توصيات ... توصيات
توصيات ... توصيات
محمد علي العبد الله *
تابعنا باهتمام برنامج أكثر من رأي على قناة الجزيرة الفضائية القطرية حيث استضاف د. برهان غليون أستاذ العلوم السياسية في السوربون , سامي الخيمي السفير السوري في بريطانيا , والأستاذ أيمن عبد النور , رئيس تحرير نشرة كلنا شركاء , تناولت الحلقة المؤتمر العاشر لحزب البعث السوري , أو أكثر تحديدا تناولت توصيات هذا المؤتمر الذي لم يتمخض عنه سوى توصيات , توصيات كثيرة , ومعظمها هام – آه لو يطبق ربعها أو عشرها- حيث إنفرد الأستاذ عبد النور بتلاوة عطرة لهذه التوصيات , وأبرز عدة توصيات في كل موضوع , فالحزب كعادته لا يترك أي تفصيل في حياة المواطنين مهما كان تافها إلا ويناقشه .
اللافت في حديث السادة البعثيين أنهم لا يتحدثون عن الحاضر , ولا يحاولون التطرق إلى أي مشكلة واقعية حالية , وعندما تثار أي مشكلة من قبل أحد الضيوف أو مقدم البرنامج , يعمد البعثيون إلى إظهار ما ستؤول إليه الأحوال بالنسبة لهذه المشكلة, دون أن يذكروا واقعها , ماضيها وحاضرها , وسبب تفاقم مشكلتها , بل يعمدون إلى الهروب إلى الأمام في محاولة فاشلة لإظهار غير ما هو واقعي , وإعطاء مفهوم معاكس للواقع - بعيد كل البعد عن معاناة الشعب السوري , حيث ينسون أو يتناسون أن ملايين السوريين يتابعونهم - إنطلاقا من أيديولوجية إعتادوا عليها ( لا أكذب ولكن أتجّمل ) .
فعند طرح أي نقطة للحوار يهب الضيف البعثي , أيا كان , ليظهر أن الحزب قد إنتبه لهذه النقطة , وبدأ بحلها فورا , وأن عيون أعضاء القيادة القطرية , لن تغفو – كعادتها – إلا بعد أن تحل مشكلة المواطنين , فيبدأ بسرد ببغائي لما حفظه من قرارات وتوصيات ومشاريع قوانين , وهي فيض من غيض , فطبعا لو يسمح له مقدم البرنامج بالاسترسال لما توقف – الأستاذ أيمن عبد النور مثلا , طلب إجراء حلقة خاصة ليتاح له التحدث عن توصيات المؤتمر .
القضية ليست في التوصيات , ولا نقصا في التشريع , بل إن لب القضية هي عدم الرغبة الجدية بالإصلاح , فالتوصيات تبقى توصيات , توصيات فقط , فلا يؤخذ بها ولا تنفذ , وإن حصل ونُفذت فلا تنفذ تنفيذا سليما , والمضحك المبكي أنها تنفذ من قبل البعثيين أنفسهم الذين لا يرون ضرورة أصلا لمثل هذه التوصيات , وإن التشريعات إن صدرت تصدر لخدمة فئة معينة , استطاعت بنفوذها أن تستصدر تلك التشريعات ( تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات مثلا , لا يخدم إلا فئة ضيقة جدا من الشعب السوري , في حين يستفيد النافذين المتمولين , وتجار السيارات من هذا التخفيض ) , في حين تبقى التشريعات القليلة التي تخدم مصلحة البلاد ,وتخدم شرائح أوسع من المواطنين دون تطبيق,هذا مرده إلى أن النظام الكربوراتي السائد ، الذي يقوم على توحيد السلطة والحزب والنقابات في مواجهة المجتمع , عمد إلى تهميش القوى السياسية والاجتماعية وإبعاد المواطنين عن الاهتمام بالشأن العام , وأدخل البلاد في حالة ترهل بلغت حد الإنهاك , عكسها تعليق السيد رئيس الجمهورية في خطابه على تساؤل المواطنين في مؤتمر المغتربين : لماذا تصدر تشريعات إن لم تكن ستطبق ؟ حين قال : يجب أن يكون السؤال لماذا لا تطبق التشريعات اذا كانت تصدر وليس بالعكس ؟
انطوى تعليق رئيس الجمهورية على اعتراف ضمني بان التشريعات التي تصدر لا تطبق , وعلى إقرار بضعف الرئاسة في معادلة السلطة حيث رئيس الجمهورية في نظام جمهوري رئاسي هو المسؤول عن متابعة تنفيذ التشريعات والقرارات التي تصدر , وعدم تنفيذها يعكس عدم قيام رئيس الجمهورية بدوره أو عجزه عن القيام بهذا الدور أو منعه من القيام بهذا الدور أو لهذه الأسباب مجتمعة ( المرسوم الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية القاضي بالعفو عن 312 شخصا معظمهم من الأكراد , حيث رفضت الأجهزة الأمنية إطلاق سراح جميع من شملهم العفو , واكتفت بإطلاق سراح نصفهم تقريبا ) .
إن خروج مؤتمر الحزب , الذي منحه السيد الرئيس في خطابه أمام مجلس الشعب أهمية خاصة واعتبره مؤتمرا للإصلاح , دون أي مؤشرات إيجابية عن الانفتاح السياسي , أو عن دفع عجلة الإصلاح قدما , وبإيقاع ثابت وسريع , يساعد على امتصاص حالة الاحتقان الذي أصابت الشارع السوري , أو على الأقل ربط الإصلاح بجدول زمني واضح المعالم , يجنّب النظام السوري المزيد من الضغوط الداخلية , بعد أن تراكمت الضغوط الخارجية عليه , يعكس رغبة خفية – عند بعض التيارات في النظام السوري على الأقل - في عدم الرغبة بالقيام إلا بالجزء اليسير من هذا الإصلاح , الذي تيقنت السلطة السورية أن لا جدوى من التهرب منه , وكأن الزلزال العراقي لم يقع , ولم تصل هزاته الارتدادية إلى سورية حيث تمسك الرئيس العراقي السابق بموقفه الرافض لأي إصلاح داخلي في ذات الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط خارجية , على أمل الاتفاق مع الخارج , والحفاظ على السلطة في الداخل لأنه اعتقد أن الإصلاح بدلالة مطالب القوى الوطنية يقود إلى انهيار سلطته .
أما النظام السوري، الذي لا يستطيع تحمل تبعات هزيمة عسكرية، أو الاعتماد على حماية النظام العربي, فليس أمامه سوى استثمار اللحظة السياسية الراهنة بإجراء تحويل في أسلوب عمله وتعاطيه مع الشؤون الداخلية والانفتاح على الشعب وإنهاء الاحتقان الداخلي عبر إطلاق سراح السجناء السياسيين ورفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية وإنهاء عمل المحاكم الاستثنائية، وإخضاع الأجهزة الأمنية للقانون , والدعوة إلى مؤتمر حوار وطني بإشراك كل ألوان الطيف السياسي السوري، لوضع برنامج لمواجهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية، وتقاسم العبء مع الشعب الذي يستطيع تشكيل رافعة للخلاص والمستقبل.
* طالب حقوق , الجامعة اللبنانية , زحلة
نجل الكاتب المعتقل علي العبد الله
|