طريف سردست
Anunnaki
المشاركات: 2,553
الانضمام: Apr 2005
|
القرآن، مقتبسات من التاريخ الشرقي
القرآن: مقتبسات من التاريخ الشرقي (عام 1892)
مقدمة لثيودور نولدِكه
الترجمة الكاتب الإنترنتي: إبن المقفّع.
إن القرآن هو أساس الإسلام. إنه الكتاب المقدس لأكثر من مائة مليون مسلم, ينتمي بعضهم لأمم ذات حضارات غارقة في القدم, يعتبر من قبلهم كلهم كلمة الله المباشرة. وبما أن استخدام القران في طقوس العبادة الجماعية, في المدارس وأشباهها, هو أكثر انتشارا من قراءة الكتاب المقدس في معظم الدول المسيحية على سبيل المثال, لذلك فقد وصف بحق الكتاب الأكثر قراءة في الوجود. إن هذا الظرف وحده كفيل بان يعطيه الحق بأن يطلب انتباهنا, بالإضافة إلى ذلك, فإنه عمل محمد, وبهذا يكون ملائما لأن يقدم مفتاحا للتطور الروحاني لأنجح الأنبياء والشخصيات الدينية هذا. يجب إدراك أن أول تصفحٍ يترك على الأوربي انطباعا بالارتباك والعشوائية, هذا لا يعني أن الكتاب ضخم للغاية, فهو لا يزيد حجما عن العهد الجديد. يمكن تغيير هذا الانطباع فقط من خلال تطبيق التحليل النقدي بمساعدة من الروايات الإسلامية.
بالنسبة لعقيدة المسلمين, يعتبر القرآن, كما قلنا سابقا, كلمة الله, وهو الشيء الذي يدعيه الكتاب لنفسه أيضا. ففي ما عدا سورة الفاتحة التي هي دعاءٌ للبشر, وبعض الفقرات التي يتحدث فيها محمدٌ (الأنعام: 104, 114 والنمل: 91 والشورى: 10)أو الملائكة (مريم: 64 والصافات: 164 ومايليها من الآيات) بأسلوب المتكلّمِ بدون تدخل من صيغة الأمر "قل" (سواء كانت مفردة أو جمعا), فإن المتكلم عبر النص هو الله, إما في صيغة المتكلم المفرد , أو بصيغة جمع الجلالة الأثر شيوعا "نحن." إن نفس نوعيه المخاطبة نعرفها من كتابات الأنبياء في العهد القديم, فتختفي الشخصية الإنسانية وراء الله الذي امتلأت به في لحظة إلهامٍ. إلا أن جميع الأنبياء العبرانيين العظماء سرعان ما يهوون ثانية إلى ضمير "أنا" الإنساني المتواضع, بينما "أنا" في القرآن هي صيغة المخاطبة الثابتة. إلا أن محمدا شعر حقيقةً بأنه أداة بيد الله. كان هذا الشعور , بلا شكٍ, أقوى في بداية ظهوره عما أصبح بعد ذلك, إلا أن هذا الشعور لم يغادره البتة. لذلك فقد نعذره على اعتبارٍ, لا نتاج الإثارة الخيالية والعاطفية فقط, بل والعديد من التبيانات أو الأحكام التي كانت نتاج حسابات دقيقة كذلك, كلام الله, لو أنه فقط تحلى بالميول الأخلاقية الصرفة والتي تملأنا, في أعمال أشعيا وإرميا, بالإعجاب بعد مرور عصور وعصور.
إن السبب وراء الوحي يتم تفسيره في القرآن نفسه بما يلي: إن النص الأصلي موجود في السماء ("أم الكتاب" (الزخرف: 3), "كتاب مكنون"(الحديد: 78), "لوحِ محفوظ" (البروج: 22)). من خلال عملية تسمى بالتنزيل تم نقل قطعة بعد قطعة من القرآن للنبي. كان الوسيط ملاكا, يُسمى أحيانا بالروح (الشعراء: 193), وأحيانا بالروح القدس (النحل: 102), وفي وقتٍ لاحق سُمي جبريل (البقرة: 97).أملى الملاك الوحي للنبي الذي يردده بعده, ومن ثم يُعلنه للعالم (الأعلى: 6 ومابعدها). من الواضح أن ما أمامنا هنا هي محاولة ساذجة من قبل النبي لتقديم العملية اللاواعية, إلى درجة ما, لنفسه, تلك العملية التي من خلالها تظهر أفكاره وتتشكل تدريجيا في عقله. لا عجب ألا تكون التفاصيل متماسكة دائما إن هي تشكلت في مثل هذه المخيلة المشوشة. فعلى سبيل المثال, عندما يُقال بأن هذه النسخة القديمة السماوية هي في أيدي سفرة (عبس: 13 وما بعدها), فإن هذا يبدو كما لو أنه انتقاله إلى مجموعة مختلفة من الأفكار هي كتب القدر, أو سجلات الأعمال الإنسانية, وهي مفاهيم موجودة بالفعل في القرآن. من المُلاحَظِ دوما أن فكرة محمد تنزيه عن الله, أي أنه فوق مستوى العالم بكل كيانه, تمنع تفكيره في حدوث احتكاك مباشر بين النبي والله.
إحدى عبارات القرآن الجليّة هي أن الكتاب المقدس (القرآن) قد أٌنزِل من عند الله, لا كله في آن واحد, بل بالتدريج (الفرقان: 32). يتضح هذا من طريقة تأليف الكتاب نفسها, وهذا كذلك أمرٌٌ أكدته الروايات الإسلامية. إن هذا معناه أن محمدا قد أصدر ما أوحي له في صحف ذات أحجامٍ أكبر أو أصغر. كانت القطعة الواحدة من هذا النوع تُسمّى قرآنا, أي "قراءة" أو بالأحرى "تلاوة," أو كتابا, أي "كتابة," أو سورة, والتي هي نفسها الكلمة العبرانية المتأخرة شورة, والتي تعني حرفيا "سلسلة." أصبحت المفردة الأخيرة, في حياة محمدٍ, الصفة المعتادة للأجزاء المنفردة لتمييزها عن المجموعة الكاملة, وهكذا أصبحت الاسم الذي يُعطى للفصول المتفرقة للقرآن الحالي. هذه الفصول ذات طولٍ غير متساوٍ. بما أن العديد من قصار السور كاملة بذاتها بلا شكٍ, فمن الطبيعي أن نفترض بأن تلك الأطول, والتي تكون قابلة للاستيعاب تماما في بعض الأحيان, قد نشأت من دمج آيات متنوعة ومختلفة في الأصل. يدعم هذا الافتراض تقاليد عديدة تعطينا الظروف التي أوحيت بسببها هذه القطعة الصغيرة أو تلك, والتي تدخل الآن ضمن جزءٍ أكبر. يدعم هذا الافتراض أيضا حقيقة أن ترابط الأفكار في السور الحالية يبدو مشوشا, فحتى في قصار السور نجد أجزاء لا يُمكن أن تكون في موضعها هذا في البدء. في نفس الوقت علينا أن نحذر من المبالغة في عملية الغربلة, كما أعتقد أنني قد فعلت في أعمالي المبكّرة, وكما يبدو أن سبرنگر قد فعله أحيانا في كتابه العظيم عن محمد. بإمكاننا أن نرى بأن بعض السور كانت ذات طول لا بأس به منذ البداية من نماذج كسورة يوسف, والتي تحتوي مقدمة قصيرة, ثم تاريخ يوسف, ومن ثم ملاحظات استنتاجية معدودة, ولذلك فهي متناسقة تماما. بنفس الأسلوب , تشكل سورة طه ,والتي يشغل قسمها الأكبر تاريخُ موسى, وحدة متكاملة. نفس الشيء يمكن أن يقال عن سورة الكهف, والتي قد تبدو مجزأة إلى قطع عديدة لمن يطلع عليها لأول مرة, فتاريخ النوّام السبعة, والرواية العجيبة عن موسى, وتلك التي عن إسكندر ذي القرنين, كلها مترابطة سوية والقافية هي نفسها من بداية السورة إلى نهايتها. حتى في القصص المنفصلة يمكننا أن نلاحظ كيف أن القرآن ينتقل من موضوع إلى آخر بسلاسة, وكيف أن الانتقال من فكرة لأخرى لا تخصص له كثير من العناية, وكيف أن كثيرا ما تمحى الجمل المفيدة, التي تٌكاد أن تكون لا غنى عنها. لذلك فليس بمقدورنا, في كل حالة يكون فيها الترابط في القرآن غامضا, أن نقول بأنه متقطّعٌ فعلا, وندعي أن هذا نتاج ترقيع أخرق ليدٍ متأخرة في الزمن. حتى في الشعر العربي القديم, نجد أن مثل هذه الانتقالات المفاجأة متكررة جدا. ليس من غير المعتاد في القرآن بعد أن يتم إدخال موضوعٍ جديد أن تتم العودة تدريجيا أو فجأة إلى الفكرة العامة السابقة, وهو دليل على أنه لم يكن هنالك نية على أي فصل. بالمختصر, مهما كان وضع القرآن بصيغته الحالية غير كاملٍ, فإن السور الحالية بمعظمها مطابقة للأصل.
