حتى لا يعاني الزملاء من طول الرد ، فقد خصصت لكل زميل جزء يتعلق بمداخلته ، و لكن هذا لا يمنع من قراءة باقي الردود لأن ذلك يسعدني :)
أولاً إلى صاحب الموضوع
اليقين الأسطوري
سبق منذ يومين أن طرح الزميل أبو عمار عليّ في موضوعي "أصلبوا هذا الإله" نفس الفكرة التي تقول أنت بها ، و هي إما أن نجاهر بما نقول و إما أن نصمت ، و كتبت رداً عليه أتمنى لو تقرأه ضمن هذا الرابط .
إضغط هنا من فضلك
ثانياً إلى الزميل
ابو عمار
كتب :
اقتباس:مادام كل هذه الأمور التي ذكرتها عن المسلمين وتخلفهم فهلأ أعطيتنا يا أخي مشروعك الحضاري للنهوض بالامة؟
لقد سئمنا من هذا الذل والهوان فأين مشروعك انت واخوانك من الملحدين؟
وماذا فعلتوا لهذه الأمة؟
هل الاعتكاف مع المزات والشراب وقرأءة كتب الفلسفةالمترجمة والانتقال من ساقطة الى ساقطة والتفنن في جرح المتدينين هي سبيل النهوض؟
من فضلك أعطنا برنامجك النهضوي للأمة؟
دعوا الدين جانبا
ما البديل الذي لديكم؟
وما هو المشروع المقترح؟
أتمنى أن تجبني
لا أنكر أني تفاجأت لهذا التسطيح عزيزي أبو عمار ، فالمسألة لا يمكن أن تكون ضمن هذا الطرح ، و ما تدعو إليه يعني أن تهلل الأمة لأي فكرة غيبية أو ميتافيزيقية يخرج بها أي شخص في فترات الهزيمة ، تذكرني بما حدث مع اليهود بعد ما عانوا هم و غيرهم إثر حرب الثلاثين عاماً ، و عندما خرج شبتاي زيفي عام 1666 و ادعى أنه المسيح الحقيقي الذي سيخلص اليهود من معاناتهم ، و ذلك لأن اليهودية ترى في المسيح ابن مريم أنه كاذب و أن الباب لا يزال مفتوحاً في انتظار المسيح الحقيقي ، عندها آمن به عدد كبير من الناس في إيطاليا و فرنسا و ألمانيا و هولندا و اجلترا و غيرها ، بل إن الأثرياء وزعوا ثرواتهم معتقدين أنهم لم يعودوا بحاجة إليها لاقتراب نهاية العالم ، و غير ذلك .
كذلك ما قام به مارتن لوثر و غيره ممن ثاروا على سلطة البابا و بطشها ، نعم ربما كانوا الحل الأفضل يومها من ذاك الضنك و الظلم ، و لكن هل كان ذاك هو الحل المثالي الأبدي ؟؟؟؟
فقط راجع ما فعله اللوثريون بمنكري التعميد بعد أن رجحت قوتهم في أرضهم حيث قتلوهم ببشاعة لا تقل عن بشاعة محاكم التفتيش التي ثار ضدها مارتن لوثر .
البديل يا عزيزي لا يمكن أن يكون مثالية مطلقة ، البديل يكون أفضل ضمن ظروف عصره ، فما يصلح في زمن ما لا يصلح في زمن آخر ، و كل أمة مرّت بازدهار ثم انحلال و ربما امّحاء ، و لديك الكثير من الأمثلة عن الحضارات التي سادت ثم بادت ، و ليس لذلك علاقة أبداً بصحة ما تحمل من معتقدات أدت إلى سيادتها ، لذلك علاقة بما كانت تملك من أسباب القوة و البقاء ، و ما يحدث اليوم من هزيمة للأمة الإسلامية و انحطاط (كما يحب أن يردد الكثير ممن يدعو إلى العودة إلى الإسلام) ليس نتيجة لترك الدين كما يتخيلون ، فهذا يعطي الأمة الإسلامية حجماً أكبر من حجمها ، فسقوط الأمة إلى الدرك الأسفل في الإنجاز الحضاري كان لعدة أسباب أهمها تطوّر الأمم المجاورة لها و تحررها من سلطة الدين و بالتالي تجاوزت الأمة التي لم تفلح في ذلك .
الأمة الإسلامية يا عزيزي متدينة بشكل رهيب ، فانظر إلى المساجد و انظر إلى الصائمين في رمضان ، و انظر إلى كثير من المذنبين الفاسقين كيف يؤمنون بالله و الرسالة ، بل إنك تجده أمراً معهوداً أن يقول لك فلان أنه لا يصلي و لا يصوم و يسكر و يزني لكنه يؤمن بالله و الرسالة و يحاربك بل قد تثور فيه العصبية الإسلامية ليهشم وجهك إذا تطاولت على المقدسات .
