حينئذٍ قالت المطرة: حدثنا عن المحبة.
فقال:
إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها,
وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة.
إذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها,
وإن جرحكم السييف المستور بين ريشها.
إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها,
وإن عطل صوتها أحلامكم وبددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعاً صفصفاً.
***
لأنه كما أن المحبة تكللكم, فهي أيضا تصلبكم.
وكما تعمل على نموكم, هكذا تعلمكم وتستأصل الفاسد منكم.
وكما ترتفع إلى أعلى شجرة حياتكم فتعانق أغصانها اللطيفة المرتعشة أمام وجه الشمس,
هكذا تنحدر إلى جذورها الملتصقة بالتراب وتهزها في سكينة الليل.
***
المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار حنطة.
المحبة على بيادرها تدرسكم لتظهر عريكم.
المحبة تغربلكم لتحرركم من قشوركم.
المحبة تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء.
المحبة تعجنكم بدموعها حتى تلينوا,
ثم تعدكم لنارها المقدسة, لكي تصيروا خبزاً مقدساً يقرّب على مائدة الرب المقدسة.
كل هذا تصنعه بكم لكي تدركوا أسرار قلوبكم, فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً من قلب الحياة.
غير أنكم إذا خفتم, وقصرتم سعيكم على الطمأنبنة واللذة في المحبة.
فالأجدر بكم أن تستروا عريكم وتخرجوا من بيدر المحبة إلى العالم البعيد حيثما تضحكون, ولكن ليس كل ضحككم; وتبكون, ولكن ليس كل ما في ماقيكم من الدموع.
المحبة لا تعطي إلا ذاتها, المحبة لا تأخذ إلا من ذاتها.
لا تملك المحبة شيئاً, ولا تريد أن أحد يملكها.
لأن المحبة مكتفية بالمحبة.
***
أما أنت إذا أحببت فلا تقل: "أن الله في قلبي", بل قل بالأحرى: "أنا في قلب الله".
ولا يخطر لك البتة أنك تستطيع أن تتسلط على مسالك المحبة, لأن المحبة إن رأت فيك استحقاقاً لنعمتها, تتسلط هي على مسالكك.
والمحبة لا رغبة لها إلا في أن تكمل نفسها.
ولكن, إذا أحببت, وكان لا بد من أن تكون لك رغبات خاصة بك, فلتكن هذه رغباتك:
أن تذوب وتكون كجدول متدفق يشنف آذان الليل بأنغامه.
أن تخبر الآلام التي في العطف المتناهي.
أن يجرحك إدراكك الحقيقي للمحبة في حبة قلبك, وأن تنزف دماؤك وأنت راض مغتبط.
أن تنهض عند الفجر بقلب مجنح خفوق, قتؤدي واجب الشكر ملتمساً يوم محبة آخر.
أن تستريح عند الظهيرة وتناخي نفسك بوجد المحبة.
أن تعود إلى منزلك عند المساء شاكراً:
فتنام حينئذ والصلاة لأجل من أحببت تتردد في قلبك, وأنشودة الحمد والثناء مرتمسة على شفتيك.
http://www.youtube.com/watch?v=wQdQPiXHYGk
وظلّ المصطفى، المختارُ الحبيب
الذي كان فجراً لذاته...
ينتظرُ سفينتهُ ...في مدينة اورفليس
وفي السنة الثانية عشر، في السابع من شهر الحصاد
صعِد الى إحدى التلال ونظر صوب البحر، ورأى سفينته غافيةً
فصلّى في سكون نفسه، وقال في قلبه :"كيف امضي عن هذه المدينة ....واعبر البحر من غير كآبة؟"
وعندما دخل المدينة ...
استقبله الشعب ، كانوا يهتفون :"لا تفارقنا، لا تفارقنا، فالمحبة لا تعرف عمقها...إلا ساعة الفراق"
حينئذٍ قالت الذكرى ، حدّثنا عن المحبة، فقال:
"إذا المحبة اومت اليكم، فاتبعوها...
إذا ضمّتكم بجناحيها، فأطيعوها...
إذا المحبة خاطبتكم، فصدّقوها..
المحبة... تضمكم الى قلبها كأغمار حِنطة...
المحبة... على بيادرها تدرسكم لتُظهر عُريكم
المحبة ...تطحنكم فتجعلكم كالثلج انقياء
المحبة... لا تُعطي إلا ذاتها
المحبة ...لا تأخذُ إلا من ذاتها
لا تملكُ المحبةُ شيئاً، ولا تريد ان احدٌ يملكها
لأن المحبة مكتفية بالمحبة، بالمحبة..."
وقالت الذكرى ثانيةً، حدّثنا عن الزواج، فقال:
" وُلدتما معاً، وتظّلان معاًُ حتى في سُكون تذكارات الله
ومعاً حين تُبددكما، اجنحةُ الموت البيضاء...
كونا فرحين، غنّيا فرحين... انما اتركا بينكما بعض فسحات
لترقص فيها، رياحُ السماوات ..."
ثم قالت له امرأةٌ، حدّثنا عن الأولاد فقال:
" اولادكم ليسوا لكم، اولادكم ابناء الحياة،
والحياةُ لا تُقيم في منازل الأمس "
وكان المساء...
وكان المساء....فصعِد الى السفينة
وقال وداعاً يا ابناء اورفليس...
الريح تأمرني ان أفارقكم، وسوف اعود ثانيةً اليكم...
الريح الريح تأمرني الريح وسوف اعود ثانيةً اليكم...
وعندما اشار...
ورفع البحارّة المرسات...
وصوب الشرق ابحرت السفينة...
أما انت اذا احببت فلا تقل الله في قلبي ...لكن قل انا في قلب الله....