بادىء ذي بدء لابد لنا من الاشارة إلى باكورة انتاج المهندس وضاح صائب كتاب ( قتل الاسلام وتقديس الجناة ) والذي يشارك فيه في معرض الكتاب ببيروت ويسر إدارة موقع شام تايمز أن تهنأه على هذه الانتاجات القيمة الوافرة وهذا ليس بغريب عليه فهو ابن أخ الأديب الفراتي المبدع سعد صائب .
المهندس وضاح صائب
ولا ننس مقالاته التي تشير إلى مواطن الفساد المنتشر في مجتمعاتنا ومؤسساتنا العامة مسلطاً عليها بقع الضوء ليس بهدف التجريح والتقريع وإنما يحمل في طياتها الحلول الموضوعية التي قد تساعد المسؤول على التصدي لهذه المفاسد فيما لو قرر ذلك .
وأخيراً فهذا المقال نموذج حي على ما أدلينا به وهو مما لا شك ناقوس يقرع لمن يهمه الأمر.
نشر موقع شبكة الانترنت العالميّة تقريراً موّسعاً عن استخدام الأمم مختلفة اللغات لشبكة الانترنت، يهمنّا منه هنا ما ورد حول استخدام متحدّثي اللغة العربيّة لهذه الشبكة الواسعة، بما توفّره من تواصل وانفتاح على كلّ أشكال الثقافات في العالم..
أخطر ما جاء في التقرير، نموذجان هامّان يعكسان مستوى ثقافتنا كعرب، والطريق الذي نسير فيه، ويسير فيه الجيل الواعد من أبنائنا.
وإذا علمنا أن هذه الشبكة الهائلة توفّر كمّاً مريعاً من المعلومات والمعطيات، العلميّة والتاريخيّة والثقافية والأدبيّة والاقتصاديّة، وغيرها، بدءاً من كيفيّة إصلاح الحذاء وانتهاء بعلم الصواريخ والفضاء والأسلحة النوويّة،
وبدءاً من أحداث التاريخ الهامّة، انتهاءً بأدق تفاصيل الأحداث، وبدءاً من أهم نتاجات الكتّاب الأهم في التاريخ، انتهاءً بالسقط من الروايات والأشعار، و….و…، ندرك حجم الكارثة التي نعيشها وسط هذا العالم المترامي، الساعي حثيثاً للإمساك بركب العلم والحضارة والتفوّق في كلّ مجالات المعرفة، كما ندرك من خلال النموذجين المطروحين مدى تخلّفنا، وعجزنا، وانسداد الأفق المعرفي والحضاري أمامنا، والأخطر أمام أجيالنا القادمة…
النموذج الأول، ممّا جاء به التقرير، أن مستخدمي الشبكة من العرب حمّلوا خلال عام 2009 ما مجموعه 43 مليون أغنية وفيلم، في مقابل نصف، نعم نصف مليون كتاب وبحث علمي أو ثقافي أو معرفي عموماً…
النموذج الثاني، أنّ عدد الباحثين عن أخبار المطرب تامر حسني بلغ ضعف عدد الباحثين عن نتاجات كلّ من ( المتنبي، نزار قبّاني، محمود درويش ونجيب محفوظ) مجتمعين ّّّ!!!
