{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
زيارة القدس .. برفقة محمود درويش
عاشـور الناجي غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 229
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
زيارة القدس .. برفقة محمود درويش
يوم الجمعة الماضي كنت في القدس، قرأت في الجريدة أن الاختلال عفواً أقصد الاحتلال قد سمح لمن هم فوق الأربعين بدخول القدس للصلاة، لأول مرة منذ بلغت الأربعين أجد نفسي أؤكد لشخص ما هو المجندة الإسرائيلية السمراء علي حاجز اللطرون باني رجل كهل ولا أشكل خطراً علي إسرائيل، تجيبني المجندة حاملة رسالة الألم لمن هو غير يهودي: أنت عمرك واخد وأربعين يس بعد أربع سنين تعال هون أدخل القدس. بطريقة ما استطعت مغافلة المجندة وهي تغني بالعبرية، واندسست بين الشيوخ والنساء، أنا الآن في القدس، أمامي آلاف الرجال والنساء الزاحفين إلي صلاتهم وخوفهم من يوم تصفية الحسابات، إلي أين أنا ذاهب ؟ أليس لي موعد مع صلاة ما؟ مع حساب ما؟ هل اللقاء مع ذكريات ونوع من أنواع الصلاة؟ سألت نفسي بينما أحاول أن أتفكك من نهر الكتل البشرية المتراصة علي مداخل القدس القديمة، تذمر محمود درويش الذي رافقته في هذه الرحلة من إعداد الجنود الإسرائيليين المنتشرين علي مداخل القدس ومنحنياتها وأزقتها، سمعته يقول: ويوقظنا وجع في المفاصل من نومنا أو بعوض يطن كأستاذ فلسفة . ابتسم أنا ونمضي معاً شاقين الضجيج السميك بعصي أنفاسنا الصلبة. أسأل محمود أثناء مشينا رافعاً صوتي ليتخلص من مشنقة الأصوات العالية في الأزقة الضيقة: محمود من أنت؟ يجيب: أنا هو حوذي نفسي ولا خيل تصهل في لغتي، ماذا تقول في هذا الخريف الصيفي الذي يمشي معنا يا صديقي؟ أليس هذا نفاقاً أو تزورا أو رخاوة مستهجنة أو تشوشاً غريباً بين حدود الفصول؟

يجيب محمود: صيف الخريف تلفت الأيام صوب حديقة خضراء لم تنضج فواكهها وصوب حكاية لم تكتمل: ما زال فينا نورسان يحلقان من البعيد الي البعيد في مقهي دافئ مختبئ في إبطي فندق صغير جلست مع محمود، شربنا الاسبرسو، تصفحنا جريدة كل العرب الناصرية، ضحكنا ونحن نسمع علي الرصيف المقابل عراك المتسولين علي شبان ماكرين وكسالي وفقراء ومتمردين. انتشينا من الضحكات التمرية والنمرية للسيدات الاربعينيات في الطابق الثاني من المقهي. فجأة سمعت محمود ينشد كمقهي صغير علي شارع الغرباء هو الحب يفتح ابوابه للجميع، كمقهي يزيد وينقص وفق المناخ، اذا هطل المطر ازداد رواده، واذا اعتدل الجو قلوا وملوا.. . تعالت الضحكات في الاعلي سقطت فوقنا سماوات هائلة وكثيفة من زهر اللوز، رقص الفندق القريب. أن اكون في القدس فجأة، انا الذي ترعرعت وجدانياً هنا، انا الذي اكتشفت حاسة اللمس هنا، فهذا في حد ذاته سبب كاف لنوبة بكاء خفيفة او رقصات صوفية دائرية او صرخات هستيرية أو نصوص مركبة، فأنا لا اذكر اني زرت القدس ولم ابك، او ارقص او اكتب او اقع في حب بنت ما. عشر سنوات لم ازر فيها القدس، عشر سنوات وانا انتظر ان اصل الاربعين من عمري لاقنع السمراء الملفعة بالحديد والنار والمزنرة باغنيات الدود والطحلب والصدأ باني هادئ وبريء ولا اسيئ لأحد. بعد نصف ساعة ساكون علي موعد مع بكاء صغير، فبينما كنت اهم بصعود الباص اغمي علي عجوز تسعينية طاعنة في قناعتها بقرب لقائها مع الله، ابن العجوز واسمه صالح صرخ بقوة: امي ارجوك لا تموتي الآن، الابنة الخمسينية صرخت في وجه امها: انهضي يا امي لقد اخفت صالح، هل يهون عليك صالح انهضي ارجوك، فتتحرك التجاعيد وتصحو، وتهمس التسعينية: انا بخير لا تخف يا صالح. تغالب العجوز سقوطها وتعتدل في جلستها فيما يشبه رشوة حارس قاعة غامضة ومحرمة علي الناس العاديين، التسعينية خاضت حربا ضخمة مع الموت، وقد اجبرته علي التراجع لسبب واحد: حتي لا يخاف صالح عليها، هل اشفق الموت عليها واعطاها فرصة اخيرة مؤجلا قبض لروحها؟ هل همس في اذنها: ايه أيتها الطيبة، سأؤجل لقائي بك تعاطفا مع خوفك علي خوف صالح، هل ماتت العجوز الآن بينما كان صالح الثلاثيني يصلي او يتسحر او يلعب الشدة مع اصدقائه في المقهي او يحرث ارضه، متخلصا من صدمة وخوف الرحيل المفاجئ لأمه؟

في الحافلة البطيئة، المتجهة الي رام الله والمليئة بالصمت والتمتمات والصلوات السرية، امتدت يد صغيرة وبيضاء جدا لبنت ثانوية الي وجه محمود النائم في حضني، امسكته بلطف طالبة الاذن، راحت تتصفحه وهي تقول: كزهر اللوز او ابعد، كزهر اللوز أو أبعد، وهجم هاجس غريب: البنت الصغيرة التي تجلس بجانبي هي نفسها المرأة التسعينية التي تموت الان، هل اعطاها الموت فسحة كبيرة مؤقتة من شباب لتعود الي نضارتها وفتنتها؟ يا إلهي لن اكمل ما أحس به، هل انا مجنون او مريض؟
من الذي يهتف داخلي الآن او يغني، كزهر اللوز او ابعد هذا السفر الي القدس.

زياد خداش
كاتب من فلسطين
10-17-2005, 06:37 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  محمود !!!! bassant 3 1,089 08-27-2012, 12:59 PM
آخر رد: wahidkamel
  زيارة أوباما لمقر إداراة فيسبوك بسام الخوري 0 735 04-22-2011, 08:01 AM
آخر رد: بسام الخوري
  كل سنة و انت طيب يا سيد درويش جابر بن حيان 1 1,104 03-18-2011, 02:06 AM
آخر رد: هاله
  ورحل "الولد الشقي" محمود السعدني. بهجت 6 1,964 05-07-2010, 05:08 PM
آخر رد: العلماني
Heart وفاة الصحافي المصري محمود عوض ' بسام الخوري 0 789 08-31-2009, 01:36 PM
آخر رد: بسام الخوري

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS