هذا الموضوع تشارك به العديد من فروع العلوم الطبيعية، لهذا السبب وجدت انه من الاولى وضع قسمه الاول في قسم العلوم،
إضغط هنا على إعتبار انه من زاوية نظر بيلوجيا التطور، في حين ان القسم الثاني من زواية انجازات علوم اعصاب الدماغ والبسيكولوجيا.. وبشكل عام لايشكل هذا التوزيع اي تقطيع في فهم مضمون الموضوع، مع اني انصح بقراء كافة الاجزاء لاهميتها
القسم الثاني: العقل البشري يسعى للايمان
ولكن يبقى السؤال الرئيسي: لماذا نملك خاصية الايمان ونسعى للرضوخ لسلوك ديني؟ على هذا السؤال يجيب علماء الجملة العصبية الدماغية. الدراسات تشير الى ان الانسان يملك منظومة مماحكة عقلية تجعله مهيئ للايمان بقوى غير طبيعية.
في مدينة بلفاست من ايرلندا الشمالية تمكن الباحث Jesse Bering, من جامعة كوين، ان يبرهن على ان ابتداع قصة وجود "شبح" يمكن ان يقلل الغش عند الطلاب. التجربة قامت على إجراء امتحان لطلاب احد الصفوف. قبل الامتحان جرى اخبار نصف الطلاب بأن شبح شخص قد مات من فترة قصيرة تمت رؤيته يتجول في صف المدرسة (في بيئة تؤمن بمثل هذه الحوادث). المعطيات تشير الى ان هذا النصف كان اكثر اخلاقية من البقية.
وحتى إذا كان الطلاب من غير المتمسكين بالتعليمات الدينية او غير المؤمنين بالقوى الخارقة، يظهر انهم ايضا يتأثرون بقصة الشبح المختلقة ويقعون تحت تأثير نشوء مفاجئ لفكرة " قوة عليا" تراقبنا وتحكم على تصرفاتنا، تماما وكأن هناك انسان يراقبهم من الخلف.
في تجربة اخرى قام الباحث السابق بدراسة البدايات التي يبدأ فيها الطفل بالايمان بقوى خارقة. لقد قام بتأليف شخصية خيالية عن اميرة غير مرئية اسما آليس. وروى القصة في صف الاول الابتدائي. بعد ذلك جرى اخبارهم الى انه لايجوز فتح احدى العلب المعينة في غياب الكبار. بالمقارنة مع ماقبل رواية القصة، انخفض عدد الدين فتحوا العلبة الى حد كبير. بهذا الشكل يكون الاطفال قد ربطوا عقليا سلوكهم مع القوة الخارقة (الاميرة آليس) منذ عمر السبعة سنوات. الباحثين اخبروا الاطفال ان الاميرة آليسا قادرة على مساعدتهم في اختيار العلبة الصحيحة من بين علبتين. عندما يمد الطفل يده لاخذ احدى العلبتين يحدث شئ غير متوقع، مثلا تقع لوحة معلقة من على الحائط. الاطفال الصغار يفسرون الامر على ان " اللوحة وقعت لانها لم تكن مثبتة جيدا"، في حين ان الاطفال الاكبر سناً وبنسبة 80% يفسرون الامر على انه " الاميرة آليس تكلمت اليهم واخبرتهم ان عليهم ان يختاروا العلبة الاخرى".
كيف يمكن ان يوجد جذور لسلوك يسعى الى ربط الظواهر بقصص خيالية، نشأت في ظروف لاعلاقة لها بالظاهرة؟ العلماء يعتبرون ان الرغبة في رؤية "معاني واهداف في كل شئ"، لها جذور في منظومتنا العقلية التي تطورت وجرى تجربتها واختيارها في الجماعة الاجتماعية. الانسان كائن متميز في عالم الحيوان، بفضل تخصصه في فرع يعتمد على الوعي كخاصية رئيسية من خواص الافشليات، حيث نعتمد على استقبال المعلومات القادمة من محيطنا ، بما فيه المحيط الاجتماعي، ومعالجتها واستخلاص النتائج المناسبة منها.
منذ عام 1976 تمكن البسيكولوجي Nicholas Humphrey, من البرهنة من خلال دراسة جرت على الشبمانزي الافريقي، ان الحياة في جماعات اجتماعية تتطلب من الفرد، طاقات دماغية اكبر من الطاقات التي نحتاجها لحل اكثر العمليات التكنيكية تعقيداً. فيما بعد جرى تأكيد هذه النتائج مرارا، واليوم فإن التحديات العقلية، مثل التمكن من حساب شبكة العلاقات الضرورية التي يجب اخذها بعين الاعتبار، سلبا وايجابا، من اجل تلافي معضلات في سلوكنا القادم، تعتبر قوة كبيرة في تحريض بناء وتركيب وتشكيل قدراتنا العقلية في مسيرة تطور منظومتنا العقلية الى صورتها الحالية.
هذه المنظومة العقلية الموجودة في الدماغ الانساني، جرى في السنوات الاخيرة دراستها بكثافة. بعض هذه الدراسات جرت على يد البسيكولوجي Pascal Boyer, من جامعة واشنطن الامريكية، حيث يؤكد ان بنية الدماغ هي التي تجعل من ظهور الاديان امر ممكن. باسكال بيير لايقصد ان الدماغ يملك " مركز إلهي" وانما على العكس تماما، تظهر الدراسات ان ان النشاط الديني في الدماغ يتوزع على عدد من مناطق الدماغ، وهي مناطق تشارك في نشاطات اخرى ايضا. ان باسكال بيير يفسر الامر بأن " منظومة التفكير العقلي" هي التي نشأت بطريقة تجعلنا قابلين لتقبل الاشكالات وطريقة التفكير الديني، تماما كما هو الحال في قابليتنا للاعجاب وقبول الموسيقى والاهتمام بالسياسة او السعي لإقامة علاقات عائلية.
احدى اهم الاكتشافات هي التي تظهر ان الدماغ له القدرة على خداعنا، الى درجة تجعل المؤمنين يقومون بأعمال تتعارض مع ايمانهم نفسه. من الامثال على ذلك ان يجلس المؤمن بالإله الابراهيمي (المسلم والمسيحي واليهودي)، على ركبتيه ويرفع رأسه الى السماء، ويبدأ في التفاوض مع الله، كان يقول " إذا شفيتني، فأنني سأقوم ببناء جامع"، في ذلك يقدم لنا الدماغ الله وكأنه بشر مثلنا وله نفس عقليتنا، في حين ان ذلك يفترض ان يتطابق مع النظرة الوثنية الى الله. ان مهومنا الواعي عن الله يتعارض تماما مع مفهومنا الغير واعي، والذي نراه في السلوك الشائع للاغلبية. المثير ان المؤمنين في اغلب الثقافات يكررون السلوك نفسه، إذ وعلى الرغم من اختلاف الاديان نجد ان كيفية رؤية الفرد لإلهه هي نفسها. احدى الخصائص الاخرى للدماغ والتي لها علاقة بخلق تصوراتنا الدينية، اننا نتذكر الاحداث والقصص بطريقة افضل إذا كانت تتعارض مع الواقع الفيزيائي. مثلا احداث الاسراء والمعراج، او السير على الماء او ان يكون غير مرئي ويخترق الجدران او قصص السحر والسوبرمان. دماغنا يلاحظ على الفور الامور الغير طبيعية، ويحفظها.
القسم الثالث: التطور هو الذي اعطى الاديان صورتها الراهنة