توقفت الحرب بين السعودية والحوثيين.. وبقيت التبعات
هيثم الخياط
مع الدقائق الأولى لبدء يوم 12/2/2010، توقف صوت المدافع، وأزيز الطائرات، وفرقعات الصواريخ، وحركات الجنود، على مساحة واسعة من الأرض شملتها المعارك بين الحوثيين من جهة وقوات الحكومتين السعودية واليمنية من جهة أخرى.
توقيت إيقاف الحرب أعلنه الطرفان، كل بطريقته: الرئيس صالح أعلن، والحوثي أصدر بياناً، والسعودية صمتت، باعتبار أن ما يقرره الرئيس اليمني تلتزم به السعودية.
الحوثيون دعوا إلى ايقاف الحرب منذ يومها الأول، وكانوا في وضع دفاعي، والمعارك جرت على أراضيهم ومواقعهم.. وبالتالي يمكن القول أن من قرّر شنّ الحرب (علي صالح ابتداءً، والسعودية رديفاً فيما بعد) هو من أعلن إيقافها، أو كان إيقافها بيده أكثر من غيره. وإن كان إيقاف الحرب يتطلّب موافقة من الطرفين بعكس إشعال الحرب.
وبغض النظر عن زعم الأطراف المتقاتلة بأنها حققت انتصاراً من نوع ما، فإن الحرب يمكن وصفها ـ بالنظر الى نتائجها ـ أنها حربٌ لم تحقق أهدافها. وحين نقول أنها لم تحقق أهدافها، فإننا نعني بأن من أشعل الحرب لم يحقق غرضه النهائي أو الأساسي منها.
قال النظام اليمني أنه انتصر في الحرب، لأنه أجبر الحوثيين على القبول بالشروط الستة!
وقالت السعودية أنها انتصرت (نصراً مبيناً!) في الحرب، لأن الحوثيين أجبروا على الإنسحاب عن المواقع السعودية!
وقال الحوثيون أنهم انتصروا في الحرب، لأنهم أعلنوا بأن الحرب لن تنهي قوتهم، وأنها في النهاية ـ ومهما طالت ـ لن تحل إلا عن طريق المفاوضات.
قال مراقبون آخرون، أن الحرب كانت نتيجتها (التعادل!) فلا غالب ولا مغلوب.
وقال آخرون، بأن الحرب كانت عبثية، وأن الجميع كانوا من الخاسرين.
وقال غيرهم، بأن الحرب مثّلت خسارة للمدنيين، وربحاً للسياسيين!
سلّة الأهداف الضخمة التي أطلقها الجانبان السعودي واليمني، جرى التراجع عنها: مثل إنهاء الحوثيين الى الأبد. أو استسلامهم غير المشروط. لم يتحقق النصر الحاسم، وبالتالي كان بإمكان كل طرف أن يدّعي النصر.
لكن المتابعين من الموالين للجانبين الرسمي السعودي واليمني، لم يتذوقوا طعم النصر المؤكّد. فهم قد توقّعوا (استئصالاً) لشأفة الحوثيين، وهذا لم يحدث. وهم توقعوا حسماً في الميدان، لا في المفاوضات، وهذا لم يحدث أيضاً.
لهذا ظهرت الكآبة على الوجوه، خاصة في الجانب السعودي المؤدلج وهّابياً، وانسالت التعليقات متسائلة: وأين دماء شهدائنا؟! يجب مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها.. الحوثي سيعود مرّة أخرى.. الخطر على المملكة لم ينته بعد.. إيران لاتزال تطوّقنا. كيف نثق بالحوثيين؟ لماذا لم ننتصر النصر المؤزّر.. لماذا نقبل أنصاف الحلول إن كنّا قادرين على تحقيق الحل كما نشتهي؟! وأين شعارات الحكومتين ووعودهما بالنصر، وعدم التنازل للحوثيين؟! الخ.
الأسئلة كثيرة، بقدر خيبة الأمل، لدى أولئك الباحثين عن نصر (عقدي طائفي/ سياسي/ عسكري) ساحق.. والشعور لدى مؤيدي الطرف الحكومي في البلدين، ممتزج بالألم، يتخللّه رفع شعار نصر باهت وبائس بين الفينة والأخرى. وما يزعج هؤلاء، هو التلميحات والإيحاءات، بأنه يجري تهيئة الرأي العام لقبول الحوثيين كلاعب سياسي في المستقبل القريب، وقد يجري إعمار المناطق المتضررة التي ينظر اليها والى سكانها كخصم عقائدي طائفي وسياسي. مثل هذا الوضع لا يمكن أن تطيقه وتتحمله (المعدة الوهابية) والمشابهة لها في اليمن.