يتبع
|
|
11-03-2010, 03:39 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
طريف سردست
Anunnaki
المشاركات: 2,553
الانضمام: Apr 2005
|
الرد على: القرآن، مقتبسات من التاريخ الشرقي
إن الكيفية التي ظهرت بها هذه الآيات في عقل محمد هي مسألة تكاد أن تكون درجة عبثية مناقشتها مساوية لعبثية محاولة تحليل طريقة عمل عقل شاعرٍ. خلال سنوات حياته الأولى كنبي, وربما في المراحل المتأخرة أيضا في أحيان, لا بد أن بعض الآيات قد انطلقت من على لسانه في لحظات إثارة لا قدرة له على السيطرة عليها, فلم يكن بإمكانه أن يعتبرها إلا إلهاما إلهيا. علينا أن نتذكر أنه لم يكن مفكرا نظاميا ملتزما, بل رائيا من الشرق الأوسط, نشأ في وسط ملئه التخاريف المستحكمة, وبدون تمرس في الثقافة, رجلٌ نال من مزاجهِ العصبي بقوةٍ التنسكُ الشاذُ, و كان يزداد ألما بالمعارضة التي تلقاها,لأن البطولة لم تكن من طبيعته. ممتلئا بأفكاره الدينية ورؤاه, ربما تخيل فعلا أنه سمع الملاك يأمره بأن يتلو ما قد قاله له. ربما كانت هنالك آيات عديدة لم يسمعها أحد إلا هو , وهو يرددها بينه وبين نفسه في سكون الليل (المزمل: 4). في الحقيقة يعترف القرآن نفسه بأنه قد نسي بعض ما أوحي إليه (الأعلى: 6و7). إلا أن الجزء الأعظم من القرآن هو بلا شكٍ نتيجة لتفكّر وتدبّر, ممزوجا بمسحة قد تزيد أو تقل من العاطفة, ومُحَفّزٌ بوهجِ بلاغي بدلا من أن يكون شعريا. إن العديد من الفقرات مستندةٌ إلى تأمل فكري. يُقال أن محمدٌ كان ينطق بهذه الفقرات أحيانا بعد إحدى نوبات الصرع هذه والتي اعتبرَها, لا أتباعه فحسب, بل (على الأقل لفترة) هو نفسه إشاراتٍ على احتكاك بقوى علوية. إن كانت هذه هي الحال, فمن الصعب القول إن كانت الحيلة تكمن في النطق بالآيات أم في النوبة نفسها.
إن الكيفية التي تم بها اتخاذ القرآن صيغته المكتوبة أمرٌ غير مؤكد. إن محمدا نفسه, على حد ما أمكننا اكتشافه, لم يدوّن أي شيء. إن مسألة إن كان بإمكانه أن يقرأ ويكتب قد خضعت للكثير من الجدل في أوساط المسلمين, وعادة ما يكون الجدل قائما على أطروحات عقائدية وتراث زائف بدلا من أن يقوم على أدلة أصيلة للأسف. إلا أنه ,من جهة ميله لممارستها, وجد أنه من الملائم تكليف شخص آخر متى ما كان لديه أي شيء يريد كتابته. بعد الهجرة إلى المدينة (622 ب.م) يُقال لنا أن قطعا قصيرة – بالأخص قرارات شرعية – كانت تدون بعد أن تنزل مباشرة, من قِبَل تابعٍ كان يُجتمَع به لهذا الغرض. لذلك لم يكن هنالك حائلٌ أمام نشرها. لذلك من الممكن أنه بدأ في مكة, حيث كانت الكتابة أكثر شيوعا فيها من المدينة باعتبار الأولى مدينة تجارية والثانية مدينة زراعية, بتدوين رؤاه. إن وجود أجزاء أطول من ذلك من القرآن مدونةً وتعود إلى فترة أقدم هو أمرٌ من المأمون لنا أن نستشفه عن طريق دلائل مختلفة, بالأخص من حقيقة أن النبي قد أمر في مكة بحشر أجزاء ومحو أجزاء من آياته السابقة. فلا يمكننا أن نفترض أنه كان يحفظ السور الأكثر طولا عن ظهر قلب بشكل تامٍ حتى يكون متمكنا من أن يضع يده على أي فقرة محددة بعد مرور وقت. في بعض الحالات ربما اعتمد بالفعل على ذاكرته بشدة. على سبيل المثال, يبدو أنه أحيانا كان يُملي السورة نفسها لأشخاص مختلفين بأشكالٍ مختلفة قليلا. في تلك الحالات ربما نوى جزئيا أن يُدخل تحسينات, وما دام الاختلاف مجرد اختلاف في التعبير ولا يؤثر في المعنى, فلم يكن يؤدي إلى إحداث حيرة لدى أتباعه. لم يكن لأحد منهم تحذلق أدبي ليشكك في تماسك الآيات الإلهية على هذا الأساس. إلا أنه, وفي حالات معينة, كان الاختلاف في القراءة مهما لدرجة لا يمكن التغاضي عنها. لذلك يعترف القرآن نفسه أن الكفار يلمزون النبي فيضعون المسألة بصيغةِ أن الله قد بدّل آية مكان آية (النحل: 101).
في أحدى المناسبات, عندما نشأ خلاف بين اثنان من أتباعه حول القراءة الصيحة لفقرة ما كان كلا التابعَين قد تسلّماها عن النبي نفسه, يُقال أن محمدا قد أوضح أن القرآن قد نزل على سبعة صيغ (سبعة احرف). في هذه الرواية التي قد تكون حقيقية, تعني سبعة بالطبع, كحالات كثيرة أخرى, عددا غير محددٍ ولكن محدود. إلا أن للمرء أن يتخيل كم من العناء اضطر فقهاء المسلمين أن يتحملوه في محاولتهم تفسير الحديث طبقا لمعتقداتهم الثابتة. إن هنالك بالفعل عدد كبير من التفسيرات, بعضها ينتسب إلى مرجعية النبي نفسه بما أن أحاديث محمد المختلقة تلعب بالفعل دورا لافتا للانتباه في تفسير القرآن. تقول إحدى التفسيرات المفضلة, ولكن من غير السهل إثباتها, أن "الصيغ السبعة" تعني لهجاتٍ مختلفة.
عندما أدرك محمد هذه التباينات, كانت رغبته بلا شكٍ أن يعتبر نصٌ واحدٌ فقط من بين النصوص المتعارضة نصا أصيلا, إلا أنه لم يُقدم على تحمل عناء تحقيق رغبته مطلقا. فبالرغم من أنه, نظريا, كان مؤمنا بحرفية الإلهام, إلا أنه لم يدفع بعقيدته هذه إلى أقصى نتائجها, فنباهته العملية لم تأخذ هذه الأمور حرفيا أخذ فقهاء القرون التالية لها. إلا أنه أحيانا كان يحجب قطعا كاملة أو آياتٍ, حاثّا أتباعه على محوها أو نسيانها, ومعلنا أنها قد "نُُسخت." إحدى الحالات الأكثر إثارة للاهتمام هي حالة الآيتين من سورة النجم, واللتان اعترف فيهما أن ثلاث إلهات وثنيات هن كائنات علوية, لهن تأثير على الله. لقد فعل هذا في لحظة ضعف, حتى يكسب مواطنيه إلى جانبه من خلال تقديم تنازل مع إبقاء منزلة عالية لله. ولقد نال غرضه بالفعل, إلا أنه ندم لاحقا, وأعلن أن الكلام المذكور كان من وحي إبليس.
إن كان هذا هو الأمر بالنسبة للقراءات المنسوخة, فإن الحالة تختلف عندما نجيء إلى حالات نسخ الشرائع والأحكام الموجهة إلى المسلمين, والتي كثيرا ما تظهر في القرآن. لا يوجد في هذا الأمر ما يتعارض مع فكرة محمدٍ عن الله. فالله بالنسبة له حاكمٌ مطلق , فهو يعلن أن أمرا ما أمرٌ صحيحٌ أو خاطئ لا من حاجة متأصلة , بل بمشيئة عبثية منه. هذا الإله ينوع أوامره حسب رغبته, فيصف شرعة للمسيحيين وأخرى لليهود وثالثة للمسلمين, بل أنه يغير تعليمات للمسلمين ساعة يشاء. لذلك, على سبيل المثال, يحتوي القرآن على توجيهات مختلفة جدا, يلاءم كلٌ منها ظرفا مختلفا, بالنسبة لمعاملة التي يجب أن يتلقاها الوثنيون على يد المؤمنين. إلا أن محمدا لم يبال كثيرا بإتلاف هذه الشِرَع المُستبدلة.
لا يمكن أن يكون المؤمنون في موضع شكٍ حول أيٍ من الفقرتين المتعارضتين لا تزال فعالة, وربما يستمرون في إيجاد تهذيبٍ للنفوس في تلك التي أصبحت ملغاة. لم يخطر ببال محمدٍ أن الأجيال اللاحقة قد لا تتمكن من تمييز "المنسوخ" من "الناسخ" بسهولة, فرؤيته, بالطبع, قلما توسعت لتفكر في مستقبل مجتمعه الديني. كانت الأحداث الجارية تُذكر دائما في الآيات. نال إعجاب المؤمنين ملاحظة عدد المرات التي أعطاهم الله فيها إجابة على مسألة كان البت فيها مطلوبا بإلحاح في تلك اللحظة. تظهر السذاجة نفسها في ملاحظة الخليفة عثمان حول إحدى المُعضلات: "لو أن رسول الله كان حيا, لنزل قرآنٌ في هذه المسألة." كثيرا ما كان يلاحَظ بأن الكلام الإلهي يتفق مع النصيحة التي قد تلقاها محمدٌ من أتباعه الأشد قُربا." تقول إحدى الروايات المتواترة: "كان لعمر في كثير من الأحيان رأي ما,فينزل القرآن وفقا لرأيه". (وافقني الله على ثلاثة).
إن محتويات الأجزاء المختلفة من القرآن متنوعة للغاية. تتألف العديد من الفقرات من تأملاتٍ دينية أو أخلاقية. يتم تذكيرنا بعظمة الله وخيره وصلاحه كما يتجلى ذلك في الطبيعة وفي التاريخ وفي ما نزل على الأنبياء من الوحي, وبالأخص ما نزل عبر محمد. يتم تعظيم الله على الواحد المقتدر. تُشجب الوثنية بغزارة ومعها جميع أشكال تأليه المخلوقات كعبادة المسيح باعتباره ابنا لله. توصف مسرات الجنة وعذابات الجحيم بأوصاف خيالية حسّية تنبض بالحياة, وكذلك الرعب الذي يستولي على الخليقة عندما يجيء اليوم الآخر وحساب العالم. يتلق المؤمنون تعليما أخلاقيا عاما, بالإضافة إلى توجيهات تتعلق بظروف معينة. يتم توبيخ المتوانين, وتهديد الأعداء بعذاب أليم في الدنيا وفي الآخرة. يتم شرح حقيقة الإسلام للمتشكك, وتسود طريقة معينة ولكن غير قوية الحجة لتبيان ذلك. في العديد من الفقرات يتخذ الكتاب المقدس عند المسلمين أسلوبا وعظيا مسهبا, تبدو فقراتُ أخرى أشبه بإعلانات أو أوامر عامة. عدد كبير من الفقرات يحتوي تشريعات شعائرية أو قانونية, أو حتى أوامر خاصة موجهة إلى أشخاص, مسائل قد تنحط بمستواها إلى درجة تنظيم أمور حريم محمد. في فقرات ليست بالقليلة, تتم الإجابة على أسئلة كانت قد طُرحت على النبي حقيقة من قبل المؤمنين أو من قبل الكفار. يتلقى محمد نفسه بتكرارٍ أوامرَ مباشرةٍ, ولا ينجو من توبيخ في بعض الأحيان. إحدى السور (الفاتحة) هي عبارة عن دعاء, واثنتان (الفلق والناس) هما عبارة عن تعويذتين سحريتين. تتناول العديد من السور موضوعا واحدا, بينما تحتضن سورٌ أخرى مواضيع عدة.
من ضمن كم المواد التي تُشكل القرآن, وما ذكرناه بعيد عن أن يكون مستوفيا, علينا أن نختار سير الأنبياء القدامى والأولياء لكونها تحتوي على أهمية غريبة. كان غرض محمد من هذه السير إظهار كيف أن الله قد كافأ الصالحين وعاقب أعدائهم في الأزمنة الخالية. في معظم الأحيان تكون وضيفة الأنبياء القدماء إدخال تنويع بسيط في الصيغة, لأنهم في كل حالة تقريبا نسخة طبق الأصل عن محمد نفسه. إنهم يعظون بنفس طريقته, وعليهم أن يوجهوا نفس التهم لخصومهم, والذين بدورهم يتصرفون كالكفار من أهل مكة بالضبط. إن القرآن يذهب بعيدا لدرجة أن يجعل نوحا يحتج على عبادة آلهة كاذبة معينة, مذكورة بالاسم, كان يعبدها العرب في زمن محمد. في خطاب وُضع على لسان إبراهيم (الشعراء:69 ومايليها), ينسى القارئ تماما أن من يتكلم هو إبراهيم, وليس محمد (أو الله نفسه).
يكون الغرض من قصص أخرى الإمتاع على الأغلب, بالرغم من أنها دائما ما تُحَلّى بالعبارات التحريرية. لا عجب أن اعتقد القرشيون الكفار أن قصص القرآن هذه ليست أكثر إمتاعا من تلك التي لرستم وإسفنديار والتي كان يرويها لهم النضر بن الحارث, والذي, لكونه كان يترحّل متاجرا, قد تعلم عند الفرات أساطير الفرس البطولية. إلا أن النبي قد بلغ منه الحنق على منافسه لدرجة أنه أمر بإعدام النضر عندما وقع في يده بعد معركة بدر بالرغم من أنه عفى عن أهل بلده في جميع الحالات الأخرى مباشرة.
تدور هذه القصص حول شخصيات من الكتاب المقدس بشكلٍ رئيسي, وخصوصا تلك التي من العهد القديم. إلا أن الاختلاف عن الروايات الكتابية واضح جدا. إن العديد من التحويرات موجود في الحكايات الخرافية للهاجادة اليهودية وأبوكريفا العهد الجديد, إلا أن ما هو أكثر عددا من لك من التحويرات يعود إلى إساءة فهم لا يقع فيها إلا مستمعٌ (لا قارئ لكتابٍ). فحتى أكثر اليهود جهلا لن يخطئ بالاعتقاد أن هامان (وزير أحشويرش) هو وزيرٌ لفرعون, أو يعتقد أن مريم أخت موسى وهارون هي نفسها مريم أم المسيح.
بالإضافة إلى مثل هذه الأشكال من إساءة الفهم, هنالك تحويراتٍ متعددة, وبعضها فظ للغاية , ترجع إلى نزوةٍ من محمدٍ نفسه, فهو, على سبيل المثال, يجعل أساس خصوبة مصر , حيث لا يكاد يُرى مطرٌ ولا يُفتقد, تعتمد على المطر بدلا من اعتمادها على فيضان النيل, لجهله بكل ما خارج الجزيرة العربية (يوسف: 49). تعكس قصة "ذي القرنين" (أي الإسكندر الأكبر (الكهف: 83 ومايليها)), كما اكتُشِف مؤخرا, قصة سخيفة نوعا ما, كتبها سرياني في بداية القرن السادس, ولنا أن نعتقد بأن محتواها قد رُوِي للنبي على يد أحد المسيحيين. بالإضافة إلى التواريخ اليهودية والمسيحية, كان هنالك قصص قليلة العدد عن أنبياء من شبه جزيرة العرب. يبدو لنا فيها أنه قد تصرّف بما تحت يده من مواد بشكل أكثر تحررا من غيرها من القصص.
