eyad 65
عضو متقدم
   
المشاركات: 689
الانضمام: Sep 2004
|
القصيدة الشافية
القصيدة الشافية
من أثمار الفكر الاسماعيلي الفلسفي
تأليف
داعي مجهول
تحقيق
عارف تامر
كلمة أولى
في مطلع عام 1956حطيت الرحال في " مصياف " البلدة السورية التي كانت في فترة من الفترات قاعدة للدولة الإسماعيلية , وكان غرضي التنقيب عن مخطوطات إسماعيلية ذكرها لي أحد الأصدقاء من البلدة نفسها ومنها ديوان الشاعر الكبير " الأمير مزيد الحلي الأسدي " الذي كنت أنقب باهتمام زائد عن نسخة ثانية منه أضيفها إلى النسخة التي أملكها , بالنظر لما لهذا الديوان من أهمية أدبية كبرى تظهر لنا الحياة الأدبية في عصر صلاح الدين الأيوبي و أثرها في حياة الاسماعيليين السوريين السياسية و الاجتماعية , و زعيمهم " سنان راشد الدين " . فعثرت أثناء تنقيبي في منزل أحد الأصدقاء على كتاب مخطوط كبير الحجم لم يكن يحمل أي اسم أو عنوان , وليس هو بالحقيقة سوى ( مجموعة ) تضمنت مقاطع و قصائد و مقتطفات لا تشكل بالنسبة لي أي أهمية علمية , وذلك لأن أكثرها معروف و مدروس وغير جدير بالنشر , وقد لفت نظري في آخرها قصيدة فلسفية كبرى من نوع الرجز اتخذت عنوان " القصيدة الشافية " . ومما يؤسف له أشد الأسف أن اسم مؤلفها غير مذكور , وليس هناك مايشير غلى الفترة الزمنية التي وضعت فيها , أو إلى تاريخ نسخها , أو إلى ما يعطي البينات الضافية و الدلائل التفصيلية عنها , ومما هو جدير بالذكر أيضاً أنها كتبت بخط ركيك مشوه و بأسلوب فوضوي لا أثر فيه للترتيب أو للنظام , هذا فضلاً عن وجود أبيات عديدة كان من العسير جداً قراءتها بسبب تسرب بعض نقاط الماء إليها في وقت من الأوقات , أما الأخطاء النحوية و الشعرية وتقديم بعض الفصول على الأخرى و تحريف الكلمات و القوافي فحدث عنه ولا حرج .
أجل ...أنه لما يؤسف له أشد الأسف ضياع هذه الكنوز الفكرية التي تشكل مجموعة ثمينة من تراثنا العربي , وتسربها في العهود الماضية المظلمة إلى أيد جاهلة لا تقيم للعلم وزناً ولا للأدب قدراً , هذه الأيدي هي نفسها التي نعتبرها مسئولة أمام الله و التاريخ عن ضياع أكثر المؤلفات العربية الفكرية .
وكان أن قدر لي السفر في مطلع عام 1957 إلى الديار المصرية و السودان وأفريقيا و زنجبار وغيرها من البلدان الشرقية فعملات تنقيباً في المكتبات الخاصة و العامة للمخطوطات , وفي الجامعات ودور الكتب بالرغم من أن فهارسها جاءت خالية من أي اسم لهذه القصيدة , و خاصة المكتبة المحمدية الهمدانية اليمنية المشهورة في القاهرة , ومكتبة محمد حسن ألأعظمي في باكستان , ومكتبة طاهر سيف الدين في الهند , ومكتبة الجامعة الإسماعيلية الثقافية بفرعيها في الهند وباكستان ,و مكتبة اصف بن علي أصفر فيضي في الهند وغيرها, علَي أعثر على نسخة ثانية للقصيدة الشافية فكان ذلك مستحيلاً . وبعد عودتي إلى سوريا من رحلتي الطويلة اتصلت بكبار علماء الإسماعيلية في اليمن و نجران و الهند وباكستان و إيران , وكتبت إلى بعض الأصدقاء من باحثين و مستشرقين في ديار المغرب و المشرق , وفي كل مكان أسألهم عن نسخة ثانية للقصيدة فكان الجواب سلبياً , فتيقنت عندئذ أن النسخة فريدة , ورجحت أن المؤلف من دعاة الإسماعيلية الذين عاشوا في القرن الرابع للهجرة النبوية المحمدية , يدفعني لهذا الاعتقاد تعرض مؤلف القصيدة الشافية لذكر " الصوري " و الصوري كما ذكرنا كان معاصراً للإمام المستنصر بالله الفاطمي المتوفي سنة 487 ه . هذا وأن عدم وجود نسخ أخرى للقصيدة في أي بلد اسماعيلي آخر غير مصياف يزيد في هذا الاعتقاد .
و تشاء الظروف أن التقي في بيروت سنة 1959 بالصديق الأستاذ " سامي مكارم " وكان يفتش عن نص اسماعيلي يعتمده كأطروحة للدكتوراه , وأمام إلحاحه أعطيته المخطوطة مكرهاً بعد أن بينت له عدم فائدتها وهي على شكلها الحالي , فلم يقنع وكان أن قدمها أخيراً لجامعة " ميشيغان " الأميركية حيث منح بموجبها درجة الدكتوراه .
ويأتي عام 1961 فيدفعني الأمل وحب الاستطلاع ثانية إلى مصياف , وفي هذه المرة ودون أدنى صعوبة عثرت في زاوية مهملة لا تخطر على بال على نسخة تامة من القصيدة الشافية , ولدى مقابلتها بالنسخة الأولى التي كنت أحتفظ بنسخة عنها , وجدت فروقاً كبيرة , فالأولى تكاد تكون ناقصة و مبتورة وغير ذات جدوى , بينما الثانية واضحة و صحيحة ومنسقة ولا غبار على فائدتها.
ومهما يكن من أمر فنحن لا يهمنا إلا إخراج النص الفلسفي لحيز الوجود صحيحاً , وإظهار القصيدة بشكلها الأدبي الواضح , وهذا ما جعلنا نتحمل كافة الصعوبات و ونبذل جميع الجهود في سبيل تحقيقها و شرحها و العناية بها وإضافتها إلى النصوص الإسماعيلية الأخرى التي نشرناها , وهذا من جهة أخرى فإن القصيدتين الأوليتين " سمط الحقائق" و " الصورية " تشكلان مع القصيدة الشافية مدرسة أدبية واحدة قائمة بذاتها .
شرح القصيدة :
عمدنا إلى شرح القصيدة الشافية نزولاً عند رغبة بعض الزملاء وتلبية لأمنية بعض الطلاب المبتدئين في دراسة الإسماعيلية وقد جعلنا الشرح فلسفياً و تأويلياً أكثر مما هو لغوي و تفسيري , مضافاَ إلى كل ذلك أننا أتينا بالمقدمة على بعض النواحي المهمة التي وردت بالقصيدة , فتوسعنا في بحثها ليسهل فهمها و تروق قراءتها .... وعلى كل حال فإن هدفنا في كل مابذلناه ونبذله من الجهود لا يتعدى تقديم صورة صحيحة من صور الفكر العربي وضع مؤلفها في نقشها لونين الأول اللون الأدبي المشرق الباسم و الثاني اللون الفلسفي الباطني العميق الذي لم يكن هناك بد من شرحه وإظهار بعض رموزه قدر الإمكان , فعسى أن نكون قد قمنا بخدمة أدبية عامة و وأضفنا إلى المكتبة الفلسفية العربية أثراً جديداً ظل ما يقارب من الألف عام في زاوية النسيان .
وأخيراً لابد من تقديم شكر للأب الفاضل الجزيل الاحترام " أمالثناء," مدير المطبعة الكاثوليكية في بيروت على مابذله من جهود في سبيل إظهار هذا النص العربي لحيز الوجود , وكلمة شكر أخرى للمدير و القائمين على شؤون معهد الآداب الشرقية في جامعة القديس يسوف في لبنان الذين شاءوا أن يجعلوا هذا النص من منشوراتهم القيمة , فدللوا على ذوقهم الأدبي وحسن اختيارهم ورغبتهم بخدمة تراثنا العربي.
