هذا مقال منقول من "اللوموند ديبلوماتيك" (عدد الشهر الحالي). وجدت به عرضاً ممتازاً لبعض المجريات السياسية على الساحة المصرية حديثاً، فيما يتعلق "بجماعة الإخوان".

المقال يتحدث عن سياسة السادات ومبارك تجاه الأخوان المسلمين. وعن تحوّل في فكر هذه الجماعة، ولو على الصعيد الخطابي. عن تركيب الجماعة وأعضائها وسياستها وهيكليتها. وجدت أيضاً الكثير غير هذا من المعلومات المختلفة المنثورة في مقال كتبه مختص في الحركات الإسلامية.

أترككم مع المقال، وأعود غداً للتعليق ...

واسلموا لي
العلماني

**************

أزمة النظام السياسي وطموحات المجتمع

تحولات مؤلمة في صفوف الاخوان المسلمين في مصر
*حسام تمام
[SIZE=3]صحافي وباحث مختص في الحركات الإسلامية.

تهب على مصر ريح الديموقراطية مع تكاثر التظاهرات المطالبة بالاصلاح. وتحاول البلاد زحزحة القبضة الحديدية التي تجعل ممن الحياة السياسية مسرحية فارغة المضمون. ويشكل الاسلام راية للعديد من الافرقاء ولو ان تفسيؤاتها تثير سجالا حتى في وسط المنظمة الاكبر، "الاخوان المسلمين".

ان اجراء الانتخابات الرئاسية بمرشحين متعددين في 7 ايلول/سبتمبر 2005 وبفضل تعديل المادة 76 من الدستور، يبدل في المشهد السياسي المصري. واعتقد المراقبون ان الاخوان المسلمين سيستغلون هذا الظرف للاستفادة من هامش الحرية المتوفر. لكن العكس هو ما حصل اذ تعيش الحركة ازمة غير مسبوقة في تاريخها.

منذ خروجهم من السجون في أوائل السبعينيات ترسخت لدى الإخوان قناعة بأن ملعب السياسة الذي يتسم بتعدد الاحزاب تحت رقابة الدولة لا يناسب مشروعهم الطامح لإقامة الدولة الإسلامية، وزاد من نفورهم منه ميراث تاريخي ثقيل من عدم الثقة والتشكك في نية النظام السياسي تجاههم وأن المواجهة معه آتية لاريب فيها. ومن أجل المشروع الإسلامي بدأ إخوان السبعينيات استراتيجية ترمي لبناء تنظيم هرمي محكم خارج سيطرة الدولة ورقابة أجهزتها ومؤسساتها المختلفة باعتبار أن هذا التنظيم المحكم هو الضمانة الحقيقية والوحيدة لوجود الجماعة التي كان قد صدر القرار الإداري من النظام الناصري بحلها نهائيا عام 1954. ولم يكن واردا أن يعيد إليها الرئيس السادات المشروعية القانونية رغم وضعية السماح وشرعية العمل الفعلي التي أعطاها لقيادات الجماعة.

دشن استراتيجية إعادة بناء التنظيم وقادها قيادات تربت جميعا في النظام الخاص السري للجماعة قبل ثورة 1952 (وصول الضباط الاحرار الى السلطة بقيادة جمال عبد الناصر) وآتت هذه الاستراتيجية ثمارها المرجوة سريعا؛ إذ لم ينته عقد السبعينيات حتي صارت الجماعة التنظيم الديني الأقوى في مصر بعدما ابتلعت معظم التنظيمات الإسلامية الجديدة التي كانت قد حلت بديلا عنها في غيابها وأهمها الجماعة الإسلامية في جامعات مصر التنظيم الطلابي الصاعد بقوة، بعد قرار مجلس أمراء الجماعة الانضمام إليها.

أغرى الانتشار الواسع وتسارع عجلة بناء التنظيم قيادات الإخوان بأن من الأفضل المضي في طريق التنظيم والكف عن استجداء القانونية من النظام؛ ليس قناعة برفضه الحتمي فقط وإنما ثقة بأن الوضع الأفضل غير القانوني للجماعة يعفيها من تكاليف تفوق كثيرا العوائد القانونية.

وما رسخ هذه القناعة أن التسامح الذي كان يبديه السادات مع الجماعة بدا في طريقه للأفول مع حسني مبارك الذي افتتح عهده بلقاء مع زعماء كل القوي السياسية بالقصر الجمهوري مستثنيا منها جماعة الإخوان. وهي رسالة أكدت لها أن طريق القانونية صار حلما بعيد المنال. وعززت خيار قيادات التنظيم السري مقلصة آمال جيل جديد لم يكن لديه مشكلة بنيوية في ولوج بوابة القانونية.

