الانفجار العظيم حدث قبل 13،7 مليار سنة ليبدأ تاريخ الاحداث. التساؤل حول ماذا كان قبل الانفجار العظيم ليس له معنى تماما كما لو كان التساؤل حول: ماذا يوجد شمال القضب الشمالي. هذا هو الاعتقاد السائد ، ولكن في الفترة الاخيرة بدأ قسم من علماء الفلك بالشك في مدى صحة هذا الطرح.
عالم الفلك الامريكي Marc Kamionkowski, من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، هو احد هؤلاء العلماء. هذا الفلكي يرى انه من الواقعي تماما ان يكون الزمن موجودا قبل الانفجار العظيم، وبالتالي يصبح من الممكن ان نتساءل: ماذا كان قبل الانفجار العظيم..
مفاهيمنا عن الانفجار العظيم جرى تأسيسها على خلفية ملاحظة ان الكون يتمدد. من خلال الحساب العكسي (الى الوراء) نصل الى وضع تكون فيه المادة بكاملها متركزة في نقطة واحدة، هذه النقطة تسمى Singularity, وتملك طاقة لانهائية.
حسب نظرية النسبية لاينشتاين، فإن الزمن إذا لم يزول نهائيا، فإنه على كل حال سيفقد معناه، تماما كما هو الحال مع النجوم التي تنهار وتتحول الى ثقوب سوداء. لهذا السبب يمكن القول ان نقطة السينغولاريتي تمثل إنطلاق فجر الزمن، ولايمكن تصور شئ قبل ذلك.
كون الكون كان هائل الكثافة وبسيط التنوع (homogen), جرى التثبت منه من خلال اكتشاف وتحليل الاشعة الخلفية للكون، في اواسط الستينات من القرن الماضي. هذه الاشعة ضعيفة وعلى شكل ميكروموجات ووحيدة التنوع، تتدفق الينا من جميع زوايا الكون. هذه الاشعة انطلقت بعد 300000 سنة من الانفجار العظيم. وبفضل تمدد الكون بردت الاشعة، لتصبح بقايا الحرارة الهائلة التي كانت سائدة سابقا. اليوم لاتزيد حرارة هذه الاشعة عن 2،73 درجة اعلى من حرارة الصفر المطلق، في المتوسط.
[bigbang-before-martin-bojowald] عام 1992 اكتشف الباحثين، بمساعدة القمر الصناعي COPBE (Cosmic Background Explorer), انه لازال يوجد تمايزات صغيرة في الاضعة الخلفية، التي كانت تبدو بسيطة التنوع من النظرة الاولى. التمايزات صغيرة للغاية، اقل من 0،0002 درجة، والبحث الدقيق اظهر المزيد من التفاصيل على المعطيات القادمة من القمر الصناعي الامريكي، WMAP (Wikinson Microwave Anisotropy), والذي جرى اطلاقه عام 2001، وهي معطيات تشير الى وجود تمايز منظم يظهر من خلال الفوضى العامة. بشكل عام، وبإختصار شديد، يمكن القول انه يوجد انحراف واضح في المعطيات القادمة من نصف الكرة السماوية عن متوسط حرارة الاشعة الكونية (2,73), بالمقارنة مع نصف الكرة السماوية الاخرى.
هذا اللاتناظر الذي ظهر في اشعة الميكرو موجات يجده قسم من الفيزيائيين والفلكيين على انه فرصة تفتح الباب لتحديد خصائص الكون، التي تملك جذورها في الانفجار العظيم. بمعنى اخر، فإنهم ينطلقون من ان هذا اللاتناظر جرى وراثته عن كون سابق لظهور كوننا...
غير ان هذه الصورة تتطلب بالضرورة ان يكون كوننا الحالي ليس بداية إنطلاق عن نقطة Singularity, وهذا بالذات مايتطابق مع الافكار الجديدة التي بدأت تظهر في علم الفلك. العلماء يعتقدون ان هناك ميكانيزم فيزيائي يمنع نشوء كثافة لانهائية ومسافات قصيرة لانهائية. وإذا كان الامر كذلك، يكون الانفجار العظيم بوابة لحلقة جديدة من بدايات الزمن في سلسلة لانهاية لها من الحلقات. وقسم من العلماء يرون ان مثل هذا الميكانيزم جرى البرهنة عليه نظريا في موديل كمبيوتري، مع استخدام قوى الجاذبية الكوانتية (الكم).
[quantum%20gravity] هذا المعطيات يجري الحصول عليها عندما يقوم الباحثون بإضافة نتائج تأثير الجاذبية الكوانتية ( التي تصف الظواهر الطبيعية على المستوى الذري وجزيئات الذرة) الى نتائج معطيات النظرية النسبية العامة (التي تصف تأثير الجاذبية على الاجسام الكونية). عند ذلك تظهر المعطيات ان الحسابات الى الخلف لاتنتهي عند نقطة Singularity, وإنما تظهر ان الجاذبية تتوقف عن التزايد عند نقطة محددة على الخصوص، وبالتالي لاتنشأ ابدا نقطة السينغولاريتي.
الفيزيائيين لاتروق لهم الحسابات التي تنتهي بأرقام لانهائية، إذ ان مثل هذه المحصلات عادة تكون مرافقة لحصول خطأ او نقص في العوامل الداخلة في المعادلة او علامة على خطأ النظرية. إضافة الى ان معطيات اللانهاية ليست لها قيمة لتحليل النتائج.
المعطيات الجديدة، بدون نقطة Singularity, تقدم اساسا لموديل يوجد فيه كون سابق لكوننا، إذ عندها يكون الزمن ممتداً على كلا الطرفين. من هنا يمكن الافتراض ان كون سابق يمكن ان يكون قد بدأ بالتقلص والتكثف الى ان وصلت المادة الى قيمة بلانك والتي تقدر 5,1x 1096 كيلو على المتر المكعب.
يقول Martin Bojowald من معهد الجاذبية والفضاء التابع لجامعة بنسلفانيا، ان الانجذاب الذاتي ينتهي عندما يؤدي ضغطه على الزمكان الى ان تنشأ قوة دفع معاكس هائلة بشكل مذهل، ناتجة عن خواص خاصة للزمكان.
هذه القوة تعبر عن نفسها عندما تقوم مادة تبلغ تريليون مرة كمادة الشمس بالانضغاط في منطقة مساحتها لاتزيد عن مساحة بروتون واحد، والتي هي نواة في ذرة هيدروجين. في مثل هكذا ظروف لايمكن للزمكان ان يتقبل المزيد من الضغط فيصدر ردة فعل هائلة تزيد عن قوة الضغط وتعاكسها في الاتجاه، ويحدث الانفجار.
هذه الردة فعل لاتطول اكثر من لحظة ولكنها تكفي لتنهي انضغاط مادة الكون، ليتحول الضغط الى عكسه ويبدأ الامتداد بحرية، الى ان تأتي اللحظة التي تعيده الى الظروف التي ادت لنشوء الانضغاط من جديد في نهاية الحلقة، لاتوجد قوة اخرى قادرة على منع نشوء الكون وتمدده ومن ثم انهياره وانضغاطه من جديد في سلسلة لاتنتهي.
الميكانيزم الذي يقف خلف تمدد وتقلص العالم لازال موضع خلاف، والبعض يعتقد ان تفسير هذه الظاهرة يجب البحث عنه في نظرية الاوتار الفائقة. وبغض النظر عن الاسباب، يرى العلماء المشغولين بهذه الابحاث ان احتمال اننا نعيش في كون يعيد ولادة نفسه في سلسلة لانهائية، كبير للغاية. الطلقة الاولى لبداية هذا الكون لازالت انفجار عظيم، غير ان هذا الانفجار ليس نتيجة كثافة لانهاية لها، كما انها ليست بداية كل شئ. على العكس، يعاني الكون من سلسلة لاتنتهي من حلقات الظهور والانضواء، ليشكل سلسلة لابداية ولانهاية لها. ومن الممكن تماما ان كون سابق ترك آثارا تدل عليه وتؤثر على كوننا. هذه الاثار هي التي ستعطينا الفرصة للمزيد من الوضوح.
علماء الفلك يتأملون ان القمر الصناعي بلانك والمنتظر اطلاقه هذه السنة، سيتمكن من الحصول على ادلة حاسمة على مدى صحة حسابات العلماء. القمر الصناعي المزود بأجهزة شديدة الحساسية، سيبحث عن المزيد من التمايزات في الاشعة الخلفية، الامر الذي قد يمكنه من التقاط اثاراً اكثر وضوحا. عندها سيكون العلماء اقرب كثيرا للجواب عن سؤال: ماذا كان قبل انفجار العظيم.