التواصل البشري
التواصل البشري
إن عقل كل إنسان يقوم ببناء الأفكار والمفاهيم، لتمثل الواقع وتأثيراته و كل ما هو موجود بالنسبة له, بطريقة تشبه لعبة الليغو, فلكل عقل لعبة ليغو وأحجارها أو قطعها الخاصة به , وهذه القطع(أو الأفكار أو البنيات الفكرية) تختلف من عقل لآخر , وكذلك طريقة الصف, وطريقة اللعب , وكل عقل تتشكل قطع الليغو الخاصة به وطريقة الصف وطريقة اللعب , بالوراثة والتربية و التفاعل مع الواقع أثناء الحياة . ولعبة الليغو التي يستعملها كل عقل منا , ذات قطع كثيرة متنوعة و خاصة به , وتبنى باستمرار قطع جديدة , والوجود بالنسبة لكل عقل , يمثل بصف وربط وتنظيم هذه القطع . وتتشابه بعض القطع لدى كثير من الناس وكذلك تتشابه آليات وطرق الربط نتيجة التشابه الوراثي وتشابه البيئة والظروف (الحواس والمشاعر وآليات التفكير والأوضاع المادية والاجتماعية......).
ويمكن تشبيه اللغة بقطع لعبة ليغو, وهي تكون موحدة لدى الذين يتكلمون نفس اللغة, لذلك تتشابه الأفكار نتيجة توحيد القطع اللغوية . فاللغة التي قامت وتقوم بتمثيل الأفكار والأحاسيس... المنقولة بين العقول, ساعدت على توحيد الأفكار وعلى نموها وانتشارها. ولكي يتواصل عقل إنسان مع آخر، يجب أن يستعمل نفس القطع اللغوية التي تمثل نفس القطع الفكرية بين الاثنين, فلن يستطيع عقل إنسان أن يدرك أفكار عقل إنسان آخر، إلا إذا استعملت قطع (بنيات) لغوية موحدة تمثل بنيات فكرية متشابهة أو موحدة بين الاثنين, عندها يمكن نقل ما يدركه أو ما يشعر به أو يفكر به أحدهما إلى الآخر. وإن آليات التواصل بين البشر تشابه كافة آليات الإرسال و الاستقبال تماماَ . فهناك بنيات لغوية تقوم بنقل مضمون الإحساسات , والأفكار والمعاني, من عقل إنسان لآخر, وهذه يتم على شكل أصوات أو رموز بصرية أو غيرها , تحمل المعلومات من عقل إلى آخر , ويجب أن تتطابق آليات وأجهزة الإرسال مع مثيلتها في الاستقبال، لكي يتم نقل الرموز، وبالتالي الأفكار والمعاني . فأنا لا أستطيع نقل مفهوم أي إحساس إلى إنسان آخر إذا لم يكن لديه نفس الإحساس أو شبيه به, أي يجب وجود جهاز (أو بنية) إحساس لدى الآخر تشابه الموجودة لدي, لكي يستطيع استقبال ما أرسله له, ويشعر بشبيه ما أشعر, فالتواصل البشري بكافة أشكاله يعتمد على الأحاسيس والأفكار المتشابهة بالدرجة الأولى , وعلى البنيات الوسيطة ( اللغة المتشابهة ) وعلى تشابه أجهزة أو بنيتي الاستقبال والإرسال , أي يجب تشابه بنية وآليات العقلين المتواصلين تماماَ , مثل أجهزة الراديو وكافة أنواع أجهزة التواصل . والتواصل الإنساني طبعاَ أعقد بكثير من أي تواصل آخر .
إذاَ فلكي ندرك ما أدركه وما شعر به الفلاسفة والمفكرين والعلماء, أو ما يقوله الأدباء والشعراء(بشكل خاص) يجب علينا أن نستعمل بنيات لغوية موحدة في تواصلنا معهم, لنبني بنيات فكرية خاصة بنا , تشابه البنيات الفكرية التي توصلوا إليها, وأعطتهم الإدراك والشعور ذاك , عندها يمكن بذلك أن ندرك ونشعر بشبيه ما أدركوه وما شعروا به .
إن كل إنسان يجد أحاسيسه وأفكاره وحقائقه واضحة وصحيحة ومدركة بسهولة, ولكن عندما ينقلها لأي إنسان آخر, يجد في أغلب الأحيان عدم تقبل أو تفهم أو إدراك لهذه الأفكار , وذلك بسبب اختلاف البنيات الفكرية أو اللغوية أو طريقة المعالجة الفكرية التي استعملت بين الاثنين , بالإضافة إلى اختلاف الدوافع والأهداف والأهميات والمراجع بينهما .
