في سياق الحرب العالمية
غسان شربل الحياة - 08/07/05//

لا غرابة ان يضرب الارهاب في لندن. لا الاخطار جديدة ولا التهديدات. وموقع بريطانيا في الحرب على الارهاب والحرب في العراق جعلها منذ البداية في صدارة لائحة الدول المستهدفة. وحين اغرق الارهاب مدريد في الخراب والدم لم يكن امام لندن غير انتظار موعدها معه. كثيرون كانوا يتوقعون ان يحاول الارهاب تكرار السيناريو الاسباني على الملعب البريطاني. غالب الظن انه كان تواقاً الى تقليص فرص فوز توني بلير في الانتخابات. لكن ما تعذر تحقيقه قبل ذلك الاستحقاق امكن تنفيذه بالتزامن مع انعقاد قمة الدول الصناعية الثماني على الارض البريطانية مما جعل الرسالة تطير في اتجاهات متعددة، فضلاً عن خصوصية مسرح الحدث وهو عاصمة دولة كبرى تعتبر الاقرب الى نهج الرئيس جورج بوش علاوة على ثقلها الاوروبي ودورها كمركز مالي.

تعيد الهجمات التي استهدفت لندن امس التذكير بمجموعة حقائق. انها ليست اعلان حرب بل مجرد فصل من الحرب العالمية الثالثة التي كانت هجمات 11 ايلول (سبتمبر) بمثابة الطلقة الاولى فيها. وكان واضحاً منذ البداية ان العالم وجد نفسه امام حرب عالمية تختلف تماماً عن الحربين العالميتين اللتين ادمتا القرن الماضي واعلنتا نهاية امبراطوريات وقيام اخرى. وبهذا المعنى فإن هجمات امس تذكّر العالم بأنه لا يزال في خضم تلك الحرب وانه أسيرها.

تعيد الهجمات التذكير بأن هذه الحرب العالمية لا تدور بأساليب تقليدية سواء ما يتعلق بمسارحها او باعتبارات ميزان القوى او فرص حسمها. تفتقر الدول الكبرى التي تخوض الحرب على الارهاب الى ورقة اساسية كانت توفرها الحروب التقليدية وهي القدرة على تحديد موقع العدو ومسرح المواجهة معه وحجم قواته لتتمكن بالتالي من اعداد القوة الضرورية لإلحاق الهزيمة به. في الحرب الحالية تكفي حفنة من الاشخاص وبضع عبوات لإغراق مدينة في حجم لندن في حالة من الهلع والرعب والاضطراب وتكبيدها خسائر ببلايين الدولارات فضلاً عن اشعارها انها ليست مكاناً آمناً للاقامة أو السياحة أو الاستثمار.

ثم انها حرب لا يمكن حسمها بالضربة القاضية. فتفكيك خلية صغيرة لا يحول دون نشوء خلية اخرى، خصوصاً ان تبادل الضربات في الحرب، - والمسرح العراقي مثال صارخ ? قد يسهم في انجاب اجيال جديدة من الارهابيين. ولعل اخطر ما في هذه الحرب ان طرفاً فيها، هو الدول الكبرى، مكشوف الاهداف والعناوين في حين ان الطرف الآخر يعيش بلا عنوان معروف. وهذا يعني ان الدول الكبرى تقاتل شبحاً جوالاً قد يرد في أي عاصمة أو مطار أو فندق. وفي غياب عنوان معروف للعدو يصير الانتصار صعباً والتفاوض مستحيلاًَ.

هجمات لندن مجرد فصل في حرب شاملة وطويلة تدور في عالم جمع المعلومات ومطاردة المشبوهين والارصدة ودهم الملاجئ وتفكيك الخلايا الصغيرة. ربما لهذا السبب على الولايات المتحدة والدول المشاركة في الحرب على الارهاب ان تدرس مجدداً الطبيعة المختلفة لهذه الحرب لتتكيف اكثر مع مجرياتها خصوصاً اذا تبين ان الانتصار يحتاج ايضاً الى مقاربات سياسية مختلفة وليس فقط الى جمع المعلومات وتوجيه الضربات.