لأني تعبت من الكتابة، منذ مدة طويلة جدا لم أدخل في نقاشات أو أكتب ردودا طويلة... فهذه عينة منقولة لك، عن مجلتنا جسور... صحيح هو لا يجيبك بشكل مباشر عن سؤالك، لكنه يتحدث في لب الموضوع وإن بشكل عام.
[QUOTE]تنشط في دول العالم العربي حاليا حركات تحرر المرأة، ويتبادر الى الذهن تساؤل مهم: ما هو مفهوم التحرر؟ وهل التحرر يعني الانحلال كما يرى البعض؟ أرى الأمر مختلفا، فالتحرر لايجزأ وتحرر المرأة هو تحرر للرجل وللمجتمع ككل، وهو بالتأكيد لا يعني الانحلال، هذا اذا اتفقنا على مفهوم الانحلال، وهو ما أراه أمرا ممطوطا يختلف طبقا لظروف وعادات وتقاليد كل مجتمع، فان من ينظر الى المجتمع الغربي على أنه منحل يتجاهل الكثير عن ظروف وثقافات الشعوب، ويمنح الفرصة بالتالي للشعوب الغربية برؤيتنا باعتبارنا شعوب متخلفة،فالانسان يجب أن ينظر طوال الوقت بشكل موضوعي لما يراه خارجا عن السياق، وفي اطار مجتمعاتنا العربية، والتي يغلب عليها الطابع الاسلامي، يجب مناقشة الأمر من زوايا مختلفة، فمن العبث اعادة الحديث المكرور عن الحقوق التي شرعها الاسلام للمرأة، فقد قتلت بحثا، وصار شبه اتفاق بين المتنورين أن الاسلام كفل للمرأة كل الحقوق المساوية للرجل، فكيف بالله -بشكل منطقي- تملك المرأة كل حقوق المعاملات، ويكون لها ذمة مالية منفصلة، ولا تملك المشاركة في أمور مجتمعها الذي تمثل نصفه، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، أما من الزاوية الاجتماعية فالأمر شديد التعقيد، ويجب أن نتعرض فيه للجانب التاريخي، والموروث الاجتماعي ، والظروف الراهنة، وأمور المستقبل، وهو ما يحتاج في مناقشته الى مجلدات، لذلك سأحاول إلقاء نظرة سريعة جدا، والتعرض باختصار لكل هذا، فمن الناحية التاريخية لن أذكر الا جملة واحدة وأرجو أن تصل بشكل صحيح لمن يهتم، "فالتاريخ تصنعه النساء، ويكتبه الرجال"، وهذه الجملة البسيطة تستلزم إعادة قراءة التاريخ بأكمله برؤية مختلفة،أما الموروث الاجتماعي، فما هو الا ترسيخ لأوضاع قائمة، تستلزم قراءتها إعادة قراءة التاريخ بالضرورة، للتعرف على أسباب سيطرة الرجل، وانهيار فكرة المجتمع الأمومي التي ثبت سيادتها في أوقات ومجتمعات سابقة، وبالتالي فإن ثبوت أوضاع لا يعني قدسيتها، وإنما يعني إعادة النظر فيها برؤية جديدة، أما عن الظروف الراهنة فهي -من وجهة نظري- تحتم مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية بكل تداعياتها، فبشكل اقتصادي لم تعد الحياة تحتمل بقاء المرأة في المنزل، وهو -للمفارقة- ما لم يحدث أبدامن قبل، حيث كان للمرأة دورها دائما في المجنمعات الزراعية، أو الرعوية، أو غيرها، ولم يبدأ تجاهل دور المرأة الا مع الحضارة اليونانية، وهو ما يحيلنا مرة أخرى الى التاريخ، بما ليس مجاله، أما من الناحية الاجتماعية، فإلى متى ستظل المرأة في انتظار أن ينظر لها الرجل بعين العطف في أمور حياتها هي، فهو يسن القوانين التي تخدم مصالحه، ويرعي الأوضاع الاجتماعية والعملية التي تناسبه، ويطرح سؤال مهم نفسه على الأذهان، لماذا يخشى الرجل كل هذه الخشية من صحوة المرأة؟ ولماذا يبدو الوضع وكأنه عملية إحلال وإبدال؟ ولماذا يرى الطرفان -في بعض الأحيان- أن وجود وازدهار أحدهما يعني نفي الآخر؟ فهل في كل هذا شيئ من الصحة؟ لا أظن، فالحقيقة أنني أرى أن المجتمع يتكون من رجل وأمرأة بلا ترتيب، وأن بقاء الحياة وازدهارها يقوم على أكتاف الاثنين معا، وأن الموضوع يحتاج الى إعادة تقسيم للأدوار، يراعى فيها المصلحة العامة قبل كل شيئ، حتى يمكن أن يكون هناك مستقبلا من الأساس، فاذا أعاد الرجل النظر الى المرأة باعتبارها شريكا له في الحياة، وليس ياعتبارها وعاء لحمل أبنائه، وأداة لخدمته، سنصل حتما للتحرر الذي نرجوه، والذي سيفرض الياته، دون أن نتدخل، ليصبح حقا تحرر المرأة تحرر للرجل، وللمجتمع، وللحياة بأسرها.
أريج عراق
مركز دراسات المرأة الجديدة
مصر