{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #1
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
عمان - غسان حزين الحياة 2004/11/3


لقطة من مسلسل ''التغريبة الفلسطينية''.
يجذب مسلسل "التغريبة الفلسطينية" المشاهدين الأردنيين في شكل كبير وملحوظ, على رغم موعد بثه المتأخر على محطة تلفزيون الشرق الأوسط. والسبب هو أن كثيراً من العائلات تنظر إلى مشاهد المسلسل وكأنها تشاهد نفسها فيها, أو تشاهد آباءها وأجدادها على الشاشة, يتحدثون بلهجتهم الفلاحية الهجين التي شارفت على الانقراض.

ولما كانت أحداث المسلسل تجرى في غالبيتها في المناطق الريفية الفلسطينية, فإن اللهجة الفلاحية التي يتحدث بها أبطال العمل كانت الغالبة, وكأنها "فلاش باك", تمر في أذهان المشاهدين الذين يعرفون هذه الكلمات جيداً, ولكنهم نسوها في غمرة اندماج اللهجات, فتحورت لهجتهم الفلاحية القاسية تلك, وأخذت تعابير أكثر طراوة ونعومة. غير أن المسلسل أعادها إلى الذاكرة على رغم كل هذا... لهجة هجين.

يبلغ الاندماج بين الممثلين في الشاشة والمتتبعين على كنباتهم في المنازل أوجهاً في الحوارات البسيطة التي يؤديها الأبطال. يزداد الاندماج أكثر عندما يذكر اسم مدينة او قرية هجرها أهلها قبل سنوات ولم يعودوا إليها. ففي هذا لمس شفيف لماض لم ينسَ, واقتراب من مستقبل مأمول.

نكأت الأحداث التي يعرضها المسلسل بعضاً من ذكريات ماض لم ينسه من عاشوه, ولا من جاء من بعدهم. فذكريات المشاهدين عن "أيام البلاد" لا تنضب ولا تنزاح. إن راح الحديث على الشاشة صوب الكروم والزيتون... فإن صورة الأرض المهجورة تبرز للحظة, حتى عند الذين ولدوا بعيداً منها. فهؤلاء شاهدوا أرضهم في حكايات جداتهم غير مرة, وها هو المسلسل يعيد إليهم ذكرياتهم مصورة الآن.


زلات... هنا أو هناك

قد لا تكون الصورة حقيقية, وقد يكون في الأمر شيء من المبالغة, لكن التفاعل "الجماهيري" الذي يحظى به المسلسل يغفر كثيراً زلات صورية هنا أو هناك. قد لا تجد صديقين في نهار اليوم التالي لا يسترجعان أحداث حلقات الأمس, خالطين بينها وبين أحداث أهلهم الحقيقية. يتحدثون عن "القائد أبو صالح" وكأنهم يتحدثون عن الجد الذي شارك فـــي الحرب. يتحدثون عن الأستاذ وكأنه الذي علمهم قبل يوم من الرحيل. تعجبهم فتاة فلسطينية جميلة ويروحون في حديثهم صوب واحدة جننت عقول أهل البلد يوماً ما, قبل أن تختفي هي وأهلها في صيف غـادر فيه كثيرون أرضهم... ولم يعودوا.

استطاع المسلسل أن يعيد إلى عائلات كثيرة شيئاً من ذاكرتها. تفوق المسلسل على نفسه وصار كأنه مسرحية يشاهدها المتفرجون تعرض أمامهم مباشرة, بل يشاركون فيها بأدوار كومبارس تليق بهم تماماً. إنهم أولئك الناس العاديون, الكومبارس الذين ضاقت بهم الدنيا يوماً وغادروا بلادهم, على أمل الرجوع إليها غداً. طال هذا الغد, وصار شهوراً وسنين. وها هي القصة تعاد أمامهم على الشاشة. إنها قصتهم نفسها, باختلاف بسيط في بعض المشاهد البصرية, تعاد أمامهم, ويتذكرونها في الصباح, ويعيدون سردها وسرد الأحداث الحقيقية في ما بينهم.

