القرآن أخبر بتحريف وقع في الكتب السابقة لا على وجه الانتقاص كما فهم الفريقان مسلمون ومسيحيون , وإنما على وجه البيان المجرد بغرض حفظ الدين الحقيقي وصيانته عن البدع الدخيلة .. فمفهوم ( البدعة ) قد أسئ فهمه واستعماله في غير محله على يد الجماعات السلفية بشكل ساذج ومحلي جداً , في حين أن مفهوم القرآن عن البدعة هو مفهوم يخاطب أهل الأديان جميعاً ويناديهم بتنقية الدين الواحد الكوني الذي يشتركون فيه جميعاً , وبذلك يصل الكل إلى الإنضمام تحت مظلة واحدة تظلهم جميعاً ..
اقتباس من المقال الذي ذكره الأخ الفكر الحر عن منتدى الإخوة القرآنيين :
[ يقول القرآن أن التوراة الأصلية الصحيحة كانت موجودة في القرن الأول الميلادي في وقت عيسى عليه السلام ):
"يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ..." (مريم 19: 12)؛ "وَيُعَلِّمُهُ (عيسى) الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ" (آل عمران 3: 4؛ "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ..." (الصف 61: 6) ]
أقول : ليست هذه هي المشكلة أخي الكريم ! والقرآن لا يتحدث عن تحريف حروف وحبر على ورق , وإنما حديث القرآن عن تحريف الإعتقاد ! عن صنع آلهة جديدة اقتباساً عن الأمم التي لم يأتها رسول ! عن الانصياع لها نصياع الأنثى للذكر بدلاً من هدايتها ودلالتها على الحقيقة !
ولا أبرئ المسلمين من وقوعهم في حبائل كثير من الأخطاء , على رأسها خطأ التقوقع على الذات خاصة في العصور الأخيرة , وحصر الخطاب القرآني في المسلمين فقط , وهذا برأي كل عاقل لا برأيي أنا فقط : جريمة .
كان المفترض حدوث ( زمالة ) بين أهل الأديان لا صراع طائفي أبكم أصم كما نقرأ في السجالات والمناظرات بين علماء المذاب الإسلامية وبين الأساقفة والقسس والأحبار , وقد نتج عن هذا (( للأسف )) سوء فهم لكثير من معاني القرآن والكتاب المقدس بسبب الموروث الثقافي .. وهذه التركة النفسية بين الفريقين .
أكرر أن مربط الفرس هو أن الدين دين واحد بسيط سهل , خال من ملاحم الدماء والفداء والصلب وهذه الأمور .. الله لا يحتاج لمثل هذا , قداسته لا يطولها أحد لا إبليس نفسه ولا آدم وبنوه , بل على العكس : هو خلقنا مذنبون بطبيعتنا لكي يظهر هو ! لكي يظهر الجانب الجمالي منه : التجاوز .. الحدب .. العطف على المذنب في حق المحسن .. العفو .. الغفران .. عدم استيفاء الحق .
وأما قداسة الله تعالى بالمفهوم المسيحي الحديث البولسي فهي ناتجة عن اعتبارها حاصلة من الخارج أو أنها تتأثر بالخارج ..
ونحن نسأل : هل القداسة ذاتية أم فعلية ؟
يعني هناك صفات لله هي صفات فعلية مثل صفة الكلام مثلاً , أو صفة الخلق : إذا أراد ان يخلق خلق , وإذا لم يرد لم يخلق ..
وهناك صفات ذاتية لا يصح أن يقال في حقها إذا لم يشأ فهي غير حاصلة , لأنها فوق صفة المشيئة وفوق صفة الإرادة , مثل صفات الرحمة والعظمة والعلم ونحو ذلك .. لا يصح أن يقال : ( إذا لم يشأ أن يعلم فإنه لا يعلم !! ) هذا لا يمكن ..
من ذلك القسم الأخير : صفة القداسة .. فهي غير مندرجة تحت المشيئة فضلاً عن أن تندرج تحت أفعال غير واجب الوجود , من العدم امثالنا نحن ..
هل تعلم ما معنى أن ينال ممكن الوجود من واجب الوجود , من المطلق ؟ هذا معناه أنه أقوى منه وأعلى منه ولو لحظة , واعتقاد هذا في حد ذاته كفر ..
