العبقرية والإبداع لا تورث
العبقرية والإبداع لا تورث
قد حاول كثير من الباحثين تفسير وتعليل العبقرية . فيرى بعضهم أن العباقرة ينتمون إلى نوع بيولوجي مستقل يختلف في عملياته الذهنية والانفعالية عن الإنسان العادي . فالعبقري هو الشخص الذي يتمتع بقدر من الذكاء والفاعلية والإبداع العالي , الذي يساعده على تحقيق منجزات عملية باهرة في حقل من الحقول، وبهذا المعنى تكون عناصر العبقرية هي الأصالة، والإبداع، والقدرة على التفكير والعمل والإنجاز في مجالات لم تستكشف من قبل .
وقيل أن العبقرية هي اجتماع الذكاء والإبداع في شخص واحد .
وقيل : تعرّف العبقرية في وصف الأداء الذي لايفوقه شيء في الجودة والدقة والجدة. والعبقري- على هذا- هو الشخص الذي يظهر نبوغاً عالياً جداً، ويأتي بأعمال عبقرية في مجال أو أكثر من المجالات التي يقدرها المجتمع . وتشير نتائج الدراسات إلى أن نسبة العباقرة واحد في العشرة آلاف أو واحد في المليون , أما نسبة أصحاب الذكاء العالي خمسة وعشرون شخصاً في كل ألف من الناس تقريباً .
وقيل العبقري هو شخص الذي قام بمجموعةٌ من الأعمال أو الإنجازات المتفوقة والفريد . فالعبقرية أكثر من مجرد الأصالة و الإبداع، أو الذكاء، ولكنها ترتبط بتحقيق الرؤية التي لديها قوة تؤثر في تطور المجتمع . والعمل عبقري يغير توقعات جمهوره جذريا. ويمكننا أن نقول أن تطور الثقافة والحضارة هو نتاج العباقرة والمبدعين .
قد تكون العبقرية معممةً، أو خاصةً بحقلٍ منفصلٍ مثل القيادة ، أو رجل الدولة العبقري، أو العلوم، أو الفن.
إن العبقرية تشير إلى مستوى من الكفاءة و القدرة على الإنجاز الذي يتجاوز حتى معظم المعاصرين في نفس المجال . وتدل العبقرية في معناها على النبوغ الذي يبدو عند بعض الأفراد في الأداء والسلوك الذي تتطلبه الثقافة القائمة ولذا ترتبط العبقرية ارتباطاً وثيقاً بالشهرة .
وقد ذهب غولتون، الذي كان أول من درس العبقرية دراسة نظامية، إلى القول بأنها حصيلة خصال ثلاث هي : الذكاء , والحماسة , والقدرة على العمل والإنجاز, وحاول أن يثبت أنها ظاهرة مستمرة في بعض الأسر. والإجماع يكاد ينعقد اليوم على أن العبقرية حصيلة الوراثة والمجتمع والعوامل البيئية مجتمعة .
والسؤال كيف تتكون وتظهر العبقرية
هل أن الطبيعة هي التي تخلق العبقرية ام المجتمع ؟ وهل انها تتوارث جينيا , ام ان العبقريات هي نتاج طفرات عشوائية ؟
في رأيي الكثيرين العبقرية لا تورث , فمن الملاحظ أن غالبية المفكرين والقادة والفلاسفة والمخترعين العباقرة العظام والمبدعين أمثال : حمورابي وبوذا وكونفوشيوس وأرسطو وأفلاطون و زينون الإيلي وتالس وأرخميدس وكانت وهيوم وماركس وماكسويل , وجنكيز خان ونابيلون والاسكندر , وإبن خلدون والفارابي والمعري وإبن رشد وإبن عربي ونيوتن وأينشتاين وبيكاسو . . لم يكن أولادهم مثلهم . وأن نسبة الابداع والعبقرية لدى أولادهم هي نفس نسبة العبقريى لدى باقي الناس , أي إذا لاحظنا عدد أولاد 100 عبقري نجد أن نسبة عدد المبدعين منهم هي هي نفس نسبة العباقرة لدى كافة الناس واحد ب العشرة آلاف .
