عندما ماتت الحيوانية و بدأت الانسانية
كتبت هذه الرواية بشكل اولي على شكل دفعتين و هي عبارة عن محاولة للعيش مع الحيوانات "الانسان" الاول لمحاولة فهم كيف نتجت العقلية الدينية و الفكر الالوهي عند الانسان , و تحياتي لكل الفلاسفة العظام كسيجموند فرويد و يونغ و غيرهم كل من تناول العقلية البشرية و الاخلاق , و كتبت هذه الرواية بعد تأثري بقراءة بعض من كتب التوتوم و التابو و ايضاً عن برمجة العقل و لغة الرمز و كتاب مغامرة العقل الاولى لفراس السواح الخ , و الرواية استنزفت طاقات كبيرة مني عندما كتبتها ..
نشرتها لأول مرة بمنتدى الملحدين و انا اليوم انشرها في هذا المنتدى الحبيب
حيوان كان حلقة ضعيفة بين الحيوانات , كانت عقليته هي ما ميزته , طاردته الوحوش الضارية عايش الموت و الخوف و الترقب , استبيح دمه , حصارته الطبيعية بزلازلِ و براكين ,انتصب على رجليه اخيراً و نظر الى السماء لأول مرة , سُحِرَ بالنجوم و القمر , كان وقته الوحيد في التأمل هو لحظة الهدوء لحظة الامان كان جالساً بكهفه يحاول فهم ما من حوله , لم يفهم سبب ضعفه و لم يفهم من يُنزل هذا المطر و من يخرج البراكين و من يهز الارض و لماذا يُطارد من قبل الوحوش و لماذا عليه البطش بالاضعف لكي يعيش , لماذا هذه الحلقة الوحشية , و يأتي النهار و يتكرر السيناريو و يعود ليلاً في كهفه البارد و صوت قطرات الماء و تضارب صداها بجدران ذلك الكهف , و في يومٍ جديد هجم وحش ضاري على حيواننا فما كان بالحيوان إلا ان حمل غصناً بشكلٍ لا ارادي ليدافع عن نفسه ضد ذلك الوحش و اذا به ينتصر و يبعد الخطر عن نفسه , عندها ادرك الاستفادة من المادة , اصبح الغصن هو سلاحه, و ظل في حلقة الاسى و الحزن و الخوف و اذا به يلقي بحجرِ من شدة الضياع و عدم الفهم آن ذاك , فخرجت الشرارةُ الاولى بعد اصطدام ذلك الحجر بآخر , لكن بالواقع كانت شرارتان شرارة النار و شرارة نقطة ارتكاز بفهمٍ جديد عند عقلية ذلك الحيوان , فاقترب بتعجب من ذلك الحجر فأمسكه مرةً اخرى و ضرب بشدة و اذا بالشرارة تخرج , فأصابت الحيوان نشوة عميقة و احس بالانجاز فضرب و ضرب وضرب حتى اشتعل القش الذي بجانبه من شدة الشرار فميز متطلبات احداث النار ,و تتالت الايام فكان يشرب المياه القذرة من المستنقعات القذرة رغماً عنه و لضرورة بقائه , و هو يسير وجد ماءاً بلا لون و في تجويفٍ صغيرٍ في صخرة , فجثى على قدميه ينظر و احس ببنان اصبعه تلك الماء فاقترب اكثر حتى شرب من تلك الماء فأحس بذلك الطعم و شرب بشره و صاح صيحة النشوة و الانتصار , فترك مياه المستنقع و اذا بالجفاف قد حل على المنطقة فذهب الى ذلك التجويف فلم يجد ذلك الماء النقي الذيذ فاضطر للرجوع الى ماء المستنقع قبيح الطعم, و بقي يعاني و يتردد في كلٍ حينٍ على ذلك التجويف على امل وجود ضالته المفقودة و يجلس و يترقب بأسى و يتأمل و يتحسس ذلك التجويف و استمر كبته فصرخ صرخة الم و اسى فإذا بالمطر ينهمر و التجويف يمتلأ بالماء , فغمرته النشوة المعتادة و ظن ان لصرخته المتألمة الفضل بنزول المطر و ظن انه اخضع الطبيعة لرغباته , مرةً اخرى يسير في يومٍ جديد في مغامرته المستمرة فوجدة شجرة تحمل ثمراً و بلونٍ اصفر مميز , جذبه اللون و المنظر فاقترب احس تلك الثمرة و لم