ولذلك فهناك حديث قدسي يقول : ( من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب، غفرت له و لا أبالي ما لم يشرك بي شيئا ) .. هذا لأن مختصر وخلاصة اعتقاد الفداء والكفارة وحتمية حل ( الصليب ) : (( ان الذنب أكبر من الرب )) وهذا في حد ذاته كفر .. أن تتصور أنك يا ( لا شئ ) أكبر من الله .. أخبرني عن وجودك من أين مصدره حتى يشكل خطراً على القداسة الذاتية ؟
ما وجودك بجانب وجوده ؟
ما حقيقة تأثير العدم في المطلق ؟
لابد أن تجزم بأن الله هو الذي خلقنا ذوو طبيعتين ( خير وشر ) لكي تظهر صفاته هو .. وأنت لا مشكلة لك , لقد خلقك ليظهر هو , وكل أعمال بني آدم غرضها أن يظهر هو ..
الملائكة لم تظهر بها صفات كثيرة لله موجودة فعلاً , لأنها مخلوقات لا تملك اختياراً , ولا تملك أن تعصي وتخالف لأنها لا تأكل ولا تشرب ولا تنجب ولا شهوة لها ( لا حاجات مادية ومن ثم لا حاجة لها إلا لله فحسب ) , بخلاف الإنسان الذي خلقه الله تعالى له حاجات ومطالب مادية كثيرة جداً لا تنتهي تضطره لأن يسرق ويزمي بل ويكفر , ينسب لله أبناء وأنصاف آلهة يعبدها معه كي يشفعوا له وينصرونه على الله .. لأنه للأسف لم يفهم ولم يعرف الله ..
هو يظن ان الله تعالى يريده مثل الملائكة بلا ذنوب .. في حين ان الله يريده أن يظل عاصياً تائباً , كي تظل صفات الجمال الإلهي بادية للعوالم .. كما قال النبي الأكرم خاتم الرسل ( ص ) : ( والله لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم ) ..
إذن المعادلة عكس معادلة بولس ومن سبقه تماماً , وعكس معادلة كل عبدة الآلهة المخلّصة من أبناء الله ومن الإناث ( مناة وعشتاروت ) والعجيب ان الوثنيين العرب قد قالوا أن الملائكة بنات الله , فهناك عندهم تأنيث أيضاً .. فما السبب ؟
السبب أن الأنثى مطيعة ( وبتسمع الكلام ) وهذا يريح العصاة والمذنبين الذين يريدون الهروب من الله , يريدون ان يأمرونها فتطيع وتشفع وتمنع وقوع الغضب المتوقع نزوله من السماء !! .. بدلاً من أن يتوبوا ( ويحققوا الهدف من وجودهم !!! ) فلجئوا إلى هذه العقائد البدائية ولا زالت قائمة حتى الآن ..
ومع أن رسل الله وعباده الصالحين لهم صفات جميلة جداً هي انعكاس ومرايا لصفات الله , وظهور لله على الأرض : إلا أن عبادتها والقول بأنها هي الله وأن الله قد حل فيها خطيئة شنيعة بعث الله تعالى عبده ونبيه محمداً (ص) ليشرح للناس نظرية خلقهم ذوو طبيعتين وقصة الذنب وخطيئة آدم , وحكمة خلق الإنسان بهذه الطبيعة المزدوجة بعد خلق الملائكة ذوو طبيعة واحدة ..
كل هذه أمور ضل فيها أهل الدين الواحد , وحادوا فيها عن الجادة .. ولذلك فإن بعثة النبي محمد (ص) الذي بين للبشرية حقائق تلك الأمور الأزلية بل الحقائق الغيبية عن الله تعالى وحكمة عملية الخلق لآدم وذريته : هي رحمة ما بعدها رحمة ..
وأن الذين لم يعرفوا من كل هذا إلا لحية ونقاب وجلباب قصير ولهث على السلطة والحكم مثل الكلاب : لعنة ما بعدها لعنة ..
وبالمناسبة لقد أساء المسلمون فهم عقيدة ختم النبوة أيضاً , فالنبي محمد (ص) هو خاتم النبيين ليس بمعنى أنه آخرهم , وإنما بمعنى أن النبوة من بعده تكون في أمته كما كانت من قبل في بني اسرائيل ..
ولا يضره حقد الحاقدين وتكذيبهم له ووصفه بصفات لا جود لها في الواقع , فطالما هناك قلوب متشبعة بملاحم القصاص الرباني والثأر السماوي الأسطورية , فلن يوجد فطام عاطفي ناحية النبي محمد (ص) الذي أسئ فهمه بشكل غير مسبوق على الإطلاق .. طالما أن أساطير الثأر والقصاص هي معيار صدق النبي محمد (ص) فإنه سيظل عند هؤلاء غير صادق وكل الحقاق الغيبية التي أخبر بها عن الله وحكمة خلق الإنسان مذنباً ووو ستكون غير صادقة ..
