خلاف استمر 14 قرنًا حول الليلة التي يحتفل بها المسلمون بعد غد
هل تمت معجزة الإسراء والمعراج.. بالروح أم بالجسد.. وفي المنام أم في اليقظة؟
* اختلاف بين أصحاب الرسول.. بين الذين يقولون إن الرسول (ص) قد انتقل انتقالاً ماديا من مكة إلي بيت المقدس وبين السيدة عائشة ومعاوية اللذين يقولان إنه لم يكن إلا منامًا * الشيخ الشعراوي يقول: الجيل الحالي من المسلمين ليس مكلفًا بتصديق المعجزات الحسية للرسول (ص).. إنما المكلفون هم الذين عاصروه * ابن القيم الجوزية يؤكد منذ 700 سنة أن الإسراء لم يكن منامًا.. ولكنه كان بالروح وليس بالجسد
محمد شبل
تهل ذكري الإسراء والمعراج كل عام، مصطحبة المقالات والأحاديث والتحقيقات في كل وسائل الإعلام.
ولقد كتب الراحل الشيخ أحمد حسن الباقوري (وزير الأوقاف الأسبق) عن هذا الموضوع في كتابه «صفوة السيرة المحمدية» فقال:
«يذهب فريق من أصحاب رسول الله (ص) إلي أنه قد أُسري به إسراء حقيقيا، فانتقل انتقالا ماديا من مكة إلي بيت المقدس..
وحُجة هذا الفريق قول الله جل ثناؤه: «سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي» (الإسراء: 1).
ووجه الحجة في هذه الآية أن كلمة «عبْد» لا يفهم منها العربي إلا الإنسان بحقيقته كلها.. وأكثر المسلمين يعتنقون هذا المذهب ويتعصبون له.
غير أن أم المؤمنين «عائشة» (رضي الله عنها) وصاحب رسول الله «معاوية» يذكران أن الإسراء والمعراج لم يكن إلا مناما (بالروح).
وربما التمسوا الحجة لرأيهم هذا في قول الله جل ثناؤه: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس» (الإسراء: 60).
ووجه الاحتجاج في هذه الآية ماثل في كلمة «رؤيا» من حيث كانت هذه الكلمة علي هذه الصورة مصدرا لفعل: رأي في المنام. فلو كانت في اليقظة لكانت اللغة «رؤية».
فالعدول عن المصدر في هذه الصورة إلي المصدر في الصورة الأخري دليل علي أن الإسراء كان في المنام ولم يكن يقظة» انتهي.
هذا وقد قرأت بجريدة «الوفد» في 19/8/2005 حديثا للدكتور أحمد شوقي الفنجري (زميل كلية الأطباء الملكية بلندن، ورئيس المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة، وعضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية) قال فيه: «إن الإسراء والمعراج كان بالبدن والنفس والعقل والروح جميعا.
وسأله المحرر: زعم البعض أن الإسراء والمعراج كان رؤيا منام. (تذكر أن هذا البعض هما عائشة ومعاوية)!!
فقال: لقد نسوا أن ذلك أمر يرفضه العقل، فلو كان رؤيا منام ما كذّبها المشركون، وما أرتد بعض ضعاف الإيمان عن الإسلام. فلا ينكر أحد من الناس رؤيا رجل رأي نفسه في المنام أنه يصعد إلي السموات العلا، ويري فيها كذا وكذا ويعود. ولو كان رؤيا منام لازداد الناس شغفا لسماع تلك الرؤيا أما أن ينكروها ولا يصدقوها فلا تكون رؤيا منام. ولو كان رؤيا منام ما كان فتنة للناس، ولما قالت «أم هانئ» لرسول الله صلي الله عليه وسلم: لا تحدّث بها الناس فيكذبونك، ولما جاءت «قريش» رسول الله وقالوا له: أتدعي أنك أتيتها في ليلة ونحن نضرب لها أكباد الإبل شهرا؟» انتهي.
وما جاء بكتاب الشيخ «الباقوري» الصادر في عام 1978، وما جاء بحديث الدكتور «الفنجري»، والفاصل الزمني بينهما أكثر من ربع قرن، كان يقتضي تبادل المواقف، حيث بمرور الزمن يزيد التفتح والقبول بتعدد الآراء.