المقدمة
افتتح مؤلف القصيدة الشافية المجهول مقالته الأولى بالحمد و الثناء , فقال :
إن مبدع المبدعات خالق قديم وعال وعريق في إيجاد الأولية... فكان بذلك يعطي الفكرة الفلسفية الصحيحة للاعتقادات الإسماعيلية التي لم تخرج عن هذا النطاق وعن حد القول:
بأن الخالق الباري قديم و قبل الأزل, وأن عالم الموجودات والمبدعات محدث لأنه إذا كان غير محدث فيجب أن يكون شيء سابق له قد أحدثه, ولو كان العالم قديم قبل الله لاستحال تعلق جبروته بالقدم ووجوده بالعدم ولا اقتضى موجداً أوجده. وهو المتعالي عن درك الصفات فلا ينال بحس ولا يقع تحت نظر ولا تدركه الأبصار ولا ينعت بجنس ولا تراه العيون ولا يوصف بالحواس ولا يدرك بالقياس ولا يسبه الناس. فهو المنزه عن ضد مناف أو ند مكاف أو شبه شيء , تعلى عن شبه المحدودين وتحيرت الأوهام في نعت جبروته وقصرت الأفهام عن صفة ملكوته وكلَت الأبصار عن إدراك عظمته ليس له مثل ولا شبه وهو غير ذي ند ضد لأن الضد إنما يضاده مناف دل على هويته بخلقه وبآثاره على أسمائه بأنبيائه ........ فليس للعقل في نيل سمائه مجال أو تشبيه, إذ أن تشبيه المبدع بمبدعه محال فهو سبب كل موجود لأنه مبدع المبدعات ومخترع المخترعات وسبب كون الكائنات ورب كل شيء و خالقه ومتممه ومبلغه إلى أفضل الأحوال. جلَ أن يحده تفكير أو يحيط به تقدير , ليس له أسماء لأن الأسماء من موجوداته ولا صفات لأن الصفات من أيسياته , وإن حروف اللغة لا يمكن أن تؤدي غلى لفظ اسمه أو يطلق عليه شيئاً منها لأنها جميعاً من مخترعاته وأن كل الأسماء التي أبدعها جعلها أسماء لمبدعاته , وهو قديم وقبل الأزل وصاحب مصدر الأولية بالترتيب لأن الحد الأول انبثق منه و الموجود الأول فاض عنه . وهو مبدع المبدعات ومعل العلل وباري البرايا و الدائم الموجود الفرد المعروف بفر دانيته وصمدانيته وصاحب فعل الإيجاد الأول للعدد الأول الذي جعله أصل الأعداد , كما أن العقل جعله أصل الموجودات , و الناطق أصل عالم الدين ويضاف غلى كل هذا ب،ه لا ينال بصفة من الصفات و أنه ليس جسماً ولا يعقل ذاته ولا يحس به محس وهو ليس بصورة ولا بمادة ولا يوطد في اللغات ما يمكن الإعراب به عنه , وهو موجود لأنه لا يصح أن يكون غير موجود ولا أن يكون موجوداً من نوع الموجودات التي وجدت عنه و وأما الاستدلال عليه فيستخلص من وجود الموجودات وذلك بأنه لا معلول بدون علة ولا موجود إلا إذا كان له ما يوجب وجوده وأن الموجودات يستند بعضها في وجوده إلى بعض و وإن بعض الذي يستند إليه البعض الآخر من الموجودات غير ثابت في الوجود ولا موجود .
ويخلص مؤلف القصيدة الشافية إلى القول :
بأن توحيد المبدع قد عرَفه الدليل المرسل الذي أرسل هادياً للأمة بدون تشبيه أو تعطيل أو تحديد أو تكييف. وينتهي إلى القول :
بأن من عرف الإبداع معرفة جيدة , و المبدع , ثم المبدع الأول الذي هو العقل الفعال, ثم الثاني وهو النفس الكلية ثم الهيولى و الصورة إلى آخر الحدود السبعية . ثم نزه الخالق و اعتقد بطاعته وطاعة الأنبياء المرسلين و الأئمة الوارثين فيكون قد عرف الله على الحقيقة و حاز مرتبة الخلود في جنان عالم العقل و النفس العلويان و وبغير هذا تعود نفسه إلى هوة السعير المظلمة وعالم الزمهرير تنقلب في أجوائه بالصعود تارة و بالهبوط تارة أخرى حسب أعمالها و اجتهاداتها و وهي في كلتا الحالتين تكون محجوبة عن كل معرفة ونور وقرب و اتصال سائرة في عالم يكتنفه الظلام الدامس و العذاب الأليم .
أما " الأمر " فهو القادر على التخليق لا من شيء هو مادته ولا بشيء هو آلته ولا مع شيء هو رفيقه ولا مثل شيء هو شبيهه ولا لشيء هو ذو حاجة إليه و يطلق على الأمر العلم و الحكمة و الوحدة ومعنى ذلك أن أمر الله لم يخالف علمه ولا علمه يخالف أمره ولا وقع بين ما علم من كيفية إبداع المبدعات وبين ما أمر من فعل البينونة .
ومعنى الكلمة الواقعة على " الأمر " هي أنها مما تحمل على الاسم ليكون به قولاً مؤلفاً من اسم و كلمة , فلما وضعت الكلمة بمعنى أمر المبدع فقد أمر المبدع جل جلاله أن تلحق بأمر كلمته كما تلحق بما دونه من المبدعين , معنى الوحدة أن الله تعالى مقدر التوحيد الذي منه انبعاث الواحد المتعالي عن سمات البرية و مظهر المبتدعات المستغني عن مشاركة قوة أخرى معه فهو وحدته خرجت الأشياء منه دفعة واحدة وقد جرت بذلك آيات كثيرة منها : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر ) و ( إلا له الخلق و الأمر ) و ( لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) و ( أنزل بعلمه ) و ( تمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً ) و ( إذا دعي الله وحده ) و ( ليعبدوا الله وحده ).
يتبع.......................
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 09-16-2008, 03:23 PM بواسطة eyad 65.)
|
|
09-16-2008, 02:53 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
eyad 65
عضو متقدم
   
المشاركات: 689
الانضمام: Sep 2004
|
القصيدة الشافية
و ليس ( الأمر ) من الحدود العلوية كما يعتقد البعض, و ليس له ممثول في عالم الدين أو الطبيعة , بل هو مصدر الأفعال وقوة إرادية و مشيئة عليا انبعثت من نفس المبدع , وإن الإرادة و المشيئة و الأمر بمعنى واحد فإنه إذا شاء أراد و إذا أراد أمر وكل ذلك عبارة عمَا اتصل بالمبدع الأول من الأمر الساري إليه من مبدعه , وقد صار العقل الأول مما اتصل به من مبدعه شيئاً واحداً لا تمايز فيه ولا تغاير .
وفي هذا الصدد يقول مؤلف القصيدة الشافية المجهول :
بأن ( الأمر ) هو تدبير للسياسة وقول عادل صدر عن مقام الرئاسة و فعل ظهر عن الرئيس الأعلى و رأي صائب جال في فكر عاقل مدبر , أما العقل فهو وجه الباري , كما أن النفس وجه العقل , و أن الروح لاتوجد في البداية بل توجد في النهاية وهي قوة جارية في كل الأعضاء كمثل الهواء الجاري في الأضواء أو كمثل الحمل الذي يتكون من ماء دافق حقير , فعندما تستوي خلقته و تنتقل من لاشيء صورته ويصير في دار الحس وتنتشر فيه مواد النفس عندئذ يعتبر خلقاً جديداً ظاهراً وهكذا روح القدس في البداية تقبل أمر الأمر للنهاية فهي بحر ذلك الكور وقد فاضت قبل حدوث الدور لأن أرواحها موجودة في الأول من جوهر العقل اللطيف وتقبل تأييد الباري لأنها في عالم العقل النفيس و ولما كان من الجوهر الثمين يخرج الصدف الخسيس وخاصة عند تجلي العقل للنفوس في ختام الأكوار وابتداء الأدوار , وهذا ماطليه ادم وسعى إليه ظاناً أنه أبدي سرمدي لا يزول .