يكن يعلم حينها ماهية تلك الثمرة , و هو ممسك بتلك الثمرة احس بطراوة و لم تكن قاسية كأرض الكهف الذي ينام فيه او كالحجر الذي يشعل النار به او كالعصا التي يدافع عن نفسه بها او بغلظة و قساوة يديه من تعامله مع القساوة , فشد قبضته على تلك الثمرة و اذا بها تفقأ من شدة قبضته فسال ما بداخلها فاشتم ذلك السائل بأنفه فتقبل و اعجب برائحته فتذوق بحذرٍ ذلك السائل فأعجب بطعمه الذي كان شيء جديداً يدخل في سلسلة غذائه , و مع مرور الوقت و تكون الكثير من نقاط الارتكاز عند عقلية ذلك الحيوان بدأ يتفاعل مع محيطه على نفس النهج ضمن اختلاط الوهم مع الحقيقة كما ظن انه اخضع الطبيعة بصرخة متألمة و كما نتجت الشرارة من الحجر , مرور الوقت حل الجفاف مرة اخرى و افتقد ذلك الحيوان ماء التجويف الصخري المعتاد و افتقد اخضرار تلك الشجرة و ثمرها الاصفر فحزن و تأسى و بدأ بالصراخ المتألم المتضرع و بدأ بالتعب و العطش لكن لم ييأس و لم ينل مراده و عاد في اليوم التالي و ليرجع بنفس خيبة الامل و فأصبح صراخه صراخاً توعدياً للطبيعة ليضطرها للخضوع لرغباته لكن دون فائدة فاضر للشرب مجدداً من ماء المستنقع لكن لم ييأس من تكرار صرخته الذي يظن انها هي من ستأتيه بمراده , و ازداد الاسى و الحزن و الغضب اضعافاً نظراً لتعوده على الماء النقي و انقطاعه و اصبح شربه من ماء المستنقع اصعب مما كان في السابق فتطورت احلامه نظراً لما يعياشه في بيئته و التفاعلات الجديدة , فأصبح يجد امانيه و تمنياته بأحلامه , فبدأ يحلم بعدم انقطاع ذلك الماء او اختفاء ذلك الثمر و ان لا يحس بالظمأ و الاضطرار للأقدام الى ما يكره و بدأ عنده الاحساس بالعدل و المبتغى في ذلك التأمل اللأرادي و الذي نتج عن المشاعر و الافكار الباطنة و الاماني و الرغبات المكبوتة , و مع مرور الوقت و رغم الفشل و الاسى و الاحباط يعود لممارسة صرخته مع اطلالة فصل الشتاء فأذا بالمطر ينهمر فيبكي لا شعورياً حزناً و فرحاً في نفس الآن , و مرة اخرى يستدل من خلال تلك الاحداث على انها نجاح تلك الصرخة في اخضاع الطبيعة غير عالماً بحقيقة انه لا يوجد علاقة للمطر المنهمر بصرخته بل هو شبه روتين , و ناسياً طول الانتظار و الاسى و التعب في فترة ما قبل ذلك الفصل , و تتكرر الاحداث لكن هذه المرة حدثت الصدمة و بينما تأخرت اطلالة فصل الشتاء بعد جفافٍ طويل مات ابن الحيوان من العطش فأيقن حقيقة فشل نهجه بعدم استطاعته انقاذ ابنه , فتطورت احلامه ليحلم بتواجده بجانب ابنه و يشتم رائحته و يبعد عنه الوحوش و يحميه و ينظر اليه و هو يشرب من الماء النقية التي لا تنقطع و ان ابنه لا يزال معه و لم يمت , فتسببت تلك الحادثة الصادمة بنقطة ارتكاز معينة حزينة في عقلية ذلك الانسان , فعلم انه لا يستطيع اخضاع الطبيعة و انها اكبر و اقوى من ان ترضخ له , فاتجه نحو عويل حزينٍ ما يشبه البكائية يتذكر بها ابنه و موته , عند ذلك التجويف الصخري الذي اصبح ذو قدسية معينة عند ذلك الحيوان نتيجة ترابط الاحداث و المشاعر و الاحزان التي لم يقتصر وجودها بالعالم المادي فقط بل في احلامه و تأملاته اللاأرادية التي تنطق عن الاحداث التي عايشها و تحاكي امنياته و رغباته و تشمل ااحداث معينة و مشاعر و احزان و كبوت من خبرات و تفاعلات الواقع.
