شهاب الدمشقي
shahabx@myway.com
الحوار المتمدن - العدد: 995 - 2004 / 10 / 23
من هو العربي ؟؟
سؤال شائك قد يصعب تقديم جواب نهائي وحاسم له دون الوقوع في مطب الايديولجيات المسبقة أو تجنب الاتهام المبطن تارة والصريح تارة أخرى بالعمالة والخيانة أو حتى الانسلاخ من العروبة !! ..
يقول البعض: العربي هو من يعيش في الإقليم الجغرافي العربي الممتد من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر !! ... ولكن غالبية الدول العربية تضم أقليات اثنية تعيش في ذات المحيط الجغرافي العربي ( مثل الأكراد والشركس والبربر والتركمان والأرمن ) فهل هم عرب أيضاً وفق هذا التعريف ؟؟
ويقول البعض الآخر: العربي هو من ينتمي في أصوله العرقية إلى أبناء المنطقة العربية.... ولكن هذا الكلام غير دقيق من الناحية الواقعية، فاختلاط الشعوب وتزاوجها أدى إلى ضياع الخصائص الانثروبولوجية المميزة للشعوب إجمالاً ( والعرب خصوصا ) ناهيك عن صعوبة، بل استحالة إثبات الأصل المشترك لجميع الأفراد المنتمين لشعب معين أو إثبات نقاء إفراده عرقيا ( باستثناء حالات نادرة جدا خاصة بمجموعات بشرية منغلقة على نفسها ) هذا فضلا عن وجود فوارق انثروبولوجية تميز بين العرب أنفسهم ( فصفات اللبنانيين مثلاً تختلف عن صفات المغاربة أو الخليجيين ) وهذا ما يجعل العرب شعوباً لا شعباً واحداً.
قد يقول آخرون: العربي هو من يحمل في ضميره ووجدانه القيم والثقافة والتقاليد العربية، وهنا تواجهنا إشكالية: هل يوجد بالفعل نسق فكري أو اجتماعي واحد ومتميز يمكن تسميته بالقيم والتقاليد والثقافة العربية والتي تكسب حاملها تميزاً عن غيره فتجعله عربياً إذا تبناها أو تخرجه من دائرة العروبة إذا رفضها ؟؟ وما هي مفردات هذا النسق ؟؟
من المعروف أن التقاليد والعادات والقيم الفكرية والثقافية تتميز بالنسبية المطلقة المتغيرة بتغير الزمان والمكان، فالقيم الفكرية والثقافية والاجتماعية لأهل الخليج تختلف بشكل واضح عن مثيلاتها في بلاد الشام أو المغرب العربي أو وادي النيل.. وحتى ضمن الفئة الجغرافية الواحدة نجد ذات التميز: فالقيم الفكرية والثقافية والاجتماعية لأهل السعودية مثلا تختلف عن تلك السائدة في الأمارات أو الكويت.. بل نجد ذات التمايز ضمن الدولة الواحدة أيضاً !! : فقيم مدينة دمشق مثلا تختلف عن قيم مدينة درعا أو القامشلي رغم أننا لم نغادر سورية.. وحتى ضمن المدينة الواحدة نجد ذات التمايز والاختلاف: فقيم الريف تختلف عن قيم المدينة، وقيم الأحياء المحافظة ضمن المدينة الواحدة ( الميدان أو الشيخ محي الدين مثلا في دمشق ) تختلف بشكل واضح عن قيم المناطق المنفتحة ( أبو رمانة أو المالكي في دمشق ) ..
فكيف يمكن الحديث عن تمايز فكري واجتماعي وقيمي يميز العربي عن غيره ؟؟
إذن.. يبقى السؤال قائما:
من هو العربي ؟؟؟
هل العربي هو من جسده محمود درويش في قصيدة ( سجل أنا عربي ) أم هو من تغنى به يوري مرقدة في أغنيته الشهيرة ( عربي أنا اخشيني !!! ) ؟؟
في تصوري الشخصي العروبة ظاهرة لغوية محضة مبتوتة الصلة عن الأصول العرقية أو المنظومة القيمية أو الوسط الجغرافي المكاني.. فالعربي هو من تكون لغته الأم العربية، وهو من يصوغ افكاره ورؤاه ومشاعره بها، هو من يفكر بالعربية، ويتكلم بالعربية، ويفرح بالعربية، ويحزن بالعربية، ويحلم بالعربية، وأسارع إلى التمييز هنا بين مجرد النطق باللغة العربية من جهة، واصالتها ومحوريتها بالنسبة للناطق بها من جهة أخرى، فكون اللغة العربية هي اللغة الأم فهذا مستوى أعمق بكثير من مجرد النطق بها، فقد ينطق بها الشركسي والبربري والارمني والفرنسي والألماني.. ولكنهم في هذه الحالة يكتفون من اللغة بالمفردات والألفاظ بما يكفي للتواصل الإنساني وإيصال المعنى إلى الآخر ضمن أضيق الحدود، فضلا عن أن استخدام العربية في هذه الحالة يكون من باب الضرورة لا غير، وهذا لا يجعل من الناطق بها عربيا، فالعربي هو من يجد في العربية المعبّر الحقيقي والوحيد عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه وأفراحه وآلامه ... فيلجأ اليها بعفوية وطلقائية عند الكلام والخطاب حتى وان أطقن عشرات اللغات الأخرى .. وضمن هذا الفهم فان الكردي والشركسي والبربري الذي يكون هذا حاله مع العربية فهو في نظري عربي قح، وبالمقابل فان العربي الذي يجد أن لغة أخرى اقدر من العربية عن التعبير عن أفكاره ووصف مشاعره وأحاسيسه فهو في نظري مبتوت الصلة بالعروبة ( ولعل هذا ما ينطبق على كثير من المنتمين إلى دول عربية ويخلطون في كلامهم اليومي بين المفردات العربية والمفردات الأجنبية !! )