وننتقل بعد ذلك إلى ذكر العقل الفعال فنقول :
إنه أول من حدود الموجودات و فهو المنبعث الأول و الواحد بترتيب العدد و أول خلق ظهر من أمر الله تعالى و وسمي " العقل " لأن المبدع حصر في جوهره صور المبدعات كلها كي لايذهب شيء منها و ويقال للعقل أيضاً " القلم ط لأن بالقلم تظهر نقوص الخلقة من الابتداء إلى الانتهاء , ومن العقل تنفطر الحروف الجامعة للكلام , ويقال للعقل " العرش " ومعناه أن قرار معرفة التوحيد هو مايتقرر في العقل من الإثبات و النفي و بالعقل تعرف جلالة الله وعظمته عن سمات بريته و كذلك العرش فهو مقر لمن جلس عليه وبجلوسه تعرف جلالته عمن هو منحط دونه , ويقال للعقل ( الأول ) ومعناه مصدر الأولية لبتي ظهرت منه المخلوقات , ويقال للعقل ( السابق ) ومعناه أنه سبق لقبول آثار الكلمة قبل سائر الحدود لقربه منها ولاتحاده بها وهي و العلم و الأمر بمعنى واحد , وقد يجوز أن فعل العقل قد سبق قوته ولا توجد هذه الفضيلة في موجود سواه , لأن جميع الحدود من دونه قواتهم سابقة لأفعالهم وهذه الفضيلة للعقل خاصته ليكون بها تاماً كاملاً , وأن العقل هو الأول في الوجود و السابق في الوجود و التام في الوجود و التمام في الوجود والحد الأول و المبدع الأول و المترتب أولاً في الوجود على طريق الإبداع كاملاً أزلياً , فهو الملك المقرب والاسم الأعظم لا إله إلا من أبدعه . كما و أنه أداة باطنه في الإنسان فيه يصبر ما يبطن كما أن العين أداة ظاهرة فيها يبصر ما يظهر وهو كالواحد من الأعداد من حيث تعدد النسب و الإضافات , فكما أن الواحد يتعدد بالنسبة لغيره من الأعداد ويتكثر بالإضافة من إلى غيره من هذه الأعداد , فإنه يبقى مع ذلك واحداً دائماً فكذلك الموجود الأول تتعد نسبه و تتكثر إضافاته إلى ما سواه من الموجودات ولكنه يظل مع ذلك واحداً ابداً. وللعقل وظيفتان و وظيفة التفكير في الباري ووظيفة التفكير في نفسه, ومن العقل انبثقت نفس العالم ولهما ميلان علواً إلى العقل و هبوطاً إلى عالم الطبيعة.ويطلق " حجة العراقين " الكبير و الفيلسوف العظيم " أحمد حميد الدين الكرماني " على الموجود الأول اسم المبدع الأول أو العقل الأول أو المحرك الأول باعتباره أصل لجميع المتحركات في عالمي العقل و الجسم . ويقول :
إن الحدود وجدت عن بعضها البعض بترتيب منه , فمن العقل النفس ومن الهيولى الصورة ومن الصورة السموات و الأرض و حركاتها . ونراه أيضاً يسمي عقلاً فعالاً عاشراً ويجعل ترتيبه في آخر العقول لأنه بمثابة المبدع للأجسام, ويقول:
إن مركزه كمركز العقل الفعال الأول ويزيد على ذلك قوله :
إن العقل الأول مركز لعالم العقول و العقل الفعال مركز لعالم الجسم , من الأجسام العالية الثابتة إلى الأجسام المستحيلة المسماة عالم الكون و الفساد و وهذه التسمية لم يذكرها أحد من الفلاسفة قبل الكرماني , فهو يعتبر بحق مبتكرها ومبدعها , و العقل الأول مبدع أبدعه الباري سبحانه و تعالى فهو الإبداع الأول و الخلق الأكمل وإنه فعل فعله الله بذاته و أوجده بكلمته و قدرته التي قدر فيها وجوده , والعقل أقرب الأشياء من باريه جلً اسمه وهو الفاعل لما دونه بأمره وفي المعلول توجد العلة ويضاف إلى كل ذلك بأن العقل هو العلة الأولى لوجود ما سواها من الموجودات و المبدأ الأول لحركة جميع المتحركات في عالمي العقل و الجسم فهو دائم الإشراق في الأدوار يقبل ما يتصل به من فيض المبدع , وإن نوره كنور الشمس في المثال و كمشيئة المبدع و حكمته النافذة في البرية التي أوجبت أن يفيض من كثرة الأعداد حتى تظهر القدرة و المبدع الأول هو علة لوجود الموجودات الكائنة و كما أن الواحد هو علة الأعداد جميعها , وأن الإنسان مكون من كثيف ظاهر ومن لطيف باطن , فالكثيف الظاهر ينقسم إلى عناصر الحياة الأربعة : التراب و الهواء و النار و الماء , وهناك شيء لطيف باطن هو العقل , وقد أطلق على النفس الناطقة النفس ( الكلية ) و على العقل ( الكلي ) لأن العقول الجزئية و النفوس الجزئية التي في الإنسان منسوبة إلى العقل الكلي , و النفس الكلية في عالم العقل وهو الباطن اللطيف وأن العقل سابق في الوجود على كل الحدود كما أن النفس به لاحقة ثم أن الهيولى سابقة و الطبيعة لاحقة تشوقَت إلى الصورة و هيولاها كتشوقها إلى لطائفها إذ بها كمالها و تمامها , والهيولى الأولى مشتاقة إلى النفس وما تقبله من فيضها .
أما النفس فهي الخلق الثاني المنبعث من الخلق الأول , وإنما سميت نفساً لأنها تتنفس دائماً للاستعادة ليكون بتواتر تنفسها قوام الخلقة , ويقال للنفس ( اللوح ) ومعناه أن الذي انفطر من العقل من أنوار الكلمة يتسطَر في النفس , ومن النفس يتصل بجريانها المنبعثة منه على مقدار صفائها و لطائفها , ويقال للنفس ( الملك ) ومعنى ذلك أن النفس ملك العقل وقينته , لأن بالنفس ظهرت فضيلة العقل , كما أن بالملك تظهر فضيلة الملك , ويقال للنفس ( الثاني ) فمعناه أنها الحال الثاني لجميع المخلوقين ومحافظتهم أشياءهم , إنما تفضيل النفس بين كل شيء ليكون للسلوك و للمنطق عبارة ويقال للنفس ( التالي ) ومعناه الذي يتلو العقل في باب قبول آثار الكلمة إنما هي النفس , ويجوز أن النفس بقوتها تتلو العقل بفعله و يقال للنفس ( القدر ) ومعناه أن الذي يتحد بالنفس من فوائد العقل فإن التقدير و التحديد محيطان به , ويقال للنفس الصورة , ومعنى ذلك أن النفس تصورت من جوهر العقل , ويقال للنفس ( القمر ) ومعناه أن النفس تستفيد من أنوار العقل و ضياءه , وإنها متى همت أن تلحق به لتنزل منزلته محق نورها , كما أن القمر يستفيد نوره من نور الشمس و إذا ا أجتمع مع الشمس في المنزلة محقت أنوارها نوره ز ويقال للعقل و للنفس بكلمة واحدة ( الأصلان ) ومعناه أن العقل و النفس مرجع الأشياء سواء أكان روحانياً أو جسمانياً , أما متى يكون اتصال النفس الكلية بالإنسان ومتى يكون معادها فالجواب هو أن النفس النامية هي الحياة الكامنة في كل شيء من موجودات عالم الكون و الفساد و هي التي تسمى الحياة الهيولانية ويعني أنها موجودة في كل هيولى طويل عريض عميق وهي تنسل الأبخرة الصاعدة
من الماء و الأرض إلى الهواء ثم يمازجها قسط من الهواء و قسط من النار و تصير غيوماً ثم تنحل مطراً فإذا انعقد من ذلك المطر معادن كانت تلك الحياة وهي التي تسمى النامية الكامنة في تلك المعادن , وإذا ظهر ذلك المطر نباتاً كانت تلك الحياة التي هي فيه تسمى نفساً نامية و اتصالها به عند حصول البذر الذي هو سبب النبات في الثرى وهو الماء و التراب لإنمائها ذلك النبات و تحريكها إياه , وسميت نامية لأنها تجتذب له الغذاء بالعروق من عمق الأرض و تزيد في طوله وعرضه و عمقه فإذا حصل من ذلك النبات مع ما بلائمه من الأغذية من بعض الحيوان الذي يغتذيه بنطفة كانت تلك الحياة كامنة في تلك النطفة ما دامت في أصلاب الذكران ,فإذا ظهرت بالمناكحة إلى أرحام الإناث كان عند في وقوعها في الرحم ظهور فعل تلك النطفة التي هي فيه كامنة و فحركتها و أنمتها طولاً و عرضاً و عمقاً وجذبت بقوتها التي هي الجاذبة للغذاء إلى كل عضو قسطه بالقوة الماسكة و هضمت مايرد عليها من الغذاء بالقوة الهاضمة و دفعت فضل الأغذية بالقوة الدافعة و أنمت كل عضو بالقوة المنمية , صورت كل عضو صورته التي تليق به بالقوة المصورة و غذت كل عضو بما يصلح له من الغذاء بالقوة الغاذية فهذه قوى النفس و فعلها في الجسم و اتصالها به عند وقوع النطفة في الأرحام , ويضاف إلى كل ذلك بأنه عن النفس الكلية يصدر الملائكة الموكلون بعالم الطبيعة و وعن الملائكة و عالم الطبيعة و عن الملائكة و عالم الطبيعة يصدر الإنسان بالنفس و الجسم وعن الهيولى و الصورة يصدر عالم الطبيعة بأفلاكها و كواكبها فترجع الناس إلى ماعنه وجدت وهو الملائكة و يرجع الجسم إلى ماعنه وجد وهو الهيولى و الصورة , و النفس جوهر لطيف يقبل نور العقل وقد وجد بعد العقل وهي القوة الثانية الجامعة للأنوار و قد أودعت صورة الأشياء جميعها من ميت و ناطق وحي و وقد شبه " الكرماني " النفس الكلية بأنها مستعدة للإحاطة بالعلم و قبول الصور كالشمعة التي تنال من الحرارة فتصبح قابلة للنقش و وأما "الفارابي " فقال بأنها ذات شبيهة بمادة تحصل فيها صورة , إذن فهذا النقش و تلك الصورة احتوت على المادة بأسرها و صارت المادة بجملتها كما هي بأسرها تلك الصورة .
كما أن النفس قبل تعلقها بالجسم تحركت حركة طويلة غير متوهمة كتوهم الحركات المحسوسة الكائنة في الزمان الفلكي وكانت في عالمها الروحاني و محلها النوراني ومركزها إلى جانب العقل الفعال تقبل منه الفيض و الفضائل و الخير و تتراءى فيه المثلات العقلية الرانية وكانت معه ملتذة مسرورة فلما أقامت على تلك الحركة الفاضلة و النعمة الكاملة و البركة الشاملة مالا يصل إلى تصوره الوهم الجزئي و التخيل الحسي , امتلأت من تلك الفضائل والخيرات و أرادت التشبه بعلتها وأن تكون مفيدة وأن تكون ذاتاً تامة وجوداً , فلما رأى الباري سبحانه ذلك منها مكنها من الجسم وهيأه لها وخلق من ذلك الجسم عالم الأفلاك و أطباق السموات من لدن فلك المحيط إلى منتهى مركز الأرض , وركب الأفلاك بعضها في جوف بعض فتحركت النفس فيها حركة اختيارية وقد وجدت في الأشياء المخلوقة منها قوة القبول لآثارها فصورت فيها صورة مافي ذاتها و جعلتها و نقشتها و صنعتها و أكسبتها الحركة و وان الباري جل جلاله و تقدست أسمائه لما أبدع الموجودات في المبدع الأول وهو العقل اخترع المخترعات بوساطة النفس وجعلها مقدرة في الكائنات مكونة بحسب الأمهات و المواليد و ونظمها كمراتب الأعداد عن الواحد الذي قبل الاثنين و الاثنين الذي قبل الثلاثة و كذلك مابعده و جعل لكل جنس منها حداً مخصوصاً ونهاية معلومة متطابقة بعضها لبعض فاعلة و منفعلة هيولى و صورة نوعاً و جنساً , إذ أنه رأى أن ذلك أحكم و أتقن و أكمل و أحسن و أهدى إليه و أبين , و النفس منها عاقلة مميزة ناطقة معبرة و نامية وحيواني وهي دراكة بالقوة فعالة بالطبع ذات سبع قوى : عاقلة , وحافظة و ذاكرة و ومتخيلة و مفكرة , و ناطقة , وعلامة .
أما الهيولى فهو جوهر بسيط قابل للصور ومهيأ لقبول ما يتحد به كقبول الشمس اثر النقش و التصوير إذا ألصق به و وهو جوهر له طول وعرض وعمق و الهيولى على أربعة أنواع ك هيولى الصناعة , و هيولى الطبيعة و هيولى الكل و الهيولى الأولى , فهيولى الصناعة هي كل جسم يعمل منه وفيه الصانع صنعته كالخشب للنجارين و الحديد للحدادين , وعلى هذا القياس وأما هيولى الطبيعة فهي الأركان الأربعة وذلك أن ماتحت فلك القمر من الكائنات أعني به النبات و الحيوان و المعادن , فمنها تتكون وإليها تستحيل عند الفساد , أما الطبيعة الفاعلة لهذا فهي قوة من قوى النفس الكلية الفلكية و وأما هيولى الكل فهي الجسم المطلق الذي منه جملة العالم وأعني به الأفلاك و الكواكب و الأركان و الكائنات أجمع لأنها كلها أجسام , وإنما اختلافها فمن أجل صورها و أما الهيولى الأولى فهي جوهر بسيط معقول لايدركه الحس وذلك لأنه صورة الوجود أو الهوية الكبرى وعندما قبلت الهوية الكمية صارت جسماً مطلقاً مشاراً إليه بالأبعاد الثلاثة .
وإن اختلاف الموجودات إنما هو بالصورة لا بالهيولى , وذلك أننا نجد أشياء كثيرة جوهرها واحد وصورها مختلفة مثال ذلك السكين و السيف و الفأس و المنشار وكل مايعمل من الحديد من الآلات و الأدوات و الأواني فإن اختلاف أسماءها من أجل اختلاف صورها و ليس من أجل اختلاف جوهرها لأنها جميعها من معدن واحد هو الحديد و كذلك الباب و الكرسي و السفينة وكل ما يعمل من الخشب , فإنما اختلاف أسمائها إنما هو بحسب اختلاف صورها , وأما هيولاها فواحدة , ومهما يكن من أمر فلابد لكل مصنوع من هيولى وصورة يركب بها , كما أن الهيولى و الصورة لا تنفصلان , فلا صورة من غير هيولى , ولا هيولى من غير صورة وكل موجود في الخارج يكون منهما , و الصورة ليس معناها الشكل و إنما يعنى بها جميع الصفات العائدة للشيء من لون و خفة وثقل و جمال وقبح و لمعان و انطفاء وما إلى ذلك ويعنى بها كذلك العلاقة بين أجزاء الشيء بعضها ببعض وعلاقة كل جزء بالكل . أما الهيولى فإنها في ذاتها لا صورة لها ولا مظهر و لاتحد و لاتوصف و وإنما الذي يحد الهيولى ويجعلها توصف وتظهر فهو الصورة ونتج من ذلك أن ليس هناك من فرق بين الهيولى و بعضها وبعض . فالشيء إنما يختلف عن الشيء بصفاته وبذلك نعلم أن الهيولى ليست المادة أو العنصر و لكنها أعمق من ذلك , فليس الذهب بمختلف عن الفضة في الهيولى ولكن في الصورة . هذا وإن كل واحد من الصورة و الصورة قوام الطبيعة فأحدهما منزلته منزلة خشب السرير و الآخر منزلته منزلة خلقة السرير , فما منزلته الخشب فهو المادة أو الهيولى , وما منزلته خلقته فهو الصورة و الهيئة . فالمادة موضوعة ليكون بها قوام الصورة و الصورة لايمكن أن يكون لها قوام ووجود بغير المادة فالمادة وجودها لأجل الصورة ولو لم تكن صورة ما موجودة لما كانت المادة و والصورة وجودها لا لكي توجد بها المادة بل ليحصل الجوهر المتجسم ظاهراً بالفعل فإن كل نوع إنما يحصل موجوداً بالفعل وبأكمل وجوديته إذا حصلت صورته , ومادامت مادته موجودة دون صورته فإنما ذلك النوع بالقوة , فإن خشب السرير مادام بلا صورة السرير فهو سرير بالقوة وإنما يصير سريراً بالفعل ا حصلت صورته في مادته وإن النفس الكلية بتوسط العقل الفعال قد حركت الهيولى طولاً و عرضاً و عمقاً فكان منها الجسم المطلق ثم ركب من الجسم عالم الأفلاك و الكواكب و الأركان الأربعة جميعا ثم دارت الأفلاك حول الأركان و اختلطت ببعضها البعض فكانت منها المولدات الكائنات من المعادن و النبات و الحيوان . ويضاف غلى هذا أن العالم الكبير قد تشبه بجسم , فالعقل المقبل المشرق بأنوار التأييد , و النفس الكلية صورة صادرة عنه بأمره و بنهيه وهي القابلة منه بالجود و الفيض و والأفلاك السبعة جوفه و الكواكب السبعة جواهره و البروج الاثنا عشر حواسه و القوى النفسانية السارية فيه روحه و أنفاسه وأجناس مواليده و غرائب ما في جسمه من فنون أشكاله و عجائب أوصاله وعالم الكون والفساد يداه الباسطة و القابضة , فالشمس و القمر عيناه ذوات الأنوار الساطعة ومركز الأرض و الطبيعة رجلاه , وأمر الله عز وجل حائط به وهو سابح في فلك القدرة وحجاب المشيئة و المبدع مطلع عليه محيط به إحاطة تقدير و تدبير سبحانه و تعالى وهو العلي الكبير .
