طالعت على أحد المواقع فتوى للدكتور العلامة سعيد رمضان البوطي استغربت منها كثيرا ولم أصدق أنها له إلى أن عدت إلى موقعه فوجدت نفس الفتوى مكررة عدة مرات وبصيغ مختلفة إحداها كانت كالتالي:

السؤال: أنا مسلم عربي مقيم في فرنسا‏، وأريد الحصول على الجنسية الفرنسية‏، وهذا مايسهل عليّ الكثير من الأمور كالعمل وحق المشاركة في الانتخاب.. إلى غير ذلك. فهل يجوز شرعاً الحصول على هذه الجنسية‏؟‏

الفتوى أو الجواب: لايجوز التجنس إلا في حالة الضرورة القصوى. إذ التجنس خضوع لولاية غير المسلمين على المتجنس المسلم. وقد نهى الله عن خضوع المسلم لهذه الولاية بنصوص قاطعة.. ولك في الإقامة ما يغني عن التجنس.

وبما أنني مقيم في الغرب وأحمل جنسية إحدى دوله "الكافرة" فقد شعرت بإحباط شديد، هل ما قمت به فعلا هو مخالفة لأمر الله تعالى في النصوص القاطعة التي ألمح إليها الدكتور؟ وهل كان يجب على أن أكتفي بالإقامة وماذا كان أولادي سيفعلون من بعدي ولأي دولة إسلامية ينتمون بعد أن حرمتهم بلدي سوريا والتي هي بلد الشيخ أيضا جنسياتهم وجوازاتهم؟ هل ستقبل السعودية الدولة الإسلامية مثلا أن تعطيهم جنسيتها؟ وما الفائدة أن نبقى مقيمين دون جنسية أوليس المقيم خاضعا لنفس القوانين التي يخضع لها المتجنس؟

إذا كان التجنس هو خضوع المسلم لولاية غير المسلمين فما هو حكم التجنس في الدولة التي يقيم بها فضيلة الشيخ؟ ولمن يخضع فضيلته؟ ومن هو صاحب الولاية في دولته وفي بقية الدول العربية؟ هل هو الإسلام؟ هل القضية قضية أرض وتراب وأشجار وأنهار تسمى هذه إسلامية وتسمى الأخرى كافرة؟ هل القضية قضية حاكم مسلم يحكم بما أمر الله وحاكم كافر يخالف ما أمر الله؟ هل القضية جملة في الدستور تقرر أن دين الدولة الإسلام وأن دين رئيس الدولة الإسلام؟ أم هي جملة في الدستور تقول إن الدستور مستمد من الشريعة؟ وأي دستور يحكم في بلادنا؟ هل هو بالصدفة قانون الطوارئ الذي ليس له دين مثلا؟

في بلدي التي تجنست بجنسيتها مثلا يا فضيلة الشيخ لم تنزل قوات الدولة لتخلع الحجاب عن رأس زوجتي ولا عن رأس أمي ولا عن رأس أختي في الشوارع كما في بلدك وغيرها من بلاد المسلمين؟ فهل هذه هي الولاية لغير المسلمين؟

في بلدي التي تجنست بجنسيتها يا فضيلة الشيخ لم تُبد (من الإبادة) الحكومة الكافرة مدنا بأكملها لأن أهلها طالبوا بتحكيم الشريعة في حياتهم كما في بلدك وبلاد الإسلام المجاورة لبلدك فهل هذه هي الولاية لغير المسلمين؟

في بلدي التي تجنست بجنسيتها يا فضيلة الشيخ تفتح المساجد أبوابها ليل نهار، ولا تغلق بين كل صلاة وأخرى وتقام فيها الدروس الإسلامية دون موافقة الأمن والمخابرات كما في بلدك وبلاد الإسلام الأخرى فهل هذه هي الولاية لغير المسلمين؟

