طرفة تروى في السعودية عن شرطي مرور يحقق في حادث سير ويتصل برئيسه في غرفة
العمليات :
- سيدي وقع تصادم بين سيارتين .
- الحق على الأجنبي بكل تأكيد.
- سيدي كلاهما أجنبي .
- إذن الحق على المصري .
- سيدي كلاهما مصري .. ويجيب الرئيس : إذا الحق على من يلبس بنطال .
في الحقيقة هذه ليست نكتة ولا طرفة بل هي حقيقة يستطيع أي معايش للمجتمع السعودي أو متتبع للصحف السعودية أن يقرأها نهارا جهارا في صفحات الحوادث منذ عقود حيث عشرات القصص والصور المرعبة عن وافد دهس مواطن وهرب ، وخادمة سرقت بيت مخدومها ، وأجنبي يدخل المخدرات إلى البلد ، وآخر ينتهك حرمات البيوت ... وحتى لاعب أجبني تسبب بخسارة فريقه وحكم أجنبي تحيز ضد فرقنا الوطنية .. إلى آخره من قصص " مروعة " عن الأجانب الذين يعيثون بأمن البلاد والعباد ويسرقون خيرات الوطن.
بطبيعة الحال فإن الأجنبي ليس ملاك ، فهو يسرق ويقتل ويهرب المخدرات ويتسبب بخسارة فريقه ومن واجب الصحافة أن تحافظ على صحة المجتمع منه ومن غيره من خلال فضح هكذا ممارسات ، إلا أن الصورة تتعدى مجرد كشف الإنحرافات والضرب على يد العابثين إلى نظرة مختلفة تماما ، نظرة " مبرمجة " ومدروسة تحاول من خلالها وسائل الإعلام حثيثا أن ترسخ في العقل الباطن للمواطن السعودي حقيقة أثمرت عن كارثة : أنت وحدك في هذه الدنيا والكل طامع بك وبخيراتك ويضمر الشر لدينك ومجتمعك ووجودك .. أنت محسود على نعمك و " ما درينا بهرج حسادك أبد " .. إلخ من شعارات عزلت المجتمع عن محيطه وبنت حوله أسوارا من الرفض والخوف والريبة من الآخر ، حقيقه بدأ المجتمع السعودي يحصد ثمارها سوء معاملة وازدراء في الخارج و إرهابا داخليا وحربا دولية من الصعب على الصحافة السعودية أن تنشر صورا لفاعليها الحقيقيين في صفحات الحوادث .
و كلمة " أجنبي " بالقاموس السياس-إجتماعي السعودي لا تطلق على الإنسان الغربي كما هو متعارف عليه في بقية المجتمعات العربية بل على كل " غريب " وافد حتى وإن كان عربيا بل حتى وإن كان ينتمي قبليا لإحدى القبائل السعودية ، فالسعودي " سعودي " والأجنبي أجنبي كائنا من كان ، وتحت هذا المصطلح " الإقصائي " العنصري وبين ثناياه تكمن المشكلة الحقيقية لفكرة " الرفض " للآخر دينيا وإجتماعيا وإقليميا وفكريا وحضاريا والتي يقوم عليها الفكر الوهابي القبلي من أساسه والذي نشأ في نجد ونبع من طبيعة المجتمع النجدي الذي سببت له قرون من العزلة الحضارية داخل صحراء قاسية فقيرة الموارد بالشعور بالنفور والخوف من " الآخر " المختلف رغم الكرم الفطري لدى أهالي نجد وعاطفتهم وتقريبهم لهذا الآخر إن حاز ثقتهم وهي سمة بدوية – بل عربية - أصيلة ، ثم جاءت الوهابية لتطور من هذا المفهوم وتضيف إليه بعدا جديدا وهو " التكفير " لتغير بذلك الكثير من المفاهيم لدى مجتمع بكر في بيئة بكر، ثم لتضيف السياسة هي الأخرى أبعادا جديدة وتستثمر هذه التركيبة من الخوف والرفض والتكفير في بناء مجتمع " قطيعي " وتنشرها على صهوات خيول الله إلى كافة مناطق الجزيرة العربية.