وقبل أن أقف في النهاية لا بد من القول:
بأن المقصود بالجسم الكلي هو جسم العالم بأسره و وأن النفس الكلية هي نفس العالم بأسرها أيضاً وإن العقل الكلي هو القوة الإلهية المؤيدة للنفس الكلية و أن الطبيعة هي قوة النفس الكلية السارية في جميع الأجسام المحركة المدبرة لها , وإن الأجسام البسيطة هي الكواكب و الأفلاك و الأركان الأربعة التي هي النهار و الهواء و الماء و التراب , وإن الأنفس البسيطة هي قوى النفس الكلية المحركة و المدبرة لهذه الأجسام السارية في جميع الأجسام المحركة المدبرة لهذه الأجسام السارية فيها وإن الأجسام المولدة هي الحيوان و النبات و المعادن , ثم أنه قد أتى على ذكر العالم العلوي ودور الكشف و بعده انتقل إلى قصص الأنبياء . ومن الرجوع غلى شرح القصيدة يتبين أنه لم تبق شاردة أو واردة إلا و جلوناها و قربنا فهمها إلى الأذهان . إذن لا أرى من الفائدة تكراراها و إعادة شرحها هنا . ولكن لابد من القول بأن هذا التراث الثمين جدير بأن ينال من اهتمام العلماء و الأدباء و الباحثين , فهو يمثل وجه فلسفتنا العربية اصدق تمثيل , ويعبر عن كل مافي هذه الفلسفة من روعة وعمق و خلود .
عارف تامر
يتبع...................
|
|
09-18-2008, 12:25 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
eyad 65
عضو متقدم
   
المشاركات: 689
الانضمام: Sep 2004
|
القصيدة الشافية
القول في التوحيد
1 -الحمد لله القديم الأزلــــــــي ................ المبدع العالي معِّل العلل
2 - باري البرايا الدائم الفرد الصمد ............. و الجاعل الواحد أصلاً للعدد
3 - أبدعه "بأمره " المجيد ............... فأصبح " الأول " في الوجود
4 - نوراً بسيطاً حائطاً بالدار ............. من سائر الجهات و الأمصار
5 - سمّاه عقلاً سابقاً فعالاً .................. فجــــــّل عن إدراكه تعالى
6 - روحاً لطيفاً عاقلاً لذاته ............. سبحان من قد جلَّ عن صفاتِه
7 - مبروزةً في ذاته الأشياء ............... ممّا حوته الأرض و السماء
8 - أضحت له خاضعةً مقهورة .............. في ملكه مأسورةً محصورة
9 - سبحانه من خالق بديعِ.................... مصِّور الصورة بالمصنوع
10 - أبدعَ ماشاءَ بلا معينِ..................... مابين كافٍ سابقٍ و نون
11 - جلَّ فلا شبهٌ له بالذاتِ ................ حقاً ولا يوصف بالصفات
12 - وعن طريق الحدِّ و التمثيلِ .............. بالوهم و الفكر ِ مع التخييلِ
13 - و الحسِّ و المحسوسِ و الحواسِ................وكل مالا يدرك بالقياسِ
14 - توحيده يعرف بالدليل .................من غير تشبيهٍ ولا تعطيلِ
15 - و غيرِ تكييفٍ ولا تحديد .................. مختلفاً عن مظهر الوجود
16 - من عرفَ الإبداع بالبرهانَ ............. و المبدعُ الأولُ ثم الثاني
17 - وثالثٌ مع جملةَ الأعداد .................. إلى تمام السبعةِ الآحادَ
18 - ونزّه الموجود عما أوجده .............. في ذاتِهم و ذاتَهم ووحدّه
19 - معترفاً بالعجز و التقصير ............. من أن يُحيط الخلقَ بالتقدير
20 - وكان مع ذلك عبداً طائعاً ..................لله أوَّاباً قنوتاً خاشعاً
21 - وللهداةِ الخلفاءِ النُجُبــــــــــــا..................آل النبي المصطفى أهل العِبا
22 - ذوي الهدى و النور و الإمامة...............الوارثين في الورى مقامه
23 - قد عرف الله على الحقيقة .............. وعُدَّ ممن سلك الطريقة
24 - في موطن الخلد الرفيع الأبدي ................الدائم الباقي الوجود السرمدي
25 - مقامه في روضٍِ نفسِ الكلِّ.................يقبلُ بالقوة فيض العقل
26 - مخلَّداً في جنة النعيم ِ..................... و الفوزِ بالقرب من الرحيمِ
27 - وحين تلهو نفسه عن ربها .............. مشغولةً مفتونةً في حُبِّها
28 - دائرةً في حرِّ المرصود ............... يُرهقها بالضغط و التشديد
29 - فتارةً تصعد بالفساد ................ساهيةً في عالم الأجساد
30 - وتارةً تهبط في الأكوانِ ....................إلى محلِّ الذل والهوان
31 - وتارةً في برزخ الظلامِ ..................ومعدنِ الأسقام والآلام
32 - تلُّفها سلاسل العذاب ..................محجوبةً عن عالم الثواب
33 - وأًبعدت بالجهل عن دار البقا ................ فزادها الله نِكالاً وشقا
34 - طعامها المهل مع الزقوم .............. وشربها من ناقع اليحمومِ
35 - جزاؤها لأنها قد أنكرت .................. مُوجدها وخالفت وكذََبتْ
36 - و فرضُ أن تسلك السبيلا .............. وتتبعُ الحجة والدليلا
37 - خاضعةً لصاحب الزمانِ ..................الحاضرُ الموجود للعيان
شرح المعاني :
1 : ( القديم ) هو الذي لم يسبقه شيء , فلا يبلغه الوهم ولا يتصوره العقل , ولا يحويه مكان ولا يدخل تحت زمان . ويقال للشيء قديم إما بحسب الذات و إما بحسب الزمان , فالقديم بحسب الذات هو الذي ليس لذاته مبدأ هو موجود فيه , والثاني هو الذي لزمانه ابتداء وقد كان وقت لم يكن . وفي الاعتقادات الاسماعيلية أن ( الباري ) سبحانه و تعالى قديم و ( أمر الباري ) أيضاً قديم .و العقل محدث كما أن النفس محدثة وأن العقل لا تبلغ معرفته قدم باريه , و النفس غير حائطة بما عند العقل ويفيض عليه من جوهره الذاتي , وإن وجود العقل على النفس مكتسب من باريه سبحانه و تعالى فكل شيء محتاج إليه و ليس له لأحد احتياج . لا إله إلا هو وحده لا شريك له , و ( الأزلي ) مصدر الأزلية وهو القديم الموجود الدائم الذي لابداية له . و ( المبدع ) هو فاعل العلة و العلة على أربع أنواع : العلة المادية للشيء , وهي التي يتكون منها الشيء كالبرونز للتمثال , والعلة المحركة و هي القوة التي عملت على تغيير الشيء و اتخاذه شكلاً جديداً ففي مثال التمثال السابق العلة المحركة يكون هو المثال لأنه هو على تغيير البرونز من حال إلى حال , و العلة الصورية روح الشيء وفي مثلنا هذا مابه التمثال تمثالاً . و العلة الغائية هي الغرض و الغاية و القصد الذي تتجه الحركة لإخراجه , وإن العلة الغائية للتمثال هي التمثال نفسه لأنه غاية التمثال و غرضه , أما المعلول فهو الذي لوجوده سبب من السباب متقدم في الوجود عليه , والعلة هو الذي يكون سبباً لكون شيء آخر , وقيل له علة لاعتلال مايكون منه ويبدو عنه وكونه علة أخرى لكون شيء آخر , و كذلك حتى ينتهي الاعتلال بحيث يقف عنده ممسكاً عن الفعل , أما المعلول فهو الذي لوجوده سبب من الأسباب متقدم بالوجود عليه والكون قبله وقيل له معلول لأنه مفعول .
2 : باري البرايا معناه الخالق و الشافي من العلل , و الدائم فاعل الديمومة وهي البقاء السرمدي , والفرد صاحب الفردية وهي ضد المشاركة , والصمد من الأسماء التي تطلق على الجلالة ومعناها السيد المقصود الذي لايقضي أمر من دونه و جاعل فاعل مشتق من جعل وهي بمعنى صنه وصير و أقام و الواحد هو سبب الأولية بالوجود فهو غير متعدد لا تدركه العقول و لا تصل إلى كنهه الأفكار , , فهو أزلي أوجده الله و جعله قائماً بنفسه فوق الروح و فوق العالم الروحاني , خلق الخلق ولم يحل فيما خلق بل ظل قائماً بنفسه على خلقه , ليس ذاتاً , وليس صفة , إنه علة العلل ولاعلة له وهو في كل مكان , وليس مادة ولا حركة ولا سكون , لاتضاف إليه صفة من صفات المخلوقين ولا يتشبه بهم , وهو الإرادة المطلقة التي لا يخرج شيء عن دائرة نطاقها , وفي الترتيب الفلسفي الاسماعيلي يأتي مركزه كأول للموجودات فاض عن الباري و والأول صاحب درجة الأولية في الوجود وهذه هي مرتبة ( السابق ) أيضا .