وهذا دليل قوي على عدم توريث الأبناء العبقرية , لا توريث بيولوجياً ولا توريث اجتماعياً عن طريق التربية والتعليم , صحيح أن بعض الموسيقيين كان أبناؤهم مبدعين مثلهم , وهذا نتيجة توريث الخبرة وتوراثة قدرات سماعية مميزة .
أن القدرة على النجاح والتفوق يمكن أن تورث بيولوجياً أو اجتماعية ( تعلم وخبرة وتحضير ) , وكذلك الذكاء والنشاط والفاعلية يمكن أن تورث للأبناء , أما العبقرية والابداع المميز فلا يمكن أن تورث . لذلك العبقرية يمكن ان تكون شيئا يصعب تمييزه في اوساط الصغار .
إن هذا يدل على أن العبقرية تحتاج لعوامل وعناصر متعددة :
وراثية ذكاء عالي , وفاعلية قوية وقدرة كبيرة على الإنجاز, وقدرة عالية على الإبداع والتجديد ,
وما يتم اكتسبه نتيجة الحياة الاجتماعية ,الثقافية والحضارية .
وهذه يجعل تأثير الوراثة أكانت وراثة بيولوجية أم وراثة اجتماعية لوحده غير غير كافي , وقال القدماء العبقرية لاتورث . يمكن أن تؤثر هذه الوراثة إلى مدى محدود كما في مجال الوسيقى أو الرسم ومجالات أخرى .
الإبداع والعبقرية
ليس كل مبدع يظهر إبداعه وينتشر ويصبح عبقري , حتى وإن كان إبداعه على أعلى المستويات , فكثيراً من المبدعين الذين أنتجوا أفكار أو أعمال المميزة , لم يعطوا حقهم , أولم يكتب لإبداعاتهم البقاء والانتشار , وذلك لعدم تقبل مجتمعهم لها , فحاجات وقيم وأفكار مجتمعهم هي التي تقرر غالباً مصير ما أنتجوه .
أما المبدعين العباقرة فهم من ملكوا القدرات والوسائل التي تدفع مجتمعهم لتقبل وتبني إبداعاتهم أكانت فكرية أم مادية , لذلك هم عباقرة .
وفي بعض الحالات يقوم المجتمع بتبني متوسطي الإبداع ويجعلهم عباقرة , وذلك لأسباب عديدة
الذكاء والابداع
يرى كثير من المفكرين أن الذكاء والإبداع عمليتان مختلفتان من أنواع النشاط العقلي للإنسان، وأن الذكاء لا يمثل إلا جزءاً من النشاط العقلي ومتميز عن قدرة الابتكار،
فقد نجد شخصاً آخر على مستوى مرتفع من الذكاء ولكنه ليس مبدعاً فهناك إذاً قدر من التمايز وليس تمايزاً تاماً بن الذكاء والإبتكار، حيث يصعب أن نتصور وجود شخص مبتكر يكون في نفس الوقت ضعيف العقل.
إن الإبداع بالنسبة لنا مرتبط بالتجديد وعدم التقليد , ولكن ليس كل تجديد , بل فقط بالتجديد المفيد أو الممتع والجميل , والذي يتقبله الآخرين ويرغبون به . إن الإبداع والاختراع هما إيجاد أو تكوين لبنيات جديدة إن كانت مادية أم فكرية . وأهم الإبداعات الإبداع بالقيادة والإدارة , وتوجيه الأخرين والتحكم بهم .
وعرف همفري التفكير والإبداع أنه فن (حيث هو سلوك حل المشكلات ) بأنه ما يحدث في الخبرة عندما تواجه عضوية ما( بشراً أو حيواناً) مشكلة ما و تتعرف عليها و على حلها, و يمكن القول بنشوء مشكلة كلما تعذَر الوصول إلى هدف مرتجى بصورة فورية.
وعليه فيمكن اتخاذ حل مشكلة ما كدليل على التفكير والإبداع إذا ما بدا أن الحل ينطوي على تلاعب داخلي بعناصر الموقف أو توفير إشارات من الداخل ذات حضور غير إرادي .