دور الوهابية كبير وأساسي في إدخال البعد التكفيري وجعله إطارا شرعيا لحالة فطرية من " رفض " الآخر لتحشد عبر هذا المفهوم جيشا من البدو " المسلمين " في حروبها ضد أعدائها السياسيين والفكريين منذ بدايات نشوء الدولة السعودية ، وسنجد أن مصطلح " مسلم " في الأدبيات الوهابية يستخدمه الوهابيون للتفريق بينهم وبين من سواهم من أهل " الشرك والبدع " من القبائل التي يغزوها الوهابيين من " أهل التوحيد " ، وسيتحول الأمر إلى " لقب " عسكري ووسام شرف أكثر منه مصطلحا دينيا بالمعنى الحرفي للكلمة خاصة أنه سيمنح البدوي المنضوي تحت لواء " الإخوان " الوهابيين صلاحيات تسلطية ضد الغير وهو إغراء يصعب على البدوي مقاومته ، و يستطيع القارئ لكتاب " عنوان المجد في تاريخ نجد " للمؤرخ النجدي الوهابي عثمان بن بشر المتوفي نهاية القرن الثالث عشر الهجري أن يلاحظ بسهولة أن كلمة " مسلمين " التي تعج بها صفحات الكتاب تعني الإخوان الوهابيين وجيش الأمير حصرا ، وتحت هذا التقسيم الذي لبس لبوس الدين سنقرأ في صفحات الكتاب العشرات من القصص والحوادث عن نصر الله لمن نصروه من المسلمين الموحدين ضد الشركيين الضالين وسنشم رائحة الدم المقدس تفوح من بين جنباته بفعل جرائم بشعة ارتكبها " المسلمون " بحق هؤلاء الكفرة المشركون باسم محاربة البدع والخرافات والشرك وعبادة القبور والحجارة والشجر ، ومن نافلة القول أن هؤلاء " المشركون " إنما أبناء المناطق المحيطة بنجد والتي كانت تحت حكم قبائل عربية أخرى كإبن رشيد الشمري أو إبن براك الخالدي البدويان بطبيعة الحال أو شريف مكة وجميعهم مسلمون سنة ناهيك عن الشيعة الكفرة المخالفين بالمذهب والهدف السياسي معا .
تلك النظرة الإجتماعية للآخر والتي تطورت من كرة ثلج صغيرة ، تحولت بعد أن تضخمت بفضل الرعاية الرسمية للمؤسستين السياسية والدينية لها إلى حصنا حصينا وجدارا عازلا بإسم الدين تارة وحماية المجتمع من الدخلاء تارة أخرى ليصنع منه جنديا طوعيا وحارسا للفكرة التي تقوم عليها الدولة السعودية وبالتالي للنظام ذاته وليرسخ في أذهان أبنائه فكرة الرفض القطعي للآخر لتعزل المجتمع عزلا حضاريا حقيقيا من خلال هذا التخويف من التواصل مع " الآخر " ليتحول الدفاع عن مفاهيم كتلك واجبا وطنيا ومقياسا للتمسك بالثابت الوطني بنظر قطاعات كبيرة ومتنوعة من الشعب السعودي .
مصطلح أجنبي ليس مشكلة بحد ذاته بل المشكلة بالممارسات الإقصائية العنصرية المخيفة التي تترتب عليه والتي تأخذ أشكال بالغة التطرف تصل إلى حد " التكفير " العشوائي في مجتعمات منغلقة لا تزال تحافظ على الإرث الوهابي كمجتمع نجد والقصيم تحديدا حيث ظلت مقولة " أجنبي كافر " يدخن ويمشي في الشارع حاسر الرأس ويلبس البنطال الذي يجسم العورة ويفتن نساء المسلمين متداولة شعبيا وعلى ألسنة المتطرفين من شيوخ الوهابية حتى سنوات قليلة لا بل حتى الآن عند البعض من كبار السن الذين لا يزالون ينظرون لنجد على أنها " ديار المسلمين " عمن سواها من ديار ، ثم لينشر الإعلام تلك الصورة للأجنبي الوافد بعاداته الهدامة إلى كافة المناطق السعودية حتى الأكثرها ليبرالية وانفتاحا كالحجاز حيث خليط عرقي غير متجانس من عرب وآسيويون وأفارقة وإن كانت الصورة هناك أقل سوءا وتقتصر على الجانب الإجتماعي والإنساني دون الديني وكنوع من " إثبات الوطنية " من قبل أخلاط لا يزال ينظر لهم السعوديون من العرب الخلص على أنهم " طرش بحر " وبقايا حجاج يشكلون خطرا " إنفصاليا " محتملا عن كيان الدولة مع أي بوادر تقسيمية قد تهب والتي حولتها تبعات حرب الكويت ثم الحملة الأمريكية على السعودية في ملف الإرهاب إلى مخاوف حقيقية .