مسكين هذا الإنسان ..
حتى المسلمين آخر الأمم بعث الله تعالى لهم عدة رسل ليقوّموا أخطائهم وعوجهم بما يناسب العصر , وآخرهم حضرة السيد غلام أحمد القادياني , فردوهم وكذبوهم , لأنهم لا يعرفون معيار صدق النبي والرسول , هل أمر السيد أحمد بشئ خالف به رسول الله (ص) ؟ أبداً ! فلماذا كذبوه ؟ بسبب العقليات الأسطورية أيضاً ( أن عصر النبوات قد انتهى ) ( لم يعد هناك اتصال للإنسان بالله على الأرض ) ( الوحي قد انقطع ) ..الخ
مع ان الوحي مستمر منذ نزول آدم فلماذا ينقطع ؟!! لقد كان السيد أحمد يقول لخصومه : لماذا لا تكذبونني ! هل تعبدون قصصاً ؟
يقصد : أنتم لا تريدون خطاب الله معكم مباشرة , أنتم تريدون ديناً تراثياً من خلال الكتب والقصص والروايات ؟
الله يعلن عن نفسه أمامكم يا ( .. ) وترفضونه ؟
لقد خاطب هذا السيد كل أهل الأديان مسلمين ونصارى وهندوس , وكانت النتيجة للأسف صفر !
الكل أخذ صفر ..
كل واحد أحاط نفسه بجنزير حديد يعوقه عن الحركة ويصيبه بالشلل ..
فهذا له مسيح مخلص يغنيه عن أي محاولة للتفكير المستقيم ويلغي عقله ويجعله تحت قدمه , وهذا له كريشنا مخلص أيضاً , وهذا مسلم يعبد روايات أموية قذرة مكذوبة , وجبال من الكتب التراثية مملوءة بعلوم ومفاهيم نتاج زمانها وبيئتها , ولا تعبرعن حقيقة مجردة تتجاوز حدود البيئة والزمان والمكان والثقافة الموضعية المؤطرة بفهم القبيلة والمملكة والعشيرة ..
أنا أقسم على كل من يقرأ الآن أن يقرأ كتاب ( حقيقة الوحي ) للميرزا غلام أحمد في هذا الرابط :
http://www.islamahmadiyya.net/books.asp?start=28&page=5&magazine=0
ولينظر هل مطلع كلامه كلام مبطل ؟ ثم ليقرأ وليقرأ بنهم ! هل تتخيّل ؟ هذه فرصة أنك تقرأ لرجل بعثه الله تعالى في قرننا هذا ليرد على المبطلين عبر تسعة عشر قرناً بعد ميلاد السيد المسيح المعبود بشهادة بولس أو بالأحرى شاول .. وبدلاً من أن يتذاكى البعض ويسأل عن دليل صدق النبي محمد (ص) فليسأل نفه عن دليل صدق هذا اليهودي الكذاب عبد ابليس ( المخبر الذي كان يتميز غيظاً على تلامذة الرب ) ! ما دليل صدقه ! هل هو ظهور نور في الأفق قال له أني المسيح ؟!! لقد ضحك ابليس على الملايين بهذه الخدعة ومنهم مسلمون فخرج بهم عن دائرة الدين الحق !
لقد أخطأ كلا الفريقين مسلمون ومسيحيون في اعتقاد انقطاع النبوة وانقطاع فضل الله وتخليه عن البشرية , وأخطأ المسيحيون في فهم هدف الخلق ومعرفة فلسفة وحكمة الخطيئة فاضطروا للوقوع في نفس ما وقع فيه الوثنيون من قبل مع تغيير طفيف في تفاصيل صغيرة لابد منها كاسم المعبود الفادي المخلّص المصلوب ( ولا يزال المسيحيون حتى اللحظة يحتقرون أبحاثاً مثل كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ) , ويدافعون عن هذه السخافات الطفولية التي يقلدون بها البشرية في طفولتها وهم في القرن الحادي والعشرين , يدافعون عن هذا بالهجوم على الرموز الدينية الإبراهيمية التي هي معالم الدين الأصلي الواحد النقي الخالص عن تلك الملاحم الدموية , دين السلام الذي دعى إليه ابراهيم عليه السلام حتى الميرزا غلام أحمد عليه السلام .. دين خال من المشكلات الفلسفية المعقدة , دين بسيط ساذج يصلح لأستاذ الجامعة وفلاح الأرض الزراعية .. دين بلا مشاكل وصور عن الله يرفضها العقل والفطرة , ثأر وانتقام وقداسة تتأثر بالخارج !
لم يزل رسل الله يأتون تترى بغرض محو الإملاءات الإبليسية على البشر بغرض عبادة المظاهر والمرايا الإلهية عوضاً عن الله نفسه .. وكان يكفي أن نراه في المرآة ونرضى بذلك بدلاً من أن نكذب ونقول أنه هو صورة المرآة ..
أمر أخير : أن جميع رسل الله كانوا ممثلين لحضرة الله تعالى على الأرض .. ولذلك أمر الله تعالى أتباعهم بأن يعظموهم ويستشفعوا بهم , لأنهم مظهر الله على الأرض , فأصحاب النفوس المستكبرة قتلوهم وهم اليهود ( قتلة الأنبياء ) وهذا الإسم صار علَماً عليهم لإمعانهم في قتل الأنبياء باستمرار دون حياء .. وأصحاب الشبق الروحي المعيب الذي قد يقود إلى ذل صاحبه عبدوهم ...
أقول : أن جميع رسل الله كانوا ممثلين لحضرة الله تعالى على الأرض .. وكانوا مرايا لصفاته , ولكن تلك المرايا كانت غير واضحة تماماً وضبابية نوعاً ما رحمة بعقول أهل هذه الأزمنة وظروف عصرهم وحضارتهم البدائية ,وكلما قارب الزمان نهايته كلما زادت المرآة وضوحاً , وربما غلب جانب القهر والجلال على بعضهم جانب الجمال كما هو حال نبي الله موسى , وقد كان العكس كما هو حال نبي الله عيسى ( او يسوع الناصري ) , وأما المظهر الأكمل الذي جمع أطراف جلال والجمال بحذافيره , وأحاط الدنيا وشملها بعطف الله ورحمته , واجتمع له بأس موسى ويوشع بن نون وجمال عيسى وهارون , فهو مرآة كاملة لا نقص فيها بحال فهو هذا النبي العربي محمد (ص) وآله ..
فقد كانت المرايا السابقة كلها مرايا جزئية .. وإنما هذه المرآة مرآة كاملة ..
هذا الكلام كلام عالٍ ربما لن يفهمه من المسلمين إلا أهل الإسلام الحقيقي وهم الشيعة والصوفية وكلاهما من مدرسة أهل البيت النبوي , وأما يهود المسلمين فهذا كفر صراح عندهم أقصد السلفية وشلة الحويني وحسان وابو قردان .. وربما يفهمه كثير من المسيحيين ويكفر به ابتداء ( يكفر يعني يغطي ومنه اشتقت كلمة cover فالكافر يغطي الحقيقة الدينية بعد ان ظهرت له أو انشرح لها صدره واقتنع بها عقله , حرصاً على مصلحة أو هروباً من مضرة متوهمة ) ..
لكن في النهاية : حتى المرآة الخاتمة لها درجات وكمالات , وظهور بحسب متطلبات العصر الذي تظهر فيه مثل قوس قزح .. فالحقيقة المحمدية هي أول مخلوق , وهي العقل الأول , وهي الوسيط بين الله والناس في عملية الخلق , وهي الحقيقة التي عبدها النصارى وظنوا أنها حلت في المسيح عليه السلام وليس الأمر كذلك ولا يطيق المسيح حملها ولا حمل صورة طبق الأصل منها ..
يقول فيلسوف الصوفية البارع الشيخ عبد الكريم الجيلي :
( أعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره , وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين , ثم له تنوع في ملابس ويظهر في كنائس , فيسمى به باعتبار لباس , ولا يسمى به باعتبار لباس آخر , , فاسمه الأصلي الذي هو له محمد , وكنيته أبو القاسم , ووصفه عبد الله , ولقبه شمس الدين , ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام , وله في كل زمان اسم ما يليق بلباسه في ذلك الزمان ..
