في برنامج «مسامرات ثقافية» والذي يبث على «أون لاين» اليوم
المستشرقة الألمانية سابينا شمدكة: حان الوقت لجمع المخطوطات البحرينية وتحقيقها
الوسط - حبيب حيدر
في رحلة ثقافية بحثية زارت المستشرقة الألمانية سابينا شمدكة البحرين وقدمت محاضرة ثقافية في بيت عبد الله الزايد، وزارت مكتبات البحرين منها مركز الشيخ عيسى الثقافي ومكتبة آل عصفور بهدف الاطلاع على المخطوطات الفكرية والمنجزات الثقافية لأهل البحرين وخلال لقائها في برنامج مسامرات ثقافية الذي يبث اليوم على الوسط أون لاين أكدت شمدكة على أهمية التراث الفكري الكلامي البحريني وأشارت إلى أن المشكلة حتى اليوم أن أكثر مخطوطات المؤلفين البحرينيين ليست موجودة هنا في البحرين، مشددة على أهمية البدء بجمع صور من هذه المخطوطات من كل أنحاء العالم وإقامة مراكز لدراساتها وتحقيقها.
• تشتغلين على إعادة اكتشاف التراث من خلال قراءة المنجز الفكري والعقلي وذلك عبر بحثكِ الذي تعنون بـ»إعادة اكتشاف العقلية واللاهوتية في العالم الإسلامي خلال القرون الوسطى»، هل لكِ أن تطلعينا على الصورة الحضارية التي رسمتيها للعقلانية العربية في ذلك العصر
- بشكل عام أنا أهتم بالتاريخ الفكري للعالم الإسلامي، وأهتم بموضوعين كبيرين، الموضوع الأول الذي أشتغل عليه هو تاريخ الكلام المسلمي المعتزلي أولا، وثانيا الكلام الأشعري، أهتم خصوصا باكتشاف المواضع المفقودة، ليست مفقودة حقيقة إذ هي موجودة في المخطوطات خصوصا في اليمن حتى اليوم في المكتبات العامة مثلا مكتبة الجامع الكبير في صنعاء، وأيضا في المكتبات الخاصة في كل البلاد، في صنعاء، في صعدة، في أماكن أخرى، وهناك الكثير من المخطوطات من التراث المعتزلي السني، المعتزلي الزيدي، وحتى الآن لم يبحث في هذه المواد أي شخص.
هذا المجال الأول، والمجال الثاني متعلق بتأثير التراث المعتزلي على الأديان الأخرى، خصوصا اليهود، لأنه في القرون الأخرى العاشر والحادي عشر نجد أن كثيرا من اليهود في بغداد والقدس أخذوا كثيرا من التراث المعتزلي وصاروا معتزليين، وهذا يعني أن هناك معتزلة يهودية في هذا الزمان.
• كاتجاه فكري.
- نعم، وهؤلاء اليهود لم يكتبوا مؤلفات معتزلية ولكن نسخوا أيضا النصوص المعتزلة للمتكلمين المسلمين، وفي المكتبات وخصوصا في كابول بأفغانستان هناك الكثير من النسخ لنصوص المسلمين التي نسخها اليهود فقدت في العالم الإسلامي لكنها موجودة هناك، وحتى الآن لم يبحث أي شخص أو يحقق هذه المخطوطات.
مثلا كتاب المغني في العدل والتوحيد وكتاب أبو الحديد المعتزلي قاضي القضاة الهمداني يوجد في اليمن الكثير من هذه المجلدات، ووجدت منها حتى الآن 16 مجلدا، ولكن المجلدات الناقصة في اليمن من الممكن أن نجدها في المكتبات اليهودية حتى اليوم، مثلا كتاب «المحيط» لعبدالجبار لم يوجد حتى الآن في العالم الإسلامي ولكنه موجود في المكتبات اليهودية.
اكتشاف التراث يعني أن نجمع كل هذه المواد في كل العالم، حتى الآن لم يبحث أي شخص عنها، أن نجمعها ونكتب عنها ونطلب تحقيق هذه النصوص، وكذلك من الممكن أن نحصل على صورة كاملة للتراث المعتزلي.
نفس الشيء بالنسبة للأشعرية، الصورة المهمة الثانية بالنسبة للكلام لأنه منذ زمان الغزالي والفخر الرازي، الناس نسوا أن التراث الأشعري الذي كان قبلهم، مثلا عن الأشعري يذكر ابن عساكر أكثر من 100 مؤلف، ولكن حتى الآن وجدوا 5 مؤلفات. بالنسبة لأبوبكر البقلاني لدينا كتابه «التمهيد»، إنه مؤلف مهم جدا، ولكن فعلا البقلاني كتب هذا الكتاب عندما كان صغيرا جدا، والمؤلف الكبير منه هو «بداية المسترشدين في أصول الدين»، وهناك مقطعات، أي نسخ غير كاملة، في بعض من الأماكن في العالم الإسلامي حتى اليوم، ويجب أن نجمع هذه المقطعات ونحقق هذا النص.