الإيمان عميق لدى غالبية المسلمين يا عزيزي ، و إن قمت بعمل استطلاع للمسلمين لترى هل يؤمنون بالله و برسوله و بصدق الدعوة و يعانون عقدة الذنب للذنوب التي يرتكبونها لوجدت النسبة عالية جدا جدا في مجتمعاتنا .
عندما تتكلم عن مشروع حضاري ، فعليك أولاً أن تقبل بالآخر المخالف لعقيدتك ، لا تطرده كما قال الزميل اليقين الأسطوري ، و أنا أثمّن رفضك لهذا الأسلوب ، و نحن مثلك يا عزيزي نسعى إلى التطور الحضاري و نهوض الأمة ، و لكننا نرى الأمر عكس ما ترون ، أو أنا شخصياً أرى أن النهوض لا يكون إلا بالعلمانية ، فلك الحرية في أن تصلي و تصوم و تعبد ربك كما تشاء ، لكن لا تمارس عليّ وصاية فكرية و حصانة إسلامية بأن تحقرني و تشتمني في وسائل الإعلام و تشتم غيري و تصفهم بالكفرة الزنادقة الملحدين الأنجاس ، ثم تقول لي نهضة الأمة .
التجربة أكبر برهان يا عزيزي ، هكذا قالوا ، فلماذا لا تنظر إلى تجربة الأمم العلمانية لترى مدى تطورها الثقافي و الاجتماعي و الصناعي و الاقتصادي و القانوني ؟؟؟؟؟؟
الدولة الإسلامية يا عزيزي أخذت دورها في السابق ، و قدمت الكثير من المنجزات الحضارية في زمنها ، مثلما قدمت الكثير من المنجزات القمعية للشعوب المجاورة (قتال أو إسلام أو جزية) و كأنهم الأوصياء على قلوب الخلق ، ذاك الدور انتهى بهزيمة الدولة الإسلامية في الأندلس ، ثم سقوط الخلافة العثمانية (الشكل الشبحي المتبقي للدولة الإسلامية) بداية القرن العشرين .
التاريخ يخبرك بكل شيء ، يخبرك بما يحدث حين يسيطر الكهنوت على السلطة ، أي كهنوت مهما اختلفت ديانته ، حتى الكهنوت السوفييتي و ما فعله بكل المعارضين و المتدينين ، هذا لا يمكن أن يكون منجزاً حضارياً ، هذا قوة شد للخلف ترهق الأمة أن تتقدم و تلحق بالحضارة الحديثة .
أعرف أني أطلت و ربما حدّ الإملال ، لكن اسمح لي أن أضيف نقطة جوهرية ، و هي أن
الأمة تُقاس بمنجزها الحضاري ، و ليس الدين أو الأخلاق أو الثقافة أو أي فكر تحمله (ديني أو لايديني) إلا أداة من أدوات الإنجاز الحضاري .
فالدولة الإسلامية الغابرة ، قدمت الكثير من المنجزات الحضارية في جميع المجالات (الطب و الهندسة و الفلك و العلوم البحتة و غيرها و غيرها) و لها كل الإحترام ، كذلك العالم الغربي العلماني اليوم بما فيها "أمريكا" التي تضع على الدولار أنهم بالله يؤمنون تقدم الكثير من المنجزات الحضارية في المجالات السابقة ، بينما نحن لا نقدم غير أن نقتات على منجزاتهم ، ثم نأتي لنشتمهم و نصف تجربتهم بأنها لا عقلانية فاشلة ، بينما التجربة الصحيحة الوحيدة على الإنجاز الحضاري هي الدولة الإسلامية الغابرة . أو الآفلة على رأيك .
ملاحظة أخيرة
اقتباس:هل الاعتكاف مع المزات والشراب وقرأءة كتب الفلسفةالمترجمة والانتقال من ساقطة الى ساقطة والتفنن في جرح المتدينين هي سبيل النهوض؟
يا عزيزي أبو عمار ، أرجو أن تسحب كلامك هذا لأنه من أضعف ما قرأت لك .
فتصورك هذا للملحد أو اللاديني هو تصور ساذج للغاية و ليس له علاقة بالواقع أبداً ، فهذا الذي تصوره يسمى عربيداً هو في أدنى درجات السلم الاجتماعي حتى عند الغربيين ، و في هذا الموضع يوجد كلام كثير يمكن أن يفيدنا بها من يعيشون في الخارج أكثر .