أمّا المعرّي، والرازي، وابن سينا، وابن رشد، وابن الهيثم، وابن الفارض، والجابري، وأركون، وأبو زيد، وحتى محمّد بن عبد الله، فلم يتعرّض لهم التقرير، ببساطة لأنّ الأرقام ضئيلة ومخجلة…
أيّة كارثة نتجّه نحوها؟ ألا يكفينا قرون من التخلّف والانحطاط، حتى ندخل عصر العلوم والانفتاح والمعارف، بهذا السقوط الهائل؟…
نتذكّر تقارير سابقة ذات مصداقيّة، حيث لا تكذب الأرقام، أنّ العرب لم يترجموا منذ أيّام الخليفة المأمون، حتى اليوم، جزءاً ضئيلاً ممّا يترجم إلى اللغة الاسبانيّة في سنة واحدة، وأنّ كلّ الناطقين بالعربيّة لا يقرَؤون اثنان ونصف بالمائة ممّا يقرأه اليابانيّون لوحدهم سنويّاً…
أيّ مستقبل نسعى نحوه؟ هل هو المستقبل الذي يرسمه شيوخ الأزهر، حين يفتون لنا بتخاريف نسيّها العالم منذ عصور الظلام المغرقة في القِدَم؟ أم المستقبل الذي يقنعنا فيه شيخ، كالبوطي، أنّ انحباس المطر سببه مسلسل تلفزيوني، ونقل بضعة منقّبات إلى وزارة أخرى؟ أم المستقبل الذي نرفض فيه كلّ ثقافات العالم، ونستنكرها، ونستعديها، مكتفين باجترار ترهات موهومة حول ماضينا؟
أم المستقبل الذي لا نجيد فيه صناعة دبّوس ما لم يمنحنا الغرب تقنيّة هذه الصناعة، وثمنها الباهظ؟ أم المستقبل الذي سنواصل فيه مسيرتنا ذاتها، من التخلف والإعاقة الحضاريّة، مكتفين بموقعنا كمستهلكين أغبياء لنتاجات حضارات الآخرين؟ أم…ام..؟
ثلاثة وأربعون مليوناً من الأغاني الهابطة، والأفلام الخليعة في معظمها، لا تصنع معرفة، ولا ثقافة، ولا حضارة، هي فقط تكرّس تخلّفاً وإعاقة ونكوص، والعدد في حد ذاته لا يخيف لولا المقارنة، ربع مليون بحث وكتاب وموضوع معرفي….
أمّا الحديث عن الغرب العدائي، والهجمة الاستعماريّة،
وحجب الغرب معارفه وتقنيّاته عنّا، فقد بات مخجلاً ومقيتاً، وهو عذر لم يعد ينطلي على جاهل، فحيث وضعت الشبكة الاليكترونيّة هذا الكم الهائل من المعارف أمام كلّ البشر، يمكن لكّل آخر أن يسألنا: أين أنتم من هذا البحر المتاح؟ ماذا قرأتم؟ وما أضفتم؟..
ألسنا نشكّل، بكلّ المقاييس، عالة على الآخرين، وإذ تضيق الكرة الأرضيّة بساكنيها، يوماً بعد يوم، فهل لنا أن نتمسك بحقنّا في مشاركتهم إيّاها؟…
مَن يتوجّب لومه هنا؟
الموروث الأسود الذي صنّعنا وفبرَكَنا كمخلوقات غبيّة، يحظر عليها استخدام العقل، كما أمرَنا السلف، كالغزالي وأمثاله؟
أم الحكومات، التي لم يكن في برامجها يوماً خلق أجيال أقلّ تخلفاً من أسلافها، ودليلنا في جامعاتنا ومدارسنا، ومخرجات تعليمنا؟
أم نحن، كأهل ومربّي أجيال، بما زرعناه في أبنائنا من سلوكيّات ودوافع، ومنهج حياة؟
أم… أم…؟ لا أدري، ربّما كلّ ذلك معاً وأكثر……
سيمرّ الأمر بمنتهى البساطة، فمَن يهتم؟ ومَن يبالي، ومَن يتحسّب؟؟؟
هل من أمل؟ لا أراه في الأفق، ولم يعد لدينا إلاّ أن نترحّم علينا، لأنّ أحداً آخر لن يترحّم على الجهلة والمغفّلين وعلقات الحياة…
لندعو معاً، ذات الدعوة الغبيّة، ليرحمنا الله، إن قرّر أن يرحم الجاهلين، وهو بالقطع لن يفعل.
أما أمَرََّنا أن نتدبّر ونتعقّل؟ فهل فعلنا؟.
تبّاً لنا….
المهندس : وضّـاح صائـب
http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx...930-169369&search=books