[CENTER]تاريخ اليهود في الكويت-1

جاءوا من العراق وإقامتهم ابتدأت مع احتلال صادق خان للبصرة
بقلم: يعقوب يوسف الإبراهيم
استمتعت وربما كثيرون مثلي بـ«فضفضة» الاستاذ حمد العيسى في صفحات من الذاكرة، التي جاءت عفوية وبدون تكلف فكانت أوقع واصدق فساعدت في تحريك السكون الذي يمر به مشهدنا، ورحم الله زمانا كان الوصال فيه بديلا للمال. لست هنا مناقشا سيرة حياة الرجل، ولكن ما استوقفني مقولته: «وخلفنا كنيس اليهود وكان معبدهم ومنهم صالح وداود الكويتي غادرا الكويت اعتقد عام 1940 ونقلا التراث الفني الكويتي الى اسرائيل». فحاولت الاستزادة لمعرفة ظروف بداية اقامة اليهود في الكويت، ولتقويم الشطط العفوي عن التفاصيل والتواريخ خوفا من تأصيلها، خصوصا اذا صدرت من شخصية مثقفة قانونية مهنتها تقصي دقائق الامور. فلم أجد ضالتي في ما دون والذي وجدته ناقصا مبعثرا هنا وهناك عن احوال بقيت مطوية في سجل الزمان يكتنفها الغموض والنسيان.

ومن الغضاضة ان ينبري لكتابة تاريخنا اجانب تعوقهم في سبيل سعيهم عقبات اللغة وعقم الروايات وقلة المصادر، ولا نجد بيننا من يقوم بهذه المهمة. فعزمت على سد قسم ليستر بعض هذا التقصير ويردم الفراغ ما استطعت «ويا نفس جدي ان دهرك هازل». فعسى ان ينزل منزل القبول وتكون حقائقه لمن يقرأه اساسا للبحث عن المزيد الذي هو بلا شك موجود «والدار لو حدثتنا ذات اخبار». ولن يكون المحتوى على غرار: «اتعلم أم انت لا تعلم» فعزائي هي مقولة علي بن ابي طالب «رضي الله عنه»:«ان كلمة الحق ما تركت لي صديقا». فاذا زال المانع عاد الممنوع ورحم الله القائل:

فليس الذي يأتيك مؤتزراً
مثل الذي يأتيك عرياناً

يمكننا القول ان اليهود الذين سكنوا الكويت هم كلهم أوجلهم من العراق الذين تمتد جذورهم فيه الى السبي البابلي لاورشليم (القدس) وتهديم الهيكل على يد الملك نبو خذنصر عام 586 قبل الميلاد. واذا ما اختزلنا حقبات طويلة من التاريخ نصل الى انه وفي اواخر الحكم العثماني في العراق كانت بغداد المدينة الثانية في الكثافة السكانية لليهود بعد سلانيك في دولة آل عثمان.

اما تاريخ اقامتهم في الكويت فترجع خطوطه حينما احتل «صادق خان» البصرة عام 1776، التي اخليت من سكانها وبعضهم من اليهود، حينها ارتحل قسم منهم شمالا ومنهم من قصد الكويت فاستقروا بها. ويذكر ذلك صاحب التحفة النبهانية ص185: «فحازت الكويت الازدهار وازداد العمران والسكان». يتضح من ذلك ان ثقل العمل التجاري قد انتقل من البصرة الى الكويت وكان هذا هو السبب الرئيس لانتقال افراد من اليهود اليها. ولكن يمكننا القول ان بعض هذه العوائل قد استقرت في نهاية حكم الشيخ صباح بن جابر (الحاكم الرابع) واوائل حكم الشيخ عبدالله بن صباح (الحاكم الخامس) حوالي عام 1860، حينها كانت الظروف الاقتصادية والمعيشية ملائمة فزاد عددهم ومدخولهم «وكل مكان ينبت العز طيب». ونتيجة لتلك الزيادة وعلى مر السنين اصبح لهم وجود تجاري من خلال تجمع يحمل اسمهم هو «سوق اليهود» الذي يعد من الاسواق القديمة والمهمة ويقع بالقرب من مسجد السوق على مقربة من سوق التجار «كتاب الاسواق القديمة في الكويت» محمد عبدالهادي جمال. الذي اصبح فيما بعد سوق خليل القطان ثم قيصرية بن راشدان قبالة موقع المدرسة المباركية القديمة التي تم بناؤها عام 1911. كان معظم النشاط فيه هو بيع الاقمشة والالبسة وهو ما اشتهروا به عموما في كل مكان وزمان وما يطلق عليه بالعبرية الدارجة (شماطا) وهي سلعة مطلوبة دائما وغير قابلة للتلف او العطب السريع، كما ان الكساء والغذاء ثم الدواء اهم متطلبات الانسان المتحضر فاختيارهم للاول لم يأت اعتباطا وهم المشهورون بالحرص والحذر.

كما جاء بروزهم بتجارة الجملة لانهم يستوردون البضائع من مصادرها مغطين بذلك حاجة الاسواق الداخلية، بالاضافة الى اعادة تصدير قسم منها الى البلدان المجاورة، كما مارسوا خزن البضائع والسلع القابلة للتخزين منتظرين مواسم التبضع وفراغ الاسواق ليطرحوها. اما القسم الاكبر فيأخذ طريقه للتصدير. كما ساعدت علاقاتهم مع التجمعات اليهودية في منطقة الخليج والهند والبصرة وبغداد وحلب فوصلت عمليات استيرادهم الى الصين واوروبا مما جعلهم يتفردون ببيع مجموعة واسعة من السلع وخاصة الاقمشة بأنواعها واختلاف مصادرها، بالاضافة الى بيع السجاير والتبغ (التتن).