ويظل الصحيح أو الحقيقي والمهم بالنسبة لكل منا هو ما يحسه ويدركه ويفيده و يساعده هو في حياته ، ولا تهمه حقيقة أي إنسان آخر مهما كانت هامة(بالنسبة لصاحبها) ,إذا كانت ليس لها أهمية بالنسبة له .
نشوء التواصل البشري.
إن الطفل بعد ولادته يتواصل مع أمه بدلالات وإشارات وتعبيرات وحركات..., بواسطة واللمس والشم والنظر والسمع وباقي الحواس ، ثم يبدأ التواصل الفكري ثم اللغوي بالتشكل بالتدريج ، وبالاعتماد على التواصل الحسي الذي هو أساس التواصل بين الإنسان والواقع بكافة مجالاته . فالتواصل الحسي يبقى الأساس في كل تواصل مع الواقع أو مع الآخرين .
والتواصل البشري له عناصره وأسسه وآلياته ، فتأثير اللقاءات المباشرة بين البشر يختلف كثيراً عن تأثير اللقاءات الغير مباشرة مثل المكتوبة والمسموعة فقط ، فتعابير الوجه ونبرات وخصائص الكلام ، وطريقة الرد والمعلومات المتضمنة في كل ذلك أوسع بكثير من أي لقاء غير مباشر . وتأثيرات اللقاء المباشر لم تدرس بشكل كاف لأنها أوسع وأعم بكثير مما يتوقع ، وتأثيرات اللقاء المباشر تختلف من مجتمع إلى آخر ، مع أن هناك أسس مشتركة عامة بين كافة أنواع المجتمعات . وأغلب التأثيرات الاجتماعية ظلت في أول الأمر تنتقل آلاف السنين بالاتصال المباشر ، و بالتعابير والتصرفات والإيحاءات والأصوات ، وبواسطة تعابير الوجه والعينين وباقي التأثيرات الحسية وما تتضمن من معاني وأفكار, وهذا ما أكسب الإنسان قدرات هائلة على قراءة وفهم المعاني من حركات الجسم وتعبيرات الوجه, ثم تطورت الأصوات لتصبح لغة محكية وصارت تستوعب بالتدريج نقل المعاني والأفكار, وتظل اللغة محدودة القدرات في تحقيق تواصل أمثل ولابد من الاستعانة بملاحظة التعبيرات الأخرى.
التواصل البشري الآن
إننا نجد فرق كبير بين الوضع النظري والوضع العملي في التواصل والعلاقات الاجتماعية المباشرة بين الأفراد ، فالمهارة في التواصل والعلاقات الاجتماعية يمتلكها البعض خلال حياتهم العملية دون دراسة نظرية ، فهم يكتسبونها ويتعلمونها من الممارسات الواقعية المباشرة مع الآخرين ، وهذه المهارة يستحيل تعلمها نظرياً ، لأنها لا تكتسب إلا بشكل عملي مباشر, لكي تشترك كافة الأحاسيس مع الأفكار أثناء ممارستها ، ويتم الترابط والانسجام بين التصرفات والانفعالات والأحاسيس والأفكار , فمهارات التواصل الاجتماعي المباشر هي من أعقد المهارات ، ويصعب اكتسابها وتعلمها بطريقة مدرسية ، لأنها تحتاج إلى زمن طويل ، وكما قلت تشارك فيها كافة طرق التواصل , فهذه المهارات تكتسب أثناء الحياة ، وعندما تتاح لدى الفرد عناصر وخصائص فيزيولوجية وعصبية ونفسية مناسبة, وظروف وأوضاع وعلاقات اجتماعية مناسبة أيضاً ، فالأفراد الحساسون جداً ، أو الإنفعاليون جداً، أو الكسولون ، أو الإنطوائيون ، يصعب عليهم غالباً اكتساب مهارات في التواصل الاجتماعي المباشر , وكذلك الذين لم يتعرضوا لعلاقات اجتماعية واسعة ومتنوعة مباشرة مع الآخرين ، لا يحققون مهارات تواصل عالية .