يتبع.....
|
|
11-03-2010, 03:49 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
طريف سردست
Anunnaki
المشاركات: 2,553
الانضمام: Apr 2005
|
الرد على: القرآن، مقتبسات من التاريخ الشرقي
لقد تمت الإشارة إلى الرأي الذي يقول بأن محمدا لم يستخدم مصادر مكتوبة. يمكن دوما تفسير التناظرات والتباينات على حد سواء بحدوث تواصل مع يهودٍ كانوا يعرفون القليل ومسيحيين كانوا لا يكادون يعرفون شيئا. حتى في الفقرات النادرة التي بإمكاننا أن نجد فيها تشابها مباشرا مع نص من نصوص العهد القديم ( قارن (الأنبياء: 105مع المزمور37: 29 والفاتحة: 5 مع المزمور27: 11) أو العهد الجديد (قارن الأعراف: 48 مع لوقا16: 24, والأحقاف: 19 مع لوقا16: 25), ليس هنالك ما لا يمكن أن يكون قد التُقِط خلال حوار مع أي يهوديٍ أو مسيحي.
في المدينة, حيث نال محمد فرصة التعرف على يهودٍ مثقفين نوعا ما, تعلم محمدٌ بعض الأشياء من المشناة فسورة المائدة: 32 تقابلُ كلمةً بكلمةٍ مشناة سنهدرين4: 5, قارن أيضا سورة البقرة: 183 مع مشناة بريشيت1: 2). سيعترف أي شخصٍ له أدنى إلمام بالظروف المحيطة بأن هذه مجرّد حالات من التواصل الشفهي. وإلا ربما اعترفنا بأن محمدا قد درس التلمود, فعلى سبيل المثال التعليم المتعلق بالتيمم من خلال الفرك بالرمل, حينما لا يمكن الحصول على الماء (النساء:43 , يقابل سُنّة تلمودية (مشناة بيريشيت: 15). ربما لم يتمكن محمد من تعلم إلا الشيء القليل عن المسيحية حتى وهو في المدينة, كما يمكننا أن نرى من الصورة الممسوخة السخيفة عن شرعة العشاء الرباني في سورة المائدة: 112 وما يليها. بالنسبة للباقي, من المحتمل جدا أن لم يكن هنالك إنتاج أدبي, أو أي شيء يمكن أن يسمى كتابا بالمعنى الحَصري, قبل القرآن باللغة العربية.
من حيث الأسلوب والتأثير الفني, نجد أن الأجزاء المختلفة من القرآن تتباين جدا في قيمتها. سوف يجد القارئ الناقد وغير المتعصب بالتأكيد القليل جدا من الفقرات التي تُشبع ميوله الجمالية بشدة. إلا أن سوف يصطدم مرارا, وخصوصا مع القطع الأكثر قدما, مع قوة عاطفية ثائرة, ومخيلة نشطة إن لم تكن واسعة. لا يندر أن تبدي أوصاف الجنة والنار والتلميحات إلى أعمال الله في الطبيعة, قدرا من المقدرة الشعرية. في مواضع أخرى نجد أيضا أن الأسلوب حيوي ومثير للإعجاب, بالرغم أنه من النادر بالفعل أن نمر على مجهودات بمثل هذه البساطة الأخاذة كالتي في منتصف سورة الضحى. القسم الأعظم من رسالة القرآن ذو طابع نثري قطعا, وكذلك أسلوبه بالفعل.
بالطبع, بمثل هذا التنوع في المادة التي يتم تناولها, لا نتوقع من كل جزءٍ أن يكون مفعما بالحيوية أو خصيب الخيال أو شعري بشكل مساوٍ. من الضروري أن يتم التعبير عن حُكمٍ بشأن الميراث أو إحدى تفاصيل الشعائرِ نثرا, لكي ما يٌفهم. لم يشتك احد من أحكام الشريعة في سفر الخروج أو طقوس تقديم القرابين في سفر اللاويين لأنهم رغبوا في التهاب مشاعر سفر أشعياء أو رقة أسلوب سفر التثنية.
إلا أن خطأ محمد يقع في التزامه الدائم والخنوع للصيغة شبه الشعرية التي تبناها في البداية طبقا لذائقته وذائقة مستمعيه. فهو على سبيل المثال يوظف قافيةً في أشد المواضيعِ نثريةً, وهكذا يأتي بنتيجة غير مقبولة هي التنافر بين الأسلوب والموضوع. إلا أن علينا أن نتذكر أن كثيرا من هذه القطع الخطابية المملة بالنسبة لنا, وخصوصا عندما نقرأ اثنان أو ثلاثة منها تباعا (وربما يكون ذلك عبر ترجمة غير دقيقة), لا بد أنها كانت ذات تأثير مختلفٍ تماما عندما كانت تتلى في أجواء لاهبة وعلى أرض مكة الجرداء. كانت الأفكار عن عظمة الله وواجب الإنسان, وهي أفكار تعودنا عليها منذ الصغر, جديدة تماما للمستمعين هناك الذين كان كل تلميح, في نفس الوقت, له معنى لا نلحظه عادة, ونقول مستمعين لأن هذا ما علينا أن فكر فيه لأول وهلة لا أن نفكر في قراء. عندما تكلم محمد عن طيبة الله لخلقه السحاب, وإرساله إلى الصحراء المقفرة, وصب مياهها على الأرض لتعود خضرتها, لا بد أن هذه كانت صورة مثيرة للاهتمام للغاية لدى العرب, الذين اعتادوا على مرور ثلاث إلى خمس سنوات قبل أن ينزل واصب غزيرٌ يكفي لكساء البرية ثانية بالمراعي الجزيلة. إن من المجهد بالنسبة لنا أن ندرك, إلى حد ما, شدة هذا الانطباع تحت سماءنا الغائمة.
إن حقيقة أن بقايا العبارات الشعرية كثيرة بشكلٍ خاص في السور المبكرة تمكننا من فهم سبب أن المجتمع التجاري النثري الميول في مكة قد اعتبر ابن بلدتهم غريب الأطوار "شاعرا," أو حتى "شاعرا مجنونا." اضطر محمد إلى رفض هذه العناوين, لأنه شعر بأنه نبي ملهمٌ من عند الله, إلا أننا نحن أيضا, انطلاقا من موقعنا, سنجرده من العبقرية الشعرية. كالعديد من الشخصيات الدينية على الأكثر, لم يكن لدى محمدٍ تقدير للجمالية الشعرية, وإن صدقنا إحدى الروايات عنه, فإنه ذات يومٍ عندما أنشد كل شخصٍ أبياتا من الشعر, أبدى جهلا بأبسط أوليات قرض الشعر. لذلك فإن أسلوب القرآن ليس شعريا بل بلاغيا. وأكثر التأثيرات القوية التي تحدثها فينا بعض الأجزاء هي نتيجة لأساليب بلاغية. وهكذا فإنه ليس للكتاب المقدس الإسلامي حتى الصيغة الفنية للشعر, والتي تشمل عند العرب وزنا شعريا مُقيِّدا بالإضافة إلى القافية.
إن القرآن ليس موزونا البتة, وأجزاء بليغة قليلة واستثنائية فقط تحمل نوعا من الترددات العفوية في الصوت. من جانب آخر, نجد التزاما بالحفاظ على القافية, بالرغم من أن ذلك يتم, وخصوصا في القطع القرآنية اللاحقة, بعد أسلوبٍ شديد الثراء. إن السجع كان شكلا محببا من أشكال الأدب بين العرب في تلك الأيام, فتبناه محمد. إلا أنه إن كان هذا الأسلوب قد أضاف حيوية من نوع ما على بعض الفقرات القرآنية, فإنه قد أثبت كونه عبئا ثقيلا على العموم. لقد لاحظ المسلمون أنفسهم كيف أن طغيان القافية يتجلى في تغيير تسلسل الكلمات واختيار صيغة الفعل, تلك الصيغة التي لم تكن لتيتم توظيفها لولا ذلك, كاستخدام صيغة غير تامة بدلا من الصيغة التامة.
على سبيل المثال. في إحدى المواضع, دعا محمدٌ جبل سيناء "سينين"(سورة التين) بدلا من سيناء (المؤمنون: 20), وفي موضعٍ آخر يُسمّى إيليا "إلياسين"(الصافات: 130) بدلا من إلياس (الأنعام: 85 والصافات: 123). إن الموضوع نفسه قد يُحَوّر ليناسب القافية الضرورية. لذلك ما كان النبي ليثبّت العدد المعتاد للملائكة الثمانية المحيطين بعرش الله (الحاقة: 17) لو لم يصادف أن تكون كلمة "ثمانية" من نفس قافية الآيات. وعندما تتحدث سورة الرحمن عن أن هنالك "جنتان, في كل منهما "عينان", و"زوجان" من الفاكهة, ثم عن "جنتان" من دونها, فإن هذا كله لأن القافية (-ان) تمثّل المقطع اللفظي الذي يتحكم بالقافية في السورة بأسرها.