كأنهم يريدون القول بأعلى أصواتهم: لقد خُذلنا! لقد خذلنا جيشنا وحكامنا. لقد جرى تضليلنا. لم نعد نصدّق بأن هناك أسلحة إيرانية لدى الحوثيين، فشروط الحكومة لا توحي بوجودها أصلاً. ومن الصعب التصديق بأن الحوثيين عملاء: إذ كيف يحقّ للعميل أن يشارك في العملية السياسية؟ وإذا كان الحوثي كافراً وتم قتاله على هذا الأساس: فكيف نتصالح معه ونقبل بمشاركته!
ليست هذه مشكلة الحوثي. الحوثي يريد تنسيج نفسه وطنياً بعد أن أبعد قسراً عن اللعبة السياسية لأكثر من ست سنوات. لم يعد الحوثي رجاله وشعبه إلا بالكرامة، وبحقوق المواطنة، وبحرية التعبير الديني والسياسي، وبحياة وخدمات أفضل. هذا ما وعد به، وهذا هو سبب نفوره من السلطة المركزية. لم يكن يوماً ضد النظام الجمهوري، بل كان ضد التغلغل الوهابي وحرمان الزيود من حقوق المواطنة خاصة الدينية منها، وهم الذين يمثلون نصف سكان البلاد على أقل تقدير.
لهذا فاستقبال الحوثي لإيقاف إطلاق النار وانعكاساته على جمهوره مختلفة. هو لم يقدم أهدافاً كبيرة. ولم يتنازل عن حقوقه. وإذا كان هناك من حلّ حقيقي فسيحصل الحوثيون على ما يريدون، وإلا فهي: الحرب السابعة، كما يتوقعها الكثيرون، ومن بينهم بعض الحوثيين أو حتى كثير منهم. إذ في أي لحظة يمكن أن يتراجع علي عبدالله صالح ويشنّ حربه مرة أخرى، كما فعل في الماضي، ليس هناك من دليل ـ حتى الآن ـ أنه اتعظ بالتجارب السابقة، رغم أن هذه الحرب كادت أن تسقطه.
السؤال الموجّه للسعوديين هو: ماذا جنيتم من الحرب، وفق الشروط الستة؟!
يمكن أن يستفيد آل سعود من دروس الحرب: أن يكتشفوا قدرة جيشهم الهزيلة في الأداء. أن يدركوا بأن دخول الحرب كان فخّاً نصبه علي عبدالله صالح لهم. أن يقدّروا تبعات الخطأ الذي جعلهم يستعدون السكان اليمنيين المجاورين لهم بسبب ما أوقعوه في مدنيي اليمن من قتل وتدمير بالصواريخ والطائرات، وأن يصلحوا الخطأ بمساهمة كبيرة في الإعمار. إذ لا مصلحة للسعودية أن يكون شطر السكان على الطرف الآخر من الحدود معادياً ومتحفّزاً ويبحث عن ثأر لشهدائه المدنيين. بإمكان الحكومة السعودية أن تستفيد من الحرب وتدرك بأن رهانها في اليمن يجب أن يكون على كل قواه، وأن لا تنحاز لطرف، وأن لا تستعدي قوى كبيرة مثل الحوثيين لها رصيدها الإجتماعي وإرثها الحضاري.
يفترض أن تدرك السعودية بأن دعم الوهابية ونشرها في اليمن يصنع أعداء لها: إما عقائديين قاعديين؛ وإما زيود وشافعية وصوفية رأوا أن السعودية تريد أن تستأصل هويتهم الدينية والثقافية وبالتالي حقوقهم المدنيّة. وبإمكان السعودية الإستفادة من الدرس من جهة الأداء السياسي والإعلامي. فالإعلام السعودي الذي شنّع على الحوثيين وصنّفهم ضمن الشيعة الإمامية كيما يجيز للقوات السعودية تكفيرهم وقتلهم على أرضية طائفية، بعد أن يتم فصلهم عن الجسد الزيدي ـ الذي لا يراد تكفيره بالكامل ـ هذا الفعل وتلك الخطط القائمة على الروح الطائفية وبث الكراهية، والتي ثبت كذبها، ارتدت على السعوديين، وبالتالي صعّبت عليهم الطرق لتدارك الأخطاء الماضية.