المشكلة هنا لا تنحصر بالتكفير بمعناه الديني الضيق مع أنها بحد ذاتها مشكلة ، بل هو بالتكفير " الإقصائي " بالدرجة الأولى والذي طورته المؤسسة الإعلامية السعودية الرسمية والصحافة السعودية حتى اليسارية منها ، فقد شاركت هي الأخرى في نشر هذه الصورة النمطية المخيفة للأجنبي الوافد بأفكاره وعاداته الدخيلة التي تتنافى مع عادات المجتمع وأصالته إلى المجتمع السعودي البكر والمحافظ إضافة إلى ترسيخ هذا الأجنبي مفسدا في الأرض وناشرا للرذيلة والإنحراف والإجرام والمخدرات لتكتمل الصورة من مختلف جوانبها السياسية والإجتماعية والدينية ، وصولا إلى صورة الأجنبي اللص الطامع بخيرات البلاد والتي يستنزفها عبر تحويلاته الهزيلة من دخله الذي – بالكاد - يحصل عليه نظير عمله في المملكة لذويه وهي صورة أخرى استطاع أن يستثمرها الإعلام السعودي و يلعب عليها عقودا طويلة للتهرب من استحقاقات اقتصادية داخليا و أن يشحن الشارع السعودي " سلبيا " ضد الأجنبي الذي يسرق من أمامه لقمة العيش والفرص الوظيفية ليتحول هذا الشحن إلى واقع مر يتمثل بسوء معاملة وتمييز وانتقاص من حقوق مادية وإنسانية معا وتحت نظر وبصر السلطات السعودية التي تسن هي الأخرى القوانين التي تعطي للسعودي الحق أن يعامل مخدومه الأجنبي باستعباد حقيقي والتي أصبح تأخير مرتبات الأجانب في الشركات السعودية لأشهر متواصلة أحد أقل صورها سوءا حتى صار هذا الأمر بالذات سمة " طبيعية " ومقبولة في سوق العمل السعودي ، هذا مع أن تقارير تحدثت عن أن قيمة تحويلات العمالة الأجنبية في دول الخليج قاطبة خلال العقدين الماضيين بلغت 80 مليار دولار وهي نسبة بالغة الضآلة إذا ما قورنت بأشكال أخرى كثيرة للهدر الذي يمارسه المواطن السعودي ذاته ليس أقلها الإنفاق على الليالي السياحية في دول الإصطياف ناهيك عن الهدر في مجالات أخرى لا حصر لها.
تلك صورة تكفيرية إجرائية حقيقية لا تقل سوءا عن التكفير الديني وليست مجرد حالة هامشية عارضة كونها تطال شريحة كبيرة ممن أجبرتهم ظروفهم الإقتصادية أو السياسية أو الإجتماعية على العيش في السعودية ، شريحة لا تعد بالآلاف بل بالملايين غالبيتها من ضعفاء العرب والمسلمين صار التمييز والإقصاء الذي يمارس بحقها واجبا وطنيا يشترك فيه المطوع التقي الورع والليبرالي الإنفتاحي والجاهل والمثقف والسائل والمسؤول في مقابل تكفير ديني ينحصر بشريحة ضيقة للغاية من متطرفي الوهابية .
