لم يتح الفيلم مجالا لأحد أن يتهمه بترويج أفكار قروسطية متخلفة بل بدأ بالإقرار بحقيقة تعرض اليهود الى مضايقات وتمييز من قبل الأغلبية المسيحية ، هربت ابنة شايلوك حاملة معها شطرا كبيرا من ثروته مع عشيق مسيحي متحضر واختار بطل الفليم الصندوق الصحيح وفاز بالعروس التي يتمناها الكثيرون ، ثم هدد شايلوك صديق عمره بإعدامه بواسطة أخذ رطل من لحمه من أقرب مكان الى القلب ، وودع الصديق صديقه موصيا إياه أن يذكره بالخير بعد موته أمام عروسه فأجابه الأخير أنه يضحي بكل ما ملك ويتمنى أن يضحي بامرأته نفسها لينقذه تحت بصر وسمع الزوجة المتنكرة في هيئة طبيب حديث السن ، ليس في لغة شكسبير كلمات تعبر عن معنى الشذوذ الجنسي، وحتى الكلمات البراقة التي تستعمل للدلالة على هذا المعنى في الإنغليزية المعاصرة كانت لها دلالات مختلفة المعنى كليا في أذن شكسبير ، وكان الزواج علاقة تابع ومتبوع وليس علاقة ندين كما هو الحال في هذا الزمان ، وبالتالي كان الحب الذي يتميز بالندية والمساواة بين الطرفين هو الحب المبني على الصداقة، اليوم تغيرت نظرة الناس الى الجنس وفلسفتهم فيه ورمزيته ، لكن تأثير الحركة النسوية ثقافيا كان أقوى منه اجتماعيا ، بعد أن اختار تاجر البندقية الصندوق المصنوع من الرصاص مؤثرا إياه على الصندوق الذهب أو الصندوق الفضة وقد بنى موقفه على أن المظاهر خداعة وأن ليس كل ما يبرق ذهبا ، أهدته الفتاة خاتما وأوفت له قسم الطاعة . أقسم الرجل ألا يفارق الخاتم اصبعه حتى تفارق روحه جسده، وذكرته هي بأن تخليه عن الخاتم يعني حقها هي في التمرد عليه . ولعمري فإن الأحزاب اليمينية المسيحية على عكس اليمين الإسلامي الذي إما يُرهب وإما يستسلم ، لا تقدم نفسها إلا كأحد ألوان الطيف السياسي المشاركة فيه ، وتحمل على عاتقها التذكير بألطف الخصال الحميدة للمعاني الموروثة التليدة . لم يتعرف تاجر البندقية على عروسه المتنكرة في زي طبيب شاب ، دخل قاعة المحكمة متأخرا بعد أن كان الجمهور يطالب القاضي بصخب وغضب بألا ينزل عند رغبة شيلوك بتنفيذ بنود العقد الموثق حرفيا أو يتوسل للأخير بأن يتنازل ويقبل بضعف الدين الذي انتهت مدة أجله ، اعترفت لشيلوك بأن القانون في صفه ، بصوت رزين هدأ الجمهور وأحرجه ، مثلما اعترف الفيلم في بدايته لليهود بالظلم الذي كان يقع عليهم في أوروبا في زمن انقضى اجله ومازال هؤلاء يطالبون أوروبا بالدين مضاعفا وبفوائد شبيهة بتلك التي كان يطالب بها شيلوك ، طلبت الزوجة المتنكرة خاتم زوجها كهدية وحيدة مقابل إنقاذها حياة صديقه، حين سألت شيلوك للمرة الأخيرة ان كان يرحم، لأن الله لا يحاسبنا بالعدل بل بالرحمة، ويقبل بضعف الذهب الذي استدانه منه المسيحيون ثم أقفلت الصندوق وأمرت اليهودي أن يأخذ رطلا لا يزيد ولا ينقص من لحم الكافل دون أن يريق قطرة دم واحدة ولم يعد له الحق في أن يتراجع ويطالب بالذهب ، تكررت كلمة "حب" كثيرا وبتواتر في وداع الصديقين معا ، وكانت المقارنة بين حب الرجل لصديقه وحبه لزوجته من حبكات القصة ، كما سمعنا على لسان المرابي اليهودي كلاما فلسفيا بليغا عن اليهودي الذي يلسعه نفس الشتاء الذي يلسع المسيحي ويصاب بنفس الأمراض ويتألم لنفس الإهانات ، فهاهو المرابي الذي يؤثر ماله على سلامته يريد أن يمثل قيم الحق والخير والجمال، فما أشبه اليوم بالبارحة .

لم تظهر دعارة الرجال إلا بعد ظهور الشذوذ الجنسي ، فأصبح الرجل يبيع نفسه، وأصبحوا يبحثون عن رجال أقل مستوى اجتماعيا منهم كي يبيعوا أنفسهم ، كل من يدافع عنهم يجعل من نفسه قحبتهم ، لا أحد يفعل ذلك إلا لغاية في نفسه قريبة أو بعيدة .