في مطلع الثمانينات، تحددت استراتيجية الجماعة بالقبول بالدخول في اللعبة السياسية دون الالتزام بأهم قواعدها - وهو الترخيص القانوني بحزب -، واختصرت موقفها من فكرة الحزب بالقبول بالتنسيق مع الأحزاب الموجودة ( حالة "الوفد" 1984 ) أو التحالف معها في أفضل الأحوال ("العمل" و"الأحرار" 1987) دون الرهان عليها كصورة أخيرة لابد أن تنهي إليها الجماعة علي الرغم من مشاريع أحزاب ( مثل "الأمل" و"الإصلاح") طرحها بعض أبناء الجماعة لكنها ظلت قيد أدراج مكتب الإرشاد الذي دائما ما امتلك مبررات عدم الدفع بها ودائما ما كان النظام يمنحه مبررا أقوى بإعلانه الحاسم بالرفض القاطع لوضع قانوني للجماعة، وحين خرج أحد هذه المشروعات للنور خروجا على المعادلة - مشروع حزب "الوسط" - خرج معه رأس المشروع نفسه، أبو العلا ماضي، من الجماعة! [1]

اختصر الإخوان مشروعهم - بقصد أو من دون قصد - في بناء تنظيم قوي حديدي خارج القوانين المنظمة يمكن أن يوكل له مهام إنجاز المشروع الإسلامي للتغيير. لم يفصلوا كثيرا في معالم مشروعهم الذي ظل أقرب لليوتوبيا، بقدر ماعكفوا في دأب ودقة متناهية يحسدون عليها على صقل كفاءة هذا التنظيم وتطوير قدراته، وصاغوه على مثال الدولة نفسها حتى في أدق تقسيماته الإدارية التي كانت تتفق حد التماهي مع التقسيمات الإدارية للدولة، فمكتب الإرشاد يوازي مجلس الوزراء، ومجلس الشوري يقوم بمهام البرلمان، ومكاتب الجماعة الإدارية هي نفسها المحافظات، والمناطق تنطبق حدودها مع الدوائر الإدراية والانتخابية تماما، بحيث صار التنظيم دولة بإزاء الدولة إلا أنها من دون جيش أو أجهزة أمنية.

انتهت الجماعة إلى بناء تنظيم عملاق يتفاوت عدد أعضائه ما بين مائة ألف إلى نصف المليون عضو عامل بالتنظيم يدفعون الاشتراكات المالية الشهرية وينتظمون في الأسر الإخوانية التي هي أصغر وحدة تنظيمية تنعقد لقاءاتها أسبوعيا؛ إضافة إلى دوائر الأنصار والمؤيدين والمتعاطفين الذي يزيد عددهم عدة مرات عن عدد الأعضاء، وهي تقديرات تختلف بحسب جهات التقدير ومواقعها السياسية والأيدلوجية وإن كانت في كل الأحوال تقريبية تفتقد الدقة خاصة في ظل سياسة التجنيد السرية والإكثار من دوائر الأنصار والمتعاطفين التي تحول دون القدرة علي التقدير الدقيق للعدد الحقيقي للأعضاء حتي من قبل الأجهزة الأمنية، بل ومن قبل مؤسسات الجماعة نفسها التي ترفض إجراء أي تقدير داخلي لها أو الكشف عن أي معلومات بخصوصه ولو كانت تقريبية حتي علي المستوي الداخلي، وهو ما صار خطا أحمرا لا يجوز تجاوزه في قاعدة أمنية تجعل من يخالفها عرضة للتخوين بتهمة كشف أسرار التنظيم.

وطوال ربع قرن هي عمر نظام مبارك تحددت سياسة النظام المصري في المراهنة علي احتكار أو تأميم السياسة في مقابل انفتاح الاقتصاد. وعبر قانون الأحزاب المعيب وتعمد الجهات الإدارية مد نفوذها إلى كافة الأحزاب انتهى النظام إلى سيطرة تامة على كافة الأحزاب القائمة حد اصطناع رؤساء للأحزاب، ومصادرة أي حزب يمكن أن يخرج عن السيطرة مستقبلا، وانتهت سياسته إلى موت السياسة في مصر التي كانت على أبواب تجربة حزبية تبشر بدايتها بالقوة.

ومع الزمن بدا - للخصوم قبل الأنصار- أن رهان جماعة الإخوان على بناء التنظيم وتقويته وليس السعي للحصول على المشروعية القانونية كان الرهان الناجح والناجع في مقابل رهان النظام على احتكار السياسة، فالحياة السياسية انتهت إلى مجموعة من الأحزاب " الكرتونية " التي تفتقد لأي وجود في الشارع ولا يجاوز دورها دور الديكور اللازم لمشهد سياسي بائس، ومجمل العملية السياسية حتى المعارضة منها صار يدار من داخل كواليس النظام، وخلا الملعب من أي قوة سياسية يمكنها أن تناطح النظام عدا جماعة الإخوان التي صارت أقوى تنظيم سياسي قادر على الفعل في لعبة سياسية توشك على الدخول في موات تام.