الصورة التي يقدمها المسلسل لماضٍ قريب جعله, بالنسبة الى كثيرين, مرآة تعرض المشاهد التي مروا بها قبلاً, وصاروا هم الأبطال والبطلات والكومبارس فيه. المسلسل الآن حكاية كل بيت, يعيد الذكريات ويقدمها من جديد, فيما المشاهدون ينظرون إلى أنفسهم على الشاشة, ربما بشيء من الفرح او الحسرة على تلك الأيام.
11-03-2004, 03:26 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #2
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
التغريبـــة
2004/11/22


فــاروق وادي
مغامرة متعددة الأبعاد، كتابة وإخراجاً وإنتاجاً، انطوت عليها التغريبة الفلسطينيّة . إنها مغامرة في الكتابة أولاً، حرّكها طموح التجسيد الدرامي لتراجيديا المقاومة والرحيل والمنفي، وهو طموح لم يبرح مخيِّلة الكاتب وأحلامه منذ وقت بعيد.
لقد اشتغل كاتب النّص، الدكتور وليد سيف، علي مستويات دراميّة متعددة. فثمّة مادة ثريّة نابعة من تراجيديا التجربة الفلسطينيّة في حقبة هادرة تناولها المسلسل، ما استدعي المحافظة علي الجانب الثوثيقي في العمل إلي حدّ كبير. وثمّة المادة التخييليّة التي رصدت لحياة أسرة فلسطينيّة وقرية تعرّض أهلها للتهجير، ما اقتضي ملاحقة شخصيات زاخرة تنهض عليها البنية الملحميّة للنصّ.
الالتزام برصد وقائع التاريخ وأحداثه المريرة، أبقي الخيال الإبداعي مقيّداً إلي حدّ ما، فنهضت البنية الدراميّة علي خط رهيف يحاذر السقوط في النزعة التاريخيّة، مع الحرص علي حقّ المخيِّلة في ممارسة دورها. وتزداد صعوبات التخييل هنا، في أننا أمام تراجيديا صنعها التاريخ تفوق كلّ ما يمكن أن يصنعه الخيال الحرّ.
لقد كان علي الخيال أن يتنازل عن شيء من مساحته المفترضة، وكان علي الحقيقة التاريخيّة أن تقفز عن بعض تفاصيلها الهامّة لتمارس المُخيِّلة حقّها الإبداعي. ورغم بعض الهنّات، فقد ظلّ التوازن قائماً بين الواقعي والمُتخيّل إلي حدّ كبير.
الحقيقة التاريخيّة والنزعة التوثيقيّة والخطاب السياسي والأيدولوجي والطبقي للمسلسل، كلّها، عناصر تحالفت لتفرض علي كاتب النصّ العديد من الشخصيات النمطيّة (المختار، المثقف، المقاتل، الوجـــاهات التقليديّة، البورجـــوازيّة الوطنيّة.. الخ). وقيمة الشخصيّة النمطيّة تكمن في أنها لا تمثِّل نفسها فحسب، وإنما قطاعاً عريضاً من الفئة التي تنتمي إليها، غير أن عيبها يكمن في بهوت ملامحها الشخصيّة في كثير من الأحيان، إن لم يكن أمّحاء خصوصيتها الإنسانيّة (شخصيّة المثقّف علي وجه التحديد). إلاّ أن هذه النمطيّة تنكسر عند الحديث عن شخصيّة القائد الثوري، وربما كان التركيز علي عيوب بعض القيادات وممارساتها في ثورة 1936 قد أسهم في إخراج هذه الشخصيّة عن نمطيتها، وحتي كسر شيء من قداستها في المخيال الشعبي. كما حدث أن أسهمت قدرات الممثِّل أحياناً في كسر الرتابة النمطيّة للشخصيّة.
المغامرة الإخراجيّة التي خاضها حاتم علي، تكمن أولاً في خروجه هذه المرّة من المسلسل التاريخي والمسلسل الاجتماعي، إلي ارتياد شكل جديد. فهو يدخل واقعاً آخر وتاريخاً قريباً لم يزل بعض من عايشه علي قيد الحياة، ويحقق نجاحاً كبيراً ليس في اختيار كادراته وإدارة ممثليه وإنطاقهم بمستوي متفاوت الإتقان للهجة الفلسطينيّة المحكيّة، وإنما في تحريك المجاميع الهائلة بمقدرة فائقة وإقناع شديد، خاصة في المشاهد القتاليّة ومشهد الخروج الكبير عام 1948، ومشاهد تشكيل النواة الأولي للمخيّم في السنوات الأولي للنكبة، التي أعاد المسلسل إنتاجها بشكل لافت يستحق التقدير.
