في الولايات المتحدة يشركون تلاميذ المدارس الابتدائية في الانتخابات الرئاسية، فيعلمونهم كيف يختارون ويفاضلون بين المرشحين.
في الشهر الماضي أجرت مجلة «ويكلي ريدر» (القارئ الاسبوعي) التي توزع على تلاميذ وتلميذات المدارس اكبر تصويت في تاريخها على المرشحين أوباما وماكين، حيث أشركت في الاستبيان مائة وخمسة وعشرين ألف تلميذ وتلميذة، فصوت 55 ٪ منهم لمصلحة أوباما ونال ماكين نسبة 43 ٪ ولم تختلف النسبتان كثيراً عن النتائج الرسمية التي اعلنت امس الأول، اذ حصل الأول على 52 ٪ في حين صوت للثاني 47 ٪. وحين أعلنت المجلة التفاصيل فازت مدارس واشنطن العاصمة بالمرتبة الأولى في تأييد أوباما،
وأثارت النتائج اهتمام الصحف الأميركية. وحين ذهب مراسل صحيفة «واشنطن بوست» الى بعض تلك المدارس للاستماع الى وجهات نظر تلاميذها قالت إحدى التلميذات واسمها تايلور (10 سنوات) انها اختارت أوباما لأنه وعد بزيادة ميزانية تعليم الاطفال، في حين انحازت تلميذة اخرى ـ فيرونيكا، 10 سنوات ـ الى جانب ماكين، وعللت ذلك بأن نائبته وعدت بزيادة فرص العمل للنساء، واعتبرت ان تعيين امرأة في منصب كبير أمر مثير يستحق التشجيع.
إلى جانب الإشراك في عملية التصويت فإن المدارس تنظم ايضاً مناظرات بين التلاميذ الذين يعبرون عن وجهات نظر المرشحين المتنافسين، وهو ما جرى في إحدى مدارس واشنطن حيث سألت ناخبة من التلميذات زميله لها مرشحة: كيف نزيد من قدرة قواتنا المسلحة؟ فردت المرشحة: نرصد لها ميزانية أكبر. وسألت ناخبة أخرى: ماذا نفعل في العراق؟ وحينئذ ردت المرشحة: نحقق الاستقرار لانه سيقود الى السلام. لكن مرشحة اخرى مؤيدة لأوباما قالت: لقد غزونا بلدا لم يهاجمنا في 11 سبتمبر، ولم نتمكن من القبض على اسامة بن لادن ولكن العكس هو ما حدث، لأنه هو الذي هاجمنا في عقر دارنا.
وفي مدرسة أخرى أولية عقدت مناظرة بين المرشحين ووجهت اسئلة الى كل واحد من المتناظرين، وتم التصويت بصورة سرية على اداء كل منهما، ولكن حين اعلن عن فوز احدهما على الآخر فإن تلميذات الفريق الخاسر انخرطن في البكاء! في يوم التصويت على الاختيار بين أوباما وماكين (الثلاثاء الماضي 4- 11) صدرت الصحف الاميركية وقد خصصت بعض صفحاتها للاطفال لكي يتابعوا النتائج، إذ نشرت خريطة مكبرة للولايات المتحدة وطلبت من الاطفال ان يقوموا بتلوينها بالازرق أو الاحمر، بحسب الولايات التي يفوز فيها كل مرشح مع تعبئة ارقام الاصوات الانتخابية التي يحصل عليها المرشح في كل ولاية.
تقول التقارير الأميركية ان عملية اشراك تلاميذ وتلميذات المدارس في التصويت على الانتخابات الرئاسية بدأت في عام 1956 حين قامت مجلة «ويكلي ريدر» بتقصي آراء تلاميذ المدارس بشأن مرشحهم الأفضل للرئاسة، حيث تنافس على المنصب آنذاك رجلان من الحزب الجمهوري هما الجنرال دوايت ايزنهاور الذي قاد قوات الحلفاء وانتصر في الحرب العالمية الثانية والسيناتور اولاي ستيفنسون من ولاية الينوي، وانحاز التلاميذ لايزنهاور الذي فاز بعد ذلك بالرئاسة، وتكررت هذه المحاولة في الانتخابات التي جرت بعد ذلك، حيث كان تلاميذ المدارس يصيبون احياناً ويخطئون.
آية ذلك انهم في سنة 1992 اختاروا الرئيس بوش الاب الذي نافسه على الرئاسة آنذاك بيل كلينتون حاكم ولاية اركنسا وهو ما فرح به بوش حتى قال مازحاً انه سيقترح اصدار قانون يخفض سن التصويت الى خمس سنوات، لكن الذي حدث بعد ذلك انه سقط في مواجهة كلينتون حين جرت الانتخابات الحقيقية.
هذه المعلومات اهديها الى الذين دأبوا في بلادنا على قمع طلاب الجامعات وحرمانهم من الترشح لانتخابات الاتحادات الطلابية، واللجوء إلى اعتقالهم وطردهم من المدن الجامعية وحرمانهم من الامتحانات، اذا لم ينصاعوا لتعليمات الأمن بشطبهم من قوائم المرشحين، وإذا حاولوا إجراء انتخابات واتحادات حرة بديلة عن تلك التي يشكلها رجال الأمن.
وأذكر بأن ممارسات السلطة بمنزلة دروس عملية للناس، فقد تعلمهم التسامح أو تعلمهم القمع. وفي النهاية فإن ما تزرعه السلطة اليوم تحصد ثماره غداً، الأمر الذي يجعلنا نقلق على المستقبل ولا نتفاءل به.
...............................