تملك العقار
محصلة ما تقدم تؤكد وبشكل قاطع غير قابل للشك او الجدل ان يهود الكويت كانوا يتمتعون بقدر كامل من الامان اكثر ما تمتع به يهود اوروبا آنذاك. وعاشوا بمطأنينة مع جيرانهم لا يتدخل بأمورهم أحد كما ان استقرارهم هذا مكنهم من شراء وتملك العقار بحرية تامة ومن دون عوائق او عراقيل.

وفي وثيقة عدسانية يعود تاريخها الى 13 ربيع الاول 1323هـ المصادف 19 مايو 1905م فيها:

الحمد لله سبحانه
ثبت كما ذكر لديّ انا العبد الفاني
محمد بن عبدالله العدساني

السبب الداعي الى تحرير هذه الاحرف الشرعية هو انه باع داود بن ابراهيم اليهودي من حاملة هذا الكتاب شريفة بنت حمود الشايع وهي ايضا اشترت ما هو ملكه الى حين حدود هذا البيع منه، وهو الدكان الكائن قريبا من مسجد السوق وشمالا دكان عبدالخضر ابو عباس وشرقا دكان محمد بن احمد آل موسى وجنوبا الطريق العام بثمن قدره وعدده مئتا ريال وسلمت الثمن بتمامه وكماله المشترية شريفة المذكورة بيد البايع داود المزبور بيعا صحيحا شرعيا فبموجب ما ذكر من البيع وتسليم الثمن وقبضه صار الدكان المبيع المذكور مالا وملكا للمشترية شريفة المذكورة تتصرف فيه كيفما تشاء وتختار حتى لا يخفي حبراً وحرر في 13 ربيع الاول 1323هـ.

شهد بذلك محمد بن فهد الخشرم
توقيع البائع (باللغة العبرية)

80 عائلة وكنيس لليهود
كما كان وبالاضافة الى السوق حي خاص سكنوه هو «فريج اليهود» قرب سوق الصاغة موقع البنك التجاري حاليا سكنته ما يقارب الثمانين عائلة، ويختلف لباس اليهود عن الآخرين بانهم كانوا يلبسون رداء يربط وسطه بحزام يدعى «زبون» ويعتمرون الطربوش وبعضهم كان يرتدي الزي الاوروبي مع الطربوش.

وفي مقابلة صحفية في جريدة «الرأي العام» بتاريخ 5/2/1999 يذكر الحاج بدر بن يوسف النقي: «ان اليهود سكنوا منطقة شرق قبل حكم الشيخ مبارك قرب سوق الصاغة وهو قريب من البيت الذي ولد فيه ابي».

كان لهم كنيس موقعه خلف فريج الجناعات. وكانت التوراة التي توضع نصوصها ملفوفة على قضيبين واحد للفتح والثاني للف مكتوبة بالعبرية على رق غزال في لفافات اسطوانية توضع في خزائن على الجدار الشمالي باتجاه القدس، هكذا تنص احكام الشريعة عندهم (المشنا) ولا تتم الصلاة الا بحضور عشرة رجال بالغين وهذا النصاب يطلق عليه (منيين). وفي الكنيس ركن خاص منفصل للنساء. والصلاة فيه على النمط القديم التقليدي (بيلادي) الذي يختلف عن النمط الشامي المتبع في بلاد الشام ومصر. ومن المعروف انهم لا يعملون او يدخنون او يشعلون النار او يطبخون او يحملون نقودا او مفاتيح ولا يركبون وسيلة نقل او سفر يوم السبت وفي الاعياد.

والديانة اليهودية كهنوتية حيث الكهنة هم الواسطة بين العامة والرب (يهوه) ان وجود مكان للعبادة خاص بالطائفة اليهودية انذاك يمارسون فيه طقوسهم وشعائرهم بحرية كاملة وبدون عراقيل هو دليل لا جدال فيه على انفتاح وتسامح المجتمع الكويتي. ولم يذكر لنا التاريخ اي حادث يدل على غير ذلك.

يتبع ،،،

[CENTER]تاريخ اليهود في الكويت - 2

قدومهم للكويت اقتصادي وخروجهم منها كذلك
بقلم: يعقوب يوسف الابراهيم
في الحلقة السابقة تحدث الكاتب عن تاريخ قدوم اليهود الى الكويت واقامتهم فيها والاسواق التي عملوا بها والتجارة التي مارسوها، واورد قصة الوثيقة العدسانية وكذلك الكنيس الذي كانوا يؤدون فيه شعائرهم الدينية.. وهنا الحلقة الثانية:

وبالاضافة الى السوق والحي والمعبد كانت هناك مقبرة خاصة بهم في منطقة شرق، مما يدل على ان فترة اقامتهم لم تكن عابرة بل امتدت امدا طويلا.

يذكر صموئيل زويمر راعي الارسالية التبشيرية المسيحية في الخليج في نشرة الارسالية ARABIA CALLING «بلاد العرب تنادي» التي تصدر من المقر الرئيسي للارسالية في الولايات المتحدة الاميركية تحديدا في ولاية نيوجرسي بمدينة نيوبرونزويك. يقول فيها: «انه زار الكويت في 14 فبراير عام 1903 قادما من البحرين حيث مكان اقامته. جاء يتفقد نشاط الارسالية التي يعمل فيها مسيحي من الموصل في العراق اسمه سليم عنتون لتوزيع وبيع الكتب التبشيرية وانه يشعر براحة عارمة ولم يتعرض الى اي نوع من المضايقات حيث مكان اقامتهم بجوار عوائل مسلمة محافظة كانت تزورهم كما كان من جملة الزوار الحاخام اليهودي الذي جرى معه حوار مطول ونقاش ديني لم يعترف فيه بنبوءة المسيح». اما لوريمر في كتابه الموسوعي «دليل الخليج» والذي زار الكويت مرتين الاولى بصحبة اللورد كيزون نائب الملك في الهند عام 1903 والثانية وهو يجمع مادة كتابه يعاونه جبرائيل في الفترة من 1904 - 1905. وقد نشر في البداية كتقرير سري عام 1908 اصدرته حكومة الهند في كلكتا، ولم يسمح بنشره الا عام 1955 وقام بترجمته الى العربية الديوان الاميري في قطر. وهو كتاب موسوعي قيم يتكون من اربعة عشر جزءا نصفها خصص للقسم التاريخي والآخر جغرافي. وقد جمع ونسق ما يخص الكويت خالد سعود الزيد الذي يذكر في ص 17.