أما المغامرة الإنتاجيّة، فتتمثّل في تقديم مسلسل بهذا المستوي المتقدِّم، في زمن يشهد فيه الواقع العربي بمستوييه، الرسمي والشعبي، تراجعاً فادحاً عن الاهتمام بالموضوع الفلسطيني.
في هذا المناخ المُزري، تُقدِم شركة إنتاج سوريّة علي مغامرة غير مأمونة العواقب علي المستوي التجاري التسويقي، فتُقدِّم مسلسلاً ملحمياً ضخماً يرصد تاريخ المقاومة الفلسطينيّة ومأساة الرحيل الكبري، كاسرة بذلك رهبة الدخول إلي تراجيديا زاخرة، وموضوعاً يشهد انفضاضاً من حوله في القمم وفي الشارع علي السواء، فيعمل علي إحياء ذاكرة في طريقها إلي التكلُّس والنسيان.
إن الأعمال الكبري والجادة، وحدها، هي الجديرة بالنقاش. ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نُسجِّل بعض الملاحظات الأوليّة حول هذا العمل الكبير..
فالمكان الفلسطيني المُقام لأغراض التصوير، ظلّ يُجافي حقيقة القرية الفلسطينيّة، سواء في طبيعتها الجغرافيّة أو في مبناها العمراني. ثمّة إمعان في بؤس المكان ونُدرة الخضرة فيه. ومثل هذا الأمر ليس مجرّد مسألة جماليّة أو رغبة رومانسيّة في رؤية ما يُشبه أمكنة تسكن في ذاكرة الآباء، لكن المشهد الجغرافي البائس قد يستدعي إلي الوعي الادعاء الصهيوني بأنهم جاءوا ليحيوا أرضاً قاحلة وهي رميم. صحيح أن المخرج لجأ، في كثير من الأحيان، إلي الالتفاف الخارجي علي هذا البؤس عبر تكرار عرض كادر بانورامي ثابت لقرية أخري أكثر جمالاً ومُحاطة بالخُضرة، إلاّ أن حيّز الحركة الدراميّة الأكبر كان يحدث علي أراضٍ شبه جرداء.
إن خطاب الدراما التلفزيونيّة هو خطاب بصري في الأساس، يمكن أن يرتقي بقيمته إلي مستوي الخطاب السينمائي بجماليته وكثافته. وهو ما يجد نقيضه في اللجوء إلي الخطاب اللفظي المباشر، سرداً وتعليقاً وتعبيراً عن مشاعر، وهو وإن لعب دوراً توثيقياً واختزالياً وبلغة ارتقت أحياناً إلي مستوي الشِّعر، إلاّ أن السرد البصري يبقي هو الأساس، أمّا السّرد اللفظي المباشر فهو يستعير أشكال التعبير الأدبي.
يتجلّي الخطاب البصري بالغ التأثير، كنموذج، في مشهد إرسال البنت إلي بيت زوجها الثاني. فهو واحد من المشاهد الإنسانيّة الدراميّة الهائلة بقيمتها البصريّة، إذ اجتمعت في صياغته الحركة المنكسرة للرجال، واللون الأصفر الكابي، مع أغنية مفترضة للفرح، ظلّت تشعّ حزناً لا يُنسي.
اختيار الممثلين كان موفقاً في الغالب. جولييت عوّاد (الأم) من بين الجميع كانت الأكثر تلقائيّة واتقاناً لتعبيراتها اللفظيّة والحركيّة، فبدت لا تمثِّل بقدر ما تعيش حياة. وإلي جانبها يقف خالد تاجا (الأب) بصمته المُعبِّر عن دواخله وعُمق الفجيعة، ويارا صبري (أم صالح) بحزنها وانكساراتها الإنسانيّة التي تخفيها في سريرتها، وباسل خيّاط (حسن) بحيويته الشخصيّة والأدائيّة الأكثر تميُّزاً من بين الأبناء.
وإذا كانت الموسيقي والأغنيات قد أضافت شحنة تعبيريّة هائلة إلي العمل الدرامي، فالعكس يمكن أن يُسجِّل حول الزيّ النسائي الفلسطيني، الذي ظلّ شبه غائب، وإن ظهر فحكراً علي طبقة الأغنياء وليس جزءاً من مشهد الحياة اليوميّة في القرية وفي أسواق المدن الفلسطينيّة.. وحتّي في المخيّم.
لقد جاءت التغريبة الفلسطينيّة ، بصياغتها الدراميّة المتميِّزة، وعمل مخرجها، وأداء ممثليها، وجهد طاقمها، لتحكّ جراحاً لم تندمل، وتعيد قراءة تجربتنا وأحزاننا من جديد.. وبمنظور جديد، ولتوقظ ذاكرة باتت عُرضة لرياح النسيان..
إنها نموذج للعمل الدرامي الذي يحرص علي احترام عقل المتفرِّج، وذائقته، ووجدانه، بحيث يمكننا القول، ودون تردد، أن الدراما التلفزيونيّة حول القضيّة الفلسطينيّة.. قد وُلدت اليوم!
كاتب من فلسطين
0
QPT3