فقد تأخر نزول الجماعة للشارع كثيرا علي الأقل إذا ما قورن بتظاهرات حركة "كفاية" التي كانت قد سبقتها بعدة اشهر (أول مظاهرة كانت يوم 12-12-2004) حتى قبل قرار تعديل المادة 76 للدستور، وبدا أن الامتداد الهائل لجسم التنظيم كان عبئا كبيرا وحجر عثرة وأهم أسباب تأخر قيادة الجماعة في النزول للشارع، قبل أن تستجيب مضطرة إحراجا من حركة لا يتجاوز عدد أعضائها أصغر شعبة من شعب الجماعة التي تقدر بالآلاف في كل مدن وأحياء مصر، وهو نزول كانت الجماعة مضطرة لأن تدفع تكلفته باهظة حتي لا تخسر مصداقيتها في الشارع السياسي وقبله لدى كوادرها.

وإذا تجاوزنا التأخر في نزول الشارع وتفاءلنا مع من توقعوا أن مظاهرات الأحد ستعيد انتظام الصفوف وتضخ الدماء في شرايين التنظيم التي كادت تتجمد من جراء حصار سياسي جاوز العقد، وأن الأمر يحتاج فقط لبعض الوقت لتستعيد الجماعة فاعلية تنظيمها وقدرته علي النفاذ مجددا إلى قطاعات المجتمع المصري لتقود الشارع في تظاهرات ربيع الحرية، سنجد أن شيئا من ذلك لم يحدث بل سرعان ما توقفت التظاهرات التي بدت وكأنها إعلان موقف أكثر منه بداية لحركة مستمرة مرشحة للتفاعل ( توقفت تظاهرات الإخوان تقريبا يوم 6-5-2005 الذي اعتقل فيه عصام العريان المتحدث الرسمي لجماعة ومجموعة قيادية بمنزله ).

وحتى حين بدأت بوادر الصدام مع النظام الذي طالت اعتقالاته أكثر من ألفين من قواعد وقيادات الجماعة بدا أن الانتشار الكبير للتنظيم والعدد الضخم لكوادره كان خصما من رصيد الجماعة وليس إضافة في قدرتها على المواجهة بعدما بدأت حسابات التكلفة وارتفعت فاتورتها؛ إذ بدأت الجماعة سريعا في معاناة استنزافها ماديا وإدرايا بل ونفسيا من جراء تحمل أعباء هذا العدد الضخم من المعتقلين وأسرهم، وهو عبء لم يحدث أن تنصلت الجماعة من تحمله تجاه قواعدها ولا تستطيع، والقاعدة في الجماعة تقول أن مشاركة القواعد في الفعل قد تكون غير مؤكدة لكن المؤكد أنها جزء لا يتجزء من تكلفة هذا الفعل!

جرت في أنهار الحياة السياسية مياة كثيرة وجرت تحولات جذرية انتهت إلى أن أصبحنا أمام إخوان مسلمين غير الذين عرفتهم. أول هذه التحولات جاءت بعد الدخول البراجماتي الكثيف للإخوان في السياسة وهو الدخول الذي انتهى إلى تخليهم عن الرواية الكبري - الدولة الإسلامية - والالتزام بطرح برنامج لا يبعد كثيرا عن برامج الأحزاب الوطنية الأخرى، بل والليبرالية منها على وجه الخصوص.

من يتابع الخطاب الإخواني في الفترة الأخيرة يلاحظ غياب مفردات الرواية الكبري من الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة والوحدة السياسية الجامعة لكل الأمة الإسلامية ومفاهيم أهل الذمة، كما سيلاحظ حضور مكثف ومتصاعد لمفردات خطاب جديد لا علاقة له بالقديم وإنما يرتبط بمشروع حزبي سياسي بامتياز حتى وإن لم يعلنه أصحابه كاملا. فالبرنامج السياسي للإخوان تتأكد يوما بعد يوم مفارقته - تماما- لكل ما كان يقدمونه عن "المشروع الإسلامي"، فهناك تأكيد مستمر على القبول التام والنهائي بالديمقراطية دون أي حديث عن خصوصية حضارية أو دينية - كما كان يحدث سابقا- وهي ديمقراطية صريحة لا تتدثر في ثياب "الشورى" الأسلامية التي كانت مرتكزا للمشروع السابق، وهي ديمقراطية أساسها الاحتكام التام للشعب أيا كانت خياراته، والقبول بحق ومبدأ تداول السلطة والتسليم باختيار الشعب مهما كانت [2] وحكم الشريعة فيها مرتهن بقبول الشعب له، دونما أي حديث عن مرجعية دينية يرفضها المواطنون أيا كانت أديانهم [3].