ومن الدروس التي يمكن للسعودية الإستفادة منها هي أن الورقة الطائفية التي طالما استخدمتها انحدرت فاعليتها في الحرب اليمنية كما في العراق ولبنان.. على السعوديين المتوهبين أن لا يراهنوا على هذه الورقة كثيراً، على الأقل من منطق الربح والخسارة، لا من منطق الحق والعدل والإيمان والأخلاق! كما أن السعوديين، وقد أدركوا الآن، بأن رصيدهم السياسي والشعبي قد ضعف في اليمن كثيراً، خاصة وأن دخولهم الحرب قد كشف عن مشاعر قلق وغضب دفينة بين الشعب اليمني.. بإمكانهم أن يعيدوا استراتيجتهم تجاه اليمن بشكل كامل، وأن يؤهلوه لكي يدخل مجلس التعاون الخليجي، وأن لا ينظروا اليه باحتقار كما كان يفعلون سابقاً. لقد كشفت حرب اليمن أن الأخيرة يمكن أن تكون بوابة اختراق كبير لأمن السعودية. التأهيل يتعارض مع سياسة الغطرسة السعودية تجاه اليمنيين. على السعودية أن تكف عن حالة الإستعلاء على اليمن (بعد أن ذاقت الأمرين من شجاعة بعض أبنائه الذين مثّلهم الحوثيون) وأن لا تشعر شعب اليمن بالإهانة المستمرة في طريقة تعاملها معه كما حدث أثناء الحرب، من اعتقالات وتعذيب ظهرت على أشرطة الفيديو في الإنترنت، وإثارة النعرة الإستهزائية والعنصرية ضد الجالية اليمنية في السعودية وضرورة معاملة أفرادها بالقسوة وبالعقاب الجماعي. مع ملاحظة أن مثل هذه الأمور سبق لها وأن حدثت بشكل أكثر فظاعة أثناء غزو العراق للكويت عام 1990 حيث تم طرد نحو مليوني يمني، ونهبت أموالهم، وسيقوا كالعبيد وألقي بهم على الحدود.
بمثل هذه الخطوات يمكن للسعودية أن ترقّع بعض أخطاءها في اليمن، والتي وصلت الى حدّ شنّ الحرب عليه. وهي حرب لم يتقبلها اليمنيون، حتى ولو كان الأمر بموافقة علي عبدالله صالح غير المحبوب من جمهوره.
بالطبع هناك مشاكل لدى السعودية مع جمهورها الوهّابي.. فمع أن الحوثي قدّم مخرجاً مشرفاً لها حين انسحب من المرتفعات التي استولى عليها داخل أراضيها، فإن قناعة الكثيرين تقول بأن الجيش السعودي قد خسر الحرب. وكانت عنجهيات خالد بن سلطان سبباً أساس في ذلك. وفي هذا الصدد، فإن تضاؤل شرعية النظام عامّة والتشكيك في الحرب وأهدافها مسألة طبيعية ناتجة عن النتيجة غير المرضية لها! بالطبع هناك تداعيات كثيرة على الحكومة في الداخل بسبب تلك النتيجة. لكن ما يهم هنا، أن الفساد الذي رافق الحرب سواء في اليمن او في السعودية، سيكون له أبلغ الأثر في التأثير على الوضع الأمني لكلا البلدين.
هناك شعور متعاظم بأن الحرب مثّلت فرصة للفساد والنهب على حساب دماء الأبرياء. وإذا كان هذا واضحاً ويقال علناً في اليمن. فإنه في السعودية يقال بصمت.
عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من المواطنين تمت إزاحتهم عن أراضيهم من أكثر من 500 قرية جنوبية في جازان.. لماذا تمّ التهجير؟ هل لهدف عسكري؟ ام لتمويل جيوب الأمراء؟! اذا كان الجيش السعودي بتلك القوة، وإذا كان الحوثي قبل بالشروط وانسحب، أو أجبر على الإنسحاب ـ حسب خالد بن سلطان ـ فما هو الداعي لبقاء المهجرين بعيداً عن منازلهم، ولماذا يتم تدمير قرى بأكملها بعد أن أوقفت الحرب أوزارها؟ أليس الهدف هو أن هناك من يتاجر بمعاناة المواطنين؟ ألم يئن الأوان أن يعود الناس الى مواطنهم في مناطقهم المهملة، ويجري صرف الميزانيات على إنعاشها بدل أن تذهب الأموال في جيوب الأمراء اللصوص؟
وقف الحرب يحمل تحديات كبيرة للحكومتين السعودية واليمنية.. ومن المبكر جداً الحديث عن انتهاء الحرب. فقد تلد الحربُ، حرباً أخرى خلال أشهر قلائل إذا ما فشلت الحكومة اليمنية في إصلاح نفسها، وأدمجت القوى الفاعلة في الجنوب والشمال في جهاز الدولة ضمن مشاركة حقيقية في صناعة القرار.
في 27 فبراير الجاري، سيقام مؤتمر لدعم اليمن، أصرّت السعودية أن يعقد في الرياض، مقابل مشاركتها في مؤتمر لندن.. فكان لها ما أرادت. بإمكانها من خلال المؤتمر أن تقدّم صورة لذاتها مختلفة عن الماضي، وبإمكانها الإستمرار في سياساتها الطائشة، فتخسر ما تبقى لها من نفوذ هناك. لم تعد السعودية اللاعب الأساس في اليمن، فقد دخل لاعبون آخرون كبار أوقفوا إطلاق النار، إنقاذاً لآل سعود وعلي صالح، وإذا ما فشل هؤلاء في فهم اللعبة وأصولها، فقد يجري التخلّص من شاويش صنعاء، وتصبح اليمن محطّة أميركية بامتياز، ترث النفوذ السعودي نفسه.
المصدر الحجاز