11-22-2004, 04:50 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #3
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
الى عربان أوروبا...شاهدوا التغريبة على الفضائية السورية 6.30 مساء توقيت باريظ أو قناة أبو ظبي ليلا...:97::97::97:
01-12-2005, 02:49 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
بسام الخوري غير متصل
Super Moderator
******

المشاركات: 22,090
الانضمام: Feb 2004
مشاركة: #4
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
التغريبة الفلسطينية: استحضار الشعرية وتفجر الشاعرية
2005/01/12


مازن دويكات
بعد مجموعة من الأعمال التلفزيونية المتميزة للثنائي المبدع د. وليد سيف كاتباً، وحاتم علي مخرجاً، امتدت إلي ثلاثة مسلسلات، صلاح الدين الأيوبي وصقر قريش وربيع قرطبة، وعلي الرغم من هذا الإبداع الملفت، إلا أن مقولة ليس في الإمكان إلا أبدع مما كان أصبحت رؤية إبداعية محكومة بالجمال والحس الإنساني تراود مخيلة وليد سيف وحاتم علي، وكانت التغريبة الفلسطينية عملاً درامياً اقترب كثيراً من الواقع بدأ بالملامسة وانتهي بالحفر في أعماق التراجيديا الفلسطينية التي لم تنه أعمالها الموجعة بعد، فوق أرض الواقع الفلسطيني، داخلياً علي ما تبقي من الوطن، وخارجياً علي ما تشظي في المنفي من وجع وحنين.
في هذا العمل استطاع وليد سيف كونه شاعراً أولاً أن يستحضر أعماله الشعرية التي أبدعها في مطلع السبعينات من خلال مجموعتيه الشعريتين وشم علي ذراع خضرة وتغريبة بني فلسطين خاصة في قصيدته المتميزة في بعدها الدرامي تغريبة زيد الياسين إن خضرة الموشومة بذراعها لم تحتمل مساحة الشعر الضيقة، لذلك كان لا بد لها أن تنطلق مهرة خضراء في ساحة أكثر اتساعاً حتي يلمح ويري أصالتها الفلسطينية أكبر قدر ممكن من أبناء شعبها الذي أنجبها. إنها خضرة الموشومة بقلبها الذي لم يحتمل خروجها مع المهاجرين لذلك أعادها إلي رشدها في مسقط الروح والبدن، وأعاد ابنها رشدي إليها، إلي أرض الوطن في أرض عام 1948، خضرة هي زوجة الشهيد عبد وشقيقة الشهيد حسن أولاً وهي شقيقة قائد ثورة الفلاحين أحمد وأم رشدي ثانياً، رشدي الذي حمل الحلم في الذاكرة وبندقية والده الشهيد التي أصبحت في نهاية الحلقة الأخيرة من المسلسل حالة رمزية تعبر عن امتداد المقاومة وديمومتها إلي أن تنتهي هذه التغريبة علي أرض الواقع. إن وقوف رشدي أمام المغارة بعد أن أخرج البندقية جاء علي أرضية وخلفية الضوء الذي يخترق باب المغارة ونشيد الفدائي لإبراهيم طوقان هو في الباب واقف والردي منه خائف وفي نفس الوقت كان صوت المقاوم في قصيدة محمود درويش أيها المارون بين الكلمات العابرة احملوا أسماءكم وانصرفوا يعمق هذا المشهد الذي جسد مثلث الحياة والأمل.
