مع تزايد التحضيرات لموسم الحج، وارتفاع عدد المُعتمرين بمناسبة الأشهر الحرم، من المهم أن نستثمر الفرصة للدعوة لمناقشة بعض الأمور في كنف احترام كل وجهات النظر، ودون المساس بالشرائع التي يتمسك بها المُولعون بالزيارات والشعائر والفروض، والمنضبطون لحدية النصوص، والغالبية من المُتفقهين غير المجتهدين.
نسأل: هل من الإيمان أن يصرف بعضهم آلاف الدولارات لهذا المنسك و يترك بعض أهله، والكثير ممن يعرف في حالة من الجوع والخصاصة؟
هل الله (الذي له كل تلك الصفات التي يسبح بها المؤمنون ليلا نهارا) من الغباء بحيث لا يميز بين أفضلية فعل وآخر؟ هل الله، صاحب الأسماء الحسنى، يمكن أن يكون تاجرا فيأخذ له ويترك خلقه المستضعفين في الحاجة؟
أليست نية الحج كالحج، والإيمان صدق ونوايا قبل أن يكون ممارسة للشعائر؟ لو حضرت نية الحج وصرف مالها فيما ينفع الناس، ألن تصرف الملائكة المشرفة من "بنك الحسنات" ثوابا لمن أنفق ماله في خير الناس واكتفى بنية الحج؟
وقد أصبحت البعض دول تنظم رحلات لموظفيها، الأكثر التزاما بسياساتها، بمناسبة الحج وللعمرة. فهل تريد بذلك أن تغسل الأموال العمومية بما يمكن أن يكون قد شابها من تلاعب ورشاوى؟ وهل الموظفون و"العسس" الذين يتمتعون بهذا "الامتياز" يقسمون الثواب مع الدولة مثلما يقسمون معها أموال الشعب؟
هل يفيدنا "مشائخنا" الكرام بفتوى في "الحجة مسبقة الدفع"؟ فالدولة تدفع "حجة" لـ"خدمها" ليعوضوا بثمنها شكرا لها يتمثل في مزيد الضغط على الناس والتنكيل بالمستضعفين؟
ثمّ هل يمكن لهذا اللقاء السنوي الحاشد للمسلمين من كل بقاع الدنيا، في بلاد البترودولار، أن ينطق بكلمة حق ضد الاستعمار، وضد التقتيل والتنكيل بالشعوب؟ ولن نطلب من هذا الحشد أن يمضي عريضة ضد الشركات الكبرى التي تلوث البيئة، وضد حرق الغابات ولأجل وقف الحروب... ولن نطلب منه أن يعقد اجتماعات وساطة بين المتخاصمين، ولن نطلب منه أن يتبرع لفائدة ضحايا من أي نوع (فهذا موسم الحج وليس موسم الزكاة، وهذا فضاء للدعاء وليس للفعل، و الفعل في "السياسة" سيكون لغوا، ومن لغى فلا حج ولا صلاة ولا ثواب له، باطل كل ما فعل،، وقد أفسد حجته!!).
طبعا، نحن نفترض أمورا، وننبه إلى أن هذه الافتراضات ليست تسييسا للفضاءات الدينية بل هي دعاوى إنسانية يمكن أن توجد أيضا في زيارة للبابا لأي بلد أو في تجمع للهندوس أو للبوذيين في عيد من أعيادهم... أو في الألعاب الأولمبية أو بمناسبة كأس العالم لكرة القدم، أو على هامش اجتماع مجموعة الثمانية.
ألم يصبح الدين (هذه المجموعة من القيم الإنسانية) ممارسة غبية؟ ألم يكن كل دين في بداياته ثورة للمستضعفين لإصلاح الدنيا قبل أن يكون استعدادا لـ"الآخرة"، لكل من حلم بالجنة وجواريها وغلمانها وخمرها؟ هل الإنفاق على الحج أولوية وطنية بالنسبة للبلدان العربية؟ وهل علينا أن نحقق أرقاما في رفع الأمية والحد من الفقر، أم في أعداد "سياح الدين" في ضيافة آل سعود؟
هذه أسئلة بريئة، فليكفرها من أراد. لقد صدرت عن قلب مؤمن بحق الشعوب (في الحد الأدنى من الذكاء)، وأرجو ألا يتضايق منها سعادة وزير الاقتصاد السعودي (أو يسخر، فلعل ما تضيفه مداخيل الحج لميزانية بلاده كقبضة من ماء الخليج... وإنها تكفى الجوع عن عشرات الملايين).
http://www.alawan.org/?page=articles&o...article_id=2424