أما التحول الثاني الذي ترك بصماته علي الإخوان فكان الخاص بالدولة المصرية التي عاشت تحولات اقتصادية كبرى كانت - إذا لخّصتها الكلمات - تصب جميعها ضد مصالح الطبقات الفقيرة، فكان أن بدأت هذه الأيديولوجية في التفكك لتكشف عما وراءها من تناقضات طبقية ومصلحية هائلة أكبر من أن يستمر تسترها وراء أيديولوجية تخلى عنها ممثلوها الرسميون.

تنحدر الغالبية العظمي لقواعد الإخوان المسلمين من الطبقة الوسطى، ورغم وجود الإخوان وانتشارهم في شتى أنحاء البلاد يقل وجودهم التنظيمي في الطبقات الفقيرة، ويهتم المسؤلون عن التجنيد بتجنب التوسع في ضم عناصر من الطبقات الفقيرة إلا لحساب ميزات أستثنائية تتمتع بها هذه العناصر دون أن تكون هذه قاعدة معلنة. ويعد الانضمام للجماعة أحد آليات الصعود الاجتماعي في الطبقات الدنيا، إذ تتيح الجماعة لأعضائها فرصة للتحقق والصعود الاجتماعي من خلال شبكة حماية اجتماعية كبرى، وتساعد هذه الشبكة على تأمين الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي للأعضاء والمساعدة للمتعاطفين والمؤيدين والأنصار، وتعتمد الجماعة في ذلك علي سيطرتها وإدارتها لعدد كبير من المساجد ومؤسسات البر والصدقات التي تمارس دورا مهمّا في غياب مظلة حماية من الدولة.

وجاء موقف الإخوان من التحولات الاقتصادية للبلاد باتجاه الانفتاح واقتصاد السوق لتؤكد أن الجماعة اتجهت إلى اليمين الرأسمالي بفعل التركيبة الداخلية واتساع حجم ودور رجال الأعمال فيها.

أدت هذه الاستراتيجية إلى انفصال تدريجي للجماعة عن الطبقات الفقيرة والمهمشة، الآخذة في الاتساع والمعاناة، على مستوى الانتشار التنظيمي ثم على مستوى المشروع الذي تطرحه والذي لم يعد يمثل إلا طموحات البورجوازية المصرية المتوسطة المتدينة، وهو انفصال ظهر جليا في غياب هذه الطبقات كأشخاص أو كبرامج أو حتى كشعارات في تظاهرات وتحركات الإخوان الأخيرة.

التقديرات الرسمية الصادرة عن "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء تؤكد أن نسبة البطالة 10.5% وأن معدل الفقر زاد عن 17 % في حين ترتفع التقديرات المعارضة والمستقلة بعدد الفقراء ليزيد عن 40% من تعداد الشعب المصري.

وهو ما يعني أن انفصال الإخوان عن الطبقات الفقيرة كان في مجمله انفصال عن الشارع المصري وفقدان للرصيد الشعبي الذي لم يعد يمكن ضمانه برفع الأيديولوجية الإسلامية، هذا إذا تجاوزنا الحديث عن توقف الإخوان عن رفعها بالفعل، وهو يعني كذلك أن الجماعة بحكم وضعها الطبقي المتميز والمندمج اجتماعيا تحدد سقف حركتها بما لا يسمح بصدام شامل مع النظام يؤثر علي مكتسباتها ولا تتحمله القواعد، وحكم آلية علاقتها بالسلطة في إطار صيغة تسعى لتحسين شروط الجماعة التفاوضية مع النظام من أجل مكاسب مستقبلية وهو ما دفع بالبعض إلى التوقع بأن التظاهرات الإخوانية جاءت لدعم تفاوض سري بين الجماعة والنظام رغم غياب أي معلومات مؤكدة وإصرار الجماعة على النفي.