200 يهودي
«يبلغ عدد سكان الكويت خمسة وثلاثين الف نسمة معظمهم عرب ويوجد عدد من الايرانيين وبعض اليهود وهناك ارمنيان ولا يوجد هنود ويتراوح عدد اليهود بين مائة ومائتين فرد لهم كنيس خاص بهم».

اما مولي ايزارد مؤلفة كتاب «الخليج» فتقول على ص 56: «قبل عام 1914 كان هناك قرابة مائتي يهودي يعيشون في الكويت ولكن الاغلبية رجعت الى العراق وقسم قليل الى الهند».



تشهد الادلة التاريخية ان يهود العراق مارسوا صنع وبيع الخمر عبر التاريخ. وفي بداية الحكم العباسي نرى شعرا «لابي دلامة» قاله في الخليفة المنصور عام 153هـ حينما امر الناس بلبس القلانس قال فيه:

وكنا نرجي من امام زيادة

فزاد الامام المصطفى في القلانس

تراها على هام الرجال كانها

دنان يهود جللت بالبرانس

ومن ابيات لمهيار الديلمي يذكر فيها تهافت المسلمين على شرب الخمر مما زاد في ثروة اليهود:

حبت فاقرا شرابها المسلمين

واغنت بمغنى اليهود التجارا

تجارة الخمور وبيع الحليب والثلج
لقد زاول بعض اليهود نفس مهنة اسلافهم في تصنيع وترويج الخمور في الكويت.
ومن مرويات كبار السن ان من امتهن هذه الصنعة كانوا يقومون ببيع الحليب ايضا للايهام والتضليل. فمن يريد حليبا يضع عملة معدنية من فئة صغيرة في وعاء الحليب (الدله).

اما اذا كانت فئة كبيرة فالمراد بها الحصول على «ام الكبائر». وتبقى الدله (حيث لم تكن القناني الزجاجية قد شاع استعمالها انذاك) القاسم المشترك الاعظم.

ان ذكر ما سبق يتسق على ما جاء وينسجم مع ما ذكره الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتاب الملتقطات (ص 501).

اقول لقد فشى شرب الخمر عندنا فشوا هائلا ولا يزال في ازدياد وكنا بالزمن السابق اذا سمعنا من انسان انه يشرب الخمر استغربنا وتعجبنا من اقدامه عليه لاننا نعتقد ان شارب الخمر يصير مجنونا بحال سكره وكنت سنة 1308هـ (1890م) اكتب عند المرحوم السيد عبدالوهاب (بن السيد يوسف الرفاعي). ومر رجل اعرض عن ذكر اسمه واخذ يتكلم مع السيد فرأيت الاولاد يتهامسون وينظرون اليه لما ذهب سألتهم عن السبب في ذلك فقالوا انه يشرب الخمر».

وبالرجوع الى تقرير لوريمر مرة اخرى والذي سبق ذكره نلاحظ صحة مقولة الرواة واثار مخاوف الشيخ القناعي.

يقول لوريمر: «وهم سيئوا السمعة (اليهود) بسبب ما عرف عن تقطير المشروبات التي يعاقرها بعض المسلمين خفية من الحاكم وخشية منه. ومن اليهود هناك تاجران غنيان اما الباقي فمعظهم بائعو اقمشة وصاغة».

ومن التجار اليهود الاغنياء هم صالح محلب صاحب اول مصنع ثلج عام 1912م (من هنا بدأت الكويت ـ عبدالله الحاتم ) وكرجي ساسون ومنشي الياهو وكانوا يتعاطون التجارة والصيرفة.

يتضح ان الامور قد ساءت مما حدا الشيخ سالم المبارك (الحاكم التاسع) بعد توليه الحكم في فبراير 1917م، ان يضع حدا لهذه الممارسات لما عرف عنه من شدة التدين مقارنة بمن قبله من الحكام.

يؤكد تقرير المعتمد السياسي الكولونيل هاملتون المحفوظ تحت رقم I.O R/15/5/180 وفيه: «ان الشيخ سالم مشغول بجملة من الاصلاحات ومن اولياتها استدعاء اليهود الموجودين في الكويت وتحذيرهم» تزامن من ذلك تكليف الشيخ صباح بن دعيج (صباح السوق) الاشراف على امور الامن، فكان يجوب الاحياء والاسواق يقظا صارما.

ان ما قيل وشاع وتداول عن تهجير اليهود وطردهم من الكويت لا يقابله مستند او نص يركن اليه. ولو كان الامر صحيحا لافاضت تقارير المعتمدين البريطانيين بذكر ذلك وهم الراصدون لكل صغيرة وكبيرة تحدث في الكويت. ولكن يمكننا القول ان تزامل المراقبة المستمرة كان احد الاسباب ولكن امورا اقليمية وعالمية ساعدت على مغادرة اليهود والرجوع الى العراق منها:

بداية الحكم الملكي في العراق والعلاقة الجيدة التي عرف فيها الملك فيصل الاول بشخصيات يهودية منها وايزمان وساسون حسقيل الذي اصبح وزيرا للمالية في العراق بالاضافة الى معالم الاحتفالات التي استقبلته بها الطائفة اليهودية في بغداد في 18 يوليو 1921م حينها وصف احد المؤرخين اليهود خطبة الملك:

«بأنها اندى من زلال الماء على الافئدة».