بالنسبة للجويني نفس الشيء، لأن لدينا حتى الآن كتاب مطبوع «الإرشاد» وهو كتاب صغير ولكن الكتاب الكبير للجويني هو «الشامل في أصول الدين»، حتى الآن غير موجود. نفس الشيء هناك مقطعات في بلاد مختلفة ولكن لا يوجد تحقيق لهذا الكتاب حتى اليوم
• اشتغلتِ على بحوث معمقة، منها على سبيل المثال بحثكِ عن العلامة الحلي، وعن المعتزلة والأشاعرة، وكذلك عن الزمخشري، وعن ابن أبي جمهور الأحسائي، وغيرهم من كبار الفقهاء والفلاسفة المسلمين، كيف تجدين هذا التنوع في منظومة الفكر الإسلامي، ماذا وجدتِ في الحلي، ماذا وجدتِ في الزمخشري، ماذا وجدتِ في غيرهما من الفلاسفة والفقهاء المسلمين؟
- كلهم كبار بين المسلمين في العالم الإسلامي الفكري، فمثلا العلامة الحلي كان تلميذا لنصرالدين الطوسي، وهو كان الأول الذي صنع امتزاجا بين الكلام المعتزلي وبين الفلسفة، كفلسفة ابن سينا، هو هو من صنع مشرعا جديدا بالنسبة لامتزاج هذه التوجهات.
نفس الشيء مع ابن أبي جمهور الأحسائي الذي هو مهم جدا، ليس فقط بالنسبة للبحرين والأحساء ولكن لكل العالم الشيعي الفكري الكلامي، لأن ابن أبي الجمهور جاء من التراث المعتزلي ولكنه أراد أن يصنع امتزاجا بين الفكر المعتزلي والفكر الأشعري، وهو يرى أنه لا يوجد الكثير من الخلاف بين المعتزلة والأشعرية، وحقيقة الطائفتان تقولان نفس الشيء، هذا في النصوص الأولى التي كتبها، ولكن في كتابه «المجلي» وهو الكتاب الأكبر الذي ألفه صنع امتزاجا ليس فقط بين المعتزلة والأشعرية ولكن أيضا بين فلسفة ابن سينا و»حكمة الإرشاد» للسهرآبادي، وأيضا مع التصوف، فالتصوف أخذه ابن
العربي وحيدر آملي المتصوف بتراث ابن عربي ولكن حيدر آملي كان شيعيا.
• اشتغلتِ على حوار الحضارات والأديان، بالإضافة إلى عملكِ كباحث زائر في قسم الشرق الأدنى اللغات والحضارات في جامعة هارفرد، كيف تجدين الأسس التي تدعم حوار الحضارات في هذا العصر، كيف تجدين حوار الحضارات الآن على المستوى الفكري وعلى المستوى الثقافي?
- أنا أهتم بحوار الحضارات على مستوى الدراسات، وأظن أن في هذا الحوار مهم جدا لأنه بدون التعارف بين الدارسين والباحثين من كل العالم الإسلامي والعالم الغربي غير ممكن، فلابد من هذا التعاون، لهذا السبب أسّست مع بعض الباحثين الآخرين قبل سنوات سلسلة منشورات في طهران، وهو تعاون بين جامعتي، الجامعة الحرة في برلين، ومعهد الفلسفة الإسلامي في طهران، والفكرة في هذا المشروع للمنشورات هي التحقيق في نصوص جديدة في مجال الكلام والفلسفة، النصوص المهمة، لكي يحصل الباحثون في الغرب والباحثون في العالم الإسلامي لتجديد الحوار بين الباحثين، وأنا أعلن أن الحوار بين الحضارات هو المهم.
• قدمتِ إلى البحرين باحثة وزرتِ مجموعة من المعالم الثقافية والمكتبات، منها مكتبة آل عصفور، وبعض المنتديات الثقافية، فقد حاضرتِ في بيت الزايد حول فكر الأشاعرة والمعتزلة، هل لكِ أن تحدثينا عن انطباعكِ عن البحرين وطبيعة هذه الزيارة البحثية، كيف تلقيتِ البحرين ثقافيا؟
- أنا زرت أيضا مكتبة آل عصفور، واليوم أيضا المكتبة الوطنية، وأظن أن كل هذه المعاهد والمكتبات مهمة جدا، بالنسبة للأماكن الأخرى التي زرتها في العالم الإسلامي. وبالنسبة لمحاضراتي فقد وجدت أن الحوار مع الباحثين هنا في البحرين والاهتمام من الباحثين هنا بمشروعي وبالدراسات الإسلامية في الغرب كبير جدا، وأنا رأيت أن الحوار بيني كباحثة (ألمانية) من الغرب وبين الباحثين هنا عاليا جدا.