لم يعد مشروع جماعة الإخوان يمثل الطبقات الفقيرة حتى المتدينة منها والتي تعاني جراء التحولات الاقتصادية، فليس هناك عضو في جماعة الإخوان يبيت من غير طعام بتعبير أحد القادة السابقين للجماعة. وربما كانت الجماعة الإسلامية الأقرب إلى تمثيل هذه الطبقات لولا صدامها المسلح مع النظام، ومن هنا يمكننا فهم أهمية المشروع الذي كان يطمح إليه الراحل عادل حسين المفكر والسياسي الإسلامي القادم من صفوف اليسار الواعي بالتناقضات الطبقية بحكم ماركسيته، وهو مشروع تسييس كوادر هذه الجماعة وإسلاميي الضواحي وأحزمة الفقر وضمهم لحزبه - حزب "العمل" - بديلا عن المواجهة المسلحة مع النظام التي يقدر ضحاياهم فيها بما بين 20 إلي 30 ألف معتقل. ولولا صدام الحزب نفسه مع التنظيم وتجميده إداريا لكان حزب العمل الإطار التمثيلي المناسب لهذه الطبقات التي سقطت من خطاب وحركة الإخوان.

وإذا تجاوزنا الطبقات الفقيرة إلي البورجوازية، سنفاجىء في ضوء التحولات الكبري التي عاشتها الظاهرة الدينية في مصر أننا لا نستطيع النظر إلى الإخوان باعتبارهم الممثلين الوحيدين للبورجوازية المتدينة. فالحالة الدينية المصرية تجاوزت الإطر التنظيمية ولم تعد خاضعة لها، بعدما تفتت الأطر التي حكمتها وظهر فاعلون جدد من خارج التنظيمات أكثر قدرة على الفعل والتأثير وجذب الجماهير كما هو الحال في عمرو خالد والدعاة الجدد. كما أن المزاج الديني العام لم يعد يلقى بالا بالسياسة وإن دخلها فليس على طريقة الاصطفاف الأيديولوجي والتنظيمي التي يجدها عند الإخوان، فأمام الشاب الملتزم دينيا أطر أخرى بديلة للتعبير السياسي الأكثر حرية وأمنا تبدأ من حزب الوسط الواقف على تخوم الشرعية وصاحب المرجعية الإسلامية المنفتحة وانتهاء بحركات الاحتجاج السياسي بما فيها حركة كفاية التي تتجمع على حاجات مطلبية وليس على اصطفاف أيديولوجي...هذا إذا افترضنا أن هذه البورجوازية لها مصلحة اصيلة ومتفق عليها في تغيير الوضع الحالي.

أما الذي تبقى من مفارقات مشهد التحولات التي طالت الظاهرة الدينية وانعكست على الوضع السياسي الحالي وموقع الإخوان فيه فهوالذي يتعلق بالتنظيم الإخواني نفسه والذي ستقول أي دراسة وافية معمقة له أن الصورة التي تبدو لنا لا علاقة لها بالضرورة بواقعه الحقيقي .

فهناك افتقاد لوحدة فكرية شاملة داخل الجماعة والتي صارت تضم تحت مظلتها خطابات وأفكار مختلفة إلى حد التناقض من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بما يصعب معه تحقيق الفرز وتنعدم الرغبة فيه مع تمسك الجماعة بتقديم نفسها كعباءة تتسع لكل العاملين بالإسلام وتحديد سقف واسع يحكم الجميع وهو مبدأ السمع والطاعة لقيادتها مع نبذ العنف منهجا.

فعضوية الجماعة تتوزع وتتعدد حتى نجد بين كوادر التنظيم أزهريون وأنصار سنة وجمعية شرعية وتيار سلفي وجهاديون سابقون وسياسيون بدأوا في أحزاب سياسية أخرى وقطاعات من العمال والفلاحين ليس لها أي خبرة سياسية سابقة ولا تتعاطي السياسة إلا لارتباطها بالجماعة وبأوامر من قيادتها دون أن يعني ذلك وجود قناعة بها. وهو ما يجعلنا إزاء خليط من الأعضاء يستحيل الاتفاق بينهم على أجندة سياسية محددة فضلا عن خوض نضال طويل المدى من أجلها، بدءا من مستقبل الجماعة وإمكانية تحولها لحزب وحتى الموقف من انتخابات الرئاسة المقبلة الذي مازالت الجماعة غير قادرة على بلورة وإعلان موقف نهائي منها. ونسبة الفاعلية والانتظام داخل التنظيم - وفق مصادر مطلعة بالجماعة - لا تجاوز 40% من أعضائه في أفضل الأحوال، في حين تعاني العضوية جمودا وحالة من الترهل وافتقادا للانضباط، وهو ما لم يعد سرا لا يجاوز أسوار الجماعة

وإذا كان انضمام العضو للجماعة مبنيا على قناعة واضحة ترسخت عبر مراتب العضوية المعمول بها في لوائح التنظيم فإن استمرارية العضو في التنظيم لا علاقة له بالضرورة بالاقتناع بالانتظام في تنظيم سياسي والالتزام بأجندة سياسية؛ بل يتراوح ما بين الفضل الديني المتمثل في التزام الصحبة الطيبة وجماعة المسجد، وما بين الإبقاء على روابط نسب وقرابة وصداقة ورفقة طريق، أو الاحتماء بمظلة اجتماعية وإنسانية صارت مفتقدة في هذا العصر، أو حتى الانتفاع بشبكة علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية تساعد في الصعود الاجتماعي المضمون.