كما قدموا له التوراة مكتوبة على رق في غلاف ذهب فقبلها وسط رقص القوم وطربهم». «كتاب تحفة المشتاق في يهود العراق» - يوسف غنيمة ص 57.

اما اقامة الملك حين وصوله فكانت في قصر على ضفاف دجلة يملكه احد اغنياء اليهود وهو شاؤول شعشوع. وبعد فيضان بغداد عام 1926 انتقل الى قصر يهودي اخر هو مناحيم داتيال عضو مجلس الاعيان العراقي. كتاب «خلق الملوك» سمزبيل ص 196.

كذلك اقام شقيقه الاكبر الملك علي ملك الحجاز سابقا، في بيت احد اثرياء اليهود في منطقة الباب الشرقي حيث يملك اليهود العراقيون بيوتا جميلة في مواقع رئيسية. «مذكرات وريثة العروش» ص 36.

ومن جانب آخر فإن الاحتلال البريطاني قد نشط الاقتصاد العراقي فاتسعت مجالات التجارة وما يعتمد عليها من نشاطات. واذا كانت التجارة بمعظمها في يد اليهود فقد اصاب الثراء الكثيرين منهم. حيث بلغت اعداد نفوسهم في العراق عام 1920 مائة الف نسمة.

وعكس ذلك كان ما يجري في الكويت حيث تزايد نشاط الاخوان وغزواتهم وهناك خوف قديم عند اليهود تجاه البدو. واسقاطات الحصار الاقتصادي على الكويت من نجد. اضافة الى تدهور اسواق اللؤلؤ وبداية الانهيار الاقتصادي العالمي في العشرينات. كل هذه الاسباب مجتمعة عجلت في مغادرة اليهود الكويت. والمعروف ان ممارسة اليهود للتجارة في العموم مبني على قاعدة الارض لاهلها والتجارة كلها تقريبا لهم.

فمن نافلة القول ان فترة خروجهم من الكويت امتدت حوالي عقد من الزمن شمل فترة العشرينات كلها من القرن الماضي وليس الاربعينات كما قالها العيسى. هناك مثل يردده التجار اليهود بين بعضهم اذا ما بادرهم الشك وظهرت علامات الخطر محدقا في الافق: «لا تقرب الشوك».

يتبع ،،،

[CENTER]تاريخ اليهود في الكويت - 3
قصة الأخوين صالح وداود وعلاقتهما بالغناء الكويتي
بقلم: يعقوب يوسف الابراهيم
يجرنا الحديث ونحن نتناول موضوع اليهود في الكويت لذكر الاخوين صالح وداود الكويتي، وعلاقتهما بالتراث الفني الكويتي. وقبل البدء بذلك يكون لزاماً علينا إلقاء نظرة على المشهد المحلي ونظرة اهله الى الفنون وسبر اغوارها.

من خلال كتابة من عايشوه حينما كان البعض آنذاك يطلق على الفنون بعمومها مصطلح «اللهو». وعن ذلك يذكر الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في «صفحات من تاريخ الكويت» حيث أفرد فصلا كاملا في خمس صفحات من ذلك الكتاب المختصر المفيد والذي هو بالاصل لا يتجاوز التسعين صفحة ما نسبته 16/1 من مجموع الصفحات اي انها كانت نسبة لا يمكن اغفالها تصدر عن عالم جليل جل اهتمامه امور الدين وهذا بحد ذاته دليل ناصع على اهتمام وبرهان قاطع على تفتح وصفاء بعيدين عن الغلواء والتزمت وهي علامة فارقة جبل عليها اهل الكويت عبر تاريخهم.

يبدأ الفصل ص78 بقوله: «لا اريد ان اتكلم عن حكم الشرع في اللهو من حيث التحريم او الجواز. وانما اريد بيانه لمعرفة ما في الكويت من لهو». ثم ابتدأ بتصنيف اللهو «الموسيقى والغناء» الى عدة صنوف منها اللهو الحربي (العرضة) واللهو البحري وما يصاحب رحلات السفر والغوص من تسلية وسمر وبعد ذلك لهو الاعراس والافراح ثم لهو العبيد النوبي والممباسي واخرها لهو «السمار ليلا» وهذا هو ما يخص موضوعنا. فيسترسل بالقول: «يحتوي على ضرب العود والمرواس ويغني ضارب العود بأبيات عربية ويمانيه ويزفن الشباب على وقع هذا الضرب. واشهر ضارب عود وملحن هو عبدالله الفرج. وهذا اللهو يحضره الرفيع والوضيع اذا خلا من المفاسد وله تأثير على النفوس وللسامع ان يحمله على ما يريد من هواه».

ثم ينهي الفصل بتحوير عجز البيت المشهور:
تعشقتها شمطاء شاب وليدها
(وللناس فيما يعشقون مذاهبُ)
قائلا «وللناس فيما يسمعون مذاهب».

