من مقال للدكتور احمد صبحب منصور
تحليل سريع لثقافتنا العربية فيما يختص مكة وحرمة الكعبة وقدسيتها .
1- هناك فرق بين حرمة الكعبة وتقديس الكعبة.
الكعبة ليست مقدسة فى الاسلام ولكن للبيت الحرام "حرمة" تدخل ضمن فرائض الاسلام وتتعلق بشعائر "الاحرام " فى الحج ومنع الاقتتال فى البيت الحرام وحفظ حياة الوافدين اليه والدواب التى تعيش فيه .
ليس فى الاسلام تقديس لبشر أو حجر. فليست أحجار الكعبة مقدسة، هى مجرد أحجار مبنية من نفس الأحجار التى نمشى عليها ونستعملها فى أى بناء آخر. الكعبة هى بناء بشرى أقيم مرات عديدة وتم هدمه مرات عديدة . الهدف من اقامته ان يحدد المكان الذى يتوجه اليه المسلمون فى الصلاة ويتوجهون لزيارته فى الحج. هذا المكان أقيم عليه أول بيت وضعه الله تعالى للناس. بعد هدمه أرشد الله تعالى ابراهيم الى مكانه ليعيد بناءه هو وابنه اسماعيل عليهما السلام. وأمره الله تعالى أن ينادى فى الناس بالحج اليه.
حرمة البيت الحرام أو المسجد الحرام لا تعنى تقديس أحجار البيت وانما الحرمة هى واجبات دينية معينة يقوم بها الحاج منذ احرامه الى أن ينتهى من احرامه ، وهى مفروضة أيضا على من يدخل البيت الحرام ، فكل من دخله فهو آمن ، ويحرم صيد دوابه . الطواف بالكعبة لا يجوز فيه لمس بنيانها – حتى لا تتحول الى صنم مقدس . الطواف هو حول المكان دون لمس البنيان. الحجر الأسود ليست له أى قدسية ، وانما هو لبيان بداية الطواف فقط . هذا هو الاسلام .
2- موقف معظم المسلمين متناقض مع موقف الاسلام اذ يقدسون الكعبة الممنوع تقديسها ، وينتهكون حرمة البيت الحرام الواجب احترامه بتأدية حقوق الانسان الوافد اليه بل والدواب التى تعيش فى كنفه.
المسلمون – فى معظمهم – يقدسون الكعبة كبناء ، ويتمسحون بها كما يفعلون بقبورهم المقدسة وأوثانهم المحلية فى بلادهم . أكثر اجزاء الكعبة تقديسا هو الحجر الأسود . يشمل التقديس بئر زمزم وبقية المعالم فى الحرم حتى مكان رجم ابليس فى الأكذوبة القائلة برمى الجمار.
ومع تقديس الكعبة عندهم فقد انتهكوا حرمتها كثيرا ، فقوله تعالى عن البيت الحرام :" ومن دخله كان آمنا " لم يتم تطبيقه فى كل عصور المسلمين. وقوله تعالى فى عدم التعرض للحجاج :" ولا آمّين البيت الحرام " لم يلتزم به المسلمون فكان الاعتداء على قوافل الحجاج سنة متبعة طيلة العصور الوسطى.
بدأ الهجوم على الكعبة ورميها بالمجانيق بعد نصف قرن تقريبا من موت النبى محمد عليه السلام – فى خلافة يزيد بن معاوية ثم مروان بن الحكم. اذ ثار عبد الله بن الزبيرعلى الأمويين بعد مقتل الحسين وأعلن نفسه خليفة محتميا بالكعبة وسمى نفسه "العائذ بالبيت" . جاء جيش الأمويين وحاصر مكة وضربها بالمجانيق فاشتعلت النيران فى الكعبة ، وترك ابن الزبير النار تحرق الكعبة كلها ليشنع على الأمويين ثم اعاد بناءها.
