الباحث يحتاج في بداية كلّ عمل يقوم به إلى تحديد الاشكالية الّتي سيعمل على تناولها،و من ثمّة يُعد أدواته من مراجع و مخطّطات....و عندما يكون موضوع عمله نصّا بكرا لم يُخالطه نظر قبله،فإنّ قوله بعد الانجاز سيكون نزيل موقعين؛أولهما أن يستبدّ بنظره و يصبح هو الدّال على النصّ بل يُغيّبُ النّصّ الأوّل و يحتلّ موقعه و هذا إلى حدّ بعيد ما وقع للنصوص المؤسّسة في تراثنا ألا وهي النصوص الأصول لأنّ التأويل وافق الأطر الاجتماعية للمعرفة المتمثّلة أساسا في "السلطة" فكان الأخذ بالتّأويل بديلا عن الأصل لقطع الطريق أمام كلّ محاولة تأويلية أخرى بل وعدّها خروجا على الاجماع.و الموقع الثّاني ؛يرى في قراءته إغناء للنصّ و توليد للمعنى الّذي لا يتوقّف فيساهم في التنوّع الثقافي و الحضاري،و يفتح الأفق لتعدّد القراءات و يبقى الأصل ولودا طريّا ؛و هذا هو المشهد الّذي يُشكّل العقل النّقدي و يحدّد لكل لحظة تاريخية نسقها الفكري،و من الموقع الأخير نتقابل مع المعتزلة و نتناقض مع الأشعرية و منه أيضا نهتمّ بابن رشد و نعيد النّظر فيه ،و منه أيضا نلتفّ بالمشاريع النقدية المعاصرة قراءة و نقدا و تقريبا .
و بإمكان كلّ باحث الوفاء للمشروع النقدي متجاوزا المتون حتّى و إن كانت رشدية أو اعنزالية و ينظر إلى كونية الفكر االانساني و كيف بإمكانه المساهمة الحقيقية فيه و هو يقرأ تراثه بآخر ما أنتجته العلوم الانسانية و الفلسفة و أن لا يظلّ حبيسا للأصول الخمسة أو لفصل المقال أو لمدينة الفارابي الفاضلة،و هذا أسّ لتقدّم الفكر لدينا و من حولنا...
لهذا أقترح -مكرّرا- التعريف الجاد بروّاد التنوير العربي قديما و حديثا،و أن لا نستهين بالصفحات الألكترونية و أن لانتركها لأعداء التنوير يدمّرون بيان العقل العربي القادم لامحالة و لو كره اللامعقول ..و ألف شكر لمن تكبّد عناء مثل هذا المنبر و كلّ عام و أنتم في رحاب العقل المستنير..