الصورة مختلفة لكنها حقيقية، أما الصورة التي تتصدر المشهد السياسي عن تنظيم الإخوان ومشروعه فهي صورة من الماضي يتشبث بها الإخوان ولا تغادر رؤوس الآخرين لكن لا علاقة لها بمستقبل توشك ان ترتسم قسماته عن قريب.






--------------------------------------------------------------------------------

[1] Wendy Kristianasen, “ L’islam bousculé par la modernité ”, Le Monde diplomatique, avril 2000.

[2] اعلن السيد محمد حبيب النائب الاول لمرشد الاخوان المسلمين ان الحركة في صدد اصدار وثيقة يؤكدون فيها اعتبار الاقباط مواطنين لا نقص في مواطنيتهم.

[3] دعى محمد مهدي عاكف، مرشد الاخوان مؤخرا الى قيام حزب قبطي.

هل تثق أنت بهم؟

تحولات مؤلمة في صفوف الاخوان المسلمين في مصر

ما تقرا قبل ما تنقل يا *سند نفسهولا يجد من يسنده* على راي الحجي اسماعيل ...

وتسلملي (f)

تحية وسلاما يا علماني: (f)
جاء في المقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأن الأمر يحتاج فقط لبعض الوقت لتستعيد الجماعة فاعلية تنظيمها وقدرته علي النفاذ مجددا إلى قطاعات المجتمع المصري لتقود الشارع في تظاهرات ربيع الحرية، سنجد أن شيئا من ذلك لم يحدث بل سرعان ما توقفت التظاهرات التي بدت وكأنها إعلان موقف أكثر منه بداية لحركة مستمرة مرشحة للتفاعل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار سارّة بالتأكيد، إذا كانت دقيقة، لأننا لسنا في واقع أن نعود للوراء بإقامة دولة اسلامية كما كان مرسوما في أهداف الأخوان المسلمين، خاصة وأن الأصولية الجديدة بما تحمل من أفكار رجعية لن تترك نظاما اسلاميا يسير بخير نحو التجدد والتطور.

وجاء أيضًا:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جرت في أنهار الحياة السياسية مياة كثيرة وجرت تحولات جذرية انتهت إلى أن أصبحنا أمام إخوان مسلمين غير الذين عرفتهم. أول هذه التحولات جاءت بعد الدخول البراجماتي الكثيف للإخوان في السياسة وهو الدخول الذي انتهى إلى تخليهم عن الرواية الكبري - الدولة الإسلامية -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لعلّ هذا التحول كان ناتجا عن انغلاق الممرات أمام الحزب للتسلل والانتشار، خاصة بعد التحوّل الطبقي الذي ألم به ، بتوجهه إلى الطبقة الوسطى، وأقول هنا بأن الطبقة الفقيرة تخلت هي عنه بسبب وقوفه بطريقة غير مباشر في بعض الأحيان ضد بعض المكتسبات التي مررها مبارك للطبقة التي صوتت له في الانتخابات.

خير اللهم اجعله خير وليتعظ جميع السلفيين والأصوليين من كل الأديان بأن الطريق العلماني قد انفتح وأن القفز عليه أصبح ضربا من المحال.

محبتي ومودتي(f)
محمد الدرة

اقتباس:من يتابع الخطاب الإخواني في الفترة الأخيرة يلاحظ غياب مفردات الرواية الكبري من الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة والوحدة السياسية الجامعة لكل الأمة الإسلامية ومفاهيم أهل الذمة، كما سيلاحظ حضور مكثف ومتصاعد لمفردات خطاب جديد لا علاقة له بالقديم وإنما يرتبط بمشروع حزبي سياسي بامتياز حتى وإن لم يعلنه أصحابه كاملا. فالبرنامج السياسي للإخوان تتأكد يوما بعد يوم مفارقته - تماما- لكل ما كان يقدمونه عن "المشروع الإسلامي"، فهناك تأكيد مستمر على القبول التام والنهائي بالديمقراطية دون أي حديث عن خصوصية حضارية أو دينية - كما كان يحدث سابقا- وهي ديمقراطية صريحة لا تتدثر في ثياب "الشورى" الأسلامية التي كانت مرتكزا للمشروع السابق، وهي ديمقراطية أساسها الاحتكام التام للشعب أيا كانت خياراته، والقبول بحق ومبدأ تداول السلطة والتسليم باختيار الشعب مهما كانت [2] وحكم الشريعة فيها مرتهن بقبول الشعب له، دونما أي حديث عن مرجعية دينية يرفضها المواطنون أيا كانت أديانهم [3].

