شارة كبيرة تفاجئ المسافرين قبل دخول مكة المكرمة و المدينة المنورة, و هذه الشارة لا توضع في أيام الحج و الأشهر الحرم فقط, بل هي ثابتة على مدار
الفصول و السنين.بداية ً لماذا لا يدخل غير المسلمين مكة و المدينة, و لو كانوا عابرين في سياراتهمأعتقد أن كتابة هذه الشارة غير دقيقة, فالأولى أن تكون " من هنا طريق المشركين النجسين"فمكة و المدينة بقعتان طاهرتان اختارهما الله من دون بقاع الأرض مهداً لرسله ومهداً لدعوة النبي محمد, و المسكوت عنه في هذه العبارة ، هو أنَّ هؤلاء غير المسلمين نجسون , و الطريق الذي يمرّون عليه نجس كذلك " إنما المشركون نجس "*
كل الآيات و الأحاديث المستعان بها لدعم هذه اللافتة قابلة لتأويل آخر و زمني مرتبط بتاريخية الحدث و أسباب النزول, و من ثم ليست القضية وجود النص
المقدس, بل القضية هي في النظرة الفوقية الاصطفائية التي يوهم بها المسلمون أنفسهم،فهم الطاهرون و غيرهم النجسونهم أصحاب الجنة و غيرهم أصحاب النار,
هم أصفياء الله و شعبه المختار و الآخرين أصفياء الشيطان ملعونين" الدين عند الله الإسلام "،هم الفرقة الناجية، ليس بوسع المسيحي أو اليهودي أو البوذي دخول مكة و المدينة , و لا يحل له دخول مساجد المسلمين، و لكن يستطيع المسلم -أي مسلم- دخول الفاتيكان و كنيسة المهد و أي معبد بوذي دو ن إبراز هويته، و يستطيع المسلمون بناء مسجد في أي مكان يشاءون ،فقد بنى الملك السعودي فهد بن عبد العزيز مسجد روما الكبير على مقربة من الفاتيكان و لم يعترض على ذلك أحد، ولكن لن يستطيع المسيحيون و الهندوس و السيخ المقيمون في المملكة العربية السعودية بناء
معابدهم , بل هناك من يعترض على وجودهم بحد ذاته فوق هذه الأرض " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".
إذا المشكلة في من ؟!!!
في المسلمين أم عند غير المسلمين؟!!
كتعليق على ذلك أقول لا شئ يجبر المسلمين على فعل ذلك غير عقدة التفوق" عقدة الرجل المسلم " أسوة بعقدة الرجل الأبيضولا توجد آيات قرآنية محكمة عابرة التاريخ
و النصوص الثانوية من حديث نبوي و آراء فقهية يمكن مراجعتها في ضوء المصلحة البعيدة للمسلمين
فلن يخسر المسلمون شيءً بالتخلي عن هكذا عقلية و تغير هكذا سلوكولن تتدنس أحجار الكعبة و المسجد الحرام و جبال مكة و تراب المدينة بحياة أو موت أو خروج أو قدوم إنسان، فالطهارة قيمة وجودية و أخلاقية .
القرآن الكريم كتاب مقدس و طاهر, إذا لمسته يد إنسان غير مسلم, ما الذي سيصيب القرآن؟!
إن هذا الشخص سوف يأخذ انطباعا إيجابيا أو سلبيا عن القرآن, و لو فرضنا أنه عقب قراءته للقرآن الكريم أسلم و دخل في دين المسلمين, فكيف تقبلون إسلام هذا الشخص و تمنعونه قبل إعلان إسلامه من لمس و قراءة القرآن الكريم؟!
أقول إن المصحف و الحجر الأسود و الكعبة و المسجدالحرام و مكة و المدينة المنورة و المساجد كلها أشياء مادية لا تكتسب صفة التقديس إلا بمقدار ما
يسبغ عليها البشر ذلك" و هذه صفة إنسانية أصيلة"
فكم مزقت و دنست مصاحف على مدار التاريخ!
و كم سرق الحجر الأسود و كم هدمت الكعبة و كم حوِّلت مساجد إلى متاحف و كم دكت مآذن في شرقنا الحبيب و تحولت إلى هدف مفضل لدى رماة المدفعية و الدبابات؟
و مع ذلك بقي الإسلام دين ما يزيد عن مليار إنسان
و بقي القرآن الكريم من أكثر الكتب مبيعاً في العالم
و بقي الحج في مكة أكبر مؤتمر بشري .علينا البحث عن المفردات المشتركة مع الآخرينولا يعني هذا التخلي عن هويتنا و و معتقداتنا و انتمائنابل إن البحث عن المفردات المشتركة- و الله أكبر هذه المفردات- هو الذي يُغني الهوية فتصبح أكثر انفتاحاو يغني المُعتقد فيصبح أكثر إنسانيةو يغني الانتماء فيصبح أكثر رسوخا
___________________________________________
* "يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس , فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"سورة التوبة الآية28
نزلت هذه الآية في السنة التاسعة للهجرة بعد فتح مكة و فيها أمر صريح بأن لا يدخل المشركون المسجد الحرام و لو لحجٍّ أو عمرة , فليس لهم أن يحجوا البيت أو يعتمروا أو يدخلوه لأي حاجة أخرى.واضح من سياق الآية أن المخاطبين هم ما تبقى منقريشو القبائل العربية على دين أجدادهم يعبدون الأصنام.و أمَّا أهل الكتاب فلم تتحدث عنهم الآية, و الآية لا تمنع المشركين من دخول أرض مكة و المدينة و مجاليهما الجوي , فهي تخصص المسجد الحرام , و بداهة فإن مشركي اليوم من هندوس و بوذيين و أتباع الديانات الوثنية في أفريقيا و أدغال الكونغو لا يعنيهم دخول المسجد الحرام و أداء فريضة الحج , بل إن
المشركين المعاصرين للنبي محمد هم المقصودين بهذا الخطاب النبوي" القرآن" حيث منعهم النبي من أداء مناسك الحج
http://www.syriamirror.net/modules/news/ar...p?storyid=14174