لقد استشهد الكثيرون، وضحى الكثير بحياته، استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله الكثير في بداية قيام الدين الإسلامي، كلهم كانوا يؤمنون بأن هناك حياة اخرى بعد الموت وكلهم كانوا يؤمنون انها الحياة الأبدية والنعيم الخالص، ولعل هذا يجعل الموت اكثر قيمة، ولكن فوتشيك لم يكن يؤمن بأي من هذا، فكيف له ان يضحي بحياته؟ انه لا يؤمن حتى بالله، لابد ان هذه الحياة هي اثمن ما لديه، على الأقل في فكره، فكيف يضحي بها؟

لست قاصداً ان استنقص من شهداء الإسلام والشهداء المتدينين بشكل عام ولكن استغرب كيف يدفع بحياته دون تهاون وهو لا يعتقد بوجود شيئ يقابله بعد الموت؟

ولد فوتشيك في الثالث والعشرين من فبراير عام 1903، كان ينتمي الى عائلة من طبقة العمال في المجتمع، لقد فكر وهو في الثانية عشر من عمره بإنشاء مجلة بإسم (The Slav)، وقد كان مولعاً بالأدب والسياسية.

انظم في عام 1920 الى الحزب الديمقراطي الإجتماعي، وبعدها بسنة واحد اي في عام 1921 كان في الحزب الشيوعي لتشيكي سلوفاكيا (CPC) وعندها كتب اول كتاباته لصالح الحزب الشيوعي، وبعد اكمال دراسته حصل فوتشيك على موقع في الحزب كمحرر للأعمال الثقافية في صحيفة (Kmen)، وفي عام 1929 اتجه الى النقد السياسي في صحيفة (Franticek Xaver Salda) وهذا لم يكن يشغله عن الكتابة في صحيفة الحزب، في ذلك الوقت كان فوتشيك يعتقل بين الفينة والأخرى من قبل الشرطة الخاصة لتشيكي-سلوفاكيا.

وفي صحوة مؤتمر ميونخ الذي قُرر (بضم القاف) فيه ان يتم القبض على اعضاء الحزب، كان فوتشيك وقتها يكتب بإسم مختلف في الصحف الوطنية، وخصوصاً فيما يتعلق بالمواضيع التاريخية، وبعد الإكتساح النازي لتشيكوسلوفاكيا في مارس 1939 عمل فوتشيك لصالحة المقاومة.

في الرابع والعشرين من ابريل عام 1942 اعتقل في مدينة (Prague) من قبل الشرطة النازية السرية، في البداية احتجز في سجن (Pankrác) في نفس المدينة حيث تم فيها استجوابه وتعذيبه، وفي هذا الوقت كان يكتب فوتشيك (تحت اعواد المشانق)، والتي هربت بعدها جنّد فوتشيك احد حراس السجن وجعله ينظم إليه.

في مايو 1943 نقل فوتشيك الى المانيا في سجن (Bautzen) حيث احتجز لما يقارب الشهرين، وفي الخامس والعشرين من اغسطس 1943 نقل الى برلين حيث اتهم بالخيانة العظمى، وقد وجد فوتشيك مذنباً في ذلك، وقد حكم عليه بالموت.

بعدها بأسبوعين، في الثامن من سبتمبر عام 1943 اعدم فوتشيك بقطع الرأس في سجن (Plötzensee) في برلين.

وهذه قطعة مما كتبه فوتشيك عندما وصف كيفية التعذيب في السجون النازية:

من المصادفة ان قتل إنسان هو ليس اعظم جرم يمكن للمرء ان يفعله، لقد كان النازيون متخصصون في القتل والتعذيب الجسدي، ولكن ليس هذا فقط، بل كانوا متخصصين ايضاً في اذلال الإنسان والتحطيط من قيمته، وفي تبديد احلام المرء بل حتى في نفي صلته عن الحياة وحتى في قتل واقعية تفكيره.

كتابه (تحت اعواد المشانق) ترجم في فترة وجيزة الى اكثر من تسعين لغة، ويعتب حالياً هذا الكتاب واحداً من اساطير الأدب العالمي، كما انه يعتبر افضل ما كتب في الصمود والنضال على الإطلاق

لقد قتلوا فوتشيك لكنهم لم يستطيعوا ان يخمدوا صوت الحق، ففي العالم مليون فوتشيك كلهم مستعدون للخضوع للتعذيب والقتل، كلهم مستعدون لذلك من اجل الوطن، ولذا فهم الأبطال الذين قال فوتشيك عنهم:

البطل الحقيقي هو من يضحي بحياته في اللحظة الحاسمة من اجل المجتمع

يا ترى هل هو سعيد بهذا الإنتصار؟

في كل الأحوال ها نحن نقترب من الذكرى الثانية والستون لموته، ولذا فسأضع هذه الوردة على قبره (f)

(f)

(f)

في مثل هذا اليوم استشهد

(f)