هذه الفقرة من المقال، على خطورتها، غير مُبَيّنَة الأسباب. فالكاتب يرصد هذا "التحول" في خطاب الإخوان ونحن نصدقه، ولكنه لا يشرح لنا أسباب ودواع هذا التحول. هل هي "البراجماتية" وعدم الغرق في "يوتوبيا" توحيد "الأمة الاسلامية" تحت "خلافة" واحدة؟ هل تمر على الإخوان اليوم نفس الريح التي مرت على الصهاينة في فلسطين عندما قبل فريقهم الأكبر (فريق بن غوريون) أن يقيموا "وطناً قومياً" على أي "جزء" من فلسطين؟ (هو بالمناسبة نفس النهج البراغماتي الذي أقرته منظمة التحرير منذ سنة 1969).

لا أدري، ولكن تمسك الإخوان بالديمقراطية اليوم وتركيز خطابهم حولها يدعو إلى التفكر. فهل هم مزمعون على ترك "خطاب سيد قطب" و"الجاهلية الجديدة"؟ ولماذا؟

هل اقتنع الإخوان اليوم بأن عالماً انهارت فيه الانظمة الشمولية لم يعد يتسع لنظام شمولي آخر كانوا ينادون به قبل بضعة سنوات؟ .. ممكن !!!

تحول الخطاب هذا على المستوى العلني، هل يصاحبه تحول آخر على المستوى "الداخلي لتنظيم الاخوان" وفي جلساتهم الخاصة؟ أي هل علينا أن نقنع بمقولات الإخوان العلنية دون أن نتهمهم بازدواجية في الخطاب، ودون أن نتساءل إن لم تكن كل هذه "الأريحية الديمقراطية" التي تعتري خطابهم ليست إلا من قبيل "يتمسكنون حتى يتمكنون"؟

المسألة الأهم: هل يقوم هذا النهج الجديد بتعبيد الطريق للإخوان كي يصبحوا "علمانيين" ، بشكل أو بآخر، في نهاية المطاف ؟ يا ريت .. وليطلقوا على "العلمانية" بعدها ما رأيت بوادرها عندهم تحت مسمى "الاسلام الحضاري"، فالعبرة ليست بالأسماء؛ إذ لو استطاع الاسلام أن يؤمّن لكافر مثلي العيش في دولة ديمقراطية مؤسساتية تقوم على المساواة في القانون وأمام القانون وتحترم الحريات وحقوق الانسان فلسوف أفرح كثيراً وأشكر له فضلاً وأذب عن حياضه.... ولكن، على المياه أن تجري في النهر طويلاً قبل بلوغ هذا جميعه، ومع هذا فـ"إن من سار على الدرب وصل" ...

