مصر بين سعودين!
رغم أن العلاقات الرسمية المصرية القطرية ليست في أفضل حالاتها منذ سنوات، إلا أن العلاقة بين الشعبين ظلت وطيدة علي ما هي، لم يعكرها سوي مواطنين قطريين يحمل كل منهما اسم سعود، وليس في الأمر مصادفة، كما لا أظن أنه يتعلق بنحس أو سوء حظ للمصريين مع هذا الاسم، وإنما بمؤسسة الفساد عندنا التي تتآكل تحت ثقلها أحلام التغيير. ولا يبدو أن هذه المؤسسة ستعرض قريبا للبيع أو الخصخصة مثلما تعرض مؤسساتنا الاقتصادية الناجحة!
وقد روعت مصر بسباق السيارات العجيب في شارع عام بمصر الجديدة في الساعات المبكرة من صباح الجمعة 30 سبتمبر، الذي انتهي باحتجاج الحدث القطري (18 عاما) الشيخ سعود بن سلمان آل ثاني علي النتيجة والانطلاق بسيارته بسرعة 200 كيلو مترا مما أسفر عن مصرع خمسة وإصابة 15.
مداهمة أرواح المصريين بسيارة الشيخ سعود القاصر سبقتها مداهمة تاريخ مصر بنفوذ شيخ آخر (بالغ) يحمل الاسم ذاته، وقد شبهه وزير ثقافة مصر بإخناتون وبناء علي الشبه مع الفرعون الغامض كان بروتوكول تنقيب بعثة آثار قطرية في تل العمارنة أو ما سماه الوزير حينها ب مذكرة تفاهم .
وبصرف النظر عن الفرق بين البروتوكول ومذكرة التفاهم أو عقد الزواج الموثق والعقد العرفي، فإن الشيخ إخناتون الذي وصف مستشار وزير الثقافة متحفه الخاص في الدوحة ب مغارة علي بابا قد انتهي إلي المحاكمة في قطر بتهم فساد تتعلق أساسا بما يضم متحفه من آثار، دون أن تطلب مصر معلومات عن المحاكمة بعد أن انكشف علي آثارنا!
كما لم يسأل أحد الوزير عن القطع التي استعادها من الأمير، رغم أن كل ردود الوزير علي المعترضين كانت تتلخص في أنه استدرج الشيخ القطري إلي هذه الصداقة من أجل استعادة الآثار المصرية التي بحوزته!
لم يتحرك أحد لسؤال وزير الثقافة حول ملابسات العلاقة مع الشيخ إخناتون، بينما صار حادث السباق مسألة كرامة وطنية بما ترتب عليه من الهروب السريع للشيخ الصغير إلي خارج مصر بعد نصف ساعة، وغير ذلك من تداعيات كان آخرها موافقة رئيس وزراء مصر علي محاكمة الحدث القطري في قطر، بالمخالفة لقانون العقوبات المصري. رغم أن التهمة التي يمكن أن يواجهها الشيخ القطري الصغيرهي مجرد جنحة قتل خطأ لاتتجاوز عقوبة البالغ عليها خمس سنوات، بينما يودع القاصر في إحدي دور رعاية الأحداث لمدة العقوبة ذاتها.
المصادفات الملعونة حملت الحادث بدلالات إضافية، فأحد الضحايا طيار شاب وحيد والديه، وهو في الوقت نفسه حفيد الزعيم محمد فريد زعيم الحزب الوطني الأصلي لا التيواني!
ولذلك فإن مسألة الكرامة الوطنية وإن كانت غير منقطعة الصلة بالقضية، إلا أنها لايجب أن تحجب الفساد الذي تأسست عليه: فالكرامة الوطنية هي العصب الحي المحمي بطبقات من عظام القانون الصلبة ولا يمكن أن تتأذي إلا بعد تهشم هذه العظام الحامية.
ما قتل المصريين دون ذنب ليس حادث الفرار، بل التراخي في تطبيق القانون وصون كرامة المواطن وحقه في شارع آمن. علما بأن فرار الشيخ الصغير هو أقل حالات الفرار التباسا، علي الأقل لعدم وجود قرار بمنعه من السفر، بينما عرفنا عمليات تهريب مجرمين مصريين من محترفي القتل العمد باللحوم الفاسدة وناهبي البنوك ونصابي توظيف الأموال رغم وجود قرارات بمنعهم من مغادرة البلاد.
هذا ليس دفاعا عن حق القاصر القطري في حصد أرواح المصريين، لكنه مجرد تذكير بأن إهانة القانون هي أصل البلاء.
ولم تكن مداهمة الشيخ سعود (القاصر) لأرواحنا ممكنة إلا بفضل السكوت علي مداهمة الشيخ سعود (البالغ) لتاريخنا!


عزت
القمحاوي
ezzat_elkamhawi
@yahoo .com
أخبار الأدب