البندقية والشهيد والمقاوم، وقد يكون مشهد استشهاد زوج خضرة من أكثر المشاهد قسوة علي متابع المسلسل، خاصة حين حمله الجنود الإنكليز إلي البلدة، والقوهُ في الساحة العامة كي يتعرف عليه الناس، لقد كتمت خضرة أنفاسها حين تعرفت علي زوجها الشهيد ومن يقرأ قصيدة الموت آخر الليل لوليد سيف من ديوانه وشم علي ذراع خضرة، يحس أن الشهيد في القصيدة يخاطب الحشود الملتفة حول جسده المسجي في ساحة البلدة داخل المسلسل:
حين أداروا ظهري بنذالة
كانت خضرة
تسلخ عن وجهي
أعشاب الزمن البائت
وقباب المدنِ المأفونة
وعن الجسد الريان الأخضر
تخلع لي أقنعة الصمت الفائت
وبكل فنون العزم العاشق
كشفت لي كل الأسرار
سقطت جمرة
واشتعلت في صحن الدار
حين أداروا ظهري
وقبيل مروق النار
كنت هنالك أدخل فيها
عبر تضاريس الجسد الفائد
أتوحد فيها
دون هوية أسفار
أما في مجموعة وليد سيف الشعرية تغريبة بني فلسطين لا يخفي علي أحد علاقتها في الطباق والمعني والدلالة مع اسم المسلسل كذلك مع قصيدته الشهيرة تغريبة زيد الياسين أن زيد الياسين ما زال يتنقل ويرحل بين مخيمات اللجوء والشتات، فقد يكون أبو جندل في مخيم جنين وقد يكون ابن زريق البغدادي في الفلوجة. فعلي الرغم من حجم حالة الفقد الهائلة التي عاشها النبي يونس داخل الحوت إلا أن القدرة الإلهية لم تسمح بالفقد النهائي في الحالة النبوية كذلك في حالة زيد الياسين الذي هو في بعده الآخر أحمد صالح الشيخ يونس، فكأنه من نفس السلالة التي لم يستطع الحوت هضمها حتي ولو كان هذا الحوت مداً استعمارياً أحلالياً مدعماً بحاضنة صهيونية ورافعة أميركية. إن مثل هذا الاستحضار الشعري لوليد سيف، هو أيضاً تفجر شاعرية علي صعيد الإخراج التلفزيوني لحاتم علي الذي استطاع بجدارة أن يوظف الشعر والموسيقي والفن التشكيلي ليجرد العمل من وثائقيته وخطابه السياسي الذي يعتمد علي الشعار الرنان، كذلك جاء التركيز علي البعد الإنساني في هذه التراجيديا بلغة فنية شاعرية تتناغم كلياً مع شعرية وليد سيف.
إن مسلسل التغريبة الفلسطينية آثر أن لا يحتك في النظام السياسي العربي، ليس خوفاً من الاحتكاك ونتائجه فقط، ولكن لضرورة فنية، لذلك جاء الرمز في هذا المسلسل علي خلفية رؤية فنية وضرورة جمالية، وليس وقائية خوفاً من المسائلة وقوانين الرقابة الصارمة، هناك مجموعة من الرموز تم توظيفها في هذا المسلسل وجاءت هذه الرموز متعددة الأبعاد والأغوار، مما حقق حالة من الرضي والانسجام لكل شرائح المجتمع الذين تابعو هذا المسلسل، وقد جاء التفاوت والاختلاف في هذه الرموز بثلاثة أطياف رؤيوية، منها الطيف الترميزي الواضح والطيف الشفاف والطيف المعتم الذي يحتاج لبصيرة زرقاء اليمامة حتي تضيء عماه المعتم، لقد حشد في المسلسل كما متعددا من الرموز الواضحة المعروفة لدي الجميع مثل الكوفية والملابس واللهجة والبرتقال ومفتاح البيت.. إلخ، مثل هذه الرموز مهمتها ووظيفتها أن تدل علي هوية الإنسان والمكان، أما الرمز الشفاف، فقد تجسد في حالة موت حسين خلال رحلة العذاب في الصحراء إلي الكويت بحثاً عن لقمة الخبز المغمسة بالنفط الأسود.