ثالثا: الزميل
عدو المشركين
كتب :
اقتباس:انا لا اقول للملحدين حلوا عن نادينا ولكن اقول لهم اهلا بكم للحوار الجاد الهادف
هل تستطيعون تقبل الحقيقة والمنطق ام لا تزالون
في تفكيركم الذي كتبه لكم وبرمجه لكم
لينن وماركس وانجلز وبرتراندرسل
انزعوا ادمغة غيركم لتستطيعوا التفكير
بشكل سليم
وتقبلوا فائق مودتي
يا عزيزي ، إن كان هناك من هو مريض بالنقل و القص و اللصق فيقيناً ليس الملحدين أو اللادينيين ، جرّب إعمل دراسة حول الأمر لترى من هم أرباب القص و اللصق دون أدنى تفكير و تمحيص .
و أحدث دليل على ذلك هو ما تناقله المنتدويون (نسبة للمنتديات) المسلمون من صورة للمسجد الذي يقف شامخاً ضمن أرض مسوّاةٌ بالأرض نتيجة لطوفان آسيا ، و مثال ذلك حماس الزميل صبحان في نقل الفكرة
http://forum.nadyelfikr.net/viewthread.php...id=25310&page=1
ألم يخطر بباله و بال الكثيرين غيره من أن الصورة قد تكون ملفقة مثل صورة عظام الفيل المفبركة بالفوتوشوب و التي هلل لها المسلمون بأنها عظام إنسان ضخم و بالتالي صدق الأحاديث النبوية التي تصورت الإنسان القديم ضخماً يصل طوله إلى ستين ذراعاً كما قال النبي محمد عن آدم فيما رواه البخاري ؟؟؟؟
هل تعجز تقنيات الخدع التصويرية أو السينمائية عن عمل مثل هذه الصورة اليتيمة من أي أب شرعي يوثقها ؟؟؟؟
ألم يخطر بباله أن الصورة ليست أكثر من نموذج مصغّر معمول بعيدان الثقال ؟؟؟؟؟ خصوصاً تلك النخلات التي لم تتأثر بالطوفان الشامخة اليانعة باخضرارها ، بل حتى أن غصونها ظلت منتشرة في كل الجهات و لم تمِل إلى الجهة الأخرى على الأقل .
يا عزيزي ، أنت تطالب بالعقل و المنطق ، و نحن حين نناقشكم لا نقول لكم قال فلان (كمسلّمة لا يجوز مناقشتها) إلا على سبيل الرواية التاريخية .
تقول لي ماركس و لينين و راسل ، من قال لك أن كلام هؤلاء ينزل منزلة المقدس ؟؟؟
هل سبق أن أجابك أحد الملحدين أو اللادينيين بقوله " هكذا قال مراكس أو هكذا قال لينين" ؟؟؟؟؟؟؟
يا عزيزي ، كا قلتَ أنت ، نريد الاحتكام إلى العقل و المنطق ، هذا ما نبحّ به أصواتنا أمام هذه الشجرة الضخمة العملاقة من المفاهيم الغيبية الماورائية ، فتأتي لتتهمنا بأننا لا نستخدم عقولنا !!!!!!
إنه تجنٍّ ما بعده تجنٍّ يا زميلي
رابعاً : الزميل
ابن العرب
عزيزي ابن العرب ، ما قامت به الكنيسة من تنكيل و اضطهاد و تعذيب و حرق للأحياء على مر العصور هو أوضح و أفضح من أن نحاول إخفاؤه ، و ما قام به البروتيستانتيون كان حرباً شاملة على سلطة الكنيسة ، و أخالك قرأت بيان لوثر الشهير الذي أعلنه في 31 أكتوبر 1517 في خمسة و تسعين بنداً يجرد فيها البابا و كنيسته من كل سلطته ، و منها :
- كل رسل البابا الذين يبيعون صكوك الغفران يخطئون في قولهم أن العفو البابوي يمكن أن يحرر الإنسان من الخطيئة و يؤكد خلاصه ....
- ينخدع غالبية الناس بهذه الوعود الجوفاء التي يستحيل على البابا الوفاء بها .
- إن الباب لا يريد - و إن أراد لا يستطيع - أن ينقذ الإنسان من عقوبة قانون إلا الذي سنه هو بمحض إرادته .
- أولئك الذين يعتقدون بخلاصهم من العذاب في الجحيم لحصولهم على الوعود البابوية ، سيقضون أبدية تعيسة برفقة الذين علموهم هذه الأمور .
- يجب على الشعب الألماني أن يرفض دفع الضريبة السنوية للبابا لأنه بدلاً من ان يصرفها في أعمال البر و ال؛سان يستعملها لإشباع شهواته الدنيئة .
