لا يتخيل أحدكم انني أسدي النصح لأي فريق منكم بأن يبوس شاربي صاحبه وعفا الله عما سلف .. ذلك أن الله – لحكمة يعرفها – ما عفى وسوف لن يعفي عما سلف ، وإن كان سيعفي أو لديه نية أن يعفوا ، لكان أولى به أن يعفوا عن بني الإنسان منذ خلقهم أولا ، ومنذ أرسل فيهم الرسالات ، ومنذ ألهمهم لعبادة الحجر والبقر عندما عجزوا بإيجاد إله .
حقيقة ، فالنفس البشرية (( مجبولة )) على الخنوع لقوة خفية تسيطر على مجريتاها وحركاتها وسكناتها ، والمذهل أن هذا الإنسان الظالم لنفسه عندما يفشل في الوصول إلى هذه القوة ، فإنه ينحتها من حجر ..
كائن غريب !!.
بالتالي : فإنه من الطبيعي والمنطقي جدا أن يتبع المرء دين كيفما كان شكل هذا الدين ، ومن الطبيعي أكثر أنه حال اتباعه لهذا الدين ، فإنه سيقدمه على عموم شأنه في الدنيا ، وينتظر أن يمتحه الثمرات في الآخرة ..
نحن نخاف .. وهذا هو الطبيعي في الأمر .
الطبيعي في الأمر أيضا أن يخلق الله الإنسان ويودع فيه حب " الإختلاف " عن الآخر ، بمعنى : لولا تعدد الرغبات ، لبارت السلع .. وهذه الأديان التي يفترش بها أتباعها ودعاتها رصيف الإنسانية ، هي السلع التي يقبل على بعضها المرء ويعاف بعضها .. تلك – برأيي الإنساني – ناحية إيجابية في الأمر .. أنا لا أتصور أننا جميعا برأي واحد ، هدف واحد ، تفكير واحد ، دين واحد ، رب واحد ..
والطبيعي أيضا أن يدافع كل صاحب دين عن دينه .. هذا الدفاع يقتضي – بالضرورة – أن يقضي أحدهما على الآخر مهاجما أو مدافعا ..
قد لا يكون القضاء " دموي " بل حضاري .. ثقافي .. احتوائي ، كيفما كان .. إنما لا بد ومن الضروري أن ينتصر أحدهما على الآخر كي يحيد الطرف المقابل ويضعف شوكته ، وإلا فسيدخلات في حرب استنزاف تضعفهما معا ، ولا تجلب النصر لأي فريق .
هذا هو حال الأديان بتعدد مذاهبها ..
سيتهمكم متهم بأنكم " نيقة عن الخليقة " ونسيج وحده في هذا المجال ، وهذا غير صحيح .. فأديان الأرض كلها الوضعية منها والسماوية تخزعت عبر القرون إلى مذاهب وديانات موازية اقتتلت فيما بعضها وأفنى بعضها الآخر .. فالمسيحية شهدت عبر قرون حروب حروب طائفية دامية ، واليهودية أفنى مذهب منها مذهبا آخر بعد تبلور الديانة اليهودية وطاردوهم في الكهوف ، والهندوسية (( 100 )) فرقة تتبع كل منها إله .. وهكذا دواليك ..
لا ، أنتم لستم نسيج وحده .. أنتم (( بشر )) كبقية البشر ، وأي مدع بأنه لا حروب طائفية إلا لديكم ، فهو جاهل أو مغرض وما تسمعوش كلامه ..
برأيي ، فإن الأمور هكذا تستقيم : أديان .. بشر .. فرق.. مذاهب .. حروب .
طبعا وطبعا ، لست أقصد من سفسطتي هذه أن ينتهى نزف عمره 14 قرنا ولست أتوقع ولست أحلم بذلك .. إنما كل ما أتمناه أن يلتزم كل طرف بما لديه ويعض عليه بالأسنان والنواجز والكماشات الألمانية ، وألا يدعه يتزحزح من بين أضلعه قيد شريان .
بذلك ، فإن الأمر يبدو هينا : أنا شيعي ومقتنع بشيعيتي تماما ، وأنا سني مقتنع بسنيتي تماما .. الشيعي سئ إبن ستين في سبعين لكن لا علاقة لي به ، السني إبن ستين جزمة قديمة .. وانا مالي وماله ؟!
كونوا جرآء على الحق كما أنتم الآن جرآء على الباطل :
كلاكما يكره الآخر ويتمنى لو ظفر به .. وكلاكما يقتل الآخر كلما سنحت له الفرصة .
الحق يقتضي أن تنحسروا إلى معسكراتكم وشؤونكم وتدعوا ما ليس لكم .. والحق يقتضي أن تتوقفوا عن هذا النفاق وتعلنوها صريحة :
الشيعي دين .. والسني دين آخر تماما ..
جربوا هذه الوصفة بينكم وبين أنفسكم وانظروا للآخر على أنه يتبع دين مختلف تماما وانظروا ، كيف سيتم الأمر ؟!
سيتم كالتالي :
ستعودون للنفاق من جديد ، وسيعامل أحدكم الآخر كما تعاملون اليهود والنصارى : أهل ذمتنا وأهل خفارتنا ..
طب وماله ؟!
أليس أفضل من أن تملؤوا التاريخ دما ؟!
ويا شباب : عودوا للحوار حول الحب والجنس والأغاني والإذاعة وناهدي سعاد والسيارة الهوندا وأسوأ الأعضاء وأجمل العضوات ..
أما قبر التاريخ .. فهو قبر ليس إلا ..
1400 سنة لم تقدم بل أخرت .. والحكي بالماضي نقصِن بالعقل كما يقول النجود ..
والحاضر والمستقبل ، ماذا عنهما ؟!
بيد أمريكا .. هي لا غيرها من سيقتلع هذا القبر من جذوره ويرميه إلى المزبلة .. وسنعود من حيث بدأنا :
بحاجة إلى حرب .. بحاجة إلى دماء .. بحاجة إلى زلزال !!
حتى ينتصر أحدكم على الآخر وينهيه تماما ، ثم لنبدأ كتابة التاريخ من جديد .. ولا يهم بعدها إن كان سني خالص أو شيعي خالص ..
أو أمريكي خالص ..