مرور الوقت و بعد تكرار الحيوان ممارسة طقوسه البكائية عند ذلك التجويف الصخري "المقدس" ,
بقي خائفاً و وحيداً و غير فاهماً لما من حوله من امور رغم تفاعله الفريد مع محيطه و تقدمه الذي لم يحرز كمثله تقدماً ليومنا هذا , و كل يومٍ تزداد معرفته و اكتشافاته و تقبله لما هو قادم من انعكاسات خارجية وجدت مجراها في سكك تلك العقلية الفريدة و تُخطُ معرفةً جديدة في عقلية ذلك الحيوان و التي كانت كصفحة بيضاء قبل انتصابه , و في ليلةٍ صافيةٍ جميلة و موحشة لما كان يتردد من اصوات الوحوش و الضواري , كان ينظر الى السماء ... يتسائل مستغرباً منبهراً من منظر النجوم و القمر المشع , حيره ذلك المنظر و ترك اثراً كبيراً في عقليته , لاحظ الجمال و الاشكال الجميلة , تارةً يرى وحشاً ضارياً يتشكل من عدة نجوم فيخاف و تارةً يرى شكلاً يشبه جنسه فيتذكر فقيده و اخرى كانت كوحش يهاجم حيواننا , كان لتلك الاشكال و الاضواء التأثير القوي بعقلية ذلك الحيوان و من هناك اراد التعبير عن نفسه ,و استمرت الليالي بالطقوس و مراقبة السماء و التسائل ما هذه الاشكال من هناك , و ازدادت قوة الملاحظة و الاتقان في مخيلة ذلك الحيوان مما ساعد في تأقلمه و الاستفادة افضل في محيطه , حل الشتاء مرة اخرى و هو جالس في كهفه البارد امسك بالحجارة الرطبة لأشعال النار بالقش و الاخشاب الرطبة و ضرب دون فائدة و بقي يضرب حتى تقشرت ألأحجار و اصابه الانهاك فألقى بها بثورةِ غضبٍ شديدة فإذا بها تصطدم بإحدى جدران ذلك الكهف , فلم يستطع النوم حتى وقتٍ متأخر رغم التعب و الانهاك , و مع اطلالة شمس يومِ جديد يتخلل الضوء من ثقوب ذلك الكهف و من مدخله لينير كهفه المعتم الرطب و ليستيقظ ذلك الحيوان ليعيش مغامرتاً جديدة , و ما لبث ان فتح عيناه حتى رأى تقشرات بجدار كهفه و التي نتجت بعد القائه للحجر بالليلة الفائتة مشكلتاً شكلاً و لوناً مختلفاً عن باقي جدار ذلك الكهف , فاقترب منها منبهراً من ذلك الشكل الجديد الذي لم يألفه على جدران كهفه و تحسس فتات الحجر فعادت به الذاكرة الى الاشكال التي اعتاد رؤيتها في السماء و النجوم و الاضواء الاخاذة, فكان على موعدٍ مع تقدمٍ و نجاح جديد , ذلك النجاح الذي سيترك اثره العميق و الخالد و من اهم الاعمدة التي قامت عليها البشرية "التعبير و التدوين " ذلك الارث الذي سوف يمكننا لاحقاً من فهم اسلافنا , فالتقط حجراً و بدأ ينحت على ذلك الجدار ما يدور بمخيلته من اشكال ترسبت و اختلطت بين الاحلام التي كان يصل بها الى المراد و الاماني المكبوتة نظراً لوقائع كان يعايشها او الاشكال التي كانت قد تألفت بعد مراقبة السماءِ و النجوم و بعد تكرار مراقبتها و متفاعلاً معها كعقلية شبه مبرمجة و حقيقة الواقع كتفاعله مع المادة بعيداً عن لغة الرمز , و استمر السيناريو اليومي ...... مرور الوقت في احدى الطقوس البكائية عن التجويف الصخري كان مصادفاً لمرور حيوانات من نفس الجنس فإذا بها تألف ذلك الصوت فاقتربت بحذر حتى وجدت بطلنا يمارس طقوسه المعتادة فاقتربت الى حدٍ معين ,من بعيد تراقب البطل و هو يمارس طقوسه فإذا بالمطر ينهمر فسكت البطل معلناً انتهاء بكائيته الحزينة فظنت الحيوانات التي تترقب من بعيد ان البطل استحدث ما هو ابعد من قدراتها "انزال المطر" فاقتربت منه و بعد نظراتٍ حذرة استمرت لوقتٍ طويل حتى تآلفت تلك الحيوانات على بعضها التي كان كلٌ منها يحمل جراحه و مغامراته الخاصة و ما وحدها هو لغة الرمز و الضياع الجوهري الواحد , فبدأت تمارس البكائية و هي غير عالمة ماهية حقيقة تلك البكائية متبعتاً للبطل , مرور الوقت و تفاعل الحيوانات مع محيطها , اصبح البطل هو من يُقتدى به و بدا كالمخلص دائماً كان الاكثر حكمة بين ذلك القطيع , و اعتاد القطيع على ممارسة طقوسه التي اصبحت مقدسة عند ذلك التجويف الصخري المقدس و في اوقات الجفاف حتى يهل عليهم فصل الشتاء لتنتهي الطقوس و كان لتجمعهم اثرٌ خاص بعواطفهم و عقليتهم البدائية اذ كان لابد من تواجد الجميع , و اثناء احدى الطقوس اتى احد حيوانات ذلك القطيع متأخراً و التي كانت تطارده بعض الضواري فصدم الجميع بقدومه متأخراً اثناء ادائهم الطقوس فسكت الجميع ملتفتاً له و يرتسم على وجوههم الصدمة الى حين .. حتى تابعوا طقوسهم و هطل المطر و ارتاحت الحيوانات , مرور الوقت .. نمى القطيع و ازدادت فاعليته و تفاعله مع محيطه و اصبح توزع المهام بشكلٍ لاارادي بل غرائزي اذ كانت الاناث ترضع الصغار و كانت الذكور تنطلق برحلاتِ صيدٍ لتأمين حاجة القطيع الغذائية , حتى قدِمَت الضواري الباحثة عن الطعام الى القطيع الذي لم يكن بينه سوى الاناث و الصغار نظراً لخروج الذكور برحلة الصيد , حتى وقعت الكارثة .. و افترست الضواري ما يكفيها من الحيوانات الضعيفة و هرب من استطاع الهرب و لجأ للكهوف من استطاع اللجوء تلك الكارثة الصادمة كان لوقعها تأثيراً جديداً في عقلية ذلك الحيوان بعد عودة الذكور المصدومين نظراً للفاجعة و شائت الصدف ان يأتي نفس الحيوان الذي تأخر عن الطقوس المقدسة الفائتة متأخراً مرة اخرى فنظرت الحيوانات الحزينة المتألمة اليه و ما من احد ليتحمل الملامة غيره , و لترتاح نفسياتهم , فظنت ان هناك من يعاقبهم بسبب ذلك الحيوان المتفرد , فأيقنت الحيوانات انها هناك من يراقبها و يستمع لها و يغضب عليها غير عالمتاً تصادف الاحداث و الوقائع و من هناك بدأت نظرة القوى الخارقة تطفو على السطح , و بعد رجوع المشردين من القطيع و تجمع الجميع مرة اخرى حتى حلول المساء ذهب الجميع الى التجويف الصخري فاضطروا للتخلص من ذلك الحيوان الذي يجلب السوء لهم فامسكوا به و هو يصرخ و غرز البطل غصنه في صدر ذلك الحيوان الذي اصبح كقربان للقوى الخارقة التي غضبت على القطيع نظراً للأحداث المتصادفة, رجع القطيع بعد تلك الحادثة المؤلمة و الحزينة التي تضاف الى صفحات مغامراتهم لتكتب حروفاً جديدة في ملحمتهم البدائية, و لينحت المهرة منهم على جدران كهوفهم كل ما رُسِمَ من احداث لا سيما الصادمةَ منها , و مرة أخرى تتطور حلامهم و رغباتهم مع تداخل الوهم مع الحقيقة , موت المتفرد و القوى الخارقة بتكاملٍ يؤثر على اداء و استنتاجاتهم في الحياة الواقعية مع هموم تعاملهم مع المادة و صيرورة افعالهم عكس ما تسير عليه الامور في الاحلام ,و اصبحت المهام توزع بشكل ارادي اكثر اذ ايقنت الحيوانات الآخذة بالتطور تميز قدرة الذكور عن الاناث بالقوة و ضرورة حمايتهم للقطيع اثناء الصيد و تستمر التفاعلات و الاحداث .مرور الوقت حتى كَهُل بطلنا الاول الحكيم و اصبح القطيع يتحدثُ بلغتٍ يفهمها الجميع عداه و هو يراقب بحزنٍ و المٍ و عجزٍ اذ اصبح يحُمل الى التجويف الصخري عند حلول موسم الطقوس , حتى نشأ جيلٌ جديد يتناقل تلك الملاحم بحقيقتها و خرافتها على قدسيتها التي نتجت بعد كل تلك الاحداث , فأصبح بطلنا ذو قدسية عند تلك القطعان و اصبح التجويف ذو قدسية ايضا, و اصبح العصاة في تلك القطعان هم من يُقَدَّمون كقربان لتلك القوى الخارقة ..
يتبع
|