في القطع اللاحقة, عادة ما يحشر محمد إشارات تحريرية للنص, لا علاقة لها إطلاقا بالمحتوى, لا لشيء إلا ليلتزم بالقافية. إن من السهل في العربية تجميع أعداد كبيرة من الكلمات ذات النهاية المشتركة, لدرجة أن الإهمال الكلي للقافية في القرآن يعد أمرا بارعا بمقدار الضعف. إن من الممكن القول بأن هذا دليلٌ آخر على عوز محمد للتدريب الذهني وعوزه إلى القدرة على مراقبة نفسه.
على العموم, وبينما تمتلك الكثير من أجزاء القرآن بلا شك قوة بلاغية ملحوظة ومؤثرة حتى على القارئ غير المؤمن, إلا أن الكتاب ليس عملا من الدرجة الأولى بأي حال, إن أخذناه من منظور جمالي.
حتى نبدأ مع ما نُحسن نقده, فلننظر إلى بعض القصص الأكثر طولا. مِن الملاحَظ سابقا مدى اتقادها وفُجائيتها في حين أن من اللازم أن تمتاز بسكونٍ ملحمي. عادةً ما يتم حذف روابط لا غنى عنها في التعبير كما في تسلسل الأحداث, لذلك فإن فهم هذه السير هو أسهل بالنسبة لنا (أي المسيحيين. المترجم) مما هو بالنسبة لمن تعلموها لأول مرة, وذلك لأننا نعرف أكثرها من مصادر أفضل. برفقة ذلك, نجد قدرا كبيرا من الإطناب الزائد عن الحاجة, ولا نجد في أي موضعٍ تقدما ثابتا في السرد.
قابل, في هذا الصدد, "أجمل قصة," أي سيرة يوسف (سورة يوسف), وانعدام لياقتها الباهر, مع القصة المذكورة في سفر التكوين, التي نفذت بشكلٍ يُثير الإعجاب بالرغم من وجود بعض التباينات البسيطة. نَجِدُ أخطاء مشابهةً في الأجزاء غير القصصية من القرآن. ترابط الأفكار غير محكم على الإطلاق, بل أن الإعراب نفسه يكشف عن غرابة عظيمة. كثيرا ما تظهر مفردات لا يمكن تفسيرها بأنها أدوات أدبية قد تم استخدامها بوعي. تبدأ الكثير من الجُمَل بلفظة "عندما" أو "يومئذ," لفظات تبدو كما لو أنها تحلق في الجو, مما دفع المفسّرين إلى القول ب"يُعتقدُ أن وربما" إو إلى اعتبارها زائدة نوعا ما. نكرر القول بأن العزف المتكرر وغير الضروري على نفس الكلمات والعبارات لا يدل على مهارة أدبية عظيمة, في الكهف على سبيل المثال يظهر تعبير "حتى إذا" ما لا يقلّ عن ثمان مرات. باختصار, ليس محمدٌُ ذا أسلوبٍ رفيعٍ بأي شكلٍ من الأشكال. إن وجهة النظر هذه سيتبناها أي أوربي يتصفحه للكتاب بروحٍ حيادية وبعض معرفة باللغة, بغض النظر عن التأثير الممل لتكراراته التي لا نهاية لها.
إلا أن حُكما كهذا سيبدو في مسامع أي مسلمٍ تقي صادما كما لو كان إلحادا أو شركاً بَيِّناً. فلطالما نظر المسلمون إلى القرآن باعتباره النموذج الأكمل أسلوبا ولُغةً. إن خاصيته هذه في فقههم الديني هو أعظم المعجزات, والدليل الذي لا يمكن دحضه على مصدره الإلهي. قد تُفزعنا نظرة كهذه من عند أناسٍ يعرفون العربية, بكل تأكيدٍ, بشكل أفضل مما قد يتمكن من فعله أمهر مستعرب أوربي. في الحقيقة, يتحدى القرآن بشجاعة خصومه أن يأتوا بعشر سورٍ, أو حتى سورة واحدة , مثل تلك التي في كتاب المسلمين المقدس, فلم يفعلوا ذلك أبدا.
من المؤكد أن هذا الأمر ليس مفاجئا تماما, إن تأملنا فيه. إن آياتٍ كالتي كان ينطق بها محمد, ما كان لكافر أن يأتي بها من دون أن يجعل من نفسه أضحوكة. مهما كانت عقائد محمد قليلة الأصالة, إلا أنه كان أصيلا تماما في أعين أهل بلده, حتى في صياغة آياته. إن تأليف مثل هذه الآيات حَسَب الرغبةِ كان أمرا لا قدرة لأكثر الأدباء خبرة عليه, لقد كان هذا الأمر يتطلّب إما نبيا أو مدّعيا وقحا. وإن كانت مثل هذه الشخصيات قد ظهرت فعلا بعد محمد, إلا أنها لم تتمكن إلا من أن تكون شخصياتٍ مقلّدة. كالأنبياء الكذبة الذين ظهروا خلال فترة موته وما بعدها. إن آخر ما يرغب به النبي من الخصوم هو المجيء بأي نموذجٍ مساويٍ للقرآن من الشعر أو البلاغة, فقد كان سيخزى, حتى في عيون العديد من أتباعه, بأول قصيدة تصل إلى يديه. إلا أنه على مثل هذا التفسير الخاطئ لهذا التحدي تأسست عقيدة إعجاز القرآن في الأسلوب وتخير الألفاظ , أما الباقي فقد أكملته العصبية الدينية, التي بإمكانها القيام بمعجزات أخرى إضافة إلى تحويل إنتاج أدبي هزيل إلى رائعة أدبية لا نظير لها في أعين المؤمنين.
بعد أن قُبلت وجهة النظر هذه, كانت الخطوة التاليةُ البحث في كل مكان عن دليلٍ لكمال الأسلوب واللغة. إن كان قد وجد بين المسلمين القدامى محبٌ للشعر, وأنه قد واجه صعوبات في تقبل هذه العقيدة, وهذا مما لا يكاد أن يكون فيه شك, فإنه كان مضطرا لأن يكون حذرا من التصريح برأي قد يكلفه حياته. إننا نعرف بفقيه عقلاني واحد على الأقل تحدى العقيدة بشكلٍ يمكننا من أن نرى أنه لم يكن يؤمن بها (الشهرستاني ص 39). في الحقيقة, لو أن أسلوب القرآن كان كاملا لكانت تلك هي المعجزة, لأنه بالرغم من أنه كان هنالك أسلوبٌ شعريٌ معروف آنذاك, يُكاد إلى يهبط إلى مستوى التقليد, إلا أنه لم يكن هنالك أسلوب نثري.
إن جميع البدايات صعبة, ولا يمكن اعتبار التهمة الموجهة إلى محمد بأن عمله يشهد لارتباك المبتدئ, تهمة خطيرة, فعمله أول عملٍ نثري من درجة مرتفعة في هذه اللغة. بالإضافة إلى ذلك, علينا أن نتذكر أن الاستمتاع والتأثير الجمالي كانا موضوعين جانبيين على الأغلب. كان الهدف الأسمى الإقناع والمحاورة, وبإمكاننا أن نقول إن شئنا أن هذا الهدف قد تحقق إلى أقصى حد
يتبع
يستدعي محمد الانتباه مرارا إلى حقيقة أن القرآن غير مكتوب بلغة أعجمية, كباقي الكتب المقدسة, بل باللغة العربية, لذلك فهو مفهومٌ للجميع.
في ذلك الوقت كانت كلمات أعجمية عديدة, بالإضافة إلى أفكار أعجمية, قد زحفت إلى اللغة, وبالأخص مصطلحات آرامية لمفاهيم ذات أصولِ ٍيهودية ومسيحية. كانت بعضا من هذه قد دخلت إلى استعمال العامة بالفعل, بينما بقي البعض الآخر محصورا ضمن حلقات محددة. أخذ محمد ٌ, الذي لم يتمكن من التعبير عن المصطلحات الحديثة بحرية بلغة أهل بلده الشائعة بل حاول مرارا إيجاد مصطلحات خاصة به, حريته في استعمال هذه الكلمات اليهودية والمسيحية, كما فعل, إلى درجة ما, مفكرونَ وشعراء معينونَ في تلك الفترة كانوا قد تساموا إلى مستوى التوحيد إلى درجة ما. في حالة محمدٍ كانت الحالة أقلَ روعةً, لأنه كان مدينا لتلقين اليهود والمسيحيين الذين كانت عربيتهم ضعيفة جدا, كما يُلمّح القرآن بشكل واضحٍ تماما إلى أحدهم. كما أنه ليس من المفاجئِ أن نجد استخدامهُ لهذه الكلمات خاطئٌ خطأ فهمه للسِيَر التي كان قد تعلمها من نفس الأشخاص, لدرجة أنه يستخدم تعابير آرامية بشكلٍ غير صحيحٍ بنفس الطريقة التي يستخدم فيها أشخاص غير مثقفين اليومَ كلماتٍ مأخوذة عن الفرنسية.