واسلموا لي
العلماني

الأخــوان في الفترة الاخيرة بدءو بالفعل ينهجون مسلك براجماتي واضح ... فتراجعهم عن الشكل الكلاسيكي الذي ينادون به من إحياء للخلافة الاسلامية مرة أخرى أصبح غير ذات جدوى مع التحولات العالمية في الخمس عشر سنة الأخيرة و تفرد الولاات المتحدة بالهيمنة على العالم، كذلك عدم ثقة العالم الغربي بالأنظمة ذات التوجه الديني الشمولي مما يترتب عليه إذا استطاعوا أن يعتلوا الحكم فسوف يكتب عليهم الحصار سياسيا و اقتصاديا، هذا على الجانب العالمي ... اما في الداخل فالأمور مختلفة تماما و اتفق مع الزميل محمد الدرة في قوله: "هذا التحول كان ناتجا عن انغلاق الممرات أمام الحزب للتسلل والانتشار، خاصة بعد التحوّل الطبقي الذي ألم به ، بتوجهه إلى الطبقة الوسطى، وأقول هنا بأن الطبقة الفقيرة تخلت هي عنه بسبب وقوفه بطريقة غير مباشر في بعض الأحيان ضد بعض المكتسبات التي مررها مبارك للطبقة التي صوتت له في الانتخابات" فمن قبل ذكرت أن الأخوان المسلمين حدث داخلهم تحول طبقي بعـد سنوات المنفى في الدول البترولية ... و اصبح لدى الكثير من قادتها مصالح اقتصادية مرتبطة بطبقة معينة ليست الطبقة التي تم توجيه الخطاب لها مع عودتهم مكرة أخرى للساحة على يـد السادات منذ عام 1972 حيث كانت توجهاتهم للطبقات الفقيرة أكثر تركيزا في محاولة لسحب البساط من الأتجاهات الماركسية و السارية بشكل عام ولكن مع مرور الوقت و تطور الاحداث كان لابد من التغير .. كذلك التغير الذي حدث لاغلب القيادات الوسطى و الصغرى في الجماعة فأغلبهم استغل أنضمامهم للجماعة ووجود اتصالات جيدة في دول البترودولار لينطلق هؤلاء إلى هذه الدول و يعودوا محملين بأكياس الورق الاخضـر فكان من الطبيعي أن يكون هناك تحول في التوجه بعـد أن أنسلخ هؤلاء من طبقتهم القديمة و أنتموا لطبقة أخرى بل و استطاعوا للأسف إعادة تشكيل هذه الطبقة فلم تعد هي الطبقة القديمة التي كانت تقود المجتمع المصري في الستينات و السبعينات بل هي طبقة أقرب إلى الطفيليين فأغلبهم كان من الطبقات الدنيا ولكن التحول الاقتصادي الذي حدث في مصـر من منتصف السبعينات إلى يومنا هذا جعلهم يعتلون الطبقة القديمة التي كانت توصف دائما بأنها طبقة "البيروقراط" ليحتلوا مكانها فهم أما من الذين مضوا سنوات طويلة في دول البترودولار لاكتساب المال و تأثروا بالفكر البدوي بسبب عدم وجود "سـد ثقافي" داخلهم يحافظوا من خلاله على الشكل المعروف للمجتمع المصري ... أو من أثرى فجأة بسبب تغيرات اقتصادية حادة استفاد منها أما بضربة حظ سريعة ... أو بذكاء استغلال الفرص، كل من هذا أو ذاك لم يكن له التاثير الواضح في الحركة الأجتماعية من قبل ... فشاهد المجتمع المصري خلال العشر سنوات الأخيرة تكوين العديد من الجمعيات الاجتماعية في محاولة من الطبقة الجديدة أن يكون لها تأثير على المجتمع من خلال العمــل المدني و اخذوا من الغلاف الديني سهولة تغلغلهم داخل المجتمع و قراء قيادي الأخوان التحول سريعا و بدءوا في فرض سيطرتهم على العديد من هذه الجمعيات من خلال تبرعات من رجال أعمال يدينون بالولاء للجماعة ... كذلك تسهيل بعض المشروعات الاجتماعية ذات التوجه الاقتصادي فهذا العامل قوي الـاثير و أصبح هناك شرط داخل العديد من جمعيات العمل المدني للأنضمام لها وهو أن تكون مسلما و بالرغم أن هذا ليس قانونيا إلا أنهم يتحايلون على ذلك بإطلاق اسماء ذات طابع ديني على هذه الجمعيات لإبعاد أي شخص من ديانة أخرى للإنتساب لها.

أما على المستوى السياسي ... ارجو فقط مراجعة الاحداث الاخيرة اثناء أنتخابات رئاسة الجمهورية ... من كان الاكثر تواجدا في الشارع المصري ... "حركة كفاية" أم "الجماعة".

حركة كفاية تضم عناصر ليبرالية علمانية و يسارية و قومية ثم أنضمت لها حركة الاخوان بالرغم من أن حركة الاخوان كانت دائما ما تحاول أن تقوض عمل "حركة كفاية" بعـدم التنسيق مع الحركة خاصة في المظاهرات فشاهدنا جميعا أن " الجماعة" لا تشارك في تظاهرات كفاية إلا فقط ببعض الرموز "من باب ذر الرمال في العيـون" ولكن دائما ما تقوم بتنظيم مظاهرات إظهار للقوة بعـد مظاهرات كفاية تحشد فيها أعداد كبيرة من الشباب يرددون هتافات أعتقد أن اغلبهم لا يفهم معناها.

اسئلة تبحث عن أجابة: -
* اين كانت حركة كفاية يوم الاستفتاء على الدستور ؟‍‍
* أين كانت "الجماعة" يوم الاعتداء على الصحفيين أمام نقابة المحاميين؟
* لماذا نظمت الجماعة مظاهرة كبيرة بدون التنسيق مع جميع التكتلات التي ظهرت ضـد التعديل الدستوري في منطقة وسط المدينة أمام دار القضـاء؟
* لماذا رفض قادة الجماعة تواجد افراد من حركة كفاية في المظاهرة و قاموا بتمزيق اللوحات الخاصة بهم؟
* ما هي حقيقة التفاوض بين الحزب الحاكم و الجماعة حول تأسيسهم حزب سياسي و التي أنتشرت هذه المقولات قبل الأنتخابات و لماذا أدلى أغلب اعضاء الجماعة بأصواتهم ... ولمن ذهبت هذه الاصوات ؟‍‍