اما عن مقولته «التأثير على النفوس» يجعلنا ننتقل الى كتاب الملتقطات ص572 وهو كتاب ثان للقناعي يروي فيه حادثة عن الشيخ جابر المبارك الصباح (الحاكم الثامن):

«سمعت من المرحوم جابر المبارك يقول: «ضاق صدري في أحد الليالي الممطرة وارقت فأخذت عصاي ولبست عباتي ورحت الى «دخينه» (ديوان عبدالله الفرح شاعر الكويت ومطربها) فطرقت الباب وفتح لي واذ ليس في الديوان غيره فتلقاني بالبشرى وبعد جلوسي اخذ العود وانشد قائلا:

سرى يقطع الظلماء والليل عاكف
حبيب بأوقات الزيارة عارفُ
ما راعني الا السلام وقوله
ايدخل محبوبٌ على الباب واقفُ
فسررت من انشاده في هذه المناسبة
ويضيف الشيخ يوسف على هذين البيتين وبالقافية نفسها من نظمه:
فقلت له اهلا وسهلا ومرحبا
بمن زار في الظلماء والوبل واكفُ
انست به حتى بدا الصبح ساطعا
وودعني والقلب مني واجفُ

كان ما سبق استشفاف للمشهد المحلي واذا انتقلنا الى المشهد القومي بعمومه نجد ان الحضارة المادية وحدها لا تنفع بل لا بد من ان تصحبها حضارة الروح. وعلى الرغم من ان البعض يعد الموسيقى والغناء ضربا من ضروب العبث ولونا من اللهو والاستمتاع بهما هو انصراف عن الجد والعمل واستكانة الى الخمول والكسل.

ألحان النبي سليمان والموسيقى عند المسلمين
ولكن الامر ليس كذلك فالكتب السماوية ومنها التوراة تتحدث عن نبي كريم وملك عظيم كان مغنيا بارعا وكتاب المزامير في مجموعة قبس من الهامه. وورد في الانجيل (سفر الملوك: 4:32) ان النبي سليمان عليه السلام وضع الفا وثلاثة الحان. وفي ديننا الحنيف ومن الموروث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: «روحوا قلوبكم ساعة بعد ساعة فان القلوب اذا كلت عميت» وفي التاريخ الاسلامي ظهر نوابغ منهم معبد وابن سريح وطويس وابراهيم الموصلي وابنه اسحق وزرياب وجميلة وحبابه وافواج مثلهم اخبارهم مبثوثة في كتب كثيرة منها «الاغاني» و«طبقات المغنين» وغيرهما. وقد وصف كل ذلك المستشرق «ادم متنر» في كتابه «الحضارة الاسلامية»: «كان من اعظم الامور عند العرب الموسيقى والايقاع على الغناء».

وفي ذلك قول الشاعر الجاهلي:
تغنى بالشعر اما انت قائله
ان الغناء لهذا الفن مضمار

لقد اثبت ان البيئة في الكويت كانت حاضنة لامور شتى ومنها المواهب الفنية ولم تكن طاردة لها. فالكويت انجبت عبدالله الفرج الذي كان في قمة عطائه في نهاية القرن التاسع عشر وقبل ولادته استقبلت بن لعبون بعد هجرتيه من الزبير والبحرين وكان فنان زمانه وبعد رحيل الفرج ظهر خليفته خالد البكر الذي تتلمذ عليه صالح وشقيقه داود بالاضافة الى يوسف البكر هذا ما ذكره الكويتي في مقابلة صحفية واعيد ذكره في حفلة اقيمت بمناسبة مئويته.

تاريخ صالح الكويتي وشقيقه



ولد صالح بن يعقوب بن عزرا الملقب بـ«الكويتي» عام 1905، وكانت هجرة ابيه الى الكويت من بغداد وهو بالاصل من يهود ايران. اما امه فمن عائلة حبوشه وهم من رجال الدين ينتمون الى لاوي «ليفي» احد الاحبار والكهنة وفي التوراة جزء خاص باللاويين. كما ولد شقيقه داود عام 1910 وكان سكناهم في فريج اليهود، يذكر الحاج عبدالرحمن بن جاسم بن حيدر في صفحات من الذاكرة بـ«القبس» 19/12/2003: ان احد جيرانهم كان بيت عزرا الكويتي ابو صالح وداود. عشق الاخوان العزف والغناء ومنذ ان عرفا الحياة وقضيا طفولتهما وشبابهما ثم شيخوختهما ارواحا طائرة في سماء الطرب وأنفس تواقة الى الحبور هذا المنعطف النفسي الذي جعلهما يتعلقان بالفن ويعشقانه منذ نعومة اظفارهما ليصبح هواية وغواية ومهنة للاطفال والصبيان العابا ودمى ولكن لعبة هذين الصبيين كانت جريدا من سعف النخل تربط به شعرات من ذيل حصان يضربون عليه مقلدين بذلك مطربي الكويت الذين يشاهدونهم في مناسبات الفرح والاعياد وقد تمكن صالح من العزف على العود وعمره 10 سنوات فادهش عزفه قريبا لهم كان زائرا للكويت من الهند يتعامل مع والدهما بالتجارة فارسل للصبيين عودا وكمانا.

الاسطوانات



في تلك الاونة انتشرت الاسطوانات وبدأت اجهزة الحاكي تنتشر في بعض البيوت حتى ظهرت في المقاهي قبيل الحرب العالمية الاولى وتحديدا عام 1912.

وكانت اسطوانات مغني ومطربي ذلك العصر مثل سيد درويش وسلامة حجازي وعبده الحامولي وصالح عبدالحي وزكي مراد بالاضافة الى اسطوانات لمعزوفات تركية من «سماعيات» و«بشارف» وهي جمع لمصطلح «بي شرف» تتألف السماعيات من عدة خانات يستغرق عزفها وقتا طويلا وتكون الخاتمة ما يطلق عليها «التسليم». اما معزوفة «بي شرف» فموسيقاها تكون بطيئة مقارنة بسابقتها. كما ظهرت قطع موسيقية مصرية سجلها سامي الشوا (امير الكمان) وتقاسمها مزدوجة مع محمد القصبجي على العود ومحمد العقاد على القانون، كل ذلك اصبح مادة يحاول الهواة تقليدها ومجاراتها.

