والأسمى.
والحبُّ الضائع، ذكرى الحب الأول، آلامهُ وشجونه، عذوبته وتمرده، وخلجات أصحابه الملتاعة، يصبح الأصل والحدث الأهم، وكل ما بعده استجرارٌ له، أو رغبةٌ في تكرار، تخرجُ عن كونها حدثاً بذاته، بل تصير هوامشاً على صفحات الحبِّ الأول، الذي يحولها ببراعة إلى أجرامٍ تدور في فلكه.
والحبُّ الأول لا يكون أولاً إذا كان وحيداً، ولن يكون له معنى القدسية والسيطرة/الأسطورة لو لم يكن ضائعاً ...
وتمر أيامٌ وسنون بعده، فيصبح كلُّ ما عداه وهماً، ويصبحُ هو بذاته منفصلاً عن وقائعه.
مجرداً من بشريته وطبيعته.
يصبحُ أحاسيساً بحتة، ذكرى خالصةً لا تحمل حقيقة ولا منطقاً ويصبح الطرفُ الآخر غير مهماً لاستمرار الحب.
بل يصبح عدم وجوده وبعده شاحذاً لخيال الأسطورة، وأساساً من أسس استمرارها.
ويبقى أحلى فرصة ضائعة، لكنها حيّةً دوماً.
ترفض الاستكانةَ والخضوع، ترفض الموتَ.
تعيشُ مع كلِّ حبٍّ جديد، جديدةً بجدارة.
مرسيليا / أبريل 1994
تداعيات أسطورية (أو إعلان نهاية حب)
[QUOTE]
تداعيات أسطورية (أو إعلان نهاية حب)
"
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى *** فكن حجراً من يابسِ الصخرِ جلمدا
وإني لأهواها وأهوى لقاءها *** كما يشتهي الظامئُ الشرابَ المبردا"
الأحوص
وعُدْتُ على ضفافِ الأملِ كأني أجدُها هناكَ، وهيَ كانتْ معي هنا ...
تلازمُني أرقاً ليلياً، مخلصةً لوعدٍ لم أقطعْهُ/ محتارٌ أنا منذُ الأزلِ .. خارجَ الزمانِ أحيا/وخارجَ المكانِ تحيا هيَ.. أعودُ وكأنها لم تمضِ تلكَ السنونُ ..
منتظراً أن أراها جالسةً كما دوماً على الدَرَجِ "الوهم" في حلمِ الذكريات، أرفضُ أن أرضى الهزيمة .. الحربُ لم تبدأْ بعدُ، والنتيجةُ محسومةٌ، وأنا الخاسرُ الأكبرُ بجدارةٍ.
قصيدةُ حبِّي غيرُ مقفاةٍ وأبياتي مكسرةٌ وألفاظي ركيكةٌ، وأصرُّ على الشعرِ العمودي وأشنُّ حرباً على بحورِ الخليلِ وعلى الشعرِ الحديثِ والمقفى وعلى نزار.
ويعيشُ حبِّي في قصيدةٍ .. تحيا خارجَ الشعرِ أو لا تحيا.
أعودُ إذاً .. أحاولُ إيقافَ التاريخِ، أعودُ للمنفى، أعودُ من المنفى.
أعيشُ عائداً .. تائهاً من منفىً إلى منفى.
أصادفُ الحيتانَ في دربي وتبلعني .. لكن هيهاتَ أن أنسى .. ذلكَ الدَرَجَ "الأسطورة" .. وذكرياتي "الأسطورة" .. وقصةَ حبِّي "الأسطورة" .. ومغامراتي الكبرى.
أقفُ على دَرَجي في أسفلِ الدرجاتِ، أصعدها غائمَ العينينِ. في كلِّ واحدةٍ منها؛ أحمل خفقانَ المطرِ .. جلساتِ الرمقِ الأخير .. وحبيَّ المنفى.
وتطلُّ هي هابطةً .. مصادفةً هي أم حلمٌ آخرَ من أحلامي الجمة؟
أرابطُ في مكاني لحظاتٍ وكأني أسمعها:
- أتعدني؟
وكأنها تسمعني :
- لا.
أصعدُ درجةً أخرى ولا تراني؛ أتراها نسيت؟
مستحيل ..
إنها تراني .. يزدادُ الخفقانُ
تعجُّ ذاكرتي بأوراق الماضي .. صورُ الأحلامِ تختلطُ في مخيلتي.
أتصورُها ترتمي في أحضاني لتقولَ :
- لنعدْ، سوفَ تعدني هذه المرة .. نعم لنعدْ سوفَ نكتبُ شعراً حقيقياً، ونستمعُ لأغاني جميلة كما كنا دوماً.
أشتمُّ رائحتها .. يصيبني الدوار، أحسُّ رأسي صار بعيداً عني .. إنها تقترب.
لا يمكن .. إننا نصل، سوفَ تتحقق كلُّ أحلامي الآن.
الهلعُ يشلني ..
المعركة داخلي تشتد، شيءٌ يقول لي : لا.
أحاولُ أن أنظرَ إلى عينيها .. يجبُ أن أنظر.
لقد نجحت ..
عيناها .. نعم عيناها، ولكن!
ما الذي يحدث؟ لم أعدْ أفهمُ شيئاً
لقد لفَّ الصقيعُ جسمي كلَّه.
خمدتْ كلُّ العواصفِ
يحاولُ شيءٌ فيَّ أن يقاومَ.
أحدُ الأحلامِ يهبُّ ثائراً .. لكنَّ كلَّ شيءٍ سيتحطم.
إنها تتكلم :
- كيفَ أحوالكَ؟
- بخيرٍ والحمد لله..
ومضتْ .. ومضيتُ، مخفياً في ضبابِ عيني دمعةً حبستها طويلاً ..
ولكن هاهي تتحررُ الآن بخجلٍ ..
معلنةً عودتي الكبرى .. من المنفى .
مرسيليا : السبت 2-4-1994 الساعة الثانية صباحاً وثمانية دقائق :).