الكاتب: نيل ما كفار كوهارت
القطيف، المملكة العربية السعودية، 25 فبراير:
كانت الأقلية الشيعية المسلمة في هذه المملكة تؤدي شعائر يوم عاشوراء، المقدسة لديهم، خلسة وفي الظلام خوفا من إثارة غضب المؤسسة الدينية القوية. لكن في هذه السنة، يأتي يوم عاشوراء قبل عشرة أيام من الحملة الانتخابية للمجالس البلدية والتي ستقام يوم الخميس المقبل. وكذلك يأتي تزامنا مع بدايات ظهور توجه أجرأ من السابق في الاحتفال بهذا اليوم.
فقد انتشرت آلاف من الحشود فوق ساحات رملية لساعات لمشاهدة محاربين على ظهور الخيل وهم يعيدون تمثيل واقعة معركة قطع رأس الحسين حفيد النبي محمد في عام 680 م.
حتى أن بعض من الشباب تجرؤا على القيام «بالتطبير». وهي إحدى الطقوس المختلف عليها، والتي لا يتذكر احد رؤية ممارستها في العلن، حيث يقوم الشباب فيها بضرب فرواة رؤوسهم بالسيوف حتى يسيل منها الدم وذلك لتصوير معاناة الحسين.
يقول نبيه البراهيم، وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 42عاما وأحد المرشحين للحصول على مقعد في المجلس البلدي: «كانت قصة الإمام الحسين تجعلنا ننوح ونبكي فقط, وكنا نعتقد أننا ضعفاء. وهذا هو السبب الذي جعلنا لا نحكم أنفسنا بأنفسنا لمدة طويلة».
ويضيف البراهيم «ربما الآن، وبعد كل هذا الذي يحصل في العراق، سوف نأخذ عبرة سياسية من قصة الإمام الحسين. سوف تأخذ القضية الآن طريقاٌ آخر لان الشيعة بدوا في تنمية ثقافتهم السياسية».
ولا زالت المؤسسة الدينية في السعودية والتي تسيطر عليها الوهابية، وهم فرع من الإسلام السني، تدين هذه الشعائر وتعتبرها طقوساٌ وثنية. ولكن في الحقيقة فإن الشيعة، على الأقل في هذه المدينة «مركزهم الرئيسي»، ما عادوا يشعرون بالحاجة للاختباء. وذلك يعكس أهمية التغيرات الحاصلة هنا وفي أماكن أخرى وفي الشرق الاوسط.
واهم هذه التغيرات يشمل ظهور حكومة أغلبية شيعية منتخبة في العراق المجاور. وكذلك حملة انتخابات مجالس البلدية في جميع أنحاء السعودية، ورفع بعض مظاهر التمييز الذي عانى منه الشيعة في المملكة لفترة طويلة.
ومن المتوقع أن تؤدي انتخابات المجالس البلدية، المحدودة، في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية إلى فوز المرشحين الشيعة بالمقاعد الخمسة المخصصة للقطيف. وهي مدينة على الخليج الفارسي يبلغ تعدادها 900,000 نسمة.
وقد تكلم الشيخ حسن الصفار، وهو احد رجال الدين المعارضين والذي تعرض للسجن وقضى 15 عاما في المنفى حتى عام 1995م، لمدة ساعة في إحدى الخيم الانتخابية لأحد المرشحين. حيث قال أن حتى هذه الانتخابات المحدودة مهمة «لأنها تذكي في عقول الناس شرارة التفكير في ما يهمهم ويطمحون إليه جميعا». وقد تطرق الشيخ الصفار إلى العراق قائلا: «إن التصويت هو اقل ما يمكن للسعوديين أن يقوموا به، مقارنة بالمخاطر التي تعرض لها إخوانهم في الجوار لممارسة هذه الحرية الجديدة». واعتبر مسألة الانتخابات مسألة خاصة بكل السعوديين وليس للشيعة فقط.
يبلغ عدد الشيعة في السعودية حوالي 2مليون نسمه، يعيش معظمهم في المنطقة الشرقية، وهم يكونون حوالي 10-15% من سكان السعودية. وتواجه هذه الأقلية نفس المشاكل التي يواجهها السعوديون الآخرون مثل: فقد الحرية تماما في التجمع والتعبير عن الرأي، وكذلك معظم الحقوق المدنية الاساسية. وقد أبدت الناشطات السعوديات من الشيعة استيائهن من أن جميع النساء السعوديات ممنوعات من المشاركة في الانتخابات. ولكن شعور الشيعة بمشاكلهم يظهر بشكلَََ أكثر حدة، لأنهم عانوا من التمييز الديني والاقتصادي في السعودية، وخاصة عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام1979م. حيث صور الشيعة كطابور خامس. ليس فقط لان شيعة إيران أثاروا إسقاط الدولة السعودية، ولكن بسبب قيام أعمال شغب هنا في القطيف في بداية الثمانينات.
