الدوافع والنتماءات وعلاقتها بالتصرفات البشرية
الدوافع والانتماءات وعلاقتها بالتصرفات البشرية
إن الدوافع والأهداف والانتماءات والإيمانيات هي التي تقرر أغلب التصرفات البشرية ، فوجود الهدف أو الانتماء - فالانتماء يحدد الهدف بشكل عام - هو الأساس ثم تأتي بعد ذلك التبريرات السببية والبراهين والإثباتات التي تشرحه, وتحدده , وتبرره ، وبالتالي تقرر طريقة الوصول إليه ، وضرورة اعتماده .
إن الدوافع والأهداف والقيم التي يتم اعتمادها أو الإيمان بها هي الموجه للبحث عن الأسباب والتبريرات ، التي تكون متوافقة ومنسجمة معها .
فإذا اعتبرنا أن عملاً ما هو خاطئ أو ضار فإننا سوف نبحث ونظهر فقط ما يؤكد ويثبت أو يبرر ذلك , وغالباً ما نجد ما نريد ، وفي كثير من الأحيان نعد له ونظهره بشكل يصبح متوافقاً مع ما نريد إثباته , ونحن نتجاوز فكرياً منطقياً أو واقعياً كافة المتناقضات التي تمنع أو تعيق ما نريد الوصول إليه, أو نتسامح معها، وهذا ما يحقق لنا هدفنا بسهولة في أغلب الأحيان .
وهذا ما يفعله كافة المفكرين ، فالتبريرات والإثباتات والبراهين دوماً متاحة وكل إنسان مع ذاته هو المدعي وهو المدعى عليه وهو القاضي وغالباً إن لم يكن دوماً يبرر ما يقوم به , فحتى السارق والقاتل يجد غالباً ما يبرر أفعاله ," يلي بدور على ربه بيلاقيه ".
وأسباب ذلك هوإن السببية العادية - ضعيفة التكميم- , فنحن بواسطتها نستطيع تبرير أي حادثة بالأسباب التي نريدها, فنحن نستطيع التلاعب بالمراجع والمنطلقات ونكيفها مع الأسباب التي اخترناها من بين عدد شبه لانهائي من الأسباب المحتملة الأخرى, وبذلك نبرر مانريد من أفعال أوأقوال . والذي يسمح لنا بذلك هو التعدد الشبه لانهائي لمسببات لأي حادثة , ولأننا نختار الأسس والمنطلقات التي نريد من بين المنطلقات الكثيرة المتاحة , وكذلك لأننا نعتمد مرجع القياس والتقييم الذي نريد من بين مراجع أخرى كثيرة, لذلك عندما نقرر ونعتمد قراراً و نؤمن به نكون قد بنينا منطلقاتنا وسلاسل أسبابنا, ونبرر ما نريد.
ولكن هل هذه التبريرات دقيقة ؟؟
إننا كلنا نفعل ذلك شئنا أم أبينا, ولكن هناك فروق بيننا في تطبيق ذلك فالذي يراعي الكثير من الأسس والأوضاع وكمية كبيرة من الأسباب الممكنة ويختار الأدق بواسطة معالجة فكرية دقيقة ويقوم بالاختبار والتصحيح باستمرار فهو سوف يصل إلى تبريرات وبراهين أعلى دقة. والمشكلة بالنسبة لكل منا هي أن غالبية الأسس والمنطلقات يأخذها كأفكار وأحكام ومعارف من غيره لا يبنيها أو يستنتجها هو بناءً على اختبار ومعالجة فكرية وتصحيح ذاتي فهذا مستحيل .
وعندما نعتمد ونتبنى أسس ومنطلقات ومناهج يصبح صعب علينا تعديلها لأسباب راجعة لخصائص عمل عقلنا, ودوماً مشاعرنا وعواطفنا تحرف أحكامنا نتيجة تقييمها, فنحن بشكل أساسي نعتمد أحكام قيمة وليس أحكام واقع , كما أن بيئتنا ومجتمعنا هو الذي يدخل كافة ما يعالج في عقل كل منا.
ولكن مع كل هذا نشأت ونمت وتطورة المعارف العلمية التي هي عالية الدقة بشكل كبير ويمكن اختبارها والتأكد من دقتها, وتم الوثوق بها واعتمادها من قبل الكثيرين , ولكن كما ذكرت الذي يقرر ما نعتمد من أفكار ومعارف ليس مقدار دقتها فهناك الكثير من العوامل التي تتحكم في ما نتبناه منؤمن به , وهذا ربما يكون ميزة وليس سيئة فالوجود لامتناهي والمعارف عنه لامتناهية , ولايوجد معارف مطلقة الصحة , وكل شيء ممكن , لذلك يفضل التعامل مع أكبر كمية من الخيارات المتاحة إن كانت دقيقة أو حتى غير دقيقة إن كانت مفيدة لأن هذا هوالذي يوسع قدراتنا على الاختيار, والمهم بالدرجة الأولى بالنسبة لنا هو المفيد والممتع لنا, فالمعارف المؤلمة نتحاشاها ما أمكننا حتى وإن كانت دقيقة فنحن نسعى للممتع ونتحاشا المؤلم .
والمعارف عالية الدقة لاتهمنا لأنها عالية الدقة بل لأنها تمكننا من الوصول لما نريد بأفضل الطرق , لذلك نبحث دوماً في المجالات التي توصلنا إلى ما نريد , أو تبرر لنا ما نعتمده من أفكار وعقائد .
فالمعارف الدقيقة ليست هدفنا النهائي بل هي هدف مرحلي لهدفنا النهائي الذي هو سعادة كثيرة وشقاء قليل, ونمو واستمرار وجود وهناك ما برمجنا علية وراثياً واجتماعياً فله الدور الأكبر في تصرفاتنا
|