وهكذا, وبينما تعني "فرقان" "خلاصا", إلا أن محمدا (وقد أضله المعنى العربي للجذر "فرق" أي قطع وقرر")يستخدمها للتعبير عن "آيات موحى بها." إن معنى "ملة" الصحيح هو "كلمة" إلا أنها تعني في القرآن "دينا." ربما كانت كلمة "علّيّون" (سورة المطففين: 18, 19) الاسم العبري لله (عِليۆن) أي "الأعلى," إلا أن محمدا يستخدمها للدلالة على كتابٍ سماوي (أنظر إس فراينكل De vocabulis in antiques arabum carminibus et in Corano peregrines, طبعة ليدن 1880, ص 23). إن كلمة "مثاني" وهي , كما خمّن جيجر, صيغة الجمع للكلمة الآرامية, مَثنيثا, والتي هي نفسها الكلمة العبرية مشناة, وتعني في المصطلح اليهودي, حكما شرعيا صادرا من أحد الحاخامين القدامى. إلا أن "سبعا من المثاني" () في القرآن قد تعني آيات سورة الفاتحة السبعة, لذلك يبدو أن محمدا قد خال أنها تعني "قولا" أو "عبارة" (قارن الزمر: 24).
إن الكلمات ذات المصدر المسيحي أقل شيوعا في القرآن, ومن المثير للاهتمام أن بعضا منها قد أتى من الحبشية, ك"حواريون" أي رُسل, و"مائدة," وكلمتان أو ثلاث كلمات أخرى, وتظهر هذه الكلمات أول ما تظهر في الفترة المدنية. إن كلمة "شيطان" التي أُخِذت, في البداية على الأقل, من الحبشية, ربما كانت قد دخلت بالفعل إلى اللغة آنذاك.
لقد كان سپرنگر محقا في ملاحظته أن محمدا يكاد أن يستعرض هذه الكلمات الأعجمية, كاستعراضه تعابير أخرى قد صيغت بشكلٍ غريب. إنه بهذا يتبع ممارسة محببة لدى معاصريه من الشعراء. إن مما يميل إليه ناقصو الثقافةِ الاستمتاع بإطلاق التعابير الغريبة, وبعقول كهذه يحدثون انطباعا بالمهابة والغموض. لقد كان هذا هو بالضبط التأثير الذي رغب محمدٌ في إحداثه, وللتأكد من ذلك يبدو أنه أقدم حتى على استنباط بضع مفردات غريبة ك"غِسلين" (الحاقة: 36), "سجّين" (المطففين: 7, وتَسنيم (المطففين: 27), وسلسبيل (الإنسان: 18). إلا أن ضرورة تمكين مستمعيه من فهم الأفكار, التي لا بد أنهم وجدوها حديثة بذاتها بشكلٍ كاف, قد فرضت, بالطبع, حدودا ضيقة لدرجة ما على مثل هذه الغرائبيات.
إن محتويات القرآن الحالي الذي بين أيدينا تعود في جزءٍ منها إلى الفترة المكية (قبل 622 ب م.) وفي جزء آخر إلى الفترة التي ابتدأت بالهجرة إلى المدينة (بين خريف 622 والثامن من حزيران 632) . كان موقع محمد في المدينة مختلفا تماما عن ذلك الذي شغله في بلدته الأم. ففي الأولى كان منذ البدء قائدة لحزبٍ قوي, ثم أنه أصبح تدريجيا حاكم شبه الجيرة العربية المطلق, أما في الأخيرة (أي مكة) فقد كان مجرد واعظٍ محتقر لجماعة دينية صغيرة.
كما هو متوقع, يظهر هذا الفرق في القرآن. بذلك, فالقطع القرآنية المدنية, سواء أكانت سورا كاملة أم فقرات منفصلة تم إدخالها في سورٍ مكية, متميزة تماما بمحتواها عن تلك التي ظهرت في مكة. في معظم الحالات, لا يوجد شكٌ البتة في أن قطعة ما قد ظهرت إلى النور في مكة أم أنها ظهرت في المدينة, وفي معظم الأحوال يكون مصدرُ الدليلِ الذاتي الروايات الإسلاميَة. وبما أن الآيات التي ظهرت في المدينة تلاحظ أحداثا لدينا عنها معلومات دقيقة بشكل جيد, وتواريخها معروفة على التقريب, فإننا في موقعٍ يمكننا من تحدد تواريخها (أي الآيات) بشكل مؤكد إلى درجة لا بأس بها على أي حال. هنا أيضا تقدم التقاليد مساعدة قيّمة. إلا أن هنالك قدر كبيرٌ من الفقرات غير المؤكدة حتى للمدنية منها, وذلك في جزء منه, يعود إلى أن التلميحات إلى الأحداث والظروف التاريخية عامٌ بدلا من أن يكون خاصا, وفي جزء آخر, إلى أن الروايات عن أسباب نزول القطع المختلفة عادة ما تكون متقلبة, وعادة ما تستند إلى سوء فهمٍ أو حدسِ لا يستند إلى أساس. إلا أنه, مع ذلك, من الأسهل جدا, نوعا ما, ترتيب السور المدنية حسب التسلسل الزمني عن ترتيب تلك التي أُلفت في مكة.
هنالك بالفعل رواية تدعي تزويدنا بقائمة مرتبة حسب التسلسل الزمني. ولكن, إن غضضنا النظر عن وجودها بصيغ متشعبة, وأنها لا تراعي حقيقة أن سورنا الحالية مؤلفة جزئيا من قطع ذات تواريخ مختلفة, إلا أنها لا تزال تحتوي على العديد من العبارات المشكوك بها أو المكذوبة بلا شك لدرجة أنه من المستحيل منحها (أي القائمة) أي أهمية. بالإضافة إلى ذلك فإن من غير المحتمل بدايةً أن يدون معاصرٌ لمحمدٍ مثل هذه القائمة, ولو أن أي شخص خاول ذلك, لوجد أن من المستحيل الحصول على معلومات موثوقة حول تسلسل السور المكية المبكرة. ليس لدينا في هذه القائمة رواية أصيلة, بل أعمال أدبية مُجهِدة لنقاد مسلمين أمينين بلا شك, ربما قد عاشوا بعد الهجرة بقرن من الزمان.
من بين الآيات التي وُضعت في مكة, هنالك عدد لا بأس به من السور القصيرة عادة, والتي تصدم كل قارئ منتبه إلى كونها الأقدم. إنها تشكل جنسا مختلفا عن باقي السور عموما, وفي تأليفها ومحتواها تبدي هذه السور أقل شبها بقطع المدينة. من المعقول بلا شك-كما يفترض سپرنگر- أن محمدا ربما عاد في فترات معينة إلى أسلوبه المبكّر, ولكن بما أن هذه المجموعة (من السور) تبدي تشابها لافتا في الأسلوب, وبما أن التشكّل التدريجي لأسلوب مختلف هو حقيقة لا يمكن أن يخطئها أحد, فإن هذا الافتراض قليل الاحتمال. لذلك سنلتزم بالرأي القائل بأن هذه السور تشكل مجموعة قائمة بذاتها.
على طرف النقيض منها (أي قصار السور المكية) هنالك مجموعة أخرى, تبدي تشابها واضحا مع أسلوب السور المدنية, لذلك فمن الواجب نسبها إلى الجزء الأخير من سيرة النبي الأدبية في مكة. بين هتين المجموعتين يوجد عدد من السور المكية الأخرى, والتي تظهر من جميع النواحي انتقالا من المرحلة الأولى إلى الثانية . من الضروري أن نقول بأن الفترات الثلاثة , التي ميزها لأول مرة البروفيسور ويل, لا تفصلها حدود تقسيمٍ واضحة. بالنسبة لبعض السور, من المشكوك فيه وضعها في المجموعة الوسطى أم في أحدى المجموعتين الطرفيّتين الأخرتين. ومن المستحيل تماما, ضمن هذه المجاميع, وضع تسلسل زمني للآيات والسور المفردة حتى ولو بشكل محتملٍ. إن أهملنا التلميحات الواضحة إلى أحداثٍ معروفة بشكلٍ جيد, أو أحداثٍ من الممكن تحديد تواريخها, يبقى بإمكاننا أن نحاول تقصي التطور النفسي للنبي بواسطة القرآن, فنرتّب أقسامه تبعا لذلك. إلا أن المرء, في عملٍ مثل هذا, معرّضٌ دائما لأن يضع فرضيات ذاتية الطابع أو مجرد بهرجة لمعلوماتٍ مؤكدة. إن الروايات الجيدة عن أصول الآيات والسور المكية ليست كثيرة جدا.
