في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
عمان - غسان حزين الحياة 2004/11/3
لقطة من مسلسل ''التغريبة الفلسطينية''.
يجذب مسلسل "التغريبة الفلسطينية" المشاهدين الأردنيين في شكل كبير وملحوظ, على رغم موعد بثه المتأخر على محطة تلفزيون الشرق الأوسط. والسبب هو أن كثيراً من العائلات تنظر إلى مشاهد المسلسل وكأنها تشاهد نفسها فيها, أو تشاهد آباءها وأجدادها على الشاشة, يتحدثون بلهجتهم الفلاحية الهجين التي شارفت على الانقراض.
ولما كانت أحداث المسلسل تجرى في غالبيتها في المناطق الريفية الفلسطينية, فإن اللهجة الفلاحية التي يتحدث بها أبطال العمل كانت الغالبة, وكأنها "فلاش باك", تمر في أذهان المشاهدين الذين يعرفون هذه الكلمات جيداً, ولكنهم نسوها في غمرة اندماج اللهجات, فتحورت لهجتهم الفلاحية القاسية تلك, وأخذت تعابير أكثر طراوة ونعومة. غير أن المسلسل أعادها إلى الذاكرة على رغم كل هذا... لهجة هجين.
يبلغ الاندماج بين الممثلين في الشاشة والمتتبعين على كنباتهم في المنازل أوجهاً في الحوارات البسيطة التي يؤديها الأبطال. يزداد الاندماج أكثر عندما يذكر اسم مدينة او قرية هجرها أهلها قبل سنوات ولم يعودوا إليها. ففي هذا لمس شفيف لماض لم ينسَ, واقتراب من مستقبل مأمول.
نكأت الأحداث التي يعرضها المسلسل بعضاً من ذكريات ماض لم ينسه من عاشوه, ولا من جاء من بعدهم. فذكريات المشاهدين عن "أيام البلاد" لا تنضب ولا تنزاح. إن راح الحديث على الشاشة صوب الكروم والزيتون... فإن صورة الأرض المهجورة تبرز للحظة, حتى عند الذين ولدوا بعيداً منها. فهؤلاء شاهدوا أرضهم في حكايات جداتهم غير مرة, وها هو المسلسل يعيد إليهم ذكرياتهم مصورة الآن.
زلات... هنا أو هناك
قد لا تكون الصورة حقيقية, وقد يكون في الأمر شيء من المبالغة, لكن التفاعل "الجماهيري" الذي يحظى به المسلسل يغفر كثيراً زلات صورية هنا أو هناك. قد لا تجد صديقين في نهار اليوم التالي لا يسترجعان أحداث حلقات الأمس, خالطين بينها وبين أحداث أهلهم الحقيقية. يتحدثون عن "القائد أبو صالح" وكأنهم يتحدثون عن الجد الذي شارك فـــي الحرب. يتحدثون عن الأستاذ وكأنه الذي علمهم قبل يوم من الرحيل. تعجبهم فتاة فلسطينية جميلة ويروحون في حديثهم صوب واحدة جننت عقول أهل البلد يوماً ما, قبل أن تختفي هي وأهلها في صيف غـادر فيه كثيرون أرضهم... ولم يعودوا.
استطاع المسلسل أن يعيد إلى عائلات كثيرة شيئاً من ذاكرتها. تفوق المسلسل على نفسه وصار كأنه مسرحية يشاهدها المتفرجون تعرض أمامهم مباشرة, بل يشاركون فيها بأدوار كومبارس تليق بهم تماماً. إنهم أولئك الناس العاديون, الكومبارس الذين ضاقت بهم الدنيا يوماً وغادروا بلادهم, على أمل الرجوع إليها غداً. طال هذا الغد, وصار شهوراً وسنين. وها هي القصة تعاد أمامهم على الشاشة. إنها قصتهم نفسها, باختلاف بسيط في بعض المشاهد البصرية, تعاد أمامهم, ويتذكرونها في الصباح, ويعيدون سردها وسرد الأحداث الحقيقية في ما بينهم.
الصورة التي يقدمها المسلسل لماضٍ قريب جعله, بالنسبة الى كثيرين, مرآة تعرض المشاهد التي مروا بها قبلاً, وصاروا هم الأبطال والبطلات والكومبارس فيه. المسلسل الآن حكاية كل بيت, يعيد الذكريات ويقدمها من جديد, فيما المشاهدون ينظرون إلى أنفسهم على الشاشة, ربما بشيء من الفرح او الحسرة على تلك الأيام.
|