ما لا يتعلق بالأصول
إن الشيخ «الباقوري» قد عرض الرأيين اللذين وردا بالمراجع التاريخية: الذي يقول إن الإسراء كان بالروح والجسد. والذي يقول إنه كان بالروح. بينما الدكتور «الفنجري» أخفي أحدهما (الذي ينكره) وأطلق الآخر، متجاهلا التاريخ، ودافعا بفكر المتلقي في اتجاه واحد. ونحن محتاجون اليوم إلي سماع مختلف الآراء وترك مساحة للعقل للتفكر، في مسائل الدين غير المتعلقة بالأصول. فهذا هو السبيل لتحجيم التطرف والرأي الواحد، وهذا هو معراج التقدم.. ورحم الله الشيخ «الشعراوي» الذي قال يوما: «إن الجيل الحالي من المسلمين ليس مكلفا بالتصديق بالمعجزات الحسية للرسول (ص) إنما المكلفون هم الذين عاصروه».
علي أي حال ثمة جديد في الموضوع. أريد اليوم تقديم رأي عميق وقيم، يوفق بين الرأيين السابقين، ويحل جميع المعضلات ويجيب عن جميع التساؤلات.. وهو رأي كتبه الإمام «ابن قيم الجوزية» (توفي 751هـ) في كتابه المعروف: «زاد المعاد في هدي خير العباد».
التوفيق بين الآراء
قال «ابن القيم»: «قد نُقل عن «عائشة» و«معاوية» أنهما قالا: إنما كان الإسراء بروحه ولم يفقد جسده (أي لم يبارح الفراش).
وينبغي أن يعلم الفرق بين أن يقال: كان الإسراء «مناما» وبين أن يقال: كان «بروحه دون جسده»، وبينهما فرق عظيم.
وعائشة ومعاوية لم يقولا كان مناما وإنما قالا أُسري بروحه ولم يفقد جسده، وفرق بين الأمرين، فإن ما يراه النائم قد يكون أمثال مضروبة للمعلوم في الصور المحسوسة، فيري كأنه قد عرج به إلي السماء أو ذهب به إلي مكة وأقطار الأرض وروحه لم تصعد ولم تذهب وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال.. والذين قالوا عرج برسول الله طائفتان: طائفة قالت عرج بروحه وبدنه، وطائفة قالت عرج بروحه ولم يفقد بدنه، وهؤلاء لم يريدوا أن المعراج كان مناما وإنما أرادوا أن الروح ذاتها أسري بها وعرج بها حقيقة، وباشرت من جنس ما تباشر بعد المفارقة (أي بعد الموت) وكان حالها في ذلك كحالها بعد المفارقة في صعودها إلي السموات سماء سماء حتي ينتهي بها إلي السماء السابعة فتقف بين يدي الله عز وجل فيأمر فيها بما يشاء ثم تنزل إلي الأرض.
فالذي كان لرسول الله ليلة الإسراء أكمل بما يحصل للروح عند المفارقة. ومعلوم أن هذا أمر فوق ما يراه النائم. لكن لما كان رسول الله في مقام خرق العوائد عرج بذات روحه المقدسة حقيقة من غير إماتة. ومن سواه لا ينال بذات روحه الصعود إلي السماء إلا بعد الموت والمفارقة.. فالأنبياء إنما استقرت أرواحهم هناك بعد مفارقة الأبدان، وروح رسول الله صعدت إلي هناك في حال الحياة ثم عادت» انتهي.
هذا هو رأي «ابن القيم».. وكم عجبت أن يكون رأي فقيه بهذا الانطلاق منذ حوالي سبعمائة سنة!!
ويقودنا هذا إلي الاستمداد من العلوم الروحية فنقول إن الإسراء والمعراج كانا بالنفس وهي الجسد الأثيري بداخله الروح.
وهذا الرأي يوفق بين الرأيين التاريخيين، ويجيب عن جميع الأسئلة التي لم تجد لها جوابا:
ـ فالرسول قام بالرحلة بالروح والجسد معا (لكنه الجسد الأثيري أو الكواكبي وليس الجسد المادي) ولذلك جاء بالقرآن: «سبحان الذي أسري بعبده».
ـ والرسول رأي المشاهد بعينيه الأثيريتين وليس بالعينين الماديتين، ولذلك جاءت الآية القرآنية: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس» ولم تقل وما جعلنا «الرؤية».
ـ والذين ارتدوا عن الدين حين أبلغهم الرسول بالرحلة كانوا معذورين لأنه حدثهم عن مشاهد حقيقية وعن قافلة قريش التي شاهدها في الطريق، وهذه المشاهد لا تُري في المنام وإنما تُري في اليقظة. ذلك لأن الرسول كان متيقظا وهو يجتاز رحلة الإسراء والمعراج.
http://alkaheranews.gov.eg/