في الحقيقة, إن سيرة محمد بأسرها قبل هجرتهِ مرويةٌ بشكلٍ منقوص لدرجة أننا غير متأكدين حتى من السنة التي ظهر فيها كنبي. ربما كانت سنة ظهوره 610 ب.م, وربما كانت قبل ذلك بقليل, ولكن من غير المحتمل أن تكون بعد ذلك. إن كانت سورة الروم: 1(الم۞غلبت الروم في أدنى الأرض) وما يليها تشيرُ, حسب إحدى الروايات, إلى هزيمة البيزنطيين على يد الفرس غير بعيد عن دمشق, حوالي ربيع 614, فإن هذا يعني أن المجموعة الثالثة (من السور), والتي تعود إليها هذه القطعة, تغطي الجزء الأعظم من الفترة المكّية. وليس من غير المحتمل الحماسة العاطفية التي ميزت المجموعة الأولى كانت قصيرة الأمد. ولا من غيرِ المحتملِ صحةُ الافتراضِ أعلاهُ و الذي تناقضهُ العبارةُ المسندةُ بشكلٍ جيدٍ, بالرغم من أنها بعيدةٌ عن أن تكونَ غير قابلةٍ للرفضِ, والتي تذكرُ (العبارة) أنهُ عندما تحولَ عمرُ بن الخطاب عن دينهِ (615 أو 616 ق.م), كانتْ (سورة.طه), والتي تعود إلى المجموعةِ الثانيةِ مكتوبةً. إلا أن إشارة سورة الروم: 1 وما يليها إلى هذه المعركة بالذات أمرٌ غير مؤكدٍ بأي شكلٍ من الأشكال حتى نستخلص استنتاجات إيجابية منه. الأمر نفسهُ ينطق على التلميحات الأخرى في السور المكية إلى أحداث من الممكن جزئيا التأكد من زمانها. لذلك فمن الأفضل الاكتفاء بتحديدٍ نسبي لتسلسل حتى مجاميعِ السور المكية الثلاثة الكبرى.
في قطع الفترة الأولى, عادة ما يتجلى هيجان النبي خلال نوبة الصرع بأشد ما يمكن من العنف. إن عواطفه تحمله بعيدا لدرجة أنه يُصبح غير قادرٍ على اختيار ألفاظه, بل يبدو كما لو أنها تتفجّر من داخله. تذكرنا العديد من هذه القطع بنبوءات الكهّان الوثنيين القدامى الذين يعتبر أسلوبهم معروفا بالنسبة لنا من خلال تقليد أعمالهم, بالرغم من أننا ربما لا نمتلك نموذجا أصيلا لهذه النبوءات. كهذه النبوءات الأخرى, تتألف سور هذه الفترة, وهي على الدوام ليست طويلة جدا, من جمل قصيرة ذات قوافٍ دقيقة ولكنها سريعة التغير. إن الأيْمان أيضا, والتي تبدأ الكثير من السور بها, كانت كثيرا ما تُستخدم من قبل الكهان.
بعض هذه الأيمان جلفة جدا وعسيرة الفهم, وربما قُصِد من بعضها ألا تُفهم, لأننا نقابل بالفعل كل ما هو غريبٌ في هذه الفصول القرآنية. يتكلم محمدُ أحيانا عن رؤى, ويبدو أنه قد رأى ملائكة تقف أمامه متجلية بهيئة بشرية. هنالك أوصاف جلية بشدة للبعث واليوم الآخر, أوصافٌ ربما كان لها تأثير شيطاني على رجالٍ لم يكونوا مطلعين قبلا على مثل هذه المشاهد. ترسم قطع قرآنية أخرى بألوان زاهية صور مُتع السماء وعذابات الجحيم. إلا أن سور هذه الفترة ليست كلها عنفوانية كهذه, ويبدو أن تلك التي تم إدراكها أثناء مزاجٍ مستقر هي الأقدم. إلا أن على المرء أن يُكرر أن من الصعب جدا استظهار تسلسل زمني دقيق بأي شكلٍ كان. على سبيل المثال, ليس من المؤكد على الإطلاق إن كانت بداية سورة العلق هي بالفعل أقدم جزء في القرآن بأسره كما تدعوها روايات شائعة عديدة.
تعود هذه الرواية إلى زوج محمدٍ المفضلة عائشة, ولكن, بما أنها لم تكن قد وُلدت في الفترة التي يُقال أن الوحي قد نزل فيها, فإن هذه الرواية يُمكنها ,على الأفضل, أن تحتوي ما قاله لها محمد بعد ذلك بسنوات, مستدعيا ذكرياته الخاصة وغير الواضحة تماما, مع أو بلا إضافات مُصطنعة. بالإضافة إلى ذلك, لا تُعتَبر عائشة مصدرا موثوقا به بشدة, أضف إلى كل هذا, هنالك قطع قرآنية أخرى يذكُرها آخرون مُدعين الأقدم. على أي حال تُعتبر سورة العلق: 1 وما يليها, مبكرة جدا بلا شكٍ. طبقا للرواية التقليدية, والتي يبدو أنها صحيحة, يبدو أن السورة تتعلق برؤيا تلقى فيها النبي أمرا بقراءة آيات نقلها له الملاك. من المثيرِ ملاحظة أن هنا قد تم أيضا تقديم شيئين كدليل على قدرة الله وعنايته,أحدهما هو خلق الإنسان من نطفة- وهي فكرة يكررها محمد, والآخر هو فن الكتابة المستعمل حديثا, والذي يستغله محمد بغريزية كأداة للدعاية لعقائده الدينية.
إن الآيات لم تصبح عاطفية بشدة إلا بعد أن لاقى محمدٌ مقاومة صلبة. في تلك الحالات, لم يتردد عن النطق بنبوءات فضيعة بحق من سخروا من مواعظه التي تدور حول وحدة الله والبعث والحساب. لقد صده عمه ابو لهب بفظاظة نوعا ما, فسُلِّمه هو وزوجه إلى الجحيم عبر سورة قصيرة خاصة. إن سور هذه الفترة تشكّل بصورة تكاد أن تكون كاملة الأجزاء الختامية من النص القرآني الحالي. إلا أن المرء يميل إلى الافتراض بأنها كانت أكثر عددا في ما مضى, وأن الكثير منها قد ضاع في فترة مبكرة.
بما أن قوة محمد تكمن في خياله المتحمس والمنفعل لا في ثراء الأفكار وصفاء الفِكَر المجردة واللتان يعتمد عليهما الاستنتاج الدقيق, لذلك لابد أن تكون السور القديمة التي تظهر فيها الصفات المذكورة أعلاه بأجلى صورة أكثر جاذبية بالنسبة لنا من السور اللاحقة. في سور الفترة الثانية يتلاشى توهج المخيلة فجأة, لا يزال هنالك انفعال وحيوية, إلا أن النبرة تصبح مملة أكثر فأكثر. ومع هبوط القلق النفسي المحموم, تمتد دورات ظهور القوافي طولا, وتصبح الآيات أطول عموما. إن صِدق العقيدة يتم إثباته من خلال الحوادث المتراكمة التي تدخل فيها الله مؤثرا في الطبيعة والتاريخ, واعتراضات الخصوم, سواء أكانت تطرح انطلاقا من إيمان قوي أو من سخرية, يتم مجادلتها من خلال طرح براهينه. إلا أن طريقة عرضها كثيرا ما تكون مرتبكة أو حتى ضعيفة. يتم قص سيّر الأنبياء السابقين, والتي كانت قد تم التعرض إليها باختصار في الفترة الأولى, بإسهاب أحيانا.