المرجعية الموسيقية للأخوين
كانت طريقة التعلم «سماعية» في تلك الايام اذ على الهاوي الفتى التواجد في جو موسيقي يستمع فيه الى العزف والغناء حتى تعلق الانغام في ذهنه ومن ثم تبدأ محاولته في ترجمة ما حفظه على عزف الآلة، واذا كان هناك من يعلمه ويرشده ويوجهه فذلك معين لا غنى عنه وان لم يجد فان عليه ان يسلك الطريق الاصعب ويعتمد على مجهوده الشخصي ومثابرته في تحقيق هدفه. وفي العموم ان العزف وطرقه هما من اسرار المهن التي ينبغي الاحتفاظ بها وقد تورث احيانا للابناء او الاقرباء لذا.. نرى ان الطابع العائلي هو السائد في معظم الاحيان اذ لم تكن هناك مدارس لتعليم الموسيقى في اواخر القرن التاسع عشر وما قبله وبداية القرن العشرين، كما ان عدد العازفين المحترفين هم قلة يعمل افرادها على ظهر سفن مواسم السفر والغوص فمنهم «المكبس» عازف العود وهو المطرب عادة ومنهم «النهام» منشد المواويل وترانيم البحر.

عند اليهود وفي دور عبادتهم طقوس عبارة عن تسابيح دينية تغنى بأصوات موسيقية موزونة لا تصاحبها الآلات الموسيقية بل فرقة من المنشدين مكونة من اربعة او خمسة افراد يضبطون فيها الايقاع مع باقي المصلين ويطلق على المنشد بالعبرية «حزان» اما من يرأسهم فتسميته «ابو الشباحوث» وتعني التسابيح، كما ان تلك الفرقة تحضر في حفلات الختان والاعراس والاعياد.
----------------------------
* صورتي صالح وداود الكويتي من

يتبع ،،،

[CENTER]تاريخ اليهود في الكويت - 4
صالح على الكمان وداود متخصص بالعود
بقلم: يعقوب يوسف الابراهيم
بين هاتين المرجعيتين المحلية والدينية استطاع صالح واخوه داود ان يستقيا بداية مادتهما الفنية، وقد استطاع صالح على الكمان وداود على العود ان يبلغا من المهارة في العزف والغناء ما مكنهما عند رجوع العائلة الى البصرة عام 1928 من العمل مع المطرب محمد القبنجي الذي كان فيها لتقديم حفلات موسيقية، فالتحقوا به بعد يومين من وصولهما.

بعدها غادرا البصرة الى العمارة حيث عملا في احد الملاهي ثم الى بغداد عام 1930م حيث ابتدأ الاخوان بنشاط محموم سرعان ما تبوآ من خلاله موقع الشهرة حيث سمع الناس منهما الوانا جديدة والحانا عذبة لم يألفوا سماعها من قبل، وبدأ هذان الموسيقيان بتلحين اغان كثيرة حتى لم تبق مغنية مشهورة في ذلك العهد الا وغنت من الحانهما.

وكانت بغداد تشهد حضورا ونشاطا فنيين حيث شارك مطربون وعازفون في المؤتمر الاول للموسيقى في القاهرة عام 1932 وفي العام نفسه صادف افتتاح معرض بغداد الدولي وزيارة المطربة الكبيرة ام كلثوم في نوفمبر من تلك السنة، حيث قدمت اغانيها في حفلات استمرت فترة طويلة على مسرح الهلال في بغداد.

أشهر الأغاني والمعهد الموسيقي
اما الأخوان الكويتيان فقد شكلا فرقة موسيقية من خلالها برزت اغان اخذت طريقها الى الشهرة ومنها اغنية «كلبك صخر جلمود» التي غنتها سليمة مراد وهي من لحن الصبا اقدم المقامات العربية، والصبا لحن عذب اخذ اسمه من الريح الخفيفة التي تهب قبل شروق الشمس. سمعت الاغنية ام كلثوم فاعجبت بها ايما اعجاب وغنتها ثم سجلتها على اسطوانة حازت نجاحا منقطع النظير.

بعد ذلك اسس الاخوان معهدا صغيرا لتعليم العزف واصول الموسيقى وقد التزما بتقديم كل ما عندهم من خبرة في هذا المضمار وبذلا مجهودا في تعليم الطلاب النظريات الموسيقية كالانغام وتوزيعها والاوزان والتقاسيم، واضافا اشارات يضعانها فوق النوتة المكتوبة حروفا للدلالة على طول القوس او قصره بالنسبة الى الكمان وسرعة الضرب او بطئها بالنسبة الى العود.

حتى استطاع الدارسون لهذه النوتة المحسنة التمكن من المادة وحفظها بمدة اقصر، فاطلقوا عليها «النوتة الكويتية» اعجابا وتقديرا.

برنامج من الإذاعة العراقية
في أول يوليو 1936 افتتحت الاذاعة العراقية في مبنى صغير عبارة عن غرفة للمدير واستديو لتلاوة القرآن الكريم والمتحدثين واخر للموسيقى والغناء. وكانت ايام البث اسبوعيا ثلاثة هي السبت والاثنين والخميس لمدة ساعتين يوميا على فترتين صباحية ومسائية ساعة واحدة لكل منها. وكانت مرسلاتها تبث بقوة 2/1 كيلووات بذبذبة طولها 391 مترا ويمكن مقارنة ذلك مع المرسلات الحديثة حاليا التي تفوق معدل قوتها الـ 1000 كيلووات. كانت الاذاعة مرتبطة بوزارة الاشغال ثم مدد الارسال فاصبح يوميا ولمدة ساعتين فضمت الى وزارة المعارف.

كان افتتاح الاذاعة يوما تاريخيا ترك الناس فيه بيوتهم وتجمهروا في الساحات العامة التي نصبت فيها اجهزة استقبال (راديو) عبارة عن صندوق خشبي فيه لوحة وازرار تنبعث منه الاحاديث والاغاني.