3 : ( الأمر ) مشيئة الله أو الكلمة الصادرة عن المبدع , فهو ليس حداً من الحدود , ولا مثل له في عالم الأجرام أو في عالم الطبيعة أو في عالم الدين , بل هو فعل صادر عن الباري لإيجاد الموجودات كما جاء : " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " يعتقد البعض من الاسماعيلية في سوريا بأن ( الأمر ) هو حد من الحدود العلوية وجد قبل العقل وفوقه فهو و الحالة هذه مؤيد وممده و المنعم عليه , ويقولون بأنه ممثول الإمام ونحن نرد على هؤلاء بقولنا إن هذا الاعتقاد فاسد ويخالف الآراء الفلسفية الحقيقية و المعتقدات الاسماعيلية الصحيحة , وإنه لمن الخطأ في التفسير و النقص في التأويل أن نخالف ما جاء في المصادر الاسماعيلية القديمة عن هذا الموضوع الذي لخرج عن حد القول : بأن العقل أول الموجودات ولا حد قبله , فهو صاحب الأولية في الوجود أي أنه أول موجود فاض عن الباري وأول مخلوق اخترعه المبدع .
4 : معنى ذلك أنه جوهر بسيط نوراني لطيف يحتاط بالعوالم العلوية و السفلية من سائر الجهات كما يحتاط الفلك المحيط بجميع الأفلاك , فهو أعظمهم و أوسعهم ومبديهم وإليه مرجعهم , أو كما يحتاط أيضاً البحر المحيط بجميع البحار , فهو أولهم و أوسعهم وإليه مرجعهم وفيه مصبهم .
5 : المقصود هنا بالسابق ( العقل ) الذي هو أول الموجودات و أسبقهم في الوجود , وقد سماه الباري عقلاً لأنه عقل الأشياء , ويقال له السابق أي الذي تقدم في الوجود جميع الأشياء , ويقال له فعال لأنه قام بالفعل دون واسطة , وفعال تعبير لاحق بالعقل فلسفياً , فلا يقال للعقل عقلاً بلا فعال لأنها كلمة اختصت به وأصبحت مرادفة له ( راجع المقدمة ).
6 : المعنى أن العقل أيضا روحاً لطيفة وجوهراً نورانياً عقل ذاته و عرف كل شيء في عالم الموجودات , إنه أصلهم و إليه معادهم فسبحان المترفع عن كل صفة وعن كل تسمية فهو المبدع الخالق جل و علا .
7 : المعنى هنا أن الموجود الأول هو العقل الفعال أوجده الله وجعله أصلاً لجميع الخلائق و أبرز فيه صورهم من غير أن يغادر منها شيئاً , فهو القلم الذي بواسطته تخط جميع الأحرف المعبر عن الموجودات , ويقال له (الكاف) أي أنه الحرف الأول من كلمة ( كن ) التي هي أصل جميع الموجودات و الأساس الذي بنيت عليه الكائنات . وأنه لما أحدث فيه مبدعه قوة الإطلاع على علم ما كان وما سيكون صار بذلك العلم أصلاً لجميع الخلائق أي أصلاً لإمدادهم بالعلم و المادة الإلهية التي يتصورون منها ما يبقيهم على أفضل الحالات فذلك كونه أصلهم إذ لا استعداد لهم إلا منه ومعنى ابرز فيه صورهم هو أن تلك المادة الإلهية عنها بتصور كل ذي صورة من عالم العقل و عالم الدين الصورة الحقيقية لعالم المعاد و ومن لم يصل إليه قسطه من ذلك و تلك المادة بوساطة من فوقه من الحدود فلا صورة حقيقية له .
9: أي أن جميع الموجودات وجدت من العقل و بواسطته , فهو أصلهم وواسطة وجودهم ولذلك أصبحوا ضمن دائرته عائشين تحت كنفه يقهرهم بحكمه ويؤيدهم بمادته .
9 : الكلام هنا يعود على خالق المخلوقات وباري الموجودات الذي صور جميع مصنوعاته بالمصنوع الأول أي بالموجود الأول و جعلها منطبقة و ظاهرة فيه .
10 : المعنى هنا إن إبداعه للكون قد تم بلا وساطة أحد , فأول المبدعات الكاف و بعدها النون , فالحرف الأول يمثل العقل الفعال و الثاني يمثل النفس الكلية , و كلمة ( كن ) مجتمعة تمثل الأصلان اللذان عليهما مدار الكون من علوي إلى سفلي بدليل الآية الكريمة : " إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ".
11 : أي أن الباري عز و جل يترفع عن أن يكون له شبه بين موجوداته أو أن يوصف بأوصاف تنطبق على مخلوقاته أو أن تكون له صفات ما .
13: ويجل أيضاً عن التحديد في مكان أو أن يكون له ممثول في عالم الممثولات سواء أكان بالوهم أو بالخيال أو بالفكر .
13 : كما أنه غير محسوس أيضاً أي لا يدرك بالحواس وغير واقع تحت القياس .
14 : المعنى أن توحيد المبدع و معرفته بالأحدية لا يمكن أن تتم كاملة إلا بواسطة الدليل وهو النبي الناطق المرسل أو الإمام المستقر الوارث علمه الذي يعرف عن توحيده ويقيم الدليل على أن لا شبه له , محذراً من كل تعطيل لأوامره و نواهيه .
15 : أي دون أن يتسرب أي ظن بكيفيته أو تحديد مكانه أو تعيين زمانه , إذ أن التحديد و التكييف بالمكان و الزمان و الكيف و الأين هو للموجودات و للممثولات و ليس للمبدع .
16 : القول هنا معناه أن من عرف ترتيب الموجودات وأدرك عالم الإبداع إدراكاً برهانياً ثابتاً ووقف على معرفة الموجود الأول الذي هو العقل الفعال و ممثولها في عالم الدين الذي هو ناطق المرسل ثم الموجود الثاني التالي وهو النفس الكلية وممثولها في عالم الدين الإمام المستقر ثم وصل إلى معرفة الموجود الثالث الذي هو الهيولى وممثوله ( حجة الدور ) في عالم الدين ثم بقية الحدود العلوية و ممثولاتها السفلية إلى تمام السبعة .
18: الثالث بالترتيب الفلسفي الاسماعيلي هو ( الهيولى ) وممثوله ( حجة الدور ) كما اشرنا إلى تمام السبعة حدود .
18 : ثم عمل على تنزيه موجد الموجودات ووحده وجرده تجريداً تاماً دون إشراك أو تعطيل .
19 : و اعترف بالعجز و التقصير عن إحاطة الكون بتقديره دون دليل أو معلم .
20 : وكان بالإضافة إلى كل ماذكرناه عبداً مطيعاً لله سائراً حسب أوامره و نواهيه خاضعاً له متعبداً خاشعاً لذكره .
21 : وفوق هذا مطيعاً للرسل النطقاء و خلفائهم الأئمة النجباء الهادين المنحدرين من أهل البيت النبوي وهم أهل العبا : محمد , علي و فاطمة و الحسن و الحسين .
22 : هؤلاء هم أهل الهداية و أصحاب النور و الإمامة الوارثين مقام ممثول العقل الفعال الذي هو في عالم الدين ناطق الدور .
23 : فإلى هنا يكون قد عرف الله حق معرفته واعتبر ممن سلك الطريقة الإمامية الهادية التي جاء ذكرها في القران الكريم " وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً "
24: ويكون عندئذ قد سعى لعالم الخلود الذي هو الجنان وفيه الديمومة و البقاء السرمدي و الوجود الدائمي الأبدي وهذا العالم يسمى العالم الكلي ويأتي ترتيبه بعد عالم العقل فمنه مدده و تأييده.
25 : معناه أن من يتبع الوصايا الانفة الذكر يخلد في جنة القدس الواقعة في عالم النفس وهو مادون عالم العقل كما جرى ذكره وفيها الخلود الأبدي .
26 : المعنى أن من يتبع الوصايا المذكورة أيضاً يكون عندئذِ ضمن الوصول إلى جنة النعيم وهي المرتبة السادسة و تسمى عالم العلم و فوقها جنة رضوان و هي عالم العقل وفوق عالم العقل جنة المأوى وهي عالم الأمر . لأن الجنان بالترتيب الفلسفي الاسماعيلي مقسمة أبوابها إلى ثمانية وهي : جنة الميراث أو الرتبة الإنسانية , وجنة عدن أو الرتبة الملكية , وجنة الخلد أو العوالم الفلكية , والجنة العالية أو العوالم الروحانية المجردة عن العوالم الجرمانية , وجنة الفردوس أو العوالم النفسانية , وجنة النعيم أو عالم العلم , وجنة رضوان أو عالم العقل , وجنة المأوى أو عالم الأمر الإلهي .