يتبع
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 11-03-2010, 04:08 PM بواسطة طريف سردست.)
|
|
11-03-2010, 03:59 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
طريف سردست
Anunnaki
المشاركات: 2,553
الانضمام: Apr 2005
|
الرد على: القرآن، مقتبسات من التاريخ الشرقي
تخريبٌ سوداوي
يتكلم جيرد آر پوين بازدراء عن الاستعداد التقليدي للباحثين المسلمين والغربيين على حد سواء للموافقة على الفهم المعتاد للقرآن. يقول پوين: "إن القرآن يدعي أنه مُبين أي واضح. إلا أنك إن نظرت إليه, فإنك ستلاحظ أن كل عبارةٍ خامسةٍ من عباراتهِ أو ما شابه ليس لها معنى. بالطبع, سيقول لك العديد من المسلمين, بل ومن المستشرقين, غير ذلك, إلا أن الحقيقة بكل بساطة هي أن خُمس القرآن لا يُمكن استيعابه. هذا هو السبب وراء القلق من الترجمة. إن كان القرآن لا يُمكن استيعابه, ولا يمكن فهمه حتى بالعربية, فهو غير قابلٍ للترجمة. إن الناس تخشى ذلك. وبما أن القرآن يدعي مرارا أنه مبينٌ وهو ليس كذلك بكل وضوح, كما سيقول لك حتى الناطقون بالعربية, فإن هنالك تناقض ما. لا بد من أن هنالك أمرا آخر يحدث."
إن محاولات معرفةِ هذا ال"الأمر الآخر" لم تبدأ حقيقة إلا في هذا القرن. تقول پاتريشيا كرون, وهي مؤرخة للإسلام المبكر: "حتى وقتٍ قريب, ضمن الجميع أن كل ما يدّعي المسلمون أنهم يتذكرونه عن أصل القرآن ومعناه صحيحٌ. إن أنك تخليت عن هذا الافتراض, فإن عليك أن تبدأ من جديد." إن هذا ليس عملا بسيطا, بالطبع, فالقرآن قد أتى إلينا ملفوفا بإحكام بتقاليد تاريخية عصية جدا على النقد والتحليل. كما تقول كرون في كتابها "عبيدٌ على خيول."
إن منقحي الكتاب المقدس يقدمون لنا أجزاء من التقليد الإسرائيلي في مراحل مختلف من التبلور, وهكذا من الممكن أن تُقارن قيمة شهاداتهم بنجاحٍ. إلا أن التقليد الإسلامي كان نتاجا لا لعملية تبلورٍ بطيئة, بل لانفجار. لم يكن المُصنفون الأولون منقحين بل جامعين لبقايا وأعمالهم خالية من وحدة الفكرة العامة بشكل يثير الصدمة, فلا يمكن لمقارنتها أن تضيء الدرب لنا بأي حال. ولا عجب من ذلك, إن لاحظنا الطبيعة الانفجارية للإسلام المبكر والفترة الزمنية التي مرت بين تاريخ ولادة هذه العقيدة وأول توثيق نظامي لتأريخها. كان عالم محمدٍ وعالم المؤرخين الذين كتبوا عنه لاحقا مختلفَين تماما.خلال أول قرن للإسلام أصبحت عصبة من رجال القبائل الصحراوية الوثنية المحلية حماةً لإمبراطورية عالمية شاسعة من التوحيد المؤسساتي, امبراطوريةٌ تعج بنشاط أدبي وعلمي لم يسبق له مثيل. يفترض العديد من المؤرخين المعاصرين أن من غير الممكن توقع أن تبقى رواية الإسلام عن بدايته-وبالأخص إن أخذنا بالاعتبار التقليد الشفهي للقرون المبكّرة- على حالها متماسكةَ متجاوزةً بذلك هذا التحوّل الاجتماعي. ولا يمكن توقع أن يُهمل مؤرخ مسلم يكتب خلال القرن التاسع أو العاشر في العراق هذه الخلفية الاجتماعية والفكرية (والعقائد الدينية الراسخة) فيتمكن بدقةٍ من وصف محتوىً خلفيتهِ في الجزيرة العربية في القرن السابع. لخّص آر ستيفن هَمفري R Stephen Humphrey في كتابه التأريخ الإسلامي: هيكليةٌ لأجل القيام بالتحريات (1988) Islamic History: A Framework for Inquiry, باختصارٍ الأمور التي يواجهها المؤرخون في دراستهم للإسلام المبكر.
"إن كان دورنا هو استيعاب الطريقة التي فهم بها مسلمو نهاية القرن الثاني الهجري الثامن الميلادي والثالث الهجري التاسع الميلادي أصول مجتمعهم, فإننا بعيدون عن ذلك حقا. إلا أنه إن كان غرضنا معرفة "ما الذي حدث حقيقة," من خلال أجوبة موثقة بشكلٍ يُعتمدُ عليه للأسئلة المعاصرة عن العقود الأولى للمجتمع الإسلامي, فإننا في مشكلة.
إن الشخص الذي عرّض الدراسات القرآنية لهزة أكثر من أي شخص آخر في العقود القليلة الماضية هو جون وانزبرو John Wansbrough, الباحث في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن University of London's School of Oriental and African Studies . إن پوين يقوم ب"إعادة قراءة لأعماله الآن" استعدادا لتحليل القصاصات اليمانية. تقول پاتريشيا كرون Patricia Crone أنها ومايكل كوك Michael Cook:"لم يقولا الكثير عن القرآن في كتابهما "الهاجرية" الذي لم يكن يعتمد على وانزبرو." نجد باحثين آخرين أقل إعجابا (بطرح وانزبرو) ويصفون عَمَلَ وانزبرو بال"معاند بشكل متطرف","معتمٌُ بشدة" و"خداع هائلُ للذات." ولكن سواء أعجبهم أم لم يعجبهم, يجب على كل من يخوض في غمار دراسة القرآن اليوم أن ينافس عملي وانزبرو الأكثر أهمية : دراساتٌ قرآنية: مصادر وطرقٌ لتفسير النص الديني (1977) Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation والوسط الطائفي: محتوى وتأليف تأريخ الخلاص الإسلامي (1978) The Sectarian Milieu: Content and Composition of Islamic Salvation History.
أخضع وانزبرو القرآنَ لترسانةٍ كاملةٍ مما سماه "أدوات وتقنيات" نقدِ الكتابِ المقدّس-أي نقد الصيغة, نقد المصادر, نقد التأليف, والكثير غير ذلك." لقد استنتج أن القرآن قد تطوّر بالتدريج خلال القرنين السابع والثامن, خلال فترة طويلة من التناقل الشفهي كانت الطوائف المسيحية واليهودية أثنائها لا تكف عن الجدل في ما بينها وذلك في منطقة تقع إلى الشمال من مكة والمدينة, في ما هي الآن أجزاء من سوريا والأردن وإسرائيل والعراق. لقد استنتج وانزبرو أن السبب وراء عدم وصول أي مصدرٍ إسلامي من القرن الأول أو ما شابه, يعود إلى أن مثل هذا المصدر لم يُوجد إطلاقا.
بالنسبة لوانزبرو يعتبر التقليد الإسلامي مثالا لما يُعرف لعلماء الكتاب المقدّس ب"تاريخ الخلاص": قصة تحركها دوافع دينية ودعوية لبيان أصول الديانة, يَتُمُ اختراعها في وقتٍ متأخرٍ وتُنسَبُ إلى زمن قد مضى. بتعبيرٍ آخر, كما يقول وانزبرو في كتابه "دراساتٌ قرآنية," تضمنت عملية منح القرآن وَضعَهُ كمرجعٍ مكتملٍ والتقليد الإسلامي الذي ظهر لتفسيره مساهمات عدة مجموعات, عادة ما تكون متداخلة, من الأحاديث الشريفةlogia (تُبدي بصمةً موسويةً مميزة) لصورة نبيٍّ من أنبياء الكتاب المقدس (محوّرة من خلال مواد دعوية محمدية لتشكّل صورة "رجل الله" العربي) مع رسالة خلاصٍ تقليدية (محوّرة بتأثير من اليهودية الربينية
لتشكل صورة كلمة الله المباشرة و, في آخر الأمر, المعصومة منمن التحريف)
لقد انتشرت نظريات وانزبرو الملغزة في أوساط بحثية معينة, إلا أن العديد من المسلمين وجدوها, بشكلٍ نفهمه, مهينة بشكلٍ عميق. وصف پرويز منظور, على سبيل المثال, دراسات وانزبرو القرآنية ودراسات الآخرين ب"استعراض خطابي وقح للقوة" و"فورة تخريب سوداوي" لكن حتى منظور نفسه لا يقترح هجر المشروع النقدي للدراسات القرآنية, وهو بدلا عن ذلك يحث المسلمين على التغلب على أهل فكرة إعادة النظر من الغربيين في" ساحة قتالٍ معرفية," معترفا أنه "على المسلمين أن يُقاربوا القرآن انطلاقا من فرضيّات طرائقية ومعايير تتنافر بحدة مع تلك التي نُقدسها ضمن تراثنا."
يتبع
|
|
11-03-2010, 10:31 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
|