وحقيقةٌ، فان إدراك أن الشيعة متمركزين فوق أغنى حقول النفط في المملكة أدت إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم.
فلا يوجد هناك أي وزير شيعي في مجلس الوزراء، ويوجد سفير شيعي واحد في إيران. وقد ابعد الشيعة عن الوظائف المهمة في القوات المسلحة والأجهزه الأمنية، ولا يوجد رؤساء بلديات شيعة أو مدراء شرطة. كذلك لا يوجد في مدارس البنات الشيعة، والبالغ عددها 300 مدرسة في المنطقة الشرقية, مديرة شيعية واحدة.
ويعتقد الشيعة السعوديون أن على الحكومة أن تبدأ على الأقل في معاملتهم كمواطنين. لاسيما بعد التقاء ولي العهد السعودي الأمير عبد الله قبل عامين مع مجموعة منهم، والتي قدمت عريضة للمساواة في الحقوق تسمى «شركاء في الوطن».
وقد دعا الأمير إلى تفاهم أفضل بين السنة والشيعة, وكذلك قام بدعوة الشيعة البارزين للمشاركة في المؤتمرين اللذين اقامهما للحوار الوطني، والذي يعتبر فعليا المنتدى العام الوحيد الذي يسمح فيه للسعوديين بمناقشة طرق مقاومة المتشددين الدينيين المتمثلين في القاعدة وأتباعها.
وقد رفعت بعض القيود، أو على الأقل تم التغاضي عنها، في السنوات القليلة الماضية عن القطيف، منها السماح بإقامة التجمعات والمساجد الشيعية بالإضافة إلى الاحتفال العلني بشعائر عاشوراء.
ولكن التغيير الضئيل الذي حصل خارج القطيف طرح السؤال عن مدى التزام الحكومة بهذا التسامح. حيث أن احتفالات عاشوراء ما زالت محظورة في الدمام، المدينة المجاورة للقطيف والتي يقطنها 600,000 شخص بينهم 150,000 شيعيي. ولا يوجد هناك سوى مسجد شيعي واحد مصرح به ولكن لا توجد مقبرة خاصة بالشيعية. وكذلك يمنع الأذان الشيعي وتحظر القطع الطينية التي من المفروض أن يضع الشيعة عليها جباههم في الصلاة.
ويأمل الشيعة في الدمام بمناقشة بعض من هذه المواضيع في الحملات الانتخابية للمجالس البلدية. وستقام الانتخابات على 3 مراحل في مناطق مختلفة من البلاد وستكون المرحلة الثانية المنطقة الشرقية يوم الخميس المقبل. ولكن يقول المرشحون والناخبون أنهم لم يجرؤوا على طرح مثل هذه المواضيع في الخيم الانتخابية خشية أن توقف الحملة.
ويأمل الشيعة السعوديون أنهم بمجرد انتخاب بعضا منهم في المجالس البلدية، على الأقل في القطيف، بأنهم سيستطيعون مناقشة مشاكلهم بطريقة علنية أكثر «أي شخص ينتخب من قبل الناس فانه يحصل على شرعية لا يحصل عليها احد غيره، حتى الملك» قالها احد المرشحين بحماس، ولكن بعد مرور 3 دقائق تماما استدرك قائلا:«من الحكمة ألا تذكر الجملة التي عن الملك» مما جعل زملاءه ينفجرون بالضحك.
البغض المضمر الذي تكنه الطائفة الوهابية للشيعة ينشر في موقع الانترنت ووسائل الإعلام المحلية وحتى في الكتب المدرسية. حيث تحتوي الكتب المدرسية السعودية على نصوص تصف معتقدات الشيعة بأنها خارجة عن الاسلام. ويعتبر الوهابية أن تبجيل الشيعة لآل النبي، والتي تتضمن التعبد عند أضرحتهم في كربلاء والنجف في العراق، تجسد كل أشكال الخطايا بما فيها الشرك بالله. وتؤدي مثل هذه الاعتقادات إلى سب الشيعة واعتبارهم في مرتبة دنيا من الإلحاد، أدنى حتى من اليهود والنصارى. ويرى مقال نشر حديثا في إحدى المجلات السعودية أن زواج المتعة «وهو زواج مؤقت يؤمن به الشيعة» يساعد على انتشار الايدز.