• أيضا تشتغلين على المخطوطات وتبحثين عنها، ما أهم المنجزات التي قدمتها في هذا المجال، ما المخطوطات التي اشتغلتِ عليها وأخرجتيها إلى العيان، سواء على المستوى العربي أو نقلها إلى الثقافة الألمانية؟
- أنا اشتغلت على تحقيق المخطوطات، أنا لا أترجم كثيرا، لأن الناس في الغرب يهتمون بهذه المواد أيضا ويهوون اللغة العربية، أخيرا أنا اشتغلت على كتاب «تصفح الأدلة في أصول الدين» لأبي الحسن البصري، وأبو الحسن البصري هو مؤسس المدرسة الأخيرة في المعتزلي، حيث كان تلميذا لعبدالجبار الهمداني، وهو من كتب الكتاب الكبير في علم الكلام «تصفح الأدلة في علم الكلام»، وهذا الكتاب لا يوجد في العالم الإسلامي إذ إنه مفقود، ولكن القارئين اليهود اهتموا بهذا الكتاب، وجدت ثلاثة مقطعات كبيرة من هذا الكتاب، ونشرت تحقيقا حول هذا الكتاب قبل سنتين.
أيضا اشتغلت على كتاب «المنهاج في أصول الدين» لجارالله الزمخشري، كانت عندي ثلاث نسخ من هذا الكتاب، كلها من اليمن ونشرت قبل ثلاث سنوات كتابا كبيرا جدا مجهول المؤلف وهو شرح عن كتاب «التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض» ومخطوطة أصلها موجودة حتى الآن في مكتبة المهدوي في طهران، وهي مكتبة خاصة ليست مفتوحة للباحثين عامة، وبسبب هذا النشر تمكن الباحثون الآن من أن يستعملوا هذا الكتاب.
• كيف تجدين طبيعة الاهتمام الفكري الشيعي على مستوى البحث في علم الكلام مع المدارس الأخرى، وما أهم الشخصيات التي اشتغلتِ عليها من هذه المدرسة؟
- بالنسبة للفكر الشيعي الاثني عشري أنا اشتغلت واهتممت خصوصا بتأثير أبو الحسن البصري على الفكر الشيعي وعلى الحمص غازي الذي كان قبل العلامة الحلي، واشتغلت كثيرا على العلامة الحلي وكتبت عنه بعض الكتب والمقالات، اشتغلت أيضا على المعاصر للعلامة الحلي الشيخ ميثم البحراني، وبعد ذلك كتبت كتابا وبحثا عن أبي جمهور الأحسائي، وأيضا بعد ذلك وجدت نسخا أخرى منه ونشرت كتابه «المجلي في مرآة المنجي» الكتاب الكبير في علم الكلام، وقبل سنتين وجدت مع زميل لي في طهران وجدنا مجموعات من مؤلفات ابن أبي الجمهور الأحسائي التي حتى الآن ظنوا وأنا ظننت أيضا أنها مفقودة، وفي هوامش هذا المخطوط هناك إجازات بخط ابن أبي الجمهور الأحسائي، وهذه المجموعات نشرت الآن أيضا في طهران ضمن سلسلة المنشورات التي ذكرتها قبلا.
• الباحثة شمدكة؛ زرتِ مكتبة آل عصفور والمكتبة الوطنية (مركز الشيخ عيسى)، وبعض المكتبات الأخرى، كيف تجدين طبيعة الاهتمام بالمخطوطات الأثرية، الفكرية بالذات، وما أملكِ لهذه المخطوطات المبعثرة هنا وهناك؟
- بشكل عام، ممكن أن أقول إن التراث الفكري البحراني مهم جدا، خصوصا بالنسبة للعلاقات بين البحرين وإيران، والمشكلة حتى اليوم أن أكثر المخطوطات ليست موجودة هنا في البحرين، مخطوطات مؤلفين من البحرين ليست موجودة اليوم في البحرين، وأنا أظن أن مشروع مكتبة آل عصفور، وقسم آل عصفور مهم جدا، بأن يبدأوا بجمع صور مخطوطات مؤلفات البحرانيين من كل العالم، خصوصا من إيران والعراق وغيره ويحصلوا على صور هذه المخطوطات ويجدوا هذه الصور لهم لكي يقيموا مركزا لدراسات البحرانيين، وهذا مهم جدا.
المصدر : صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2736 - الخميس 04 مارس 2010م الموافق 18 ربيع الاول 1431هـ
http://www.alwasatnews.com/2736/news/read/376322/1.html