27 : المعتى و بالعكس من ذلك إذا كانت النفس لاهية عن معرفة ربها وتوحيده و غير متفكرة بقربه أو التقرب منه أو غير عالمة في سبيل طاعته .
29: عند ذلك تهبط إلى السعير وهي مقر الماء وتلاقي صنوف التعذيب متنقلة من برد الزمهرير ومقره الجحيم إلى حر الأثير ومقره لظى لأن جهنم بالترتيب الفلسفي الاسماعيلي تنقسم إلى سبعة أبواب أيضاً وهي : لظى و مقرها كرة الأثير , والجحيم و مقره مركزه الهواء والزمهرير ,و السعير و مركزه مقر الماء والهواء ومركزه مكان الغبراء و وجهنم ومقره عالم الحيوان غير الإنسان و وسقر و مقره مرتبة النبات , و سجين و مقره مركز المعادن .
29 : حيث تظل دائرة في الأثير وهو لظى ويرهقها إرهاقاً شديداً.
30 : المعنى أنها تصعد تارة إلى عالم الأجساد وهو مادون فلك القمر و عالم الاستقصات وفيه تكون لاهية عن كافة الموجبات لأنها في عالم الأجساد و الكون و الفساد وتارة تهبط إلى عالم الطبائع وهو عالم الكون و الفساد و فيه المعدن و النبات والحيوان وهو مكان الذل و الهوان .
31 : و تارة في برزخ الظلام و في مكان الآلام و الأسقام , و البرزخ هو على ضربين محمود و مذموم , فالمحمود مايصل إليه المؤمنون بعد نقلهم من المراتب ويكونون في إلى أوان البعث الكلي الذي هو ظهور ( المهدي المنتظر ) المسمى بالترتيب الاسماعيلي ( القائم ) والبرزخ المذموم ما يصير إليها أضداد الحق وسائر العصاة بعد موتهم في برازخ الهبوط و قناطير العذاب كل منهم على قدر استحقاقه , موقوفون إلى أوان البعث كما جاء : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " .
32 : المعنى أنها تظل مشدودة إلى السلاسل الشديدة المخصصة للعذاب وهي السل
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 09-20-2008, 01:55 PM بواسطة eyad 65.)
|
|
09-20-2008, 01:53 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
eyad 65
عضو متقدم
   
المشاركات: 689
الانضمام: Sep 2004
|
القصيدة الشافية
القول في الأمر
38 : و الأمرِِِ ُكالتدبيرِ للسياسة ............. و كالمليكِ العدل في الرئاسة
39 : يظهرُ بالفعل عن الرئيس ............. برأيه الصائبِ في المحسوس
40 : فالعقل وجهُ الله ذو الجلالِ .............. و النفسُ وجهً العقلِ وهي التالي
41 : و الروحُ لا توجدُ في البداية....................بالفعلِ بل تنشأُ في النهاية
42 : عند تمامِ العالمِ الكثيفِ ..................بقوةِ التركيبِ و التأليف
43 :وهي التي لا شكَّ في الأعضاء .................ساريةً كالضوءِ في الهواء
44 :وكان في وقتِ أوان الحمل................والشيءُ بالقوة لا بالفعل
45 :حتى إذا الجسمُ استوت خلقتهُ..................و انتقلت من عدم صورته
46 : وصار في فسحة دار الحسِّ...................و انتشرت فيه مواد النفس
47 :وعُدَّ ذاك الجسم خلقاً آخرا ............ مُستوياً في الخلقِ حيًّا ظاهر
48 : كذاك روح القدس في البداية..................تقبلُ أمرَ الآمر في النهاية
49 :لأنها في بحر ذاك الكورِ ..................تفيضُ من قبل حدوث الدَوْرِ
50 : أرواحها موجودةٌ في الأولِ..................من جوهر العقل اللطيف الأزلي
51 : تقبلُ تأييد الإله الباري ...................بغير إعجابٍ ولا استنكار
52 : لكونها في عالمٍ ضعيفِ ...................من دون إلزامٍ ولا تكليفِ
53 : حتى إذا ما الجوهر النفيسُ.................عنهُ تبدَّى الصدفُ الخسيسُ
54 : عند تجلي العقلَ للنفوسِ .............. حين كمال العالم المحسوس
55 : وهذه الرتبةُ حدُّ القائمِ ................ذو الملكِ والقدرةِ و العظائمِ
56 : وهي من العلم الشريف الغاية...................للنفسِ في البدء والنهاية
57 : فارتاح واشتاق إليها ادم .............. وظن أن الأمر فيها دائم
58 : وأن دور الستر لا يكونُ ............... واختلفت في نفسه الظنونُ
59 : وانكشفت عورته بين الملا .............. و حاطه في الظن هم وبلا
60 : ولم تكن في وقته شريعة ............. ولا تكاليف له موضوعة
61 : لأَنه الخاتم للأكوار ................ولإفتتاح البدئ و الأدوار
62 : وادم كان من الرسالة ................كمثل كون الجسم من سُلالة
63 : ونوحُ كالنطفة في القرار .............. قَرَّت بأمر الملك الجبار
64 : وكان ابراهيم مثل العلقة .............. وكان موسى مضفةً مخلَّقة
65 : ثم أتى عيسى الرسول الخامس.......... كأنه العظم الشديد اليابس
66 : وأحمدٌ كالجسم في التركيب............... والقائم السابع في الترتيب
67 :فهذه صورة جسمُ الدينِ .............. بَدَتْ كجسمٍ قائمٍ من طين
الشرح :
38 : ( الأمر ) كما جرى شرحه في المقدمة هو الفعل الذي يصدر عن مقام الجلالة الإلهية و التدبير الذي اقتضته سياسة الملك الرباني و كلمة العدل التي انبثقت عن مقام الرئاسة الكونية و الإرادة التي صدرت عن الخالق لإيجاد عالم المكونات .
39 : المعنى أنه فعل ظهر عن الرئيس الأعلى ورأي صائب أرسله لإيجاد الموجودات الواقعة تحت عالم الإبداع .
40 : المعنى هنا أن العقل الفعال هو وجه الله الكريم و النفس وجه العقل وهو صاحب مرتبة التالي لأن العقل أخذ رتبة الأولية في الوجود وهنا يظهر المعنى مجازي فيقال فلان وجه فلان أي من حيث قربه و نسبه إليه , وأن أفعاله و أعماله هي وجه له أي ممثلة فيه كما أن مركز النفس بالنسبة إلى العقل كمركز العقل بالنسبة إلى الباري وقد جاء : ( كل شيء هالك إلا وجهه , والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم و قال رسول الله محمد : ( أنا وجه أمتي ) ومعنى ذلك أنهم به يعرفون وإليه ينسبون ( وهنا نقول لأولئك الذين يعتقدون أن الأمر حداً من الحدود العلوية , بأنه لو كان هكذا كان جديراً بأن يتخذ لقب الموجود الأول ويكون صاحب صفة ( وجه الله الكريم ) .
41 : المقصود هنا الروح الكلية السارية في عالم الموجودات , فهي لم توجد في بدء الخليقة دفعة واحدة , ولكنها نشأت في النهاية عند إيجاد الموجودات التي انبثقت من الأصلين العقل و النفس وبإتمام الخلقة عندئذ حلت بالجسم الكلي ووهبته الحياة .
42 : المعنى أنه عندما تم وجود العالم الكثيف وهو الجسم البشري المركب المؤلف و المخلوق بالواسطة .
43 : جرت الروح عندئذ في أعضاء هذا العالم الكثيف المذكور كجريان الضوء في فلك الهواء .
44 : وقد كان ذلك عند اتحاد الأصلان العلويان و اتخاذهما صفة الزوجية , و تمخض الحمل وولادة العالم التي تمت بالواسطة كما وقد سبق وجرى بيانه .
45 : المعنى هنا أنه عند ولادة الجسم و إتمام خلقته و انتقاله من العدم إلى الوجود وهذا لايخرج عن حد القول بأن هذا الجسم هو ( العالم الصغير ) المطبوع فيه كل مافي العالم الكبير .
46 : أي عند مجيء الإنسان إلى عالم الكون و الفساد و انتشار مواد النفس فيه عندئذ يكون قد اصبح من خصائص النفس الكلية .
47 : المعنة هذا أن الجسم الصغير اعتبر خلقاً ثانياً بعد خلق الجسم الأول الكبير المذور الذي هو القائم بالقوة .
