"أجندة بوش .. من التالي؟"
ستيفن كابوسي : مجلة (الفجر الجديد) الأسترالية عدد آيار - حزيران
"عملت الولايات المتحدة وفرنسا على إقناع مجلس الأمن لاستصدار القرار 1559 في الثاني من شهر أيلول الماضي عام 2004 ، الذي يدعو سورية إلى سحب قواتها من لبنان ولكن الحكومة اللبنانية رفضت بدورها ذلك القرار . وقد طلبت الولايات المتحدة وفرنسا بألا تتدخل سورية بانتخابات لبنان ، في الوقت الذي كانت الحكومة اللبنانية تتهم الولايات المتحدة وفرنسا بالتدخل بشؤونها . وبذلك فإن التدخل الأوروبي في شؤون لبنان على حساب التدخل السوري هو تناقض لم يذكره الإعلام الغربي .
وكانت الخطوة الأولى هي الدعوة لانسحاب القوات السورية من لبنان ، وبذلك ينتهي التدخل السوري المباشر ، وجاءت الخطوة الثانية بدعم المعارضة اللبنانية وخلق جو من عدم الاستقرار لاستثارة الرأي العام اللبناني ضد سورية . وجاء ذلك عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في منتصف شهر شباط الماضي ، وعلى الفور روج الإعلام الغربي الادعاءات بأن سورية متهمة باغتيال الحريري ، وفي نفس الوقت تجاهلت وكالات الأنباء اتهام سورية لإسرائيل بذلك الاغتيال ، الأمر الذي يعتبر أكثر صحة وعقلانية . وإنه من المذهل أن يعتبر الإعلام أن الرئيس اللبناني ورئيس وزرائه مواليان لسورية ، في حين أن الإعلام لم يذكر أن الحكومة العراقية هي حكومة مدعومة من أمريكا أو موالية لأمريكا .
كما أشار الإعلام الغربي إلى أن سورية احتلت لبنان ، على الرغم من أن الوجود السوري لأربعة عشر ألفاً من القوات السورية في أكثر البلدان حرية في الشرق الأوسط هو مماثل تماماً للوجود الأمريكي في ألمانيا واليابان لمدة 60 عاماً بعد الحرب العالمية الثانية . وفي نفس الوقت تجاهل الإعلام الاحتلال الحقيقي والفعلي للعراق ، وذلك مماثل أيضاً لتجاهل الإعلام وتجنب ذكر اغتيال أحد قادة حماس في دمشق في أيلول الماضي 2004 عن طريق سيارة مفخخة ، وبذلك لا يمكن للتناقض الإعلامي أن يكون أكبر من ذلك .
وحتى الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان) شعر بأنه مجبر على إطلاق تصريحات ضد سورية ، داعياً إلى الانسحاب السوري من لبنان ومتناسياً أن إسرائيل قد تجاهلت قرار الأمم المتحدة لاحتلالها فلسطين واستمرار ممارسات العنف ضد الشعب الفلسطيني وبناء المستوطنات غير الشرعية وبناء الجدار الأمني ، وتلك نقاط أثارتها سورية بنفسها .
وجاء اغتيال الحريري خلال فترة بدأت فيها الحملة ضد سورية واستصدار القرار 1559 ، بل وأكثر من ذلك ، فقد جاء الاغتيال حين صرح الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بأن إدارته تطبق قانون محاسبة سورية ، تلك المصادفة غير العادية والتي لم يذكرها أحد في الأوساط الإعلامية . وإن قانون محاسبة سورية الذي أقره الكونغرس الأمريكي في شهر نيسان من عام 2003 والذي يدعو القوات السورية إلى الانسحاب من لبنان هو بحد ذاته تدخل في الشؤون الداخلية لسورية ولبنان . وإذا أخذنا بعين الاعتبار دولة الديمقراطية الكارثية في الولايات المتحدة ، والانتخابات المشوهة في عام 2000 و 2004 ، فإنه من الهام لذلك البلد أن يصدر "قانون لمحاسبة أمريكا" .
ويعتبر الوضع اللبناني من حيث الحقيقة انقلاباً إعلامياً وخارجياً كما حصل تماماً في أوكرانيا ، حسب ما أوضحته قناة CNN الأمريكية ، حين صرحت بأن المعارضة اللبنانية استمدت دعمها من الضغط الدولي الذي قادته الولايات المتحدة وفرنسا ، وهو ما يعتبر شيئاًَ مهماً لأن ذلك ما حصل تماماً . وهذا يعتبر دليلاً حقيقياً على التدخل الأمريكي - الفرنسي بالشؤون الداخلية للبنان وهما بذلك مسؤولتان عن نشر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة . والآن يجب أن نتخيل ما ستفعله الولايات المتحدة كحجة لتنشر الهيستيريا في الأوساط ضد الدولة الإيرانية .
وبعد أن خرجت روسيا من أوكرانيا نشرت أمريكا قواتها في جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت سابقاً تحت الاتحاد السوفييتي ، والآن بعد خروج سورية من لبنان تسير حملة الإدارة الأمريكية بهدوء على المستوى الدولي تساعدها في ذلك سياسة إعلامية طوع إرادتها Malleable Media .
ولقد حاولت الولايات المتحدة منذ بداية العام الحالي إفشال صفقة الأسلحة الروسية إلى سورية ، إلا أن رد البلدين كان التوقيع على اتفاق دفاع مشترك . وبالطبع فإن قضية بيع الأسلحة الأمريكية لأي من زبائنها ، كالدول التي ارتكبت أكبر انتهاكات لحقوق الإنسان مثل إسرائيل وكولومبيا ، هي فوق المساءلة . وهناك تقارير ادعت بأن أسلحة الدمار الشامل العراقية تم شحنها إلى سورية ؛ وبينما لم توجه الإدارة الأمريكية الاتهام المباشر مطلقاً إلى سورية إلا أن ثمة تقارير إعلامية متواصلة قد ساهمت بتغذية الدعاية الإعلامية المضادة لسورية ، وهناك مثال آخر وهو التقرير المزيف حتماً surely bogus report بأن روسيا ساعدت العراق في نقل أسلحة التدمير الشامل لديه إلى سورية قبل الغزو الأمريكي" .