فإذا كشف لك عن الحقيقة أنها متجلية في صورة من صور الآدميين , فيلزمك إيقاع اسم تلك الصورة على الحقيقة المحمدية ويجب عليك أن تتأدب مع صاحب تلك الصورة تأدبك مع محمد صلى الله عليه وسلم , لما أعطاك الكشف أن محمدا صلى الله عليه وسلم متصور بتلك الصورة , فلا يجوز ذلك بعد شهود محمد صلى الله عليه وسلم فيها أن تعاملها بما كنت تعاملها به من قبل , ثم إياك أن تتوهم شيئا في قولي من مذهب التناسخ , حاشا لله وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك مرادي , بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم له من التمكين في التصور بكل صورة يتجلى في هذه الصورة , وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملهم ليعلي شأنهم ويقيم ميلانهم , فهم خلفاؤه في الظاهر وهو في الباطن حقيقتهم ( الإنسان الكامل ج2 ص 74 , 75 )
ويقول د. أبو العلا العفيفي : وقد أفاضت الشيعة في وصف هذا النور المحمدي , فقالوا أنه ينتقل في الزمان من جيل إلى جيل , وأنه هو الذي ظهر بصورة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء , ثم ظهر أخيرا بصورة خاتم النبيين محمد عليه السلام . وبهذا أرجعو جميع الأنبياء من آدم إلى محمد , وكذلك ورثة محمد إلى أصل واحد . وهو قول نجد له صدى في الغنوصية المسيحية . يقول الأب كليمنت الإسكندري : ( ليس في الوجود إلا نبي واحد وهو الإنسان الذي خلقه الله على صورته , والذي يحل فيه روح القدس , والذي يظهر منذ الأزل في كل مكان وزمان بصورة جديدة ) . نجد لكل هذا الكلام نظيرا في كتب ابن عربي فيما يسميه الكلمة المحمدية أو الحقيقة المحمدية أو النور المحمدي . فهو لا يقصد بالكلمة المحمدية في هذا الفص محمداً الرسول , وإنما يقصد الحقيقة المحمدية التي يعتبرها أكمل مجلى خلقي ظهر فيه الحق . ( فصوص الحكم لابن عربي بشرح العفيفي 319 - 320 )
فالنبي محمد (ص) الرحمة المرسلة للعالمين , والذي أحيا الله تعالى به الإنسان المقبور , ونقله به نقلة نوعية غيرت معالم التاريخ البشري كله ونقلته نقلة بعيدة في بضع سنين تفوق النقلة التي انتقلها منذ عهد آدم عليه السلام , ولا يشبهها إلا النقلة التي انتقلتها البشرية في الخمسين عاماً الأخيرة : هذا النبي الذي نجح عملاء الشيطان في تشويه صورته بصورة غير مسبوقة , له صور كثيرة تجلى بها من قبل في بني اسرائيل , وله صورة مفصلية تجلى بها في أرض العرب , وله خلفاء أيضاً من بعده يتجلى فيهم .. يرسلهم الله للبشرية على رأس كل قرن جديد ( والقرن ليس مائة عام بالضرورة وإنما قد يكون سبعين أو نحوها )
هؤلاء السابقين أو الخلفاء هم صورة منه (ص) وإن اختلفت الأجساد , إلا أن الحقيقة واحدة .. وهذا مالم يفهمه من كفروا بالخلفاء من المسلمين , ومن كفر بالنبي محمد من اليهود والمسيحيين .. وذلك لعدم معرفتهم بهذه الحقيقة .. ومن هنا يرفض النصارى بشارة المسيح بالمرآة الآتية من بعده التي لا يصلح لأن يحمل خذائها على حد تعبيره عليه الصلاة والسلام .. مع ان الكل واحد إلا أن درجة وضوح المرايا مختلفة .. وليس هناك مرآة لغيب الذات الأحدية سبحانه وتعالى أوضح من مرآة هذا النبي الأعظم محمد (ص) , وصورة المسيح التي عبدوها ليست بشئ بجانب هذه المرآة ..
يقول الفرغاني في المقدمات (نقلاً عن ختم الأولياء للحكيم الترمذي ) : ( وكل نبي من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم مظهر من مظاهر نبوة الروح الأعظم . فنبوته ذاتية دائمة , ونبوة المظاهر عرضية منصرمة , إلا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم , فإنها دائمة غير منصرمة , إذ حقيقته حقيقة الروح الأعظم , وصورته صورة الحقيقة التي ظهر فيها بجميع أسمائها وصفاتها . وسائر الأنبياء مظاهرها ببعض الأسماء والصفات . تجلت في المظهر المحمدي بذاتها وجميع صفاتها , وختم به النبوة , فكان الرسول صلى الله عليه وسلم سابقا على جميع الأنبياء من حيث الحقيقة , متأخرا عنهم من حيث الصورة , كما قال : نحن الآخرون السابقون , وقال : كنت نبيا وآدم بين الماء والطين : وفي رواية أخرى : بين الروح والجسد : أي لا روحا ولا جسدا ).