ليس صدفة أن تقف الساعة في يد الميت لحظة موته، في الأصل أن يحمل مسعود هذه الساعة ويحتفظ بها كونها ذكري من صديقه الميت، ومما يؤكد علي رمزية المشهد، ترك الساعة فوق قبر الميت لأنها تدل علي توقف الحياة، وهذا يتناقض مع الحالة الفلسطينية في بعدها الراهن والمستقبل، فالفلسطيني يحتاج إلي وقت إضافي إلي يومه حتي يرمم هذا اليوم ويبني علي أرض الواقع المؤلم حلمه المتحصن في الذاكرة، كذلك نستطيع اعتبار انتقال البندقية من الشهـــيد زوج خضرة إلي أخيها الشهــــيد حسن ومن ثم انتقالها التراجيدي إلي ابن الشهيد رشدي، إن هذه البندقية علي صعيد الواقع فقدت مفعولها التقني بالأقدمية، بمعني أنها فقدت قدرتها القتالية أمام أسلحة العدو الحديثة، وقد جاء إنتقال البندقية عبر عدة مراحل ليؤكد علي البعد الرمزي الذي يقصد منه استمرار المقاومة الفلسطينية من جيل إلي جيل.
فالرمز الشفاف هنا وظّف ليدل علي الاستمرارية والمواصلة حتي بلوغ الهدف، أما الترميز الثالث في هذا العمل، هو الرمز المعتم، فقد تداخل وتشابك في مسارين، المسار الأول تجسد في الأمومة والبنوة، بين خضرة وابنها رشدي من جهة، وبين المجنونة أم سالم وابنها سالم من جهة أخري، أما المسار الثاني فقد تجسد في خضرة الزوجة وزوجها الثاني (جابر)، في المسار الأول حدث تداخل وتشابك حدّ التماهي بين رشدي الذي فقد أمه في الهجرة وبين المجنونة أم سالم التي فقدت ابنها في نفس الأحداث، إن هذا الفقد التعويضي علي الرغم من عدم تكافئه إلا أنه حقق الدلالة في نهاية العمل من خلال رشدي الذي أسس علاقته مع المجنونة أم سالم علي أساس تعويض فقد أمه خضره، وفي المقابل جاء ليعوض أم سالم عن فقدها لابنها من خلال رشدي، فكأن رشدي وما يحمل اسمه من دلالة قد أعاد الرشد إلي أم سالم في نهاية المسلسل، وفي المقابل كذلك سالم من خلال دلالة اسمه قد أعاد رشدي سالماً إلي أمه، بعد ذلك جاء موت أم سالم حدثاً طبيعياً لأن مهمته الدلالية قد انتهت بعد التقاء خضرة الأم مع ابنها رشدي في مسقط الرأس علي أرض 1948 وليس في المنفي ومخيمات اللجوء وهذا مما يؤكد علي مكانة خضرة الترميزية في العمل، وهذا نلمحه ونحسه في المسار الثاني الذي طرفاه خضرة وزوجها (جابر) النذل الذي باع بندقية زوجها الأول الشهيد (عبد). سؤال يطرح نفسه في العمل، لماذا هاجر كل أهل خضرة بما فيهم أخيها أبو صالح قائد ثورة الريف، وخضرة لم تهاجر خاصة وإنها زوجة رجل لا يحمل أي هم وطني، عدا كونه نذلاً وجباناً، إن عدم هجرة خضرة يؤكد علي بعدها الترميزي الشمولي فكأن خضرة هي الوطن بسمائه وأرضه، وبمائه وهوائه، وما زوجها الثاني سوي الأوصياء الجدد الذين باعوا البندقية ولم يقاتلوا.
إن مثل هذا النظام السياسي الذي يمثله زوج خضرة، ما زال يعمل، ولكن خضرة بنت صالح الشيخ يونس ما زالت خضرة، علي الرغم من أزمنة القحط التي خلفها الجراد القادم من وراء البحار.
كاتب وشاعرمن فلسطين
0