الغريب في الأمر أن التكفير الديني الإصطلاحي حديث الوسط الآن والمتهم الرئيسي بالإرهاب لا يأخذ طابعا إجرائيا كما هو الحال بالنسبة للتكفير الإجتماعي والإنساني ، في الحقيقة فإن من يكفرهم العلماء في السعودية دينيا من المسيحيين الغربيين بالذات هم شريحة تنعم بكامل حقوقها المادية والمعنوية و تتسنم أعلى المراكز الإدارية وتمارس حياتها بسعة يحسدهم عليها حتى السعودي ذاته ناهيك عن الأجنبي وينظر لهم شيوخ الوهابية وعلماء السلطان على أنهم أهل ذمة وخفارة وعهد أوصى بهم النبي (ص) وهي نظرة لا تخلو من تجيير لأهداف سياسية معروفة ، ولم نسمع طيلة عقود عن عيون زرقاء كافرة تعرضت لعشر ما يتعرض له العربي المسلم من سوء معاملة ، بل لم نسمع أبدا عن شيخ وهابي متطرف قتل مخدومته الهندوسية أو سائقه الفلبيني المسيحي لأنهما كفرة بينما نسمع كثيرا عن عربي رحله كفيله دون أن يعطيه حقوقه المادية ، ومسلمون ماتوا اختناقا في سجون التراحيل .
وليس تقليلا من شأن التكفير كآلية إقصائية مقيته ، لكنه ليس المشكلة الحقيقية " الرئيسية " في الحالة السعودية خاصة إذا ما قارناه بواقع التكفير الديني عالميا كون هذه الجزئية قاسم مشترك بين كل الأديان ولو بنسب متفاوتة ، وسوف لن نستطيع الإدعاء أنه بالذات العامل الأساسي لما يعانيه المجتمع السعودي وإلا فإن دولا متطورة حضاريا كإسرائيل قائمة بالأساس على فكر ديني تكفيري إقصائي ، والحال ذاته في إيران كون الفقه الشيعي الصفوي رأس المؤسسة الدينية والسياسية هناك من أقدم الأفكار التكفيرية في التاريخ الإسلامي قاطبة وبحدود لم يصلها الوهابيون أنفسهم ، وكون القوى الإصلاحية التي تهاجم التكفير الآن كسبب رئيسي للكارثة تعايشت معه عبر عقود طويلة من خلال اللغة التكفيرية المجانية والعبثية التي كانت – ولا تزال - توزع يمينا ويسارا عبر وسائل الإعلام السعودية الرسمية ومن خلال علماء مقربون من السلطات ويشكلون مجالسها الدينية العليا وكتب رخيصة ممهورة بجملة " حقوق النشر مباحة لكل مسلم وجزى الله موزعها خيرا " تعج بها المكتبات السعودية زاحفة حتى على الكتب الإسلامية الرصينة و الكتب التراثية المتهمة بأنها منبع التكفير ، كتب تزخر بالمكفرات والمحرمات والنواهي والزواجر التي طالت حتى متابعي البرنامج التلفزيوني طاش ما طاش والبوكيمون وقتلت أي بذرة للتحرر الحضاري الإنفتاحي الإيجابي في نفسية المواطن الذي تربى على الترهيبين الديني و الإجتماعي لأسباب بالغة التفاهة ، تلك اللغة التكفيرية لم تكن المشكلة يوما بل كانت حدث يومي طبيعي وأحد بديهيات الثقافة الإجتماعية والإعلامية السعودية وتمارس على مرأى ومسمع من الإصلاحيين ، بل شاركوا في رفدها بشكل أو بآخر ، بالتالي سيصبح من العبثية البحث عن ذرائع للمؤسسة الدينية ذاتها من قبل هذه القوى أو من قبل السلطات السعودية بالقول أنه وليد ظروف طارئة أو أنه بضاعة وافدة أتت مع كتب المودودي والندوي وسيد قطب أو أنه صناعة الحقبة الأفغانية لوحدها ، بل هو صناعة سعودية دينية إجتماعية سياسية عن سبق إصرار .