إن أغلب الناس غير مبدعين فهم مقلدون تتعامل مع نفس الخيارات أو مع عدد محدود من الخيارات التي يتعامل معها بقية الناس , فأغلب الناس لا ينظرون إلا إلى نفس خيارات الآخرين فيقومون بتقليدها والتي تكون عادة قليلة ومحدودة . بينما هناك الكثير من الأهداف و المجالات الأخرى , وفي كافة النواحي , يمكن أن تحقق النجاح والتفوق بها.
وبشكل عام يلزم للإبداع توفر العناصر التالية :
1- قدرات عقلية كبيرة ومنظمة وقادرة على التعامل مع الخيارات المطلوبة, بتصنيفها وتنظيمها وتخزينها ومعالجتها بآليات متطورة ومتنوعة , واكتشاف النظام والمعاني الهامة , والسعي إلى الاختزال والتبسيط , والقدرة على اكتشاف المشكلات والمتناقضات, والتعامل مع الفوضى والتعقد الكبير .
2- توفر كمية الخيارات والمعلومات المطلوبة والمناسبة للمجال الذي يراد الإبداع فيه , كمية خيارات التي يستطاع تناولها وهضمها وتمثلها والتعامل معها بفاعلية , واستعمال سلاسل أسباب مترابطة طويلة .
3- قدرات جيدة على تصحيح الخيارات المناسبة للوصول إلى الهدف المطلوب سواء في البحث عن خيارات جديدة أو تعديل طرق معالجة هذه الخيارات , وبالتوافق مع الاختيار الفكري الأفضل , والتأكّد من التصحيح .
4- تذوق المتع الفكرية والمغامرات الفكرية والاهتمام بها , وتوفر دوافع وقدرات كافية للاستمرار والمثابرة والإنجاز , بامتلاك رغبة قوية قي اقتحام المجهول والغامض , والقدرة على الخوض في المسائل الصعبة غير المطروقة والتي يجفل الآخرون عن الخوض فيها .
5- استخدام أقل قدر ممكن من المحاكاة والتقليد والاعتماد على الطرق والآليات الجديدة , ومن هنا تنبع الأصالة والتفرد, وإذا تعذر ذلك فباستعمال الخيارات المعدلة والمتطورة.
6- معرفة أن هناك دوماً الأفضل والأصح والأدق
فهناك دوماً مجال الاكتشاف والاستكشاف وبالتالي الإبداع , فالتجديد والتطور موجود في كافة المجالات .
7- يجب أن تكون الغاية والهدف واضحان ومحددان بشكل جيد ودقيق ما أمكن ذلك.
الإبداع والإلهام
إن والإبداع وكذلك الإلهام والوحي هم حصيلة اكتساب معلومات وخبرة , ومعالجة مناسبة- شعورية أو لا شعورية- . أي هم نتيجة تغذية وتلقي مناسب لما يتم تمثله أو استيعابه , والذي يمكّن من إنتاج العمل الإبداعي . فالإبداع والتجديد وكذلك الإلهام لا ينتج إلا من تغذية سابقة تم تناولها وهضمها وتمثلها , فالعقل أو الجسم لا يمكنهما إنتاج الإبداعات من ذاتهما فقط , لابد من الاتصال والتلقي والتغذية , أي يجب أن يزودا بالمدخلات المناسبة إن كانت أفكار أو مهارات أو معارف ومعلومات يتم هضمها واستيعابها بشكل مناسب حتى يستطيعوا تحقيق أنتاجهم وإبداعهما .
وأخيراً نقول :
إن غالبيتنا تعتبر أن العبقرية والإبداع والاختراع هما دوماً مفيدين والتقدم لا يحدث إلا بهما , وهذا غير دقيق فيمكن أن يكونا أحياناً ضارين , إلا في مجال المعرفة والعلوم الدقيقة فالإبداع والاكتشاف هنا دوماً تقدم .
نحن الآن في ما يشبه الانفجار في تسارع ظهور الإبداعات والاختراعات , وفي مجالات لا حصر لها . فهناك الدول و آلاف المؤسسات وملايين الأفراد ينتجون إبداعات لا حصر لها وفي مجالات أيضاً لا حصر لها , وهذا ما أنتج هذا التطور غير المسبوق و اللا معقول الذي نشهده في كافة مناحي حياتنا , والذي نعجز عن استيعابه ومجاراته نفسياً و بيولوجياً واجتماعياً .
|