من ضمن برامج الاذاعة حفلتان موسيقيتان تذاع اسبوعيا وعلى الهواء مباشرة خصصت واحدة منها الى فرقة شعبية تعزف على الآلات الوترية القديمة منها السنطور والجوزة بالاضافة الى الايقاع ويطلق عليها «جالقي» وهي كلمة تركية تعني الموسيقى واصلها التركيب التالي: «جالقي طاقمي» اي قاطم او فرقة الموسيقى.

اما الثانية فهي حفلة لفرقة موسيقية حديثة تألفت بدعوة من وزير المعارف آنذاك الشيخ محمد رضا الشبيبي حيث كلف صالح الكويتي بقيادتها ومعه اخوه داود على العود وصالح على الكمان وعازفين على القانون والايقاع ثم الناي والجلو وهما اول من ادخل هاتين الآلتين في العراق.

إعجاب رئيس الوزراء العراقي
الطرف والنوادر كثيرة عن تلك الحفلات واحدة منها: ان رئيس الوزراء انذاك ياسين الهاشمي من المعجبين بموسيقى واغاني صالح الكويتي ومتابع لسماع حفلته الموسيقية الاسبوعية والتي صادف موعدها تلك السنة عيد الغفران (يوم كيبور) وهو اهم عيد ديني عند اليهود لا يعملون فيه اطلاقا. طال انتظار رئيس الوزراء فاتصل بمدير الاذاعة مستفسرا: وين هذا الكويتي؟ اجابه المدير: «باشا.. هذا يهودي واليهود مايشتغلون هذا اليوم عندهم عيد. فرد عليه الهاشمي: «زين.. سدوا الاذاعة حتى يخلص عيدهم».
فالاذاعة لا تعني شيئا عند رئيس الوزراء بدون الكويتي.

طاغور وعبدالوهاب
عندما زار الشاعر الهندي المشهور طاغور بغداد عام 1934 ترجم له الشاعر جميل صدقي الزهاوي احدى قصائده نظما الى العربية قام بتلحينها صالح الكويتي وغنتها زكية جورج في اغنية «يا بلبل غني لجيرانك» فكانت الحانها محط اعجاب الشاعر طاغور وانتشرت الاغنية بسرعة مذهلة وقد غناها بعد حين المطرب عبداللطيف الكويتي وسجلها تلفزيونيا وعرضها تلفزيون الكويت مرارا.

اما زيارة الموسيقار محمد عبدالوهاب فكانت في فترة اشتهرت فيها اغنية لحنها صالح الكويتي «يا نبعة الريحان» والتي اصابت نجاحا منقطع النظير لحنها على نغم مقام اللامي وهو مقام عراقي بحت ينسب الى قبيلة بني لام في جنوب العراق وهذا اللحن غير معروف في البلاد العربية ولا يغنى في مصر او غيرها. اثارت تلك الاغنية اعجاب وفضول عبدالوهاب فما كان منه الا ان وضع لحن اغنيته المشهورة: ياللي زرعت البرتقان التي ظهرت في احد افلامه قبيل الحرب العالمية الثانية. قال عنها (يا نبعة الريحان) الدكتور زكي مبارك المفكر والاديب المصري الشهير واستاذ في احدى الكليات العراقية «إنها من أشجى الأغاني وأعذبها» وأطلق على مغنيتها سليمة مراد لقب «ورقاء العراق».. لم ينس صالح مسقط رأسه وبداية الهامه فاعاد توزيع انغام الصوت الكويتي المنسوب الى عبدالله الفرج فغنى «في هوى بدري وزيني» وسجلها على اسطوانة بعد اعوام قليلة من مغادرته الكويت وهو اللحن الذي غناه بعد نصف قرن عبدالحليم حافظ «يا هلي يكفي ملامي».. كما لحن سامرية في أوائل الثلاثينات أدتها نرجس شوقي مطلعها «الحين هللت دمعها».

غنى ولحن صالح واخوه داود مئات الاغاني وطغى الكويتيان بالحانهما على الميدان الموسيقي في بغداد. كما صاحب في العزف المطربون المصريون والعرب الذين زاروا بغداد مثل ام كلثوم وعبدالوهاب وزكي مراد (والد ليلى مراد) ورجاء عبده وبثينة محمد وماري جبران وغيرهم.

والف مجموعة من القطع الموسيقية والسماعيات ووقع عليه الاختيار لتلحين موسيقى واغاني فيلم «عليا وعصام». يمكن القول ان صالح وداود كانا مدرسة موسيقية بنيت قواعدها ورصت مداميكها في الكويت واشرف على غرسها خالد البكر الى حين وفاته عام 1925.

يتبع ،،،

[CENTER]تاريخ اليهود في الكويت -5
بقلم: يعقوب يوسف الابراهيم

سامي الشوا وصالح الكويتي
في كتاب «الطرب عند العرب» لعبدالكريم القلاف (ص 121):
«من الذين اشتهروا بالعزف على الكمان أعظمهم اثنان سامي الشوا من مصر وصالح الكويتي. وصالح فنان عبقري رضع لبن الطبيعة واستلهم من وحي الفن فكان نابغة النوابغ وفلتة من الفلتات التي يشار اليها بالبنان. وحينما تشاهد الكويتي والكمان على صدره كالطفلة على صدر امها يناجيها فتبكي. إذا ما عزف تلين له القلوب القاسية وتنقاد له الاجمحة القوية. ان الكويتي كالشمعة يحترق ليضيء للناس والناس في طربهم لاهون. الكويتي نزعة فنية خلق فأدرك وجمع فوعى فهو واحد بجمع وجمع بواحد، وليس على الله بمستنكر ان يجمع العالم في واحد هذا ما نقوله في صالح الكويتي:
قم يا نديمي وبادر
إلى سماع الكمنجا
فليس من راح منا
وراح عنا كمن جا
الهجرة لإسرائيل