48 : المعنى أن روح العالم العلوي الروحاني في بدء الخليقة كانت تتقبل الأمر منذ البدء للنهاية لأن الروح التي أمر الخالق مادة تتصل بأهل عالم الدين فتصور بها الصورة الحقيقية , وسميت روحاً لأنها من العالم الروحاني وهي بالحقيقة النفس الناطقة التي هي صورة روحانية مستفادة من الحد الأعلى . وهي أيضاً تسمى نفساً ناطقة وتسمى روحاً وهي ذات واحدة وإنما خص اسم الروح بالمادة السارية لكونها من روح القدس الذي هو عالم الإبداع و خص اسم النفس الناطقة بنفس المؤمن المتصل بها تلك الروح التي هي المادة الأصلية فإذا اتصلت بها نطقت بتلك الحكمة المستفادةى ولهذا سميت الناطقة .
49 : المعنى أن روح العالم العلوي الروحاني في بدء الخليقة كانت فائقة في بحر ذاك الكور وقبل حدوث الدور , و الكور في الترتيب الفلسفي الاسماعيلي معناه ( عالم الكشف و الإظهار ) وهو عهد ماقبل ادم . و الكور يستأنف حين ظهور ( القائم ) المنتظر الذي هو سابع النطقاء . أما الدور فيطلق على المدة التي تكون بين كل ناطق وناطق كمثل مابين ادم و نوح , ونوح وابراهيم , وابراهيم و موسى , وموسى وعيس , وعيسى ومحمد , ومابين محمد و القائم المنتظر . وأما الدور الكبير فهو الذي يبتدأ من ادم وينتهي بظهور القائم المنتظر صاحب البعث .
50 : المعنى أن هذه الأرواح موجودة منذ البدء أي قبل وجود ادم , وهي قد فاضت من الحد الأول الذي هو العقل الفعال .
51 : وكانت هذه الأرواح تقبل تأييد الباري معترفة له بالألوهية وبالقدرة لأنها في عالم الكشف و الإظهار .
52 :المعنى هنا أنها موجودة في عالم لطيف ذو جوهر نوراني ليس فيه أي تكليف , تأويل ذلك أنه بالنظر لتقبلها التأييدات الإلهية ببساطة فهي في عالم الكشف . والنفس بالحقيقة هي الحياة الكامنة في كل شيء من موجودات عالم الكون و الفساد , وهي التي تسمى الحياة الهيولانية يعنى أنها موجودة في كل هيولى طويل عريض عميق وهي تنسل في البخارات الصاعدة من الماء و الأرض إلى الهواء ثم يمازجها قسط من الهواء وقسط من النار وتصير غيوماً ثم تنحل مطراً فإذا انعقد من ذلك المطر معادن كانت تلك الحياة التي تسمى نامية كامنة في تلك المعادن فتسمى فيها قوى كامنة وإن ظهر ذلك المطر نباتاً كانت تلك الحياة فيه تسمى نامية لأنها تجتذب له الغذاء بالعروق من عمق الأرض وتزيد في طوله و عرضه , فإذا حصل من ذلك النبات ما يلائمه من الأغذية من بعض الحيوان الذي يغتذيه نطفة كانت تلك الحياة فيه تسمى كامنة في تلك النطفة مادامت في أصلاب الذكران فإذا ظهرت بالمناكحة إلى أرحام الإناث كان عند وقوعها في الرحم ظهور تلك الحياة في النطفة التي هي فيها كامنة فحركتها وأنمتها طولاً و عرضاً و عمقاً وجذبت إليها بقوتها التي هي الجاذبة للغذاء على كل عضوه قسطه بالقوة الماسكة وهضمت مايرد عليها من الغذاء بالقوة الهاضمة ودفعت فضول الغذاء بالقوة الدافعة وأنمت كل عضو بالقوة المنمية وصورت كل عضو صورته التي تليق به بالقوة المصورة وغذت كل عضو بما يليق به بالقوة الغاذية .
53 : المعنى هنا عند ظهور الصدف الخسيس من الجوهر النفيس , والمقصود بذلك انبعاث عالم الأدوار الذي هو عالم التركيب و التأليف والكون و الفساد من عالم الأكوار الذي هو عالم شريف مؤلف من جوهر نوراني , أما النفس الحسية التي جرى ذكرها فهي شائعة في جميع الأشياء من الخلقة وهي الصورة المقرونة بالهيولى في بدء الأمر وهي باطنة الذات لاخفائها ظاهرة الايات بأفعالها التي تبدو عنها ىفهي في الأفلاك قوة سارية من المحيط إلى فلك القمر وهي صورته الكامنة فيها المحركة لها , والمحيطة بها , أعني أجرامها وهي وهي في الأمهات قوة سارية فيها إلى مركز الأرض محركة لكل ركن من الأركان تحليلاً و تركيباً وهي في المعدن قوة تعقده و تبلغه إلى تمامه , وفي النبات قوة نامية تحركه لاستمداد غذائه وجذب مواده وفي الحيوان نفس نامية حسية تنميه بقواه السبع ويظهر منه الحس بحواسها الخمس وهي في الانسان النفس الحسية التي إذا تهذبت بالمعلم الصادق وقبلت منه التأييدات ارتقت إلى مرتبة النطق واطلعت على الخلقة بأسرها فهي المعنى المحيط بعد قبوله المعارف بلأرضين و السموات . والسموات على ضربين جرمانية و نفسانية , فالجرمانية هي الأفلاك التي كل فلك منها سناء و النفسانية هي الحدود التي كل حد منها السماء الدانية لأرض عالية , و الأرض الجسمانية هي إحدى الأمهات وهي المركز فأحاطته بالأرضين و السموات إحاطة معرفة وعلم و إطلاع على مراتبها و حقيقتها . أما الجسم الإنساني فيتحلل إلى أربعة أقسام كل قسم منها يعود إلى ما يناسبه في عالم الكثافة بينما تنتقل النفس إلى مايناسبها في عالم الروح اللطيف وهذا معناه أن من الجوهر النفيس يخرج الخسيس .
54 : المعنى عندما يتجلى العقل للنفوس لمحاسبتها ويكون هذا في اخر مدة عالم الأدوار الذي هو عالم التركيب والكون و الفساد وعندئذ يتم الانتقال إلى عالم الأكوار الذي هو عالم نوراني جوهري شريف وهو عالم الكون الكشف الانف الذكر .
55 : وهذا التجلي هو بحد ( القائم ) الذي هو المهدي المنتظر صاحب الملك و القوة و العظمة .
56 : المقصود هنا أن هذا العلم هو المعرفة التامة و الغاية القصوى للنفس في المبدأ و المعاد .
57 : المقصود هنا أيضاً هو عالم المحسوسات الذي اشتاق إليه الناطق الأول ( ادم ) ظاناً أن فيه الخلود و الديمومة .
58 : معنى دور الستر بالتأويل الاسماعيلي هو انحجاب الحدود العليا عما دونها و إحجامها عن تأييدها بالمادة وقد ظن ادم أن هذا لايكون وتنازعته الأفكار المختلفة .
59: معنى انكشاف عورته بالتأويل الاسماعيلي هو انكشاف أمره و أسراره لجميع الناس وقد تسبب له من جراء ذلك كل ما اصابه من بلايا و هموم .
60 : المقصود أنه في هذه الفترة لم تكن شريعة قد ظهرت بعد , كما أنه لم تكن هناك فرائض وواجبات موضوعة من قبل الأنبياء النطقاء .
61 : المعنى هنا أن ادم كان خاتم (الأكوار) وبدء افتتاح (الأدوار) وقد جرى بيان معنى ( الكور ) و ( الدور ) . راجع البيت 49 .
62 : في الترتيب الاسماعيلي أن ادم كان بالنسبة لعالم الطبيعة كالسلالة التي ولدت منها أنواع البشرية .
63 : ونوح مثله بالنسبة لهذا الجسم كالنطفة التي تستقر في الأرحام , أما ابراهيم فمثله مثل العلقة .
64 : وكان موسى كالمضغة أيضاً .
65 : وجاء بعد ذلك عيسى بن مريم فكان كالعظام للجسم .
66 : أما محمد فهو كاللحم لهذه العظام ولهذا الجسم أيضاً , وأما القائم المنتظر فهو صاحب الترتيب السابع التابع للخلق الاخر .
67 : المعنى هنا أن الترتيب هو صورة لعالم جسم الدين وهذه صورة عالم الموجودات كمل قد جرى بيانه وكما جاء : ( وإنما أمره إذا اراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ). وأن هذا الإيجاد وجد من لاشيء أة كان كمثل إيجاد الجسم من طين ( هو الذي خلقكم من طين ) و ( خلقته من طين ) وفي التأويل الاسماعيلي الباطني أن معنى الخلق من طين هو إيجاد الرسول الناطق دفعة واحدة برتبته دون أن يتسنى له التدرج في مراتب الدعوة كمثل ماجرى للناطق المرسل ادم و عيسى بن مريم .
يتبع .............ز
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 09-23-2008, 05:37 PM بواسطة eyad 65.)
|
|
09-23-2008, 05:35 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
|