في بلدي التي تجنست بجنسيتها يا فضيلة الشيخ لم تصدر الحكومة ولا البرلمان التابع لها والذي هو منتخب بحق على عكس برلمانك، قانونا يقضي بإعدام الناس لانتمائهم لحزب إسلامي أو جماعة إسلامية كما في بلدك فهل هذه هي الولاية لغير المسلمين؟

في بلدي التي تجنست بجنسيتها يا فضيلة الشيخ لم تمنع الدولة تشكيل أحزاب دينية ولا تشكيل أحزاب إسلامية رغم قلة المسلمين، كما في بلدك فهل هذه هي الولاية لغير المسلمين؟

في بلدي التي تجنست بجنسيتها يا فضيلة الشيخ لم تحرمني السلطات من جواز السفر لمدة ثلاثين سنة ولم تحرم أولادي ولا زوجتي ولا أحفادي من جوازات للسفر تثبت شخصيتهم وتمكنهم من التنقل في بلاد الله الواسعة كما في بلدك فهل هذه هي الولاية لغير المسلمين؟

في بلدي التي تجنست بجنسيتها لم أدفع قرشا واحدا رشوة منذ أن وصلتها وإلى اليوم، والراشي والمرتشي كما تعلم في النار أو ملعونان، فهل في بلدك إنسان لم يرش أو يرتش؟ ألم يحولها حزبها الحاكم إلى بلد من الملعونين كما قال أحد أبنائها على إحدى الفضائيات؟ فهل هذه هي الولاية لغير المسلمين؟

لو واصلت ضرب الأمثلة لما انتهيت اليوم ولمل القارئ من سماع كل هذه المواضيع التي يعرفها ويعيشها كل من ينتمي إلى ما تسميه بلاد الإسلام وكل من يخضع لما تسمية ولاية الإسلام من شباب هذه الأمة ونسائها وحتى أطفالها، ولكنني أريد أن أعود للسؤال الأول كيف تحددون معنى الولاية؟ هل هي للرئيس أم للقانون أم للبرلمان أم للسياسة أم للأرض أم لما سماه الفقهاء سابقا دار الحرب ودار الإسلام أم لدار الكفر ودار الإسلام؟ وكيف تريدون إعادة رسم خريطة العالم على هذا الأساس؟ كيف تكون الدولة إسلامية والولاء إسلاميا حيث يحرم على الناس تشكيل حزب إسلامي؟ والدخول في السياسة تحت اسم الإسلام؟ بالله كيف تحكمون؟

أنا أفهم أن يقول الشيخ أنه لا يجوز التجنس بجنسية البلاد الأوروبية أو غيرها مما يعتبره بلاد كافرة ولكن عليه في نفس الوقت أن يبين لنا حكم الخضوع للحاكم الذي يسمى مسلما وحكم الإنتماء إلى الديار التي تسمى إسلامية؟

إن هذا التناقض الذي تعيشه المؤسسة الدينية في بلاد المسلمين هو من أشد الأخطار التي تحيق بالإسلام في بلادنا وهذا التناقض هو سبب تطرف المتطرفين وهو سبب لجوء الشباب للفكر التكفيري وللعنف وللإرهاب لآن المؤسسة لا تملك الحرية في القول ولا تجرؤ على الكلام وتتجنب مواجهة الحاكم فيراها الشباب دائرة في فلكه خاضعة له مستأنَسة له مستأنِسة به فلا يملك سوى الخروج عليها وعليه معا. فاتقوا الله يا علماء الأمة خاصة في الفتاوى التي تتعلق بالسياسة والحكم والدولة فالناس على وشك الإنفجار والأوضاع لم تعد محتملة ولا بد لكم من الوقوف في أحد الصفين فلم يعد هناك صف ثالث.

أتمنى من الشيخ أن يصحح هذه الفتوى بأن يبين في آخرها أن الضرورة القصوى التي أشار إليها هي كون المتجنس قادما من إحدى الدول الإسلامية لأنها الدول الوحيدة التي يخضع فيها الناس لولاية غير المسلمين. وعندها فقط تستقيم الفتوى وتصبح قابلة للتطبيق.


أمير أوغلو - الدانمارك

syrianmirror.com