هاجر الكويتيان العراق بعد الكويت الى اسرائيل عام 1951. فكانت بداية رحلة النهاية الفنية لهما فقل نشاطهما الموسيقي بعد ان لقيا الاهمال وعدم الاكتراث. فخبا الصيت وخفتت الاضواء. فأغانيهما وموسيقاهما لم تعد تعني الكثيرالى مجتمع كانت عناصره قد اتت من كل حدب وصوب. وعندما يفقد الاهتمام يهرب الالهام. ولم تفلح الفسحة الضئيلة في الاذاعة الاسرائيلية ان تقدح زناد الانتاج فكان مقامهما فيها غريباً «مثل مقام صالح في ثمود»، لم تكن اسرائيل حينما حلا بها فردوساً موعوداً ونعيماً مقصوداً بل كانت لهما موعداً مع المجهول، فتعسرت امور الحياة مما اضطرهما الى مهنة لاكتساب العيش فكان ذلك دكاناً صغيراً لا يكاد يسد متطلبات العائلة فتذكرا أياماً كانت حلماً جميلاً فانقلبت الى كابوس مزعج. كتب حينها اغنية بكلمات والحان كويتية «شيبوني وانا شاب» اشتهرت في فترة الستينات وغناها وسجلها للتلفزيون الكويتي المطرب عبدالحميد السيد.

الرحيل عن الدنيا
في عام 1976 توفي الاخ الاصغر داود فعاش صالح بعده في هدوء غريب لحمته ذهول وسداه يوم مجهول. فمبرد العمر لا يبقي ولا يذر فقد داسه العمر ومشى على كتفه الدهر ولم تمض اعوام خمسة حتى لحق شقيقه عام 1980. عندها انتهت اسطورة الكويتيين ولكل شيء نهايته.

ثمة امر ادهشني ـ وأنا اعد هذا البحث ـ «والدهشة مفتاح المعرفة» كما يصفها ارسطو. وفي الناس امور تثير ذلك ومنها حرص صالح وداود على الالتصاق بلقب الكويتي الذي رافقهما طوال رحلة حياتهما واستمر الى ابنائهما واحفادهما في يومنا هذا. فلم يلجأ الى تغييره على الرغم من ان وجوده ربما كان معوقاً لهما ولا فائدة ترجى في بقائه. لقد غير الكثيرون اسماء اشتهروا بها لأنها لم تعد صالحة لتلائم وضعاً جديداً وهوية حديثة وتشهد بذلك سجلات المحاكم. أما بالنسبة الى صالح وداود فلا فائدة ترجى لهما في ان يستمرا بحمل لقبهما سواء في العراق او اسرائيل التي غير معظم المهاجرين لها اسماءهم الاصلية واستبدلوها بأسماء يهودية بحتة. هل كان ذلك وفاء لذكرى ارض طيبة معطاءة كانت مسقط رأسيهما وبداية مشوارهما؟

هل ان ابقاءهما على اللقب هو التزام ومحبة وفخر لا تتغير كقول الشاعر:
وحالات الزمان عليك شتى
وحالك واحداً في كل حال
لكل ما سبق جاء الجواب على لسان حفيدة صالح الكويتي حينما سئلت عن السبب فأجابت: «نحن فخورون باسمنا واصلنا».

أقدم وأشهر حفلة زواج في الكويت شاركت فيها فرقة موسيقية من الخارج
تذكر التقارير البريطانية الصادرة عام 1911 عن قدوم الشيخ صباح بن محمد ابن شقيق الشيخ مبارك من البصرة في 13 يونيو لحضور حفلة زواج ابنته وابنة اخيه على الشيخين سالم بن حمد الصباح وحمد بن مبارك.

وقد اقيمت حفلة استمرت يومي 22 و23 يونيو واستقدم الشيخ مبارك من البصرة فرقة مكونة من اثني عشر موسيقيا يهوديا للمشاركة في هذه الافراح.

اما الن رش في كتابه «آل صباح» ص110، فيذكر: «ان احتفالات زواج الشيخ حمد المبارك من الشيخة حصة صباح المحمد، كانت فريدة من نوعها ولم تشهد الكويت مثلها من قبل».

وقد وقع التقرير البريطاني بخطأ في الاسماء، وكان المقصود هو الشيخ سالم بن حمود بن صباح الثاني الذي تزوج الابنة الثانية للشيخ صباح بن محمد وهي الشيخة هيا بنت صباح بن محمد.

بغداد أيام السبت بعين قس مسيحي
ان محور التجارة بيد اليهود، ولهذا ترى بغداد ايام السبوت هادئة لا حركة فيها، بل يشاهد هذا الشعب منتشرا على ضفاف النهر، وفي البساتين والجنائن والبراري رجالا ونساء كبارا وصغارا، ليستنشقوا الهواء النقي في الايام المذكورة واكثرهم «ينقلون» ببزر البطيخ المملح والمحمص لأنه يحرم عليهم تدخين التبغ في مثل هذه الايام، فيستعيضون منه بالبزر، واظن انه كل يوم سبت ينفق لابتياع البزر وحده مبلغ ينيف على مائة ليرة ذهب.

إحصائية
سكان البصرة عام 1900، هناك اكثر من ثلاثين الف نسمة فيها مائة وثلاث وثلاثون اسرة مسيحية وثلاثمائة يهودية.

ريع وإيجار
كان دخل عقارات عائلة عزرا العراقية اليهودية في كلكتا بالهند عام 1900، ثلاثة آلاف جنيه شهريا، بمعدل مائة جنيه استرليني «باون» يوميا، اي ما يعادل الف وخمسمائة روبية هندية.

من كتاب رحلة إلى الهند
المطران إغناطوس نوري

عن القبس 7،6،5،4 أكتوبر 2005 الموافق 4،3،2،1، رمضان 1426[/COLOR]

انتهى ،،،