في هذه الحالة سيصعب جدا تحميل العامل الأجنبي دماء الأبرياء التي تحصدها الجماعات الإرهابية رغم كل هذا النبش في مخلفات الآخرين ، وستصبح إشارة التلفزة السعودية إلى أحد قتلى العمليات الإرهابية الأخيرة بأنه " سعودي بالتجنس " ليست أكثر من محاولة إيحائية تصب بذات السياق الإقصائي التكفيري وبمواصلة ذات المعزوفة عن الأجنبي المرعب الخطير الدسيسة اللص المخرب ، وهذه لغة تكفيرية لا يستهان بها ومنشأ أساسي ومهم للكثير من السلبيات الدينية والإجتماعية والحضارية في السعودية لجهة شبهها إلى حد بعيد بلغة الأنظمة العسكرية القومية العربية التي مارست ذات اللغة التخويفية الإقصائية ولذات الأهداف السياسية السلطوية من خلال حشد الشعب جنديا طوعيا خلف النظام ضد المتآمرين والخونة وأعداء الثورة وعملاء العدو وقتل أي برامج إصلاحية تحت ذريعة " معركتنا المتواصلة مع العدو وظروف المرحلة الراهنة والوقوف سدا منيعا في وجه المتآمرين وأعداء الوطن " ، وكون هذه اللغة تشبه لغة الكنيسة في عصر الظلمات التي كانت تنظر للثقافة الإسلامية المشرقية بذات النظرة التكفيرية الإقصائية رافضة بشكل تحريمي كل ما تحمله رياح الشرق حتى العطور وورق الكتابة ناهيك عن الأفكار متحكمة بعقول ومصائر المجتمع بمنظومة من المحرمات الدينية والإجتماعية أعاقت ثورة التحرر قرونا طويلة ، وهي مسؤولية لا تنحصر فقط بالمؤسسة الدينية المتهم الرئيسي بالقضية ، بل وحتى قوى الإصلاح والقوى الليبرالية الشريكة في ذات الجرم من خلال مساهمتها بنشر وتبني هذه اللغة الإقصائية وبدوافع كانت تعتقدها (( وطنية )) تمشي في السياق العام للسياسة الداخلية وللرأي العام الشعبي السعودي بحيث لم يعد من المجدي الإلتفاف حول الواقع لمقاتلة طواحين الهواء في معركة سيصعب القول أن نتائجها ستشبه نتائج الثورة على الكنيسة أو ستقترب منها طالما أن التلاحم العضوي قائم وقوي و يصعب المساس بأحد أضلاعه منفردا بين مثلث ديني – إجتماعي – سياسي محكم الترابط ليس الدين ضلعه الأوحد ، بل سيصعب على هؤلاء تفعيل ورقة بالغة الأهمية والحساسية كتلك على أنها أحد مصادر التكفير والعزلة الحضارية كونها الورقة الأضعف في الصراع بين الإصلاحيين والمؤسسة الدينية ، وكونها لا تمس هذه المؤسسة وحسب بل حتى الشارع السعودي بكافة أطيافه والذي لا يزال يرى في هذه النظرة الإقصائية – الدفاعية ضد الغير واجبا وطنيا مقدسا قد ينظر لمفعليها على أنهم خونة وطابور خامس تماما كتجليات الحالة القومية .
حاليا يتصاعد الحديث عن تغيير مناهج دراسية لتنقيتها من مفاهيم دينية خاطئة وهذا جيد ، لكن في واقع الأمر فإن هذه المناهج لا تتحمل إلا عبئا بالغ الضآلة في المنظومة الكلية ، المناهج التعليمية السعودية والدينية منها بالذات مناهج " تسطيحية " تخديرية أكثر منها فكرية وليست قادرة على غرس أي نوع من الأفكار السلبية أو الإيجابية في عقول دارسيها ، في الواقع فإن مناهجا كتلك خرجت طوابير من الليبراليين الرافضين بشدة للواقعين الديني والإجتماعي أكثر مما خرجت إرهابيين وقتلة ، بينما النهج العام ساهم بفعالية في زرع بذور الكراهية و التي أخذت – بشكل لا إرادي تنطلق من عقل باطن مبرمج - أشكالا تكفيرية عدة وصلت إلى " رفض " وإقصاء الآخر كيفما كان شكله ، بحيث يصبح تغيير (( النهج )) برمته قبل المناهج الخطوة الأكثر إلحاحا وإلا فإننا لازلنا لا نتحدث عن العنب بل عن نتف ذقن الناطور ، وقد نرى ذات الأجنبي متهم غدا حتى من قبل قوى الإصلاح بأنه هو من سرق العنب والسلة معا ليبقي لهم ذقن الناطور تماما كالحالة العراقية الراهنة ، وليعود شيوخ التكفير بالسموكن والغليون هذه المرة بدل اللحية الطويلة والثوب القصير.
http://www.josor.net/article_details.php?t...sid=194&catid=1