وكما نعلم إن المهارة في العلاقات الاجتماعية المباشرة ، له دوره الهام في كافة العلاقات والصفقات البشرية المباشرة ، فالتاجر الذي يتعامل مع الزبائن مباشرة ، يكون رأسماله الأساسي والفعال ليس المال أو البضاعة فقط ، بل أيضاً مهارته في التواصل الاجتماعي المباشر ، وهو يكتسبه بالممارسة وخلال الزمن ، وفي بدايات حياته ، لأنه يصعب اكتساب هذه المهارات أو ربما يستحيل في الكبر .
إن الماهر في التواصل المباشر ، يقرأ ويفهم ويعرف تعابير الوجه والصوت والحركات (وبدقة عالية ) لمن يتواصل معه ويكتشف ما يحاول إخفاؤه ، ويتصرف بما يناسب هذه الدلالات والأوضاع ، فالتاجر يعرف بعد بضع لحظات من اللقاء بأن الزبون يريد الشراء فعلاً أم لا ، أو أنه يساوم ، أو أنه يرغب كثيراً بالبضاعة أو العكس ...الخ, والمهارة في التواصل المباشر تظهر بوضوح لدى الفرد الذي ينجح في مصالحة فريقين متخاصمين ، أو ينجح في إجراء صفقة تجارية أو اجتماعية أو سياسية ........الخ . وإن الأمهات والآباء يفهمون أوضاع أولادهم بمجرد ملاحظات قليلة ، فهم يعرفون كيف يقرؤون حركاتهم وانفعالاتهم وأحاسيسهم ونبرات صوتهم وحركة وجههم, ويكتشفوا ما يحصل أو ما يفكروا به, مهما حاولوا أولادهم خداعهم بالكلمات ، وهذا يحصل لكل منا فإننا نقرأ الحركات والتعابير أيضاً .
التواصل الفكري
إن التحدث أو الكتابة ، يكون بمثابة رسالة إلى فكر آخر ، وكل رسالة فكرية لا يمكن أن تصل وتحدث التأثير المطلوب أو المتوقع ، إذا لم تصل إلى الفكر المستقبل المناسب ، والذي يفك رموزها أو يتم تأثره بها بالكيفية التي يتوقعها المرسل . فكتابة فكرة أو كتاب وإرسالها إلى من لا يرغب باستلامها ، أو لا يستطيع فك رموزها أو معناها (المقصود) لن تحدث الأثر المطلوب .
فالأفكار لا يمكن نقلها أو إرسالها أو استقبالها إذا لم تحقق شروط التواصل العامة ، فنقل أفكار ومعلومات عن الدين البوذي إلى إنسان يؤمن بالدين المسيحي أو اليهودي ، لن تستقبل أو تحدث تأثير يماثل عندما تستقبل من إنسان يؤمن بالبوذية . فالخلفية أو الطريقة التي تفسر فيها الأفكار والمعلومات المنقولة ، تابعة لثقافة وأفكار ومعتقدات ودوافع الذي يقوم بتفسيرها . فالتواصل الفكري معقد جداً ويتعرض للتغيير والتحوير وسوء التفسير . ولكننا نجد أن الأفكار والمفاهيم الرياضية وكذلك المعارف العلمية الدقيقة , عند نقلها للآخرين غالباً لا تتعرض للتحوير أو التغيير , وهذا راجع إلى تعيينها وتحديدها الجيد وتوحيد مضمونها في أغلب العقول بعكس أغلب المفاهيم الأخرى, فالوصول إلى أتفاق في الأمور الرياضية يحصل بشكل شبه حتمي .
الذي أريد قوله: أن أفكار العلوم الدقيقة والرياضيات يكون إرسالها واستقبالها أسهل من أفكار العلوم الغير دقيقة ، وذلك لدقة تحديدها وتوحيدها. و تأتي بعدها المعارف والعلوم الكيميائية والفزيولوجية ثم الحيوية ثم النفسية ثم الاجتماعية والعقائدية .
طرق نقل الأفكار إلى الآخرين
لقد كانت الأفكار أو ما يجري داخل العقول (إن كان بالنسبة للإنسان أو باقي الحيوانات) ينقل بواسطة الأفعال والحركات والأصوات..., وتطورت الطرق والأساليب الصوتية لتصبح لغة صوتية محكية مسموعة ثم بصرية مكتوبة عند الإنسان, وبنشوء اللغة وتطورها وتفاعلها مع الأفكار, حدثت قفزة كبيرة في قدرات التواصل الفكري وانفتحت مجالات كبيرة سمحت باستعمال طرق وأساليب متنوعة للتواصل الفكري, وأهم هذه الأساليب:
1_ تمثيل بنيات الواقع والبنيات الفكرية ببنيات لغوية, وهذا سمح بوصف ومحاكاة الواقع وأحداثه. وصار بالإمكان تمثيل ووصف ما حدث ومضى , ونقله إلى الآخرين, ونشأت الحكايات والقصص عما حدث وهذا ما أنشأ التاريخ. فنشأت القصص والأساطير والملاحم والأمثال.....
2_ التحاور والجدل بين العقول,فالآن هناك طرق كثيرة لصياغة ونقل الأفكار المستعملة في التربية والتعليم بكافة أشكاله, وباقي طرق ووسائل الإعلام والتواصل ، وإن طرق صياغة ونقل الأفكار تحظى دوماً باهتمام كبير ، لأهميتها وفاعليتها ، وبالتالي تأثيراتها الكبيرة .
فهم الرأي الآخر
إن معرفة وفهم وجهة نظر الآخر ليس بالأمر السهل ، فهو صعب لعدة عوامل منها :
1_ لا يمكن معرفته إلا بطريقة غير مباشرة ، ويتم ذلك بمحاولة فهمه بالوقوف مكانه، وهذا صعب لأنه يحتاج إلى قدرات كثيرة .
2_ عدم أهمية رأي الآخر بشكل مباشر ، فهو لا يهمنا بشكل مباشر ، فذاتنا ورأينا هو المحسوس والمهم لنا , ورأي الآخر مهم إذا كان يهمنا أو له علاقة بما يهمنا.
3_ عدم توفر معلومات كافية لبناء ومعرفة الرأي الآخر فأغلبه محجوب علينا .
لذلك من الأسهل والأفضل لكل اعتماد رأيه كأساس وفرضه على الآخر في أحيان كثيرة ، وهكذا يفعل أغلبنا ، فخياراتنا هي الواضحة والملموسة والمعروفة، أما خيارات ودوافع الآخر فغير ظاهرة بوضوح لنا، وبالتالي أهميتها وتأثيرها بالنسبة لنا ضعيف ، فكل منا يحاول فرض دوافعه وخياراته على الآخرين . وبالتالي يقوم الآخرون بفرض خياراتهم علينا ، ولا بد من صفقة تنظم ذلك طالما نحن والآخرين موجودين ويجب أن نبقى معهم شئنا أم أبينا .
وقد ظهر أنه من عدم الفاعلية ومن سوء التصرف فرض خياراتنا على الآخرين ، إلا في حالات خاصة ، وبعد معرفة دوافعهم وخياراتهم ، والأوضاع التي نحن جميعاً موجودين فيها .
إن معرفة دوافع وخيارات الآخر (رأي الآخر) ، وكذلك معرفة الوضع العام ، بالإضافة إلى دوافعنا وخياراتنا ، ثم السعي إلى إجراء صفقة مناسبة لنا وله هو المطلوب , ويجب أن نعمل نحن والآخر أو الآخرين معاً ، فلسنا وحدنا الموجودين, فكيف نحقق ؟ لقد تم ذلك بوضع الأنظمة والأعراف والقوانين الاجتماعية بكافة أشكالها, والتي تنظم العلاقات والصفقات بين الأفراد أو الجماعات .
إن معرفة وفهم الآخر هام وضروري في حالة التعامل معه ، ففي كافة العلاقات الاجتماعية يلزمنا فهم ومعرفة الآخر ، لكي يتم التعامل معه بفاعلية وكفاءة ، وهذا ما حصل ، فقد تكيفت الانفعالات والعواطف بناء على فهم ومعرفة الآخر . فالتعاطف والمشاركة والتقمص ...... كلها آليات غريزية متوارثة ، مهمتها فهم ومعرفة الآخر والواصل معه بفاعلية . فالحياة البشرية الاجتماعية تكيفت بشكل يسهل التعامل والتواصل مع الآخر بشكل انفعالي وعاطفي غريزي ، وكان هذا قبل نشوء اللغة . وبعدها اتسع فهم الآخر ، وصار التعاطف والمشاركة, بناءً على الإشارات واللغة والدلالات الانفعالية . وكلنا يعرف ويفهم الانفعالات ودلالاتها الكثيرة بمجرد النظر والسمع والملاحظة للآخر . فنشوء اللغة سهل فهم الآخر والتواصل معه من جهة ، وطور وعقد العلاقات البشرية من جهة أخرى ، وبالتالي صعب فهم ومعرفة الآخر وما يفكر فيه ( لزيادة الاحتمالات الممكنة في فك رموز ومعاني اللغة ) وذلك نتيجة تطور وتعقد المعارف والعلوم والعلاقات البشرية بشكل كبير ، وكان ذلك وبشكل خاص نتيجة السيطرة على الانفعالات والإشارات والدلالات الغريزية التي تظهر الوضع الداخلي للإنسان ، وبالإضافة إلى الكذب والمجاملة والتحايل وإظهار عكس الواقع .....الخ ، كل ذلك صعب فهم الآخر ، وخاصة إذا كانت هناك فروق في البيئات الاجتماعية والفكرية والعقائدية واللغوية . والعقبات الكبرى في الوقت الحاضر في طريق فهم الآخر هي تعقد الوضع ، واختلافات الانتماءات والمراجع بشكل خاص ، فالدلالات الفزيولوجية والنفسية والانفعالية واللغوية تداخلت مع بعضها ومع ما تم اكتسابه من معارف وثقافات كثيرة مختلفة .
قدرات التواصل البشرية الخارقة تجعل كل إنسان عالم نفس
إن الذي سمح الأديب ببناء وتشكيل أو خلق الشخصيات في القصص والروايات والمسرحيات ....هو قدرته على تمثل وتقمص مشاعر وأفكار الآخرين عن طريق التواصل الفكري واللغوي والنفسي والانفعالي والحسي والرمزي ......الخ, فهو يخلق الشخصيات والحوادث بناء على معرفته وفهمه لهذه الشخصيات والتي قام ببنائها بالاعتماد على خبرته الشخصية في تمثيل ومحاكاة شخصيات واقعية تعامل معها ففهمها وتمثل وتقمص مشاعرها وأفكارها , وتم هذا نتيجة القدرات التواصل الهائلة التي يملكها الإنسان , فمضامين الرسائل المتبادلة في اللقاءات المباشرة أوسع بكثير مما نتصور .
وكل منا يملك قدرات تواصل أوسع بكثير من اللغة المحكية ، ولكن ما نشاهده لدى الكثير من الأدباء والكثير من الناس يكون كبير وملفت للنظر، وهذا لا يمكن أن يحدث دون بنية تحتية له ، و مؤهلات وقدرات وعناصر لازمة له متوفرة .
فاعلية التواصل ابشري
إن غالبيتنا يستعمل طرق يواصل مع الآخر منخفضة الفاعلية.إننا نسعى لتحقيق ما نريد بطريقة تواصل سيئة, فنحن نعتمد أفكارنا ومشاعرنا وأهدافنا بالدرجة الأولى (بنسبة 90بالمئة ) , أما الآخر الذي نتواصل معه فلا نراعي إلا جزء صغير من أفكاره ومشاعره وأهدافه, ونحن بطريق مباشر تحقيق دوافعنا وأهدافنا, ولا ندخل في حسابنا خصائص ودوافع الآخر, وهذا من أهم أسباب فشانا في تحقيق ما نهدف إليه من تواصلنا مع الآخر, والآخر يقوم بمثل ما نقوم به , وهذا يجعل تحقيق هدفينا معاً صعب في أغلب الأحيان. فهناك ما يشبه الصفقة, وهي تجري بطريقة سيئة. وأهداف ودوافع كل منا كثيراً ما تكون مضمرة وغير ظاهرة, وكذلك تكون متضاربة أحياناً ويستحيل تحقيقها, فالأخذ والعطاء (أو التبادل) غير ظاهر بشكل واضح ودقيق, ولكن طما قلت الأهم طريقة تحقيق ما نسعى إليه من تواصلنا مع الآخر غير فعالة, فهي تهمل بشكل كبير وضع وخصائص ودوافع الآخر, وهذا ناتج عن تبنينا لمفاهيم وأفكار ومعارف وإيمانات, وعتمادها بشكل قوي, إننا في غالبية تواصلاتنا مع الآخر لا نعطي ونأخذ بشكل متوازن وفعٌال , فنحن كثيراً ما نعطي بشكل كبير ودون داعي, ونحجم أو نبخل في العطاء في أوضاع يكون فيها ضروري, فغرائزنا وانفعالاتنا وما كتسبناه من استجابات نفسية واجتماعية يفرض علينا ذلك.
|