فى العصر العباسى الثانى استولى القرامطة الشيعة على مكة فقتلوا الحجيج وساعدهم فى قتل الحجاج بعض أهل مكة ورموا الجثث فى بئر زمزم ، وضربوا الحجر الأسود بالدبوس وأخذوه الى عاصمتهم "هجر" فى نجد فظل معهم مدة طويلة. قبل هذا وبعده كان انتهاك الكعبة وقتل الحجاج الآتين اليها خبرا عاديا فى أحداث كل عام يقرؤه من يطالع – مثلا – تاريخ المنتظم للمؤرخ ابن الجوزى ، ولا ينافس هذه الأحداث فى تكرارها كل عام الا الهجوم على قبائل الحج فى سيرها بين العراق والحجاز، أو بين الشام والحجاز.
أكثر من ذلك كان النزاع المستمر بين أشراف الحجاز من حكام مكة ، وبعضهم كان أسوأ خلق الله تعالى كما يظهر من تاريخه. وكان نزاعهم وقتالهم ينتهك حرمة البيت العتيق ويقتل ضيوف الرحمن ويسلب أموالهم. الحديث هنا يطول ويستحق مقالا مستقلا.
الا أن انتهاك حرمة البيت الحرام وحقوق الانسان فيه من القاطنين والحجاج استمرت حتى عصرنا الحديث والمعاصر . عندما ظهر السعوديون بدعوتهم الوهابية - التى تكرر القصة الدموية للقرامطة وحركة الزنج – تعرضت بلاد العراق والشام والجزيرة العربية والقادمين من الحجاج وأهل الحجاز وأهل مكة لغارات دموية ومذابح شنيعة نتج عنها وقوع الحجاز فى قبضة السعوديين مرتين ، فى الدولة السعودية الأولى ، ثم فى عهد الدولة السعودية الثالثة الحالية سنة 1925. أخيرا قام وهابى آخرهو جهيمان العتيبى باحتلال المسجد الحرام واخذ من فيه رهائن فى مطلع القرن الهجرى الحالى أى سنة 1979، ولم تتردد السعودية عن مجاراته باقتحام البيت الحرام بجنود اجانب فتحول البيت الحرام الى ساحة قتال .
حتى بدون معارك حربية ، فالحجاج الأقوياء تتشابك أيديهم وتتلاصق أكتافهم فى الطواف وفى أكذوبة رمى الجمرات ، ويتعاونون فى دهس مئات الضعاف من الكهول والعجائزليموتوا تحت أقدامهم كل عام . هذا بينما يأتى آخرون لموسم الحج للسرقة والنصب. وبعض المقيمين فى المملكة يأتى للحج لمجرد الاحتكاك بالنساء والايقاع بهن ..
3- التفاصيل كثيرة توضح تناقض المسلمين مع الاسلام فى موضوع الكعبة اذ يقدسونها وينتهكون حرمتها فى نفس الوقت . واذا ناقشت هذا التناقض داعيا لاصلاح المسلمين بالاسلام حوصرت بالاتهامات من كل جانب لأن المتطرفين لا يحبون الناصحين . ولهذا لا امل فى اصلاحهم .
المضحك أنهم ينسون كل مساوئهم – التى ألمحنا لبعضها – ويقيمون حملة ضد توم تنكريدو بسبب كلمة قالها وفسر المقصود منها . انها ثقافة العبيد التى تتأبى على مراجعة النفس ولا تعرف وخز الضميرلأن الضمير فيها قد تم اعطاؤه أجازة مفتوحة .
ان عضو البرلمان الأمريكى توم تنكريدو قال كلمة لها فى ظروفها ما يبررها ولكنه وجد من الشجاعة الأدبية ما جعله يعتذرأمامنا ، وهو لا يرى غضاضة فى الاعتراف بالخطأ اذا وقع فيه.
دلونى على حاكم عربى أخطأ ثم اعترف بخطئه واعتذر عنه. عندها سأترك مهنتى ككاتب متخصص فى السيئات وأكتب مشيدا به .
http://www.metransparent.com/texts/ahmed_s...ur_tancredo.htm