01-14-2005, 02:44 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
اميريشو غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,269
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #5
في "التغريبة الفلسطينيّة" شاهد نفسك بطلاً... أو كومبارساً
بسام الخوري
هل تحمل هذه التغريبة أي فائدة ؟ لا أدري لكنهم فرحوا بها ..... هل قدمها الكاتب و المخرج لإحساسهم بأننا لا زلنا مقصرين بحق الفلسطينين !
لقد قصر آباؤنا و أجدادنا بحقهم . فهل ينطبق الأمر علينا ؟ أم أن الموضوع صار خارج قدرتنا ؟ و لا لوم علينا
اميريشو
01-24-2005, 04:10 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  موسيقا نسمعها غالباً بالدعايات فهل يعرفها أحد " مرفق مقطع فيديو " Free Man 2 2,217 11-17-2008, 12:32 AM
آخر رد: Free Man
  باقة فيروزيات على كيف كيفكم هدية ل "عمو" بني آدم :) (وعد الحر ديييييييين) Narina 5 2,360 07-23-2008, 12:47 PM
آخر رد: Narina
  قدود حلبية و موشحات (إهداء ل "يجعله عامر") Narina 12 5,887 07-17-2008, 02:18 PM
آخر رد: Narina
  دعوة لمشاهدة الفيلم الرائع " الأرض " بنى آدم 4 2,183 02-21-2008, 01:03 AM
آخر رد: bassant
  بطل "الامين والمأمون".. مقاوم يحمل البندقية وعاشق يحب اليهودية! تروتسكي 1 1,172 09-20-2007, 11:43 AM
آخر رد: تروتسكي

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS