الابحاث التي جرت على مجموعة من جماجم تعود لنوع Paranthropus robustus, اظهرت ان ظاهرة الحريم كانت موجودة منذ بضعة ملايين من السنين. هذا النوع هو فرع سابق من الشجرة التي ينتمي اليها الانسان الحالي. هذا الاكتشاف يدعمه تتطايق الادلة مع السلوك الذي نراه اليوم لدى الغوريللا والبابيان، حيث ذكر واحد كبير للغاية هو الوحيد المتوفر له فرصة ممارسة الجنس مع اناث القطيع الناضجة جنسياًُ. هذا الامر يجعل ظاهرة الحريم لها جذور عميقة في تاريخ التطور.

في المتوسط يكون الذكور اكبر حجما من متوسط حجم الاناث. الفرق دائما ظاهر للعيان عندما ننظر الى زوج (انثى وذكر)، حيث الذكر اطول من الانثى، تقريبا على الدوام. في الواقع العملي لايزيد الفرق عن 5-10%، ولكنه علامة مميزة لنوعنا. القياسات جرت على العديد من المستحاثات من مخلفات اجدادنا الاوائل قبل بضعة ملايين من السنين، تعود لانواع مختلفة من Australopithecus الى Homo sapiens, وجميعها تشير الى الاختلاف بين الجنسين كانت، على الدوام قليلة، عبر كل تاريخ تطورنا.

لهذا السبب اثارت الاهتمام ، نتائج ابحاث مستحاثات عائدة للنوع بارانثروبوس روبوستوس من جنوب افريقيا،جرى نشرها عام 2007 ، حيث عثر على فروقات كبيرة في الحجم بين الجنسين. في المتوسط كان الذكر اكبر بنسبة 17% بالمقارنة مع ى الاناث، عند قياس العظام العائدة لافراد بالغة جنسيا. إذا قارنا ذلك مع الانسان، فإن هذا الامر يعادل ان يكون الرجل اطول بنسبة مابين 25-30% وان يكون اثقل 60% بالمقارنة مع النساء، اي 105 كيلو لدى الرجل مقابل 65 كيلو لدى المرأة، الامر الذي لايعتبره احد القاعدة.




A-Ardipithecus ramidus
B-Australopithecus anamensis
C-Australopithecus afarensis
D-Australopithecus africanus
E-Paranthropus aethiopicus
F-Paranthropus robustus
G-Paranthropus boisei
H-Australopithecus garhi
I-Homo rudolfensis
J-Homo habilus
K-Homo ergaster
L-Homo erectus
M-Homo heidelbergensis
N-Homo neanderthalensis
O-Homo sapiens


من بقية اللبونات نعلم انه كلما كانت الفروقات في الحجم صغيرة بين الجنسين كلما ازداد احتمال نشوء العلاقة بين الطرفين بشكل سلمي بدون صراع بين الذكور، وفي هذه الحالات يكون من الاغلب ان تستمر العلاقة لفترة اطول، واحيانا العمر كله.

عندما يكون الذكور كبار في الحجم والاناث صغار، يكون هذا الامر مؤشر على ان الصراع بين الذكور هو الشائع، وهو جزء هام من السلوك الاجتماعي. الذكور الناجحين هم القادرين على ربح الصراع ليتمكن من الوصول الى تلقيح اكبر عدد من الاناث، وبالتالي نقل جيناته الى اكبر عدد من الخلفاء.

الانسان الحالي يملك القليل من الاختلاف بين الجنسين، وهذا الامر يمكن تفسيره بكوننا نتاج مرحلة كان الانسان يعيش فيها في جماعات صغيرة، عادة افرادها بدرجة من الدرجات اقرباء مع بعضهم البعض، ولذلك فالصراع بينهم على الاناث نادر. من المحتمل ان يكون هذا النمط من الحياة اضافة الى العلاقة الزوجية الثابتة احتلت وقتا طويلا في الحياة الاجتماعية "للانواع الانسانية".

الصورة لدى الشمبانزي مختلفة، حيث الذكر ليس اكبر بكثير من الانثى. ولكن هنا لايوجد زواج احادي، ولكن حتى لو قام العديد من الذكور بالمعاشرة الجنسية لذات الانثى، يحدث ذلك بسلمية اكبر مما يحدث، مثلا، لدى البابيان. عند النوع القديم Paranthropus robustus كان وزن الذكر يزيد بنسبة 60% عن وزن الانثى، مما يجعل من الممكن وضعهم في قائمة القطعان التي لديها ظاهرة الحريم جزء من حياتها الاجتماعية اليومية، حيث الذكر يصارع من اجل الاستئثار بالاناث.