- يجب أن يمتنع البابوات عن الإنغماس في المتع و الملذات ، و أن يقللوا من مظاهر الأبعة و العظمة ، فمن التناقض العجيب أن يدعي البابا أنه راعي كنيسة المسيح على الأرض ، و خليفة القديس بطرس ، بينما يحيى حياة العزة و الأبهة غير متمثل بالمسيح الذي ولد و عاش و مات فقيراً .
و غير ذلك الكثير الكثير ، و كما ترى يا عزيزي لا يمكن أن تسمى هذه الثورة بأنها "فالبروتستانتية هي ثورة دينية على الديانة ولا يمكن اعتبار ما أنجزه الألمان من فنون وعلوم انتصارا للعلمانية أو الإلحاد"
فهذه الثورة التي ترى أنها دينية لصالح الدين هي ثورة علمانية عقلانية في جوهرها ، و ما كان للعلمانية أن تنتصر في الثورة الفرنسية من غير هذه المقدمات التاريخية التي صدّعت سلطة الكنيسة لتوضع في قبرها على يد الثورة الفرنسية ، و لا ننسى طبعاً دور التنويريين السابقين على الثورة الفرنسية كفولتير و روسو و ديدرو و غيرهم ممن تجرؤوا على نقض الكنيسة دون التطاول إلى نقد الله ، كل ذلك كان مقدمات تاريخية لا بد منها للمنجزات الحضارية التي تراها اليوم بدءاً من ساعة الوقت وصولاً إلى المشي على سطح القمر و غيره من الفضاءات .
كتبت تقول :
اقتباس:في الحقيقة، قولك هذا هو الذي منحني الحافز والشجاعة لأقدم مداخلتي هذه (أقولها بكل تواضع).
الفنون الأرقى موسيقيا ونحتا ورسما نشأت في ظل الكنيسة وهذا لا أظن أن عاقلا يمكنه أن ينكره.
يكفينا الاستشهاد بجون سباستيان باخ العبقري
وميكلانجلو الشهير
زيارة واحدة للـ Cappella Sistina في الفاتيكان نسبة إلى البابا سكستوس تكفي لإدراك هذا الأمر.
وإليك نادرة لا أدري هل هي تاريخية أم أنها لتسلية زوار الفاتيكان بمتاحفه وروائعه، ولكنني سأرويها لتضفي على الموضوع بعض النكهة الملطفة.
يا عزيزي ابن العرب ، لم أعهدك تنظر إلى الحقيقة من جانب واحد ، ففي الوقت الذي كان البابا و بطارقته يزينون كنائسهم بأبذخ مظاهر الزينة مصدرها الضريبة التي تجوّع الناس و صكوك الغفران التي تضحك عليهم .
و سأذكر لك قصة طريفة عن بناء كنيسة :
و هو ما حدث حين مات بابا روما يوليوس الثاني و تولى مكانه البابا ليو العاشر ، و الذي أراد أن يبز جميع البابوات السابقين فقرر أن يبني كنيسة لم تبن كنيسة مثلها من قبل . و لكي يبني الكنيسة العظيمة التي تسمى كنيسة بطرس أرسل البابا ليو العاشر عملاءه لبيع صكوك الغفران في جميع أنحاء العالم المسيحي .
و كان لدى البابا و جميع رجال كهنوته قائمة كاملة بجميع الخطايا التي قد يرتكبها البشر و عقاب كل خطيئة .
يعني الشباب عاملين تسعيرة :lol:
أرأيت يا عزيزي كيف كانت تُبنى الكنائس و كيف ترعرع فن النحت و الرسم و الموسيقى ؟؟؟
لقد كانت تلك صنعة العصر التي يطلبها الأثرياء ، فكان لا بد لها أن تترعرع .
و هذا ما يفسر لك لماذا اقتصر الفن في أغلبه على المواضيع الدينية التقليدية (المسيح و صور من حياته و رسله و أمه و غيره من القديسين و الأفكار الغيبية) .
و في المقابل لك أن ترى كيف تطورت الفنون في العصور اللاحقة لتتجه نحو الطبيعة حين بدأ الإنسان يعطيها قيمة أكبر إثر إعلان كوبرنيكوس أن الأرض ليست مركز الكون و أن الأرض جزء صغير في نظام كبير ، فتأثر الفن بسحب البساط من تحت الفكر الديني ليتجه إلى الطبيعة ليصور كل شيء عادي لا يحمل قيمة دينية و يهتم بأدق الأشياء كتخلل ضوء الشمس من ثقب ما ، أو كيف تبدو طيات الثوب المنحوتة طبيعية .
تحياتي للجميع و أعتذر عن الإطالة .
المراجع :
تاريخ الكنيسة - يوسابيوس القيصري
المقدمات التاريخية للعلم الحديث (من الإغريق القدما إلى عصر النهضة) / توماس جولدشتاين
تيحاتي