ومن هنا فأما أميز بين العربي والعروبي، فالعربي هو ببساطة : من تكون العربية لغته الأم والمعبّر الوحيد والصادق عن مشاعره وأفكاره .. أما ( العروبي ) فهو من يجعل من ( العروبة = الظاهرة اللغوية ) انتماء أيديولوجيا وسياسيا وعرقيا قد يصل أحياناً إلى مستوى العنصرية بتبني شكل من أشكال تفوق العربي ( بالمفهوم الثقافي والعرقي ) على غيره ..أنا اعتبر نفسي عربي .. فأنا أعشق العربية إلى حد الهيام .. وهي لغتي الوحيدة التي أجدها أقرب إلى نفسي وفكري ، بل اقرب اليّ حتى من العامية المحكية !!.. وحتى وان اطقنت لغات أخرى فستبقى العربية اللغة الوحيدة التي أجدها أقدر على البوح بمشاعري وإيصال أفكاري إلى المتلقي، وأنا أنفر كثيرا من ذاك السلوك المصطنع القائم على إقحام مفردات أجنبية في الحديث اليومي العادي .. فالعلاقة النفسية والفكرية والثقافية بين اللغة والمتكلم بها هي من تجعل هذا عربيا وذاك فرنسيا أو إنكليزياً أو ألمانياً أو كردياً .. الخ
العربي والانتماء الوطني :
قد يقول البعض : إذا كانت العروبة مجرد ظاهرة لغوية، والعربي هو من تكون العربية بالنسبة له لغة الفكر والمشاعر لا لغة المفردات والألفاظ إذن ما الذي يجعل العربي – وفق هذا الفهم - مشدودا إلى أبناء وطنه وقومه ؟؟ وما الذي يجعله منتميا لهم سياسيا واجتماعيا إذا زال رابط العرق ووحدة الثقافة والتقاليد ؟؟
الجواب ببساطة: الوطنية.. فأنا مواطن أنتمي إلى دولة بعينها من خلال عقد سياسي واجتماعي.. فلي حقوق وعلي واجبات.. ومن هنا فأنا انتمي إلى دولتي بذات القدر الذي ينتمي إليها كل من يحمل جنسيتها ( كردي أو بربري أو شركسي أو ارمني أو حتى أمريكي ) وأشعر بالانتماء إليها وتغمرني مشاعر الحب لها والإحساس بواجب الدفاع عنها عند المحن.. فعمق أو سطحية هذا الانتماء هو أمر لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالعروبة.
وقد يسأل سائل: إذن هل تحس بالمسؤولية تجاه أزمات دول عربية مثل العراق أو فلسطين ؟؟
جوابي: طبعا أحس بالمسؤولية.. تماما كما أحس بالمسؤولية أيضا لازمات كوسوفو والبوسنة وأفغانستان والمجاعة في الهند واضطهاد الأكراد.. فكلها تمثل بالنسبة لي مأساة إنسانية الضحية فيها: الإنسان البريء، والحس الإنساني لا بد أن يدفع إلى الانتصار للقضايا العادلة..
لا ادري حقا لماذا تكون قضية الظلم الأمريكي لشعب العراق أهم عند العربي من قضية ظلم صدام العروبي للأكراد مثلا ؟؟ أم أن العروبة تفرض على العروبي النظر إلى العالم من منظار قومي عرقي ؟! ..
أعلم أن السؤال التقليدي الذي سيُطرح عليّ الآن هو : ألا يدفعك هذا الحس الإنساني إلى الشعور بالإشفاق على قتلى الإسرائيليين الذين يسقطون على أيدي الانتحاريين الفلسطينيين أو قتلى الأمريكيين في العراق أو في نيويورك ؟؟..
جوابي: من الخطأ وضع الجميع في سلة واحدة وتقرير حكم وحيد لهم .. فالجندي الإسرائيلي الذي يُقتل في فلسطين أو الجندي الأمريكي الذي يُقتل في العراق إنما هو محارب معتدي ينال الجزاء العادل لظلمه وعدوانه.. ولكن الطفل والمرأة والعجوز الذين يُقتلون في حافلة تقلهم إلى المدرس أو العمل أو البيت إنما يموتون مظلومين دون جناية ارتكبوها مهما كانت جنسيتهم ( اسرئيليون أم امريكيون ).. فالمدني الآمن المطمئن لا يمكن أن يكون هدفا في أي معركة عادلة..
قد يسأل آخر: إذن.. ماذا لو وقعت مشكلة بين دولة عربية وأخرى غير عربية.. فكيف يكون موقفك ؟؟
جوابي هو:[SIZE=5]
أنصر المظلوم مهما كان ( عربيا أو غير عربي ) وأعادي الظالم مهما
كان ( عربيا أو غير عربي ) فلا احسب قاعدة ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) يمكن أن تؤسس لعلاقات إنسانية عادلة ..
ما سبق مجرد تأملات شخصية.. ووجهة نظر فردية.. أبوح بها في عالم سادت فيه قيم إلغاء الآخر تحت مسميات شتى ( الكفر بالإسلام.. أو خيانة القومية والعروبة) !!
http://www.rezgar.com//debat/show.art.asp?...p?t=0&aid=25434