وحتى لو كان ذكور البارانثروبوس تملك اجساما كبيرة من اجل ان تتمكن من النجاح ضد بقية الذكور، ليس من المؤكد ان حياة القطيع كانت ممتلئة بالصراع. في وسط قطعان الانسان القرد الموجودة اليوم بيننا نجد ان الغوريللا هم الاقرب احتمالا ان تكون حياتهم الاجتماعية مشابهة للبارنثروبوس، على الرغم من ان ذكور الغوريللا ، على الاغلب تتصارع اكثر وبوحشية اكبر من البارانثروبوس.

عند كلا النوعين كانت جمجمة الذكر البالغ تملك تقاسيم حادة في قمة الرأس من الجبهة والى الخلف. وذكر الغوريللا البالغ اطول من الانثى بحوالي 23%، في حين ان وزنه يمكن ان يصل الى 200 كيلو. لهذا السبب فإن الذكر الشاب عليه ان يفكر مرات قبل ان زعيم القطيع. الكبير يكون اكثر خبرة اضافة الى انه اكثر قوة واثقل، لذلك على الشباب الانتظار ليبنوا قواهم ويحصلوا على الخبرة الضرورية لتحدي دموي.

الصراع بين ذكور البارانثروبوس كان بالتأكيد اقل خطورة مما هو لدى الغوريللا. من ناحية لانهم كانوا اصغر حجما ووزنهم كان حوالي 50 كيلو، ومن ناحية اخرى كانت اسنانهم القاطعة صغيرة. في المقابل كانت عضتهم قوية بشكل استثنائي.

اناب الغوريللا تصبح ناضجة جنسيا في عمر مابين 10-12 سنة، في حين الذكور تتأخر قليلا، ولكنهم يغادرون القطيع في عمر 12 سنة، عندما يبدأ لون ظهرهم يتحول الى الرصاصي، والاسنان القواطع تصبح اطول. الذكور الخارجين من القطيع يعيشون في قطعان صغيرة لمدة خمسة سنوات قبل ان يحصلوا على فرصة لسبي إناث قطيع غريب او يعثروا على اناث تائهات لينشئ لهم حريمهم الخاص.

العلائم تشير الى ان هذا الوضع ذاته كان سائدا لدى البارانثروبوس. الباحثين الذين اكتشفوا الفروقات الجسدية بين الاناث والذكور توصلوا الى هذا الاستنتاج، عندما قاموا بتنسيق الاسنان حسب العمر. كلما كانت الاسنان متآكلة اكثر كلما عنى ذلك ان صاحبها كان اكبر عمرا عندما مات.

من 25 اثر جرت دراستهم كان بالامكان تحديد الانتماء الجنسي على 19 منهم من خلال شكل الجمجمة. لقد ظهر ان الاناث الاربعة كانت احجام اسنانهم المميزة هي ذاتها بغض النظر عن العمر، في حين كانت اسنان الذكور الاكثر تآكلا خصوصا عند الاضخم. هذا يعني ان فترة النمو عند الذكور كانت اطول من الاناث الذين توقفوا عن النمو منذ وصلوا الى النضوج الجنسي. هذه الصورة نفسها يمكن رؤيتها عند قرد الماندريل Mandrillus sphinx, الذي يعتبر من اكبر القرود بعد القرد-الانسان. حجم ذكر الماندريل ضعف حجم الانثى بحوالي 30 كيلو، ويحتفظ الذكر بحريم كبير في الغابات الاستوائية في نيجيريا والكونغو.

ذكر الماندريل يحصل على اسنانه الثابتة في عمر اسبق من ماهو عليه الحال لدى الاناث، ولكن جسمه واسنانه لهم فترة نمو اطول بشكل واضح بالمقارنة مع الاناث، وهي فترة اطول من فترة النضوج الجنسي. هذه السنوات الاضافية تستخدم من اجل ان يصبح اضخم واقوى، من اجل ان يتمكن من الحصول على فرصة لطرح نفسه بديلا. على العكس تصبح الاناث جزء من الحريم منذ لحظة بلوغهن الجنسي، إذ لاقيمة للنضوج العقلي عند الحيوان.

من هنا يظهر بوضوح ان ذكور كل من الماندريل والبارانثروبوس ينضجون في وقت متاخر، ولكن هذه الفترة الاضافية حيوية، من اجل ان يتمكنوا من مواجهة ظروف الصراع للوصول الى حق التكائر.

النوع Paranthropus robustus يتماثل حجم دماغه مع حجم دماغ الشمبانزي. الى جانب المستحاثات عثر الباحثين على ادوات يدوية، ولكن اكثر الخبراء يعتقدون انها لم تُصنع من قبل هذا النوع وانما النوع الذي ينتمي الى الفرع الانساني، وان الصدفة وحدها جعلتهم في هذا المكان، لهذا السبب لانعلم الكثير عن المستوى العقلي لهم.

نادرا مايترك السلوك اثارا تدل عليه، إذا تغاضينا عن مايمكن قرأته من اثار الحك والتآكل على العظام او بمساعدة التحليل الكيمائي للعظام. الاختلاف في بنية هيكل كلا الجنسين وفي حجمهم هي مجرد دلائل ويمكن ان يكون لها العديد من التفسيرات. بعض الباحثين يفسرونها على انها محاولة للتلائم مع مقدرات الطبيعة لاستغلال جميع انواع الاطعمة، بحيث ينخفض التنافس على الطعام بين الجنسين. بهذا الشكل يمكن زيادة عدد افراد القطيع بالمقارنة مع القطعان التي تأكل اناثها وذكورها نفس الطعام.

اذا نظرنا الى Australopithecus afarensis, وهو نوع يشكل جد قريب للبارانثروبوس، نجد ان لدى الذكر اذرع اطول من الانثى، في حين ان اجسادهم كان لها الحجم نفسه تقريبا. هذا الامر يؤدي للاعتقاد ان الذكر كان قادرا على الوصول الى الفواكه البعيدة عن الجذع الرئيسي او المرتفعة او لربما كان افضل في تسلق الاشجار بالمقارنة من الاناث.

القول ان الاختلافات الشكلية هي تلائم لتناسب التخصص على تنوع الطعام مثيرة للاهتمام ولكن لو كان الامر مرتبط فقط بحاجات بيئية، لكان الحجم الكبير لم يقتصر على الذكور فقط، بل ولرأيناه عند بعض الانواع لدى الاناث ايضا، في حين لاتوجد اي امثلة على ذلك. حتى الان لايوجد مايدل ان للحجم اسباب غير الحاجة الاجتماعية.

الحريم لاتعني الكثير من المعاشرة الجنسية، كما قد يعتقد البعض. ان يكون للذكر قطيع من الحريم قد يكون جذابا عند البعض، ولكن لم يكن يعني ذلك الكثير من المواقعات الجنسية لدى البارانثروبوس. لو نظرنا الى ذكر غوريللا يملك قطيع من الحريم لوجدنا انه سيكون محظوظ لو تمكن من مواقعة حرمته اكثر من بضعة مرات في السنة. الانثى تكون متقبلة للمواقعة بضعة ايام في السنة إذا لم تكن قد اصبحت حامل فعلا او لديها صغار.

عند الشمبانزي، حيث ثقافة الحريم ليست اساس البنية الاجتماعية، نجد ان الحياة الجنسية اكثر نشاطا. ذكور الشمبانزي ، عوضا عن ضمان نسلهم من خلال السيطرة على قطيع من الحريم، يتنافسون من خلال كمية المنويات. ذكر الشمبانزي ينتج كمية هائلة من المنويات مما يحسن حظوظه بضمان نسله ضد المنافسين. لهذا السبب نجد ان ذكر الشمبانزي يملك خصاوي كبيرة، تزيد بثلاث مرات عن اكبر خصاوي عند الانسان. للاسف لانعلم حجم خصاوي البارانثروبوس، ولكن على الاغلب القوة العضلية هي التي كانت تحسم حقوق التسلط على الاناث وتحويلهم الى قطيع من الحريم.

احدى اوضح الامثلة على دور فرق الحجم كدليل على ظاهرة الحريم كسلوك اجتماعي هو فيل البحر، حيث وزن الذكر يصل الى 3,5-5 طن مقابل وزن الانثى الذي يصل الى مابين 600-700 كيلو، وحيث نجد ان ذكر واحد يتحكم بحريم كبير ويدافع عن شاطئ وجودهم ضد بقية الذكور.

القرود يملكون بنية اجتماعية هرمية، وتقل الفروقات بين الجنسن عند الانواع التي التي فيها الصراعات نادرة، وغالبا غير مؤذية، مثلا عند قرود الغيبون (gibbon) حيث الذكر والانثى متساويين بالحجم. درجة الفروقات بين الانواع تزداد من الانواع التي تزداد لديها الصراعات ولكن بدون اذى ، مثلا الشمبانزي، الى الانواع التي تكون الصراعات فيها نادرة ولكنها جدية للغاية، مثلا قرود الايكورا (ekorr). اكبر الفروقات نجده عند الانواع التي تكون فيها الصراعات عادية وجدية للغاية، كما هو الحال لدى بابيان السهول والغوريللا. بابيان السهول يصل وزن الذكر فيه الى 25 كيلو في حين الانثى الى 10 كيلو فقط، ولديه اسنان قاطعة طويلة.



مصادر:
Fossil Evidence
Paranthropus robustus