نقرأ كتب كثيرة عن فلان وفلان ممن كانوا مسلمين ثم "ألحدوا". هذا يطرح سؤال: متى بدأت تسميتهم بالملحدين في صدر الإسلام؟ لا يوجد عاقل يقول إنهم هم من أطلقوا على أنفسهم لقب "الملحدين" ولكن خصومهم هم من أطلقوا عليهم هذا النعت وكأني بشخص يسخط على شخص آخر فينعته بـ "ابن قحـ.....ـــة". الشخص الآخر لم يسع وراء النعت بهذا الوصف. الأمر نفسه لتسمية بعض الناس ملحدين. الخصوم هم من أطلقوا عليهم ملحدين ولكن هم لم يكونوا ملحدين في واقع الأمر بمفهومنا الحديث.

أبو حاتم الرازي في كتابه "أعلام النبوة" يقول لـ محاوره أبو بكر الرازي إنه ملحد. أبو بكر الرازي يستاء وتنجرح مشاعره ويرفض هذه العبارة الظالمة ويقول له ما معناه كفاه شتيمة ولم يوافقه على وصفه بأنه حقاً ملحد لأنه لم يكن ملحد. لذا يقول أبو بكر الرازي في معرض كلامه دفاعاً عن نفسه وأنه ليس ملحد "إن أهل الشرائع إذا طولبوا بالدليل شتموا".

كانت شتيمة أن يُقال له أنت ملحد. لم يعتبرها وصف يقال من باب التحديد والتوصيف أو التشخيص. كلا! إنها كانت شتيمة ولم يقبلها أبو بكر الرازي الزنديق الشهير والذي آمن بإله الفلاسفة لا إله الشرائع أي إله العقل لا إله الوحي والإعلان النبوي.


في مفهومنا الغربي الحديث كلمة "ملحد" يريدون به ناكر الإله atheist. حرف واحد وهو الـ a يغير معنى الكلمة تماماً ليعني بوضوح قاطع أنه "لا ألوهي" أي لا يعتقد بوجود الإله.

وإنْ كان الأمر كذلك؛ فمن هو الملحد حقيقة بالتفسير العربي الدقيق؟

وهل فعلا وجد ناس في العصور الغابرة ممن كان "ملحداً" بالاصطلاح الغربي الحديث؟

كانوا متشككين متسائلين أرقين ولكن لم يأتوا مباشرة ويقولوا إنهم - كما يحدث الآن في الغرب- يقطعون تماماً بعدم وجود الإله وأنهم واثقون مائة بالمائة من ذلك.

إذا: ما هو الإلحاد في صدر الإسلام؟ وهل فعلا وجد شيء اسمه إلحاد؟ أم أن البعض منا صدق التهمة التي ألصقت به وجال وصال ينعت نفسه بأنه "ملحد"؟

في كتابه "من تاريخ الإلحاد في الإسلام" العنوان مغري ويجعلك تظن أن هناك بالداخل هوائل وأمور يقشعر لها البدن وهي تتحدث عن الإلحاد ولكن ما إن نفتح الكتاب نجد أنفسنا أمام ابن المقفع وجابر بن حيان...

أين الإلحاد يا أساتذة؟

جابر بن حيان ملحد؟ وبأي حق يكون ملحد بمفهومنا الحديث؟ ألا يتجنى عبد الرحمن بدوي بتسميته للكتاب بهذا الشكل حيث المضمون لا يمت في واقع الأمر للإلحاد؟

صراحة مصطلح "ملحد" أراه مخادع وغير دقيق ولا يصف حركة الزندقة والتي ظهرت في العصور الأولى في الإسلام وليس من العدل أن أقول إنهم كانوا "ملحدين" بمفهومنا الغربي الحديث.

ما قولكم دام ظلكم؟


:redrose:

يتوقف الأمر على مفهومك أنت للإلحاد .. والملحد .

