موسم الهجرة إلى ....الذات

1- هذا الشهر

April is the cruelest month of the year

( البيت الأول من قصيدة "الأرض الخراب" (the waste land)للشاعر الكبير تى إس إليوت )

ليكن إبريل هو أقسى شهور تى إس إليوت ، وليكن يونيو أو سبتمبر لغيره ، أما لي فهو ديسمبر : شهر اللقاء السنوى مع الذات والغوص عميقا فى داخلها فيما يشبه دورة بيولوجية باتت جزءا من حياتى منذ أبعد نقطة تصلها ذاكرتى فى الماضى وحتى يوم الناس هذا ، ومن شعور غامض بحزن وصل فى مرات معدودة إلى اكتئاب مرضى إلى حنين غالبا موجع للحظة غامضة هى الأخرى إلى خمول فى الروح والجسد وانطواء داخل غرفة مغلقة لا بل داخل ركن صغير فى الغرفة المغلقة ، يأخذنى ديسمبر بعيدا إلى الداخل ـ داخل نفسى ، وإن يكن لمرور السنين من فعل فهو زيادة الغامض غموضا ورفد الكآبة والوجع بأسباب إضافية ، وما كان سوى من قبيل عبث الأقدار أن أفقد أعز مَن عرفت من البشر فى .......ديسمبر .

ثمة رمزية ما هنا بالطبع ، فاليوم الأول من ديسمبر ليس بداية لشىء ولا اليوم الأخير منه نهاية لشىء ، والأمر كله أقرب إلى "دورة وجدانية" (إذا صح التعبير) موسمية تطرح أعمق وأعنف تجلياتها فى حيز زمنى مركزه ديسمبر .

فيما يلى كلمات محفوظة بأوراقى القديمة ومؤرخة فى 17/12/1990م ، ووقتها كنت طالبا فى السنة النهائية فى كلية الآداب (أنقلها كما هى ما عدا تغيير كلمة واحدة) :

ديسمبر يرتحل بى عميقاً إلى داخل نفسى
ديسمبر يثير حنينى لزمن لا يستعاد
ديسمبر يُلهب شوقى لأحباء رحلوا ولن يعودوا
ديسمبر ينزع عنى اليأس لكن لا يمنحنى الأمل
ديسمبر يذكرنى بنهايات هى نفسها لا تنتهى
ديسمبر يخيفنى بقدر ما يغوينى
ديسمير يطرح عليّ أسئلة لا إجابات لها
ديسمبر يُحزن قلبى ويرسم على شفتي ابتسامة
ديسمبر يحيى الماضى ويميت الحاضر ولا يعد بالمستقبل
ديسمبر يحيلنى طفلاً تنقصه براءة الأطفال
ديسمبر يروى ذاكرتى ويعطّش رغبتى ويجوّع عقلى
ديسمبر يحبسنى ليله ثم لا يحررنى نهاره
ديسمبر هو موسم الميلاد والموت
ديسمبر هو عيد الذكريات ومهرجان الصمت والدموع
ديسمبر هو أقسى شهور السنة



يتبع ...