وقد قال الشيخ فوزي السيف، وهو احد رجال الدين المحليين، انه عندما القي القبض على احد أهل السنة وهو يحاول إشعال النيران في احد مراكز التجمع الشيعية في القطيف، كتب كاتب في احد مواقع الانترنت متسائلا: لماذا حاول مشعل النار أن يقوم بهذا العمل بينما كان المبنى خاليا؟! وقد حثت مواقع الانترنت كذلك السنة على التصويت يوم الخميس خشية أن يجدوا شيعة على مقاعدهم في المجالس البلدية.
ويقول الشيعة انه ليس لهم من يلجئون إليه للتحدث عن هذه التصرفات العنصرية كما يقول رجل الدين الشيعي البارز حسن النمر: «إلى من سأشتكي إذا كان القاضي أصلا شيخا وهابيا»
إن ما يبحث عنه الشيعة في السعودية حقيقة هو اعتراف صريح من الحكومة بان التشيع هو مذهب من المذاهب الإسلامية المعترف بها. ففي اعتقادهم أن كل الحقوق الأخرى ستأتي تباعا بعد هذا الاعتراف. ولكن سلالة آل سعود ما استطاعت السيطرة على معظم مناطق شبة الجزيرة العربية إلا بموالاتها للمدرسة الوهابية. وتقوم شرعيتها على محافظتها على دعم الوهابية لها. وتعتبر المؤسسة الدينية نفسها حارساٌ على المذهب السني، وتقوم ببسط نفوذها على المؤسسات بما فيها المحاكم ونظام التعليم.
يقول الشيعة أنهم تعلموا من دروسهم السابقه ان الشغب لا يؤدي إلا للقمع. مع العلم أن الحكومة السعودية تبقى متيقظة إلى أن أي عنف طائفي في العراق قد يؤدي إلى إشعال صدام مشابه في الوطن. ويعتبر الشيعة أن كلا من الضغط الخارجي والتغيرات الداخلية مثل الانتخابات ستؤدي إلى حصولهم على حقوقهم، وان كان بشكل بطيئ. ويعتقدون أن أسامة بن لادن وطبقته قد أحدثوا انفراجا مهما في الوضع الداخلي، حيث باتت العائلة الحاكمة الآن تطرح طرقا للسيطرة على المتشددين الوهابيين الذين عملت على دعمهم في السابق ولكنهم يحاولون الآن إسقاطها. والاهم من ذلك أن هذه الاقليه تضع آمالاٌ كبيرة على ما يستجد في العراق، مع أن التغيرات هناك لا تزال في بداياتها ولا يمكن القياس عليها.
فإذا استطاع الشيعة الذين سيطروا على الانتخابات العراقية أن يظهروا أن باستطاعتهم العمل مع السنة والأكراد، فان ذلك سيعزز الفكرة القائلة بإمكان تحقيق الديمقراطية، كما يقول الشيعة في السعودية وفي مناطق أخرى من الخليج الفارسي. وينطبق ذلك على الأغلبية الشيعية في البحرين المجاورة والمحكومة منذ زمن بعيد بالأقلية السنية، كما ينطبق كذلك على الأقلية الشيعية في الكويت. ويوجد في العالم الآن حوالي 112مليون شيعي من بين مليار ونصف مسلم.
وقد عبر بعض الحكام السنة من خوفهم من المد الشيعي، مثل الملك عبدا لله الثاني ملك الأردن، الذي وصف ظهور هلال شيعي من طهران و بغداد إلى دمشق وبيروت بأنه يشكل تهديداٌ محتملاٌ لاستقرار المنطقة «الأقلية العلوية التي تحكم سوريا هي طائفة شيعية مع أن الشيعة يعتبرونها منشقة عن مذهبهم».
يقول محمد محفوظ، وهو محرر لإحدى المجلات الثقافية في القطيف «ما يحدث في العراق اليوم يرفع الطموحات السياسية للشيعة. حيث أن الديموقراطية والمشاركة الشعبية هي أدوات من شأنها أن تؤدي إلى تهدئة الخلافات الداخلية، وبذلك يستطيع الشيعة الحصول على حقوقهم وتحقيق وطموحاتهم».
http://64.246.59.124/artc.php?id=5268
http://www.nytimes.com/2005/03/02/internat...er=MOREOVERNEWS