مفهومي للإلحاد هو شخص يرفض الإقرار أو الاعتقاد بوجود الألوهة تماماً. هذا هو التعريف المتعارف عليه في زماننا الحديث. ولذلك يقولون Atheist. حرف الـ a يفيد النفي أي أنه لا ألوهي. هل نقدر أن نقول أنه كان في هؤ لاء الزنادقة أحد ما ممكن أن نسميهم atheists? وجوابي الشخصي وعلى حسب معلوماتي أن هذا لم يحدث ولا توجد لدينا وثائق تفيد ذلك.

العزيز ابراهيم

اثارت اهتمامي العبارة التالية:

أبو حاتم الرازي في كتابه "أعلام النبوة" يقول لـ محاوره أبو بكر الرازي إنه ملحد. أبو بكر الرازي يستاء وتنجرح مشاعره ويرفض هذه العبارة الظالمة ويقول له ما معناه كفاه شتيمة ولم يوافقه على وصفه بأنه حقاً ملحد لأنه لم يكن ملحد. لذا يقول أبو بكر الرازي في معرض كلامه دفاعاً عن نفسه وأنه ليس ملحد "إن أهل الشرائع إذا طولبوا بالدليل شتموا".

وافهم ان ابو حاتم الرازي قد كتب عبارته في كتابه " اعلام النبوة" ولابد ان ابو بكر الرازي قد رد عليه في كتاب لاحق، او ان تعبيره وصل الينا في كتاب اخر، فما اسم الكتاب.. اتمنى ان لايكون هناك احراج

أخي طريف:

لا إحراج ولا أي شيء يا أخ طريف. أبو بكر الرازي بدأ بكتابه "مخاريق الأنبياء". هذا الكتاب لا نجد له أثر الآن. كل ما لدينا هو رد أبي حاتم الرازي عليه وفي الكتاب التالي "أعلام النبوة" وهي طبعة أنيقة بتقديم جورج طرابيشي:

http://www.4shared.com/file/33091243/a5d..._.html?s=1

لا نملك أكثر من هذا الكتاب كوثيقة- على حد علمي- للوصول إلى كتابات أبي بكر الرازي. قرأت منذ أسبوعين دراسة ممتازة لباحثة إسرائيلية وهي البروفسورة سارة سترومسا عن أقطاب الفكر الحر في الإسلام ولا أجدها تذكر أكثر من كتاب أعلام النبوة كوثيقة تعتمد عليها.

على فكرة: كنت أنوي مراسلتك لأني أحتاج لمساعدتك. أريد أن أكتب مثلك في موقع الحوار المتمدن وأرسلت مقالتين ولكنهم قالوا أنه أمامي طابور طويل عريض وينتظرني الدور ويتقدمني ما لا يقل عن ثلثمائة شخص. تقدر تساعدني حتى أكتب هناك؟ لاحظت أنك من الأقلام البارزة هناك التي تتصدر الكتابة وأنا بحاجة لمجال تفاعلي واسع مع المثقفين.

ونهارك سعيد.

اقتباس:
عنوان : المفكّرون الأحرار في الإسلام

المؤلّف : دومينيك أورفوا

المترجم : جمال شحيّد

المراجعة : مروان الدّاية

النّاشر : رابطة العقلانيّين العرب دار السّاقي

سنة النّشر : 2008

الفكر الحرّ هو ظاهرة ذاتية وأصيلة في الحضارة العربية الإسلامية، وإن يكن انحصر في قلّة من المفكّرين النقديين ممن طالت يد القمع كتاباتهم، وحتى حياتهم، وألصقت بهم تهم الزندقة والخروج عن الصراط المستقيم.

روّاد الفكر الحرّ هؤلاء يتصدّر صفوفهم مشاهير من أمثال ابن المقفع والرازي والمعرّي، ولكن كذلك مغمورون أو مهمّشون من أمثال ابن الريوندي والوراق، أو أخيراً ملّيون ينتمون إلى الحضارة نفسها وإن كانوا لا ينتمون إلى الديانة نفسها من أمثال حنين بن اسحق وحيويه البلخي وابن كمونة.

يؤكّد هذا الكتاب البعد الانفتاحي، وحتّى النقدي، للحضارة العربية الإسلامية في المجال الديني قبل أن تنغلق على نفسها مع سيطرة الفكر الفقهي والأصولي الذي قادها إلى ليل "الانحطاط" الطويل.

دومينيك أورفوا: مستعرب فرنسي معاصر. باحث ومتخصّص في الإسلام وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تولوز.

كتاب جيد عالج هذه المسألة .
__________________

وهناك إشكال أثاره أحد الباحثين حول فكرة "إلحاد" عند الرازي وابن الريوندي وابن حيان التي تحدث عنها "ع الرحمن بدوي" وتناوله بالبحث ، ليلاً أرفق لكم الدراسة ..
فائق تقديري.

ألف شكر لك أخي يجعله عامر. البروفسورة سارة سترومسا تعرضت في الحقيقة لهذا الكتاب بالمناقشة في البداية ويبدو أن لها اعتراضات عليه من حيث إدراجه وتعريفه لمفهوم "الفكر الحرّ" في الإسلام. للأسف أرجعت الكتاب للمكتبة ولكن كنت أود مناقشة كل هذا معك. أتمنى أن يأتينا هدهد بهذا الكتاب لـ دومينيك أورفوا ونقرأه معاً. أحب أن أناقشه معك فقرة فقرة وأتكلم بجد. السبب أني أعرف أن ملاحظاتك قوية وعميقة وفي محلها وسوف أستفيد منها. أتمنى أن نحصل على هذا الكتاب بشكل أو بآخر. وكله على التساهيل يا زئزائيل.

عزيزي ابراهيم
شكرا على الرد

وبالنسبة للكتابة في الحوار المتمدن، فكل ماعليك ان تفعله هو الضغط على نظام إضافة المواضيع في اسفل الصفحة الرئيسية ومن ثم وضع موضوعك الجاهز واملاء الخيارات والعنوان وارساله..

على الاقل هذا ماافعله انا، ولم يحدث قط انني اتصلت بأحد شخصيا او ماشابه، وليس لي معرفة بالقائمين على الموقع، عدا عن اني زبون قديم، لربما هذه الخاصية لها اهميتها.
إذ دائما يجري النشر بسرعة تدهشني، لانه ايضا يظهر لي نص يقول ان هناك 500 مقال في الانتظار.. جرب، لربما هذه المقالات التي في الانتظار هي " دائما في الانتظار" .. من يعلم

شكرًا جزيلاً على ردك المطمئن ياطريف ويعطيني أمل أني ربما أجد فرصة لأنال منبر للكتابة في موقع الحوار المتمدن. أرسلت لهم مقالتين ولم يصلني خبر أنهم نشروا أي منهما؛ وفعلا ظهر لي نص يقول أني أني تتقدمني أمم وأمم للنشر ومقالاتها تنتظر الدور. شكراً على ردك وإفادتك. مساءك جميل.

اقتباس:وهناك إشكال أثاره أحد الباحثين حول فكرة "إلحاد" عند الرازي وابن الريوندي وابن حيان التي تحدث عنها "ع الرحمن بدوي" وتناوله بالبحث ، ليلاً أرفق لكم الدراسة ..

يمكن الحصول على هذه الإشكالات بعد تحميل كتاب ملحم قربان.

اقتباس:البروفسورة سارة سترومسا تعرضت في الحقيقة لهذا الكتاب بالمناقشة في البداية ويبدو أن لها اعتراضات عليه من حيث إدراجه وتعريفه لمفهوم "الفكر الحرّ" في الإسلام.

الكتاب جيد في تحليلاته ، بالنسبة لي لم أستطع ترك الكتاب إلاّ بعد الإجهاز عليه وفضّ بكارته ونُصح الغير باقتنائه